بعد الغاز و الطريق و الكهرباء: مشاتي شيشاط بقالمة تودع أزمة العطش

وصلت المياه، أخيرا، إلى مشاتي شيشاط الواقعة ببلدية بوشقوف شرقي قالمة، بعد معاناة استمرت طويلا و أصبح لكل مسكن من تلك المساكن الريفية المتناثرة، حنفية تأتيها مياه الشرب وفق برنامج توزيع لا يختلف كثيرا عن برنامج مدن و قرى رواق العطش، الذي مر بأزمة مياه أرهقت السكان و عطلت جهود التنمية و تحسين ظروف المعيشة.  
و قالت بلدية بوشقوف، بأن ما لا يقل عن 350 نسمة بمشاتي شيشاط، قد وصلتهم مياه الشرب و انتهت تلك المعاناة الطويلة بعد إنجاز مشروع هام لربط المنطقة بشبكة التوزيع و الخزانات و محطات الضخ.
و استقبل سكان شيشاط مياه الحنفية بفرح كبير، بعد عطش استمر لسنوات طويلة لم تنفع معه الصهاريج المتنقلة و المنابع الطبيعية الشحيحة التي تجف كل صيف أو تصيبها عدوى الأملاح و الكلس التي تنتشر بالإقليم الشرقي الكبير.
و كانت مشاتي شيشاط البائسة، قد استفادت من الربط بشبكة الغاز الطبيعي و تعبيد الطريق الرئيسي الذي يربطها بمدن و قرى المنطقة، بينها مدينة بوشقوف المجاورة.
و يتوقع أن يعود السكان النازحون إلى شيشاط بعد تحسن ظروف المعيشة و انتهاء العزلة و أزمة المياه و الغاز و الكهرباء و قد عادت الحياة إلى المدرسة الابتدائية الصغيرة التي أغلقت أبوابها سنوات الوضع الأمني المتردي و تحولت إلى مأوى للمتشردين، بينما كان بقايا السكان يرسلون أبناءهم إلى مدارس مدينة بوشقوف البعيدة مشيا على الأقدام.
شيشاط مازالت تتذكر الطفلة أمينة ضحية العزلة و البرد و الجوع
و مازال سكان شيشاط يتذكرون الطفلة الصغيرة أمينة مخلوفي التي ماتت متجمدة تحت جدار، في يوم ممطر من شتاء 2004، عندما كانت في طريقها إلى مدرستها البعيدة مشيا على الأقدام، حيث لم تنم ليلة كاملة بسبب البرد و التعب الذي نال من جسدها المنهك الصغير، لكنها قررت الذهاب إلى المدرسة في الصباح الباكر رفقة مجموعة من تلاميذ شيشاط، كان يوما شديد البرودة و المطر، أطفال صغار بالكاد يتحركون وسط الأوحال و برك المياه المتجمدة باتجاه مدينة بوشقوف.
قطعت الطفلة أمينة ذات الثماني سنوات، بعضا من الطريق الموحل مع رفاقها، لكنها توقفت بعد ذلك و خانها جسدها المنهك، فأسندت ظهرها إلى جدار متداع تنتظر عابر سبيل لم يأت في ذلك اليوم الممطر، لم تقاوم طويلا و أسلمت روحها للخالق ملك القصاص العادل، في واحدة من أكثر المآسي إثارة للحزن و الأسى بين سكان شيشاط منذ 16 عاما و مازالوا إلى اليوم يتذكرون أمينة و يعتبرونها ضحية للعزلة و الفقر الذي أطبق على شيشاط سنوات طويلة، قبل أن تتحسن الحال و يعبد الطريق و يصل الكهرباء و الغاز و الماء و تفتح المدرسة المغلقة و تحمل اسم صالح مخلوفي أحد أجداد أمينة الذين سقط الكثير منهم شهداء للحرية و الكرامة و لم يكونوا يعلمون بأن أحفادهم سيموتون من بعدهم بردا و جوعا و عزلة تحت سفوح الجبال التاريخية موطن الأسلاك الشائكة و خط النار و القاعدة الشرقية الحصينة.  

فريد.غ