نجح الفلاح الشاب، هاني ثابت، من مدينة سيدي خالد بولاية أولاد جلال، في جمع أكثر من 50 نوعا من التمور النادرة التي كانت قد اختفت منذ سنوات طويلة بمعظم المناطق الغابية بالولاية، وذلك بإمكانياته البسيطة وبمساعدة من بعض الفلاحين ومنتجي التمور الذين تحمسوا لمبادرته غير المسبوقة، كما يطمح لجمع أنواع أخرى إلى جانب الفسائل لإعادة غراستها وإنتاج الأصناف النادرة.
وقال الشاب للنصر، إن فكرة الجمع راودته منذ الصغر بالنظر إلى حبه الكبير للنشاط الفلاحي وتواجده في منطقة ذات طابع فلاحي، حيث أحب جمع الفسائل وهي النخيل الصغيرة، بعد قلعها من غابات النخيل المختلفة عبر إقليم المنطقة وما جاورها، وفي مقدمتها دقلة نور التي تكتسح حاليا الكثير من الأسواق العالمية بالنظر إلى قيمتها الغذائية، زيادة على دقلة بيضة ولمنقر أو ما يسمى بالمزنطط والمعروف بالغرس.
وأضاف هاني صاحب 33 عاما، أنه وبعد مدة من العمل وهو يجوب الصحراء والغابات، وجد بعض الأنواع المختلفة مثل الأرشتي، الزق منقار، اليتيمة، التكرمست وأنواع أخرى يريد الكثير من الأشخاص غرسها بالنظر إلى خصائصها، فجاءته فكرة جمعها لغراستها بغابات النخيل وبيع منتوجها بالأسواق المحلية وحتى الخارجية.
ويخبرنا الفلاح أنه يجد متعة كبيرة في جمع التمور والفسائل باعتبارها هواية يمارسها منذ الصغر، زيادة على أنها ذات فائدة للمجتمع وللاقتصاد الوطني من خلال مضاعفة الإنتاج والمشاركة بها في المعارض الدولية، حيث ذكر أنه بالإمكان تصدير حوالي 20 نوعا خاصة مش دقلة، الغرس، القطارة، طنطبوشت بأنواعها، الحلواية وغيرها، وهذا لمنافسة الدول المنتجة خاصة في الخليج العربي.
ويسعى هاني لتوسيع النشاط وزيادة الاهتمام بأنواع أخرى خارج دقلة نور، كما يمكن لأصحاب المصانع والمؤسسات التحويلية الاعتماد عليها في مجال صناعة الحلويات وغيرها، إلى جانب إعادة الاعتبار للأصناف النادرة وتوسيع غراستها لتحسين المردودية لدى الكثير من المنتجين والفلاحين الذين يعانون من تدني الدخل عند مرحلة الجني خريفا.
وقد عانى الفلاح مثلما أخبرنا، من قساوة الظروف الطبيعية التي أعاقته كثيرا خلال التنقل من مقر سكنه بسيدي خالد نحو الوجهات المقصودة، مستعملا دراجته النارية، وأحيانا يستأجر سيارة أو شاحنة صغيرة لجلب بعض الأنواع والفسائل وبيعها للمزارعين، مضيفا أنه مستعد للسفر إلى غاية الولايات الجنوبية المنتجة.
ويضيف الفلاح الشاب أن مشروعه الطموح تطلب الاتصال بمالك الغابة طلبا للاستئذان من أجل الدخول إليها ومباشرة عملية الجمع التي تستهلك الكثير من الجهد، ففي بداية الأمر زار بعض الفلاحين في مناطق مختلفة منها سيدي خالد وأولاد جلال وبئر النص، السخيفة وعريش الحمولة، كما تحدث لآخرين من مناطق بولاية بسكرة على غرار طولقة وليوة والذين طلبوا منه الاتصال بهم لمنحه بعض الأنواع النادرة التي يحتاجها، وكانت له اتصالات ببعض الأصدقاء في ولايات الجنوب الجزائري حيث طرح عليهم الفكرة والتعامل مع بعض لجمع الكثير من الأنواع والفسائل على غرار المجدول، المجهول، الفقوس والتقربوش التمدول، والأزرزا، وهي أصناف توجد في أقصى الجنوب خاصة بولايات تيميمون، أدرار والمنيعة.
أصناف نادرة مهددة بالاختفاء
وتُعد دقلة حصيد من أكثر أنواع التمور ندرة بحسب المتحدث، وبسبب نقص الاهتمام قلت قيمتها عند الكثيرين، وذلك إلى جانب دقلة زيان وأيضا الثوري، أخت الغرس، الخضراية، الكحلاية، الحلواية، الزق منقار، مخ البقري، بيض الغول، الزقراي الصفراي، الحراية والرطبة، العماري والتفزوين وغيرها من الأنواع النادرة والمهددة بالانقراض.
كما توجد أنواع كثيرة من التمور مشهورة في أقصى الجنوب، قال الفلاح إنه سيحاول جلب فسائلها لولايتي بسكرة وأولاد جلال ومن بينها التمدول والمجهول والمشدول والتقربوش والفقوس والتنصليت والاقازا.
ويعتقد الفلاح الشاب أن الجفاف من عوامل اختفاء بعض الأنواع، حيث كان سببا في هلاك عدد كبير من النخيل وأثر بشكل سلبي على توسع المساحات المغروسة إضافة إلى عدم التعريف بالأنواع المختلفة في المعارض الوطنية والدولية لأجل تسويقها على نطاق أوسع، إلى جانب تركيز اهتمام المنتجين على صنف دقلة نور بالنظر إلى شهرتها وتسويقها بكميات كبيرة.
وأضاف المتحدث أن بعض المزارعين والمنتجين يتعمدون قلع أنواع نادرة وعدم الاهتمام بها، بحجة أن المستهلكين في الأسواق الوطنية لا يعرفونها، مؤكدا أن إعادة الاعتبار لها من خلال غرس آلاف الفسائل، من شأنه أن يساهم في تنويع دخل المنتِج ويخلق الكثير من فرص العمل بداية من مرحلة الغراسة إلى غاية عملية الجني.
وقد استطاع الفلاح الشاب جمع حوالي 50 نوعا أغلبها نادر وغير موجود بالكميات اللازمة عبر المناطق الغابية بالولاية، فيما توجد أصناف أخرى قال إنه يجب على الفلاحين تحديد أسمائها، وأضاف محدثنا أن الفقوس، التمدول، التقربوش والعماري تتميز بمنظرها الجذاب وطعمها اللذيذ وبمنافعها الكثيرة، في حين أن ثمنها يتأرجح عند مرحلة الجني بين 500 و1200 دينار وهو دليل قاطع على قيمتها الغذائية.
أما نوع طنتبوشت فثمنه يصل في أسواق ولاية أولاد جلال إلى حدود 250 دينارا وأحيانا يزيد عن ذلك لكثرة الإقبال عليه من قبل شريحة واسعة من المستهلكين بسبب مذاقه المتميز، فيما يصل ثمن «القطارة» إلى 300 دينار، وذات السعر ينطبق على تمر الغرس المعروف محليا باسم لمنقر الذي يستهلك بكميات كبيرة مع بداية النضج عبر كافة مناطق بسكرة وأولاد جلال والولايات الأخرى المجاورة، فيما تفوق أسعار البيع أحيانا 500 دينار لأنواع أخرى منها الفقوس والتمدول، وهذا راجع لجمالية منظرها وطعمها اللذيذ مقارنة بأصناف أخرى من التمور.
ويطمح هاني للعمل بمعهد خاص بالتمور وغراسة الفسائل أو إنشاء مزرعة لجمع أنواع النخيل المنتجة لأصناف التمور أو مستثمرة فلاحية كبيرة وجمع حوالي 500 نوع فيها وغراسة 10 فسائل من كل صنف، بهدف تنويع النشاط وزيادة المردودية من حيث الإنتاج خاصة إذا تم توفير جميع الشروط اللازمة.
ع/ بوسنة