ناقش أمس، دكاترة وباحثون قضية الخطاب التعليمي عند جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في ضوء اللسانيات المعاصرة، وذلك خلال ملتقى وطني احتضنته قاعة المحاضرات الكبرى عبد الحميد بن باديس، بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، احتفالا بيوم العلم.
المشاركون في اللقاء، قدموا مداخلات توزعت عبر ستة محاور أساسية ربطت الخطاب التعليمي والإصلاحي لعلماء الجمعية باهتمامات العلماء والشيوخ آنذاك، ودراسته من جانبه التعليمي والمقروء، ثم في شقه التداولي، وعرضه على المناهج النقدية اللسانية، وذلك للتعريف به وتسليط الضوء على المناهج التي اتبعتها الجمعية تأصيلا وتنظيرا وتطبيقا، وكذا الكشف عن خصائصه وتوجهه المعرفي والتوعوي.
ولأجل خصوصية هذا الخطاب وثرائه، دعا رئيس جمعية العلماء المسلمين عبد المجيد بيرم، الطلبة الذين سجلوا حضورهم في الملتقى للالتفات إلى هذا الغنى الموجود في تراث جمعية العلماء المسلمين، من خلال إطلاعهم على ما جادت به مقالات نشر في البصائر، والشهاب مست كل مناحي العلوم من مقاصد الفقه والحديث وكذا التفسير.
وقال بيرم، إن عقد هذا الملتقى في ذكرى وفاة العلامة عبد الحميد بن باديس له أكثر من دلالة، أولا لأن قسنطينة مدينة العلم والعلماء ومهد الحركة الاصلاحية وموطن بن باديس، الذي هو الجزائر كما وصفه الشيخ العربي التبسي، فضلا عنه أنه جاء في أوانه خادما لأكثر من غرض أولها شعار الجمعية «والعربية لغتنا»، حيث اعتبر بأنها استطاعت الارتقاء باللغة العربية في وقت كان الجهل يخيم على الشعب الجزائري، إذ استطاع مشايخها وعلماؤها من خلال مدارسها ومنهجية التعليم والعملية التربوية عموما تخريج شعراء وعلماء وأدباء بمستوى راق.
كما حث المتحدث، طلبة الدراسات العليا على الاستفادة من تراث جمعية العلماء المسلمين، حيث اعتبره سباقا لأوانه وزمانه، خصوصا ما تعلق باهتمام الشيخين عبد الحميد بن باديس، والبشير الإبراهيمي بالعملية التربوية التي كانت التنمية الفكرية أساسها حسبهما.
كما تطرق المتدخل، إلى التجديد الفكري الذي يراه أساس النهضة الباديسية لارتباطه بالسلوك وأعمال الإنسان التي تستقيم باستقامته، معقبا بأن الإدراك  هو ثمرة الأفعال ناشئة عن الاعتقادات التي تصدر في شكل أقوال، لهذا فإن التفكير الجيد بحسب بيرم، يحتاج إلى تعلم واجتهاد وتحسين المهارات.
كما عرج للحديث عن التحديات المعاصرة التي لا تقل أهمية عن تلك التي واجهها علماء الجزائر خلال الاحتلال، وقد كانت خطواتهم في ذلك الوقت ثابتة ومدروسة، وهو ما يجب أن يتحلى به الباحثون والعلماء اليوم في نظر رئيس جمعية العلماء المسلمين، للوقوف في وجه التحديات التي فرضتها وسائل التواصل العصرية التي غزت العقول والبيوت، وهو ما يستدعي توظيفها للوصول إلى شريحة الشباب وتحصينهم.وطرح من جهة أخرى، إشكالية التعاطي مع المواضيع والقضايا الجدلية وكيف تعامل معها الشيخ عبد الحميد بن باديس، واعتبرها قاعدة مهمة في تراث العلماء يحتاج إليها كل إنسان خصوصا الطلبة، وأفاد بأن العلامة عبد الحميد بن باديس كان يقف موقف احترام من الأساليب الجدلية، وكان يجيب طلبته «اجعلوا عقولكم مصفاة يسقط الساقط ويبقى الصحيح فتستريح».
من جانبه، ذكر رئيس المجلس الأعلى للغة العربية، صالح بلعيد، بأن جمعية العلماء المسلمين وظفت مفهوم التهيئة اللغوية، وقد فكر ابن باديس وصحبه في المهارات الأربع لتجسيدها في المدرسة الجزائرية وهي الاستماع، القراءة، الحوار، والكتابة، مضيفا بأن اللغة العربية تحتاج إلى التفتح على الدرس اللساني المعاصر، خصوصا في الوقت الحالي أين أصبحت اللسانيات الحديثة التي ربطها باللغة الحاسوبية محركا لكل العالم.وأوضح بلعيد بأن الدراسات ترجح بأن الدرس اللساني وعملية التعليم في الجزائر آنذاك، قد تأثرا بلقاءات علماء الجزائر في مواسم الحج وبالكتب التي وفدت من دول المشرق، إضافة إلى ما كانت تطبعه مطبعة «الثعالبية» للتركي «رودوسي قدور بن مُراد» في الجزائر. قائلا، إن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بدأت في تحفيظ القرآن الكريم، ثم تفسيره للمتعلمين، وفي الحديث الشريف عممت شرح موطأ الإمام مالك، وفي الشعر كانت تدرس ديوان الحماسة وديوان المتنبي، وفي النحو وفقه اللغة.
عرف الملتقى إلى جانب ذلك، إبرام اتفاقية تعاون بين جامعة الأمير عبد القادر والمجلس الأعلى للغة العربية، تُعنى بجملة من القضايا المتعلقة بالبحث العلمي والتكوين الأكاديمي، والتعليم المشترك وكذا بتحقيق التراث المتعلق باللغة العربية وعلومها وآدابها.
إيناس كبير

الرجوع إلى الأعلى