الضحية سعادة عربان أكدت أن الروائي استغل قصتها في رواية حوريات بدون إذنها أعلنت المحامية الأستاذة فاطمة الزهراء بن براهم اليوم الخميس عن رفع قضية أمام محكمة وهران...
* رئيس الجمهورية يؤكد على ضرورة الالتزام بدعم الحكم الرشيد والشفافية في القارةأشرف رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، بصفته رئيسا لمنتدى دول...
أكد الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنقريحة، أمس الأربعاء، عزم الجزائر، بفضل أبنائها...
طالب مقررون أمميون من مجلس حقوق الإنسان، الحكومة الفرنسية بتزويدهم بجميع المعلومات والبيانات المتعلقة بتجاربها النووية في الجزائر، بما فيها المواقع المحددة...
أطلق مؤخرا، شباب مهتمون بالمجال السياحي و الجمعوي بمدينة عنابة، مبادرة لتنشيط الحركية السياحية في القطاع الحضري القديم، و اختاروا لها شعار» أضرب النح الدار دارك»، وهي خطوة تهدف إلى إعادة الاعتبار للبيوت القديمة ببلاص دارم، و تسمح للزوار بدخولها دون حرج أو مقدمات لاكتشاف طبيعة عمرانها، واسترجاع جانب من العادات والتقاليد المرتبطة ببعض محتوياتها التراثية، خصوصا وأن بعضها يؤرخ للحقبة العثمانية، ومنها منازل لا تزال آهلة إلى يوما، بفضل تمسك ملاكها و ساكنيها بها.
روبورتاج : حسين دريدح
النصر، زارت دار الباي، والتقت مؤطري المبادرة و على رأسهم المرشد راشدي صالح، الذي قدم للمشاركين في أول خرجة سياحية، شروحات مفصلة عن الجانب التاريخي والمعماري للبيوت الموجودة في المدينة العتيقة، كما بين بأن كلمة «النح» التي تم توظيفها في الشعار الخاص بالنشاط تشير إلى المقبض الحديدي الصغير الذي نجده على الأبواب القديمة عادة، و الذي يستخدم لطرق الباب والتنبيه لوجود زائر، وعليه فإن إدراج الكلمة لم يأتي اعتباطا بل جاء ليخدم المعنى « أطرق الباب و ادخل فالبيت بيتك «، علما أن الرسالة التي يحملها الشعار، تتضمن قيمة مهمة مفادها ضرورة فتح البيوت القديمة أمام الزوار و تحويلها إلى محطة سياحية، بدلا من غلقها و إهمالها إلى أن تنهار و يطمر تاريخها تحت الردم.
عنابـــة ليسـت مدينـــة الشـواطــئ فقــط
يرجع الفضل في تأسيس المسار السياحي الجديد، إلى الروائي رؤوف زواوي و صديقه هاشمي مصطفى، حيث تهدف الفكرة إلى إعادة الاعتبار للمدينة العتيقة و التعريف بثرائها المعماري والتاريخي، خصوصا و أن الحياة فيها بدأت تنتعش في السنوات الأخيرة، مع إطلاق مبادرة « بلاص دارم» ينظفوها أولادها، حيث ساهم تزايد الوعي بأهمية الأعمال التطوعية في إنجاح مهمة ترميم وتهيئة بعض الأزقة على غرار زقاق « لاري فليب» الذي تحول إلى مزار للسياح الأجانب في موسم حج المسيحيين لكنيسة القديس أوغستين بعنابة و زاد الإقبال عليه مع توالي انتشار صور المكان على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصا و أنه درب قريب لساحة الثورة.
يرمي القائمون على المبادرة كذلك، إلى كسر الصورة النمطية التي تختزل بونة، في إطار المدينة الساحلية جميلة الشواطئ، حيث يسعون إلى التعريف بكل ما تزخر به من مقومات سياحية أخرى، على غرار القطاع الحضري القديم الذي يعد نقطة جذب أثرية، وهو تحديدا ما دفع بهم إلى مناقشة فكرة المسار السياحي مع عدد من ملاك البيوت المعروفة في المنطقة، لأجل الحصول على موافقتهم بخصوص فتحها أما الزوار و السياح، بما في ذلك دار (لالة ساعو خديجة) و دار( مبراك) و دار ( القايد) و دار (بوزان)، حيث تمت برمجة أول جولة سياحية في المدينة العتيقة يوم 5 جويلية الماضي، وقد قوبلت بتجاوب كبير من طرف المهتمين بالعمران القديم و هواة الاستكشاف، علما أن أهم ما يميز المدينة القديمة بعنابة، هو محافظة البنايات الكبيرة المعروفة باسم « الدار» على أسماء العائلات المالكة لها و ارتباطها بإرث كبير من العادات و التقاليد المحلية، ناهيك عن أن هذه البيوت كانت دائما حاضنة لكل من قصدها حيث تؤوي اليوم عددا من العائلات على غرار دار( الصيودة) و دار (لعوابدية) و (دار قش) و ( دار بنقي) و ( دار متيجي) دار( شركسكي) دار (السرايا) و (دار لرقش) و (دار الخوجة) و دار (علي تاتار)، بينها بنايات استرجعها ملاكها وقاموا بترميمها، فيما أغلق بعضها و أنهار البعض الآخر.
ذاكــرة ثقافيــة و تـراثيـــة تحفظهـا الجـدران
و لا تتوقف تطلعات أصحاب المشروع على تنشيط الحركة في المدينة العتيقة فحسب، بل تتضمن فكرة المسار السياحي الجديد، بعثا لبعض العادات و التقاليد المحلية بغية إحيائها و التعريف بها خدمة للثقافة و التراث، إذ تم في هذا الإطار، الاتفاق مع ملاك البيوت القديمة على تخصيص كل واحد منها لأجل نشاط معين، فهناك ما هيأ للتعريف بالمطبخ العنابي و أطباقه، و خصصت منازل لتروي حكاية الموسيقى الكلاسيكية كالمالوف والشعبي، فيما ستعرض الملابس تقليدية في دار خاصة، و تحتضن أخرى جلسات الحكواتيين الذين سيعيدون ذكر أمجاد المدينة و يتغنون ببطولات أبنائها.
مكتشفـــات و آثــــار طمرهـــا الإهمــال
خلال الجولة السياحية التي شاركت فيها النصر، قدم المشرد معلومات عن تاريخ « بلاص دارم» و عن طبيعة الحياة و خصوصية المجتمع العنابي القديم، كما توغل تاريخيا في سرده ليصل إلى مراحل متقدمة من عمر المدينة، بما في ذلك تاريخها خلال الحقبتين الفينيقية والعثمانية و صولا إلى العهد الاستعماري، مسترسلا في الحديث عن تطور العمران وعن البصمات التي تركها من عاشوا في المدينة على مر العصور.
إلى جانب ذلك، ذكر المتحدث، بجوانب كثيرة تتعلق بخصوصية العائلة العنابية و عاداتها و تقاليدها عند استقبال الضيوف والاحتفال وغير ذلك كما تحدث بإسهاب عن بعض الشخصيات التاريخية والفنية والدينية التي عاشت هناك، و قد سمحت هذه الخرجة بتأطير عدد من الشباب المهتمين بالسياحة الأثرية ليكونوا مرشدين مستقبلا، يساهمون في خلق حركية سياحية واقتصادية بالمدينة واستقطاب الزوار و السياح الوافدين إلى عنابة على مدار السنة، و ليس خلال موسم الاصطياف فحسب، حيث تمت الإشارة خلال هذا اليوم الاستثنائي، إلى أن المدينة القديمة المطلة على ساحة الثورة، تتشارك مع مدينة غرناطة الاسبانية، في المعمار المتميز الجامع بين الهندسة العربية الإسلامية و الغربية، وهو طابع يطلع عليه الطابع « المورسكي».
الخرجة، مكنت كذلك، من نفض الغبار على معالم قديمة بالمدينة، منها ما يعود لـ 1000سنة، على غرار حمام «السودة» وكذا حمام لالة «ساعو» الذي شيد في العهد الاستعماري.
دار البــــاي قلــب «بــلاص دارم» النابــــض
و الواضح أن الهاشمي مصطفى، قد تمكن فعليا من بعث الحركية السياحية في المدينة القديمة، خصوصا بعد ترميم الشارع الرئيسي للدار التي تقيم فيها عائلته، و تحويل المحلات التجارية الواقعة بالممر المؤدي لبريد ما قبل الميناء، إلى مطعم على شكل متحف بديكور معاصر، تزينه التحف الأثرية النادرة المرتبطة بالقطاع الحضري القديم ومن سكنوه على امتداد السنوات ومر العصور، علما أن منزل المطعم الذي يحمل اسم «دار الباي» لا يزال يحافظ على واجهته المثالية الأصلية و على خصوصية أبوابه العثمانية الزرقاء الزاهية التي ترمز للبحر، كما أن الدار مؤثثة من الداخل بطريقة تقليدية تميزها سينية النحاس.
خلال تواجدنا هناك، التقينا بأفراد من عائلتين الأولى عنابية و الثانية قسنطينية، اتضح بعد حديثنا إليهم بأن بينهم صلة قرابة، قد قصدوا دار الباي للاستمتاع « بقهوة العصر» ، اقتربنا من سيدات بينهن من تجاوزت عقدها السابع، وسألناهن عن سر اختيارهن للمكان، فقلن بأنه الحنين وبدأن في تذكر عادات زمان، حيث قالت إحداهن، بأنها سعيدة لأنهم وجدوا أخيرا مكانا بطابع زمان، يمكن لهم الجلوس فيه بهدوء و استرجاع الذكريات الجميلة وإحياء بعض العادات «.
علمنا أيضا من صاحب الدار و مسيرها، بأن هذا المتحف الصغير يعد القلب النابض للمدينة القديمة، وقد سبق أن استقبل فنانين من أمثال عباس ريغي و عبد الله المناعي، كما أنه نقطة الالتقاء الرئيسية للمجموعات السياحية التي تؤطرها الوكالات السياحية، التي تدرج « بطحة سيدي شريط» أيضا ضمن مخطط جولاتها في عنابة، لما لهذا الفضاء الرحب من أهمية سياحية، خصوصا وأن العائلات التي تقيم في محيط الدار والبطحة، لا تزال في أغلبها محافظة على تقاليدها وحرفها، كما يعد المكان أيضا مقصدا لعشاق الأكلات الشعبية المحلية، مثل «رأس بوزلوف».
مــن هيـــبون إلى بــلاص دارم
ترتبط بلاص دارم تاريخيا، بالمدينة الأثرية هيبون، فقد أسسها الفينيقيون لتكون ملجأ لهم من الفيضانات التي كانت تغرق موقع الميناء في كل مرة، كما اختاروا الاستقرار على هذه الهضبة المرتفعة هربا من عدوى الملاريا، إذ يزيد عمرها عن الألف عام، فتاريخ بنائها يعود للقرن العاشر ميلادي، و يؤرخ تحديدا لعهد الدولة الزيرية الصنهاجية، أين تقرر نقل المدينة من موقعها القديم أمام الخرائب لموقعها الحالي فوق عقبة العناب بمحاذاة جبل سيدي عابد حوالي سنة973 م، بعد الفيضانات التي شهدتها المنطقة، التي كانت تتواجد فيها مدينة عنابة، أسفل كنيسة القديس أوغستين حاليا.
و حسب الباحث في التاريخ عامر جديد، فقد اختير الموقع الذي يبعد عن المدينة القديمة بحوالي 3 كلم حين ذاك، لعدة أسباب أبرزها إستراتيجية الهضبة المرتفعة و حصانتها.
ما زالت هناك إلى اليوم، معالم أثرية شاهدة على الحضارات التي تعاقبت عليها، وهي محط اهتمام الزائرين والسياح، أبرزها أسوار المدينة و برج المعدومين و القلعة الحفصية، وهي إحدى أهم حواضر الحفصيين، اكتمل بناؤها بعد 17 سنة على يد البناء عمر بن محمد،كما يوجد ايضا في المدينة معلم جامع صالح باي و جامع أبو مروان، الذي شيد سنة 1033 م والذي حمل اسم إمامه أبو مروان الشريف الأندلسي، و قد كان مركز إشعاع ثقافي وديني بالمنطقة، حول بعد الاستقلال إلى معهد إسلامي.
أحداث تاريخية هامة شهدتها بلاص دارم
و تعد مرحلة التواجد العثماني بعنابة، العصر الذهبي لتطور المدينة العتيقة « بلاص دارم» حسب بعض المؤرخين، وذلك بداية من سنة 1540م، أي بعد أن تأكدت سيطرة العثمانيين على الجزائر، وهي المرحلة التي عرفت خلالها «بلاص دارم» العديد من التطورات من الجانبين البشري و العمراني، حيث كانت ثاني أهم مدن بايلك الشرق الجزائري بعد قسنطينة، لتوفرها على ميناء بحري عزز دورها الاستراتيجي.
يذكر أنه في سنة 1831 شنت القوات الفرنسية، حملتها على مدينة عنابة وقد قوبلت حينها بمقاومة شرسة من الحامية العثمانية بالمدينة و كذلك الأهالي بقيادة قايد عنابة آنذاك الحاج عمر بن زعطوطه، الذي قاوم حتى سقط شهيدا في ذات السنة، بمنطقة واد الذهب، وفقا لما أخبرنا به الباحث عامر جديد.
كما كانت المدينة مركزا لنشاط المنظمة الخاصة إبان الثورة، إذ احتضنت بلاص دارم، سنة 1950، لقاء القادة التاريخين بن بولعيد و بوضياف و وبن مهيدي، حيث كان منزل رحمونة لرقش، عنوانا لاجتماع سري مع بعض مناضلي المنظمة بعنابة، يتقدمهم بن عودة و باجي مختار و بن زعيم، وهو لقاء جاء لمتابعة تحضيرات عنابة للثورة، ومن أبرز الأحداث التاريخية التي شهدتها المدينة أيضا، انفجار باخرة نجم الإسكندرية المحملة بالسلاح بميناء عنابة في 23 جويلية 1964، ما تسبب في سقوط عشرات الضحايا لتبدأ قصة الانهيار الحقيقي لـ «لبلاص دارم» التي تأثرت مبانيها جدا جراء الانفجار العنيف، ما خلف تصدع منازل و سقوط أخرى.
ح.د