حطّ بمدينة تبسة، بحر، الأسبوع الجاري، وفد سياحي يضم 40 سائحا وسائحة من جنسية بولونية، تـؤطرهم مديرية السياحة لولاية تبسة، بمرافقة وكالة سياحية، ضمن برنامج سطر للغرض.
الوفد السياحي البولوني الذي كان في استقباله مسؤولو مديرية السياحة والديوان الوطني للحفاظ وتسيير الممتلكات الأثرية لولاية تبسة، لقي ترحيبا كبيرا وتجول بين أهم المعالم التي تتميز بها مدينة تيفاست وهي السور البيزنطي، معبد مينارف، كنيسة سانت كريستين، البازيليك الرومانية وأسواق المدينة، أين قدمت لضيوف تبسة معلومات وشروحات مفصلة من طرف مرشدين مختصين في علم الآثار.
و قد عبر أعضاء الوفد البولوني عن دهشتهم وإعجابهم الشديدين بروعة هذه المعالم الأثرية وجمالية المدينة والأكيد أن الأعمدة الضخمة وباب كركلا والمسرح الروماني والفيسفساء، لو كانت لها القدرة على البوح بالأسرار الخفية، لما ترددت عن سرد حكايات وقصص جميلة عن هذه المدينة الضاربة في عمق التاريخ والحضارة وكيف شيدت منذ آلاف السنين والسحر الذي تبعثه ولا يمكن مقاومته لأنه ببساطة يأخذ الزائر عبر أغوار حضارة كان لها مجدها التليد ومازالت تجذب إليها اليوم آلاف السياح الوطنيين والأجانب، الذين يتوافدون على المكان من حين لآخر، في رحلة تقصي ممتعة لآثار الحضارة الرومانية في الجزائر.
ع.نصيب
يشرح أساتذة مختصون في اللغة والأدب العربي، إشكالية الفقر اللغوي الذي يعصف بشريحة من المتعلمين، ويفصلون في الأسباب كما يقترحون حلولا يبدأ تطبيقها على مستوى النواة الأولى في المجتمع والحضانة ثم المدرسة، من خلال تكوين المربين في رياض الأطفال تكوينا لغويا سليما، ووضع قواميس وظيفية، كقاموس لغة الطفل، وتحيين الكتاب المدرسي الذي يعد أحد ركائز التهيئة اللغوية.
أسماء بوقرن
وتحدثوا للنصر، عن أهمية وضع محتوى يعمل على توفير الإشباع اللغوي ويضمن حَمولة فكرية، وشددوا على ضرورة الابتعاد عن النصوص الاصطناعية التي تعتمدها المدرسة الحديثة و تؤثر على الأداء اللغوي، مع إيلاء اهتمام أكبر للمطالعة الموجهة.
تُطرح إشكالية الفقر اللغوي عند قطاع من المتعلمين وحاملي الشهادات، ويتجلى ذلك في حمل قواميسهم اللغوية لعدد محدود من المصطلحات، ما يوحي بضعف التكوين وهشاشة التنشئة اللغوية، التي تعود حسب مختصين، إلى محدودية تدخل الأسرة و هي المحيط الذي تنمو فيه المهارات اللغوية، فضلا عن ضعف أداء رياض الأطفال و تراجع التركيز في المدرسة، داعين إلى تخصيص شق للمطالعة الموجهة لإثراء الرصيد اللغوي وتوسيع مفردات المتمدرس، كونها من الآليات المفيدة لتنمية مهارات الفرد اللغوية.
* صالح بلعيد رئيس المجلس الأعلى للغة العربية
التهيئة اللغوية تنطلق من مرحلة القاعدة
يقول رئيس المجلس الأعلى للغة العربية، صالح بلعيد، بأن التنشئة اللغوية تدخل في إطار ما يسمى بالتهيئة اللغوية، ولها عوامل مختلفة،فالصبي ينشأ ضمن بيئة معينة ويكتسب اللغة عن طريق المحاكاة دون معرفة قواعد اللغة، لأن هناك حاسة في المهارات الأربع، وهي حاسة السمع، لأنه لا يمكن لأي شخص أن يتعلم اللغة دون أن يسمعها، ولهذا نجد بين أصحاب الهمم من إذا فقد حاسة السمع لا يمكن أن يتعلم اللغة.
تلقن اللغة في بداية التنشئة عن طريق المحاكاة بين الوالدين والصبي، لتأتي المدرسة في مراحل لاحقة، لتطوير لغة المحاكاة، بعدها تأتي مهارة القراءة وهي تطوير وترسيخ للغة، كما تعلب دورا كبيرا في تنمية المصطلح وتزيد في ثقافة الفرد، أما المهارة الثالثة فتكمن في الحوار الذي يكون خارج البيت من خلال تواصل الطفل مع أقرانه وله سياقات مختلفة.
وتأتي الكتابة كمهارة رابعة، وهو الترسيخ ونقل الثقافة واللغة للآخرين وتصحيح الخطأ، مشيرا إلى أننا في حديثنا لا نحترم قواعد اللغة، لكنها تحترم في الكتابة فهي بذلك ترسيخ للمعاني التي تحتاج لتتطور، لهذا تراهن المنظومة التربوية على تنمية هذه المهارات الأربع، والتي تأتي عن طريق المستويات اللغوية. ويعد المستوى الصرفي هو المستوى الأول، فاللغة تترسخ عن طريق الجانب الصرفي ليفهم التلميذ متعلقات الكلمة، كما ذكر الأستاذ صالح بلعيد، الجانب الدلالي وهو دلالة الكلمة، وذلك باعتماد الدليل، ويتعلق الأمر بمعجم وظيفي مقتصر على ألفاظ الحياة العامة أو الإدارة ويكون ضيقا، والقاموس والذي يتناول مصطلحات خاصة بميدان ما كأن نقول القاموس المدرسي، والمعجم أوسع من القاموس و يتناول الألفاظ والجانب الصرفي والدلالي كما يقدم الشواهد، ويتناول المشترك اللفظي والألفاظ المحدثة، وحتى كلمات أجنبية معربة كالكلمات التقنية، المهم أن تخضع لذوق اللغة العربية.
ويأخذ الطفل حسبه، لغة ضيقة روتينية في صباه، وينمي لغته في الروضة ثم المدرسة إلى غاية الجامعة، حيث يتعلم قواعد اللغة و الكتابة، مع ذلك فإن التلميذ يحتاج لكل ماله علاقة بالتهيئة اللغوية والتي تكون بدرجة أولى عن طريق رياض الأطفال والألعاب والأناشيد، كما للمرحلة الابتدائية أهمية بالغة في تنمية لغة التلميذ وإخضاعها للقواعد.
ويحتاج التلميذ في هذه المرحلة للتدرج في قواعد النحو وتهيئته لتقبل التداخل اللغوي، وتعلم ثقافة اللغة لهذا يجب أن تكون التهيئة اللغوية في مرحلة القاعدة ثم الجامعة، لهذا فنحن بحاجة لقواميس وظيفية، كقاموس لغة الطفل، لتكوين رصيد لغوي وظيفي يجعل المتعلم يعيش في الحمام اللغوي الذي يجعل أي متعلم يجيد السياقات المختلفة.
الفقر اللغوي ناتج عن عدم تعليم اللغة الطبيعية
ويؤخذ الرصيد اللغوي حسب المتحدث، من السياق العام ومن اللغة القُدمى، وهي اللغة الأولى التي وضعت عليها القواعد، أي لغة العصر الجاهلي، فلا يمكن أن نتعلم اللغة العربية إذا افتقدنا القرآن الكريم والحديث النبوي والمعلقات والعصور الزمنية التي عرفتها اللغة العربية كالعصر الجاهلي والأموي والعباسي، خاصة هذا الأخير الذي انتهت فيه التهيئة اللغوية، فيما لم نشهد إبداعا في اللغة في عصر الدوليات والعصر الحالي، ولهذا نعيش فقرا لغويا، يتجلى في عدم تمكن التلميذ من بناء جملة صحيحة وعدم التمكن من إدارة الحوار الجيد مع الخلط بين الدارج واللغة الأجنبية، ما يدل على نوع من القطيعة اللغوية. وأشار المتحدث ،إلى أن الرصيد اللغوي هو العمدة في التهيئة اللغوية، وتكمن فعاليته في حسن استعمال اللغة الفصيحة عالية الجودة، لنعتمده لوضع الكتاب المدرسي وهو نوع من التهيئة اللغوية، فالرصيد اللغوي يحتوي على مجالات تسهل على واضع الكتاب المدرسي العودة لمجال معين لبناء نص مع الربط بين الألفاظ الطبيعية والألفاظ المحدثة، ووضع نصوص قيمة كنصوص أدب المهجر لخليل جبران مثلا، ونصوص البشير الإبراهيمي، ونصوص من القرآن والمعلقات، تعمل على الإشباع اللغوي وتضمن حَمولة فكرية وتعالج الفقر اللغوي، متأسفا لاعتماد المدرسة الحديثة على نصوص اصطناعية تؤثر على الأداء اللغوي.
فضائيات تسببت في زيادة التبلد الفكري
وذكر الأستاذ صالح بلعيد، التهيئة النحوية وقال إننا بحاجة لمدارس تربط بين الأصالة والحداثة لبناء لغة جيدة وردم الفجوة، مقابل فض القطيعة مع الحزم في طريقة آداء اللغة بالتهيئة اللغوية الفصيحة والنحوية، مشيرا إلى تأثير الفضائيات التي تسببت في تنمية التبلد الفكري، وجعلت التلميذ غائبا عن استعمال لغة فصيحة نتيجة غياب المعلم القدوة في أدائه الجيد للنصوص وتفاعله معها. وأوضح، بأن ما تقدم به لا يعني الانغلاق على التعددية اللغوية التي تتيح التفتح على اللغات أخرى، لكن ذلك مهم شرط استعمال اللغة الأم، مشيرا إلى وجود صراع لغوي وخريطة لغوية ستكون في سنة 2030، وستضمن بقاء اللغة العربية ضمن اللغات الست.
ويبقى مصير اللغة يتعلق بما نقدمه نحن من محتوى رقمي وذكاء اصطناعي فهناك أيضا خريطة لغوية ستوضع سنة 2036 وأخرى سنة 2046 ، ستقلص اللغات إلى أربع ستسيطر على العالم، لهذا وجب الحفاظ على لغة المركز وهي العريية.
* رشيد فلكاوي أستاذ اللغة بالمدرسة العليا للأساتذة آسيا جبار
هناك حاجة لمنهجية لغوية سليمة وتكوين المربين في دور الحضانة
دعا الدكتور رشيد فلكاوي، أستاذ بقسم اللغة والأدب العربي بالمدرسة العليا للأساتذة آسيا جبار بقسنطينة 03، إلى توفير جو لغوي سليم للطفل أو التلميذ يعتمد على تعويده على سماع لغة متجانسة في محيط المنشأ الاجتماعي، وفي مرحلة التحضيري، أين لابد أن تتوفر منهجية لغوية وإستراتيجية مدروسة.
ونبه، إلى ضرورة تعويد الطفل على سماع لغة سليمة ومتجانسة هي اللغة الأم، وذلك بدءا من مرحلة الملاغاة أو المناداة وحديثه إلى أفراد الأسرة، وأن يمتد ذلك إلى المرحلة الانتقالية إلى العائلة الكبيرة المتمثلة في الأقارب وأبناء الجيران.
يقطع الطفل بعدها خطوة أخرى نحو لغة الروضة، أين لابد أن تتوفر منهجية لغوية سليمة وإستراتيجية مدروسة، لكونها مرحلة مفصلية ومهمة في التنشئة اللغوية السليمة، وهي مرحلة وجب الاشتغلال عليها بشكل كبير في بلادنا لغياب الاهتمام بالجانب اللغوي بفعل عدم امتلاك رؤية لغوية سليمة.
وينصح المربيين، بالامتناع عن مخاطبة الطفل الصغير بلغة عامية، والعمل على ضمان الاحتكاك بين الأطفال داخل الروضة، لأنه عامل مساعد على التنشئة اللغوية، إلى جانب دور الأولياء في هذه المرحلة، والذي يتجلى في الاهتمام بتنمية المهارات اللغوية للطفل عند عودته من الروضة، بتوظيف كلمات تثري قاموسه اللغوي بما يناسب سنه.
ويقول، إن ضبط إستراتيجية لغوية في الروضة ضرورة لتجاوز مشكلة فقر القاموس اللغوي، الذي يحتاج حسب محدثنا، إلى تحيين الواقع وإلى دراسات، فضلا عن تكوين المربيات تكوينا لغويا لمخاطبة الطفل بكلمات سليمة، مع الحرص على تسمية الأسماء بمسمياتها.
ومن بين الأشياء الواجبة تكوين المربيات في الخطاب اللغوي السليم، مع العمل على تفادي القطيعة بين لغة الطفل في الروضة وفي المدارس أو مرحلة الابتدائي، ما يضمن لغة وسيطة بعيدة عن اللغة المزيج بين اللغات كالفرنسية والعامية، وهي بمثابة حلقة وصل بين لغة المنشأ العامية والعربية الفصيحة التي سينتقل إليها الطفل في مرحلة الابتدائي.
الاستثمار في المطالعة الموجهة من آليات المعالجة
وعن المطالعة ودورها وكيفية استغلالها في الاكتساب اللغوي، قال بأنها ضرورية جدا في حال تم الاستثمار فيها واعتمادها بنوعيها، لأنه ومع التطور التكنولوجي الحديث هناك ما يطلق عليه بالمطالعة السمعية البصرية، لأن المناهج التربوية الحديثة تركز في جانب من جوانب المطالعة على مشاهدة التلميذ للقصص المسموعة المرئية، التي تساعد على ربط الأحداث بين ما يراه بعينيه وما يسمعه بأذنيه وما يتخيله في ذهنه.
لهذا يجب حسبه، تكثيف الجهود والعمل بالتدريج التصاعدي على تعليم الحروف والكلمات والجمل، فيما يتم التركيز على المطالعة ابتداء من السنة الثالثة ابتدائي، أين تتكون الملكة اللغوية للطفل ويصبح قادرا على قراءة الجمل والربط بين المعاني، لهذا من المهم الموازنة في المنهاج بين المطالعة والأنشطة اللغوية الأخرى.
فائدة إشراك الطفل في الاحتفال بالمناسبات الوطنية
وهناك من أضاف، مهارات أخرى تساعد في تشكيل القاموس اللغوي للطفل، كإشراك المتمدرسين في إحياء المناسبات الدينية والوطنية، من خلال آداء أدوار في المسرحيات و كذا الأنشطة خارج المدرسة في البيت أو النوادي العلمية والفكرية والثقافية، لصقل الآداء اللغوي.
مشيرا، إلى أن المطالعة وحدها غير كافية، وتستدعي الممارسة اللغوية من خلال الحديث بها في النوادي والمحادثة بين الطفل والمعلم وأقرانه عند آداء الأنشطة، ومردفا بأن السن المناسبة للانخراط تختلف باختلاف المؤهلات والقدرات الفكرية، لهذا على الأولياء استغلال الفرصة متى وجدوا بأن الطفل مستعد لذلك.
أ ب
يفتح سليم روابح، الأمين العام السابق لجمعية محبي الفن، درج ذكرياته ويخرج منه ألبومات قديمة تعزف مقاطع من قصة الفن وتعيد نحت بعض وجوهه في قسنطينة، فالرجل الذي شارك في إنجاز أنطولوجيا أشعار الموسيقى الكلاسيكية في المدينة، يخبئ في كل زاوية من ماضيه ذكرى عن اسم أو حدث عرفته المدينة أيام كان مديرا لدار الثقافة محمد العيد آل الخليفة.
يشتغل ضيف النصر، اليوم على فكرة عمل يسلط الضوء على الثورة و تراث المالوف، ويترجم صور النضال في بدايات أبيات الشعر ونهايات القوافي، وتحتفظ جعبته كذلك بكثير من الكلام عن المحجوز، تلك النغمة التي لا يعزفها سوى وتر قسنطينة.
قاموس يستحق التسجيل في اليونيسكو
يقول سليم روابح، إن المالوف موسيقى مشتركة لها عشاق في الجزائر و خارجها أيضا، ما يعكس بعض الاختلافات هنا وهناك كما في تونس وليبيا مثلا، مع ذلك فإن المدرسة الجزائرية لهذا الفن موحدة و لا مجال للحديث عن خصوصية الأداء و العزف في منطقة على خلاف أخرى.
مشيرا، إلى أن محاولات التفريق بين مالوف عنابة ومالوف قسنطينة، لعب على وتر الجهوية له أغراض بعيدة عن الفن، أما الأصل في الأمر فهي موسيقى واحدة ولغة يفهما كل أبناء الصنعة.
ويرى عضو جمعية محبي الفن، وهي واحدة من بين أقدم الجمعيات الموسيقية في الجزائر، أن لقسنطينة خصوصية تميزها عن غيرها من المدن التي تعزف المالوف وتتغنى به، وهو طابع « المحجوز».
وإن كان لابد أن تسجل الجزائر ملفا حول الموسيقى الكلاسيكية في لوائح اليونيسكو كما قال، فإنه من الأجدر أن تعمل على ملف يخص المحجوز، الذي يعد طفرة فنية تنفرد بها مدرسة الجسور المعلقة.
وحسبه، فإن هذا الطابع الذي يتوفر منه رصيد من 200 إلى 500 محجوز، ثري جدا من حيث المقامات و من حيث القصص أيضا، لأن قصائده تروي حكايات عديدة أجمل وأهم بكثير من قصة نجمة وساعد الشهيرة، أو كما تعرف بـ «البوغي»، مشيرا إلى أنه يعكف على مشروع في هذا الصدد، حيث يقوم برصد و تسجيل بعض القصص ليعيد تقديمها للجمهور و المشتغلين في حقلي التراث والموسيقى.
ولا تنتهي قيمة القصيد عند هذا الحد فقط، بل تمتد إلى قيمته في التوثيق لجوانب من الحياة الاجتماعية والاقتصادية في قسنطينة، لأن قصائد المحجوز تعتمد كثيرا على الوصف الدقيق للباس و العادات و التقاليد وحتى الأكل، وفيها تدوين لعلاقة الحاضرة بباقي المدن و البلدان، كما أنها تقدم فهرسا ثريا للأسماء القديمة أو التي شاع استخدامها سابقا في المدينة، ما يقدم للباحثين في التراث حقلا معرفيا خصبا جدا.
ويشرح المتحدث ذلك من خلال بيت في قصيدة تروي قصة رجل ينتظر خبر عن محبوبته يامنة :« أمس جاء مرسول يامنة»، ويتصور كيف سيجازي من سيحمل له أثرا منها، فيقول :« نمد ميا من البندقي وكل وحدة تسوى عشرميا»، وهنا حسب روابح، وصف لطبيعة المعاملات بين قسنطينة و فينيسا، و كيف كانت عملة البلد مستخدمة في المدينة ولها سعر صرف معروف.
تؤرق سليم روابح فكرة مشروع ثان، و يتعلق الأمر بتفكيك شيفرة تراث المالوف الذي يعنى بالثورة، فهناك كما قال العديد من القصائد التي كانت تحمل رمزية ثورية و تشحذ الهمم.
قال، إنه يعود في هذا العمل إلى سنوات عديدة ماضية حينما كان مديرا لدار الثقافة محمد العيد آل خليفة، و أشرف سنة 1994،على أول طبعة كبرى لمهرجان المالوف ارتبطت بذكرى نوفمبر المجيدة، مؤكدا أن تلك المناسبة أخذت بعدا جهويا كبيرا و عرفت إصدار ألبومات مهمة لمشايخ المالوف حينها.
كما جرى إلى جانب ذلك، عمل كبير في الكواليس حسبه، لوأد كل فتنة كانت قد أثيرت في تلك الأيام بين فناني قسنطينة عنابة، طمعا في زرع الشقاق.
وينفي المتحدث، أن يكون المجاهدون وقادة الثورة قد منعوا الغناء في ذلك الزمن، ويؤكد مستندا إلى شهادات بعض المشايخ الذين جمعتهم به صداقة، أن قصة منع الحاج محمد الطاهر الفرقاني من الغناء بحجة الحداد على أرواح الجزائريين ضحايا الحرب، ضرب من التخريف على حد وصفه، موضحا أن قادة المقاومة تواصلوا مع الفرقاني فعلا، لكن ليس لمنعه من الغناء بل أسدوا له نصيحة تخص جانبا شخصيا.
ويقول روابح، إنه على العكس من ذلك فقد كانت القصائد تتضمن دائما إشارة إلى الثورة ورجالها، كما في البيت الشهير« العز ينتشى من تحت سيوف الرجال» الذي كان يتغنى به في أفراح أهل المدينة، و ينظم عندما يدخل أحد المناضلين إلى الغرفة أو القاعة، فيبدأ الرجال في « الرشق» أو وضع المال على طاولة المغني، وكانت تلك العادة حيلة لجمع الاشتراكات للثورة كما أوضح.
توجد كذلك عديد القصائد الأخرى التي يتغنى بها فنانو المالوف، وترتبط بحرب التحرير و الرغبة في الاستقلال، مثل ما جاء في البيت الشهير « ياحليلي أه قولو روح خلي لبلاد لماليها»، وهنا دعوة لمغادرة الاستعمار و تحرير الأرض من المعمرين، كما تتغنى « المنفرجة» بنضال الشعب وصبره في أبياتها «اشتدي أزمة تنفرجي قد أذن ليلك بالبلج».
من جهة ثانية، قال المتحدث، إن قصة صعود ونجاح محمد الطاهر الفرقاني لا تخلو من التحدي، فبعض شيوخ المالوف أرادوا له أن يكون صوت المدينة وحامل لواء الفن، في وقت كان اللوبي اليهودي يحاول تضخيم صورة « ريمون» لتبني المالوف و الاستيلاء على هويته وأصله الحقيقي على حد قوله.
وقد اشتغل الشيخ قارة بغلي، أو بابا عبيد رحمه الله، في ذلك الوقت، على صناعة الفرقاني ودعمه بشكل كبير كما أضاف روابح، مشيرا إلى أن الرجل هو من أطلق عبارة « فرقاني لاقبلو ولابعدو»، وذلك لعلمه بأن يهود قسنطينة يصنعون من ريمون زعيما للمالوف، وقد قال قولته الشهيرة ليؤكد على أصلية المالوف و منشئه وهوية أصحابه، ولولا الفرقاني لكان المالوف قد رحل من قسنطينة كما علق المتحدث، متأسفا لرحيل الفنان قبل تدوينه لمذكراته خصوصا وأنها كانت ستكشف الكثير، و كانت أيضا لتنصف رجلا مهما في مسار الفرقاني وهو الشيخ خلوفي الدوادي، رئيس جمعية محبي الفن الذي يعد العقل المدبر للفنان بداية من 1969.
بن باديس و الدرسوني وبعض من ذاكرة الشيخ التومي
حسب سليم روابح، فإن مشايخ المالوف في قسنطينة، كان لهم دور هام وكبير جدا في استمرارية هذا التراث إلى يومنا، خصوصا من اشتغلوا منهم في جمعية محبي الفن التي أنشأت سنة 1932، حينما عاد الشيخ العربي بن ساري و مجموعة من الفنانين من مؤتمر الموسيقى العربية في القاهرة، حاملين مسؤولية المحافظة على التراث العربي الأندلسي، فأسسوا الجمعية لجمع الموسيقى القسنطينية والمحافظة عليها.
ومن بين أقدم من انضموا إليها واشتغلوا فيها سي إبراهيم بلعموشي، الذي شرفه الشيخ عبد الحميد بن باديس وخصه بتلحين قصيدة « شعب الجزائر مسلم»، رغم علم بن باديس أن بلعموشي، كان عضوا في الحزب الشيوعي الجزائري، لكن وعيه بقيمة الموسيقى جعله يختار الأجدر لتلحين النص، وهي صورة من صور انصهار الحركة الوطنية بكل أطيافها في الفكر التحرري.
وأوضح المتحدث، أن الجمعية كانت ذات توجه كشفي حيث إن غالبية أعضائها كانت من فوج الفتح الكشفي وهو ما يعكس الروح الوطنية العالية والالتزام الوطني لمنتسبيها، ولذلك فقد منعت من النشاط سنة1938.
و قال عضو الجمعية وأمينها العام الأسبق، إن رصيد الجمعية من التسجيلات ودورها في التكوين الموسيقي لا ينفي أبدا قيمة ما قام به أول جيلين من مشايخ الفن بقسنطينة، على غرار سيدي حمد بسطانجي الذي يعود له الفضل الأول في إدخال الآلة على المديح في قسنطينة ومد الرابط بين أهل الآلة وأهل الزاوية وتوحيد الجبهة، إلى جانب الشيخ الطاهربن كرطوسة، الذي كان معلما لأجيال لاحقة من الفنانين ومكونا للكثير من الأجواق وحافظا للعديد من النصوص.
وذكر المتحدث كذلك، عبد الكريم بسطانجي الذي وصفه بأحسن عازف للعود في قسنطينة، مؤكدا أنه فنان تمتع بصيت وكان من المؤمنين بقيمة الفن ودوره في الحفاظ على الهوية الثقافية، حيث يشاع أنه قال يوما لبن باديس الذي كان صديقا له :« أنت أخذت الآية واحنا أخذنا الماية»، في إشارة إلى النوبة، بمعنى أن لكل جبهته النضالية في المعركة.
وقد أوضح محدثنا، أنه سعى إلى تدوين العديد من التفاصيل المذكورة وغيرها خلال مشاركته سنة 2016، في إعداد أنطولوجيا عن الموسيقى الكلاسيكية جمعت بمناسبة ستينية الثورة، و تضمنت ستة مجلدات، أشار في واحد منها إلى دور رجلين مهمين من الجيل الثاني هما الشيخ الدرسوني والشيخ التومي اللذان تتلمذا كذلك على يد بن باديس.وحسب روابح، فإنهما كانا يترددان على حصص العلامة في الجامع الأخضر، وقد علم الإمام دائما بميلهما للفن والموسيقى و لم يقف يوما في طريق ذلك الشغف، حيث سمع محدثنا على لسان الشيخ التومي قصصا كثيرة في هذا الصدد، وذلك حينما كان يتواصل معه خلال عمله على مشروع الأنطولوجيا.
مؤكدا، أن مكتبته تتوفر على مفكرة مفصلة تضم الكثير من التفاصيل التي تخللت الحوارات بينهما، معلقا بأن قيمتها كبيرة جدا وغير قابلة للتفاوض، تماما كتلك الملاحظات و القصص التي جمعها في مفكرة أخرى سجلها عندما رافق الشيخ الدرسوني و ساعده على تدوين مذكراته الشخصية.
هدى طابي
حل أمس، الشاعر محمد بوطي، ضيفا على نادي الكتاب بالمكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية مصطفى نطور بقسنطينة، حاملا معه تجربة سنوات في الكتابة، وقصصا له مع كبار الشعراء الجزائريين، شارك بعض تفاصيلها مع مثقفين من المدينة، في جلسة من تنظيم مكتب بيت الشعر بالتنسيق مع المكتبة.
بلغة بسيطة راقية، لم تترك حديقة إلا واقتبست منها افتتح ابن الزيبان الجلسة الأدبية بإلقائه لقصيدة تتغنى بالمرأة، أهداها بوطي لنساء الجزائر ومثقفات المدينة اللواتي زيّن الأمسية الشعرية المنظمة من قبل المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية مصطفى نطور، وبيت الشعر مكتب قسنطينة.
وقد فصل بوطي، في الجدل القائم بين أوفياء القصيدة العمودية، والمعجبين بالنثرية، من خلال رده على الأسئلة المطروحة في النقاش موضحا بأن لكل لون أتباعه، لكن القصيدة النثرية اختارت التمرد على الأطر القديمة والخروج عن المألوف وتقديم اللغة في قالب حداثي، مؤكدا من جهة أخرى على المكانة السيادية لقصيدة التفعيلة، نافيا أن تسحب القصيدة النثرية البساط منها، لكنها تمشي بثقة كبيرة لتجد مكانتها بين ألوان الشعر.
الشعر يعبر عن روح الشاعـــر وليـــس علمـــــا مضبوطا بأطـر
واعتبر الشاعر محمد بوطي، بأنه لا يمكن وضع أطر وقوالب للشعر، فيمكن أن تختلف المسميات حسبه، لكن الجوهر يبقى نفسه، وعلق متسائلا عن السبب الذي يجعل كلمة «قصيدة» محصورة في شعر التفعيلة الخاضع لقواعد وضعت في زمن معين و نتاج لغة مرحلة بعينها، والشعر وفقا له هو القدرة على التعبير بطريقة مختصرة عما يريده الشاعر باللغة والأداة التي يريدها، كباقي الفنون من رسم وموسيقى.
وعن ميول الشعراء إلى القصيدة النثرية على حساب شعر التفعيلة، قال ضيف منتدى الكتاب، بأنه خاضع لتأثيرات العصر الجديد، الذي يختلف عما سبقه في اللغة والتصورات، مع تعدد مواضيعه، وكذا مغازلته للقارئ باتباع سلوكه الذي يميل إلى السرعة والاختصار في التعبير عن حالة معينة أو ظاهرة بعدد قليل من المصطلحات اللغوية.
وعن الرأي الذي يرجح ميول أغلبية الشعراء سهولة النظم في القصيدة النثرية، اعتبر المتحدث، بأنها تكون أحيانا أصعب بكثير من قصيدة التفعيلة.
ويوجد الجميل والقبيح في كلا النوعين وفقا للشاعر، الذي يرى بأن الفيصل في الأمر يأخذ بالذائقة الجمالية، والقدرة على إظهار جمال الموضوع، وعقب بأن هناك نصوصا نثرية لا تتجاوز مرحلة كتابة الخاطرة، في حين أن القصيدة النثرية لها أساسياتها وأطرها ومستوى من اللغة التي تحمل معانيَ كثيرة، كما استنكر إثقال أبياتها بالتضمين، والمبالغة في استخدام الغموض، وهو وفقا له تعجيز للقارئ عن فهم الفكرة التي تكون خفية لكنها ليست مستحيلة.
وقد استحسن الشاعر ما وصلت إليه الحركة الشعرية في الجزائر خصوصا مع وجود كثير من الشعراء المميزين، وقال إن من يعتبرون المشرق قلب مركزية الشعر هم على خطأ كبير، لأن الجزائر أيضا تضم أسماء كبيرة جدا يمكن لها أن تنافس.
حبي للتجديــــد دفعني إلى القصيدة النثريـــــة
وعن مصدر فصاحته وثرائه اللغوي، أفاد الشاعر بأنها مستمدة من سعة اطلاعه على مجالات عديدة، فضلا عن القراءة لأعمال عدة، مضيفا بأنه لا يكتب حتى يقرأ كثيرا، وهو المهتم بالجانب الفلسفي والفكري أكثر من الجانب الخيالي.
وعن تحوله إلى القصيدة النثرية رغم بداياته التي طبعها الشعر العمودي، قال الشاعر، إنه ينتمي إلى الجيل القديم، وهو متابع للحركة الشعرية منذ السبعينات، مضيفا بأن حبه للتجديد هو ما دفعه إلى التحول إلى القصيدة النثرية، فالعالم كله تطور حسبه، وكذا اللغة التي وصفها بالكائن المتطور.
وأردف بوطي، بأنه يحاول الكتابة بأسلوب بسيط مع توظيف إيحاءات ودلالات تساعد في صقل المعنى، وتثبيته على أن تكون الكلمات تحمل معانيها بداخلها متقاربة.
إيناس كبير
عن دار النُّهى للنشر والترجمة والتوزيع بالجزائر، صدر كِتاب جديد للباحث والأكاديمي الدكتور محمّد بكّاي، وحمل عنوان «التَّداوليّة وهندسة الخِطاب: قضايا ومُطارحات»، وجاء في 129 صفحة. واحتوى على مجموعة من الدراسات والأبحاث والمقالات، هي على التوالي: «التَّداوليّة والتباسات المصطلح». «إستراتيجية الخطاب في التَّداوليّة». «ميكانيزمات الاِشتغال الذهني في عملية التلقي: مقاربة تداوليّة في آليات الفهم والتأويل». «مبحث القصدية بين فلسفة اللّغة والتَّداوليّة». «إستراتيجية المقصدية في تحليل الخطاب الأدبي: قراءة في أعمال محمّد مفتاح النقدية». «مقاربة الخطاب الأدبي تداوليًا: بين الرّهانات والتحديات».
الكِتاب جاءَ ليُوضح أنّ التَّداوليَّة برزت بوصفها أحدث مقاربة معرفية في دوائر بحوث العلوم الإنسانية والاِجتماعية وعلوم اللسان، مُهتمة بعناصر التَّواصل والتفاعل والأداء الحواري والتَّماسك النَّصي. إضافةً لبحثها في الأغراض التَّفاعليّة والنَّفعية للخِطاب.
كما جاء من جهة أخرى، ليُؤكد -حسب المؤلف- أنّ التَّداوليّة تتجاوز محدّدات الدلالة إلى دراسة مدى إمكانية الكشف عن قصديّة المُتكلم من خلال إحالة الجُملة إلى السّياق التَّداولي لمعرفه مدى التطابق أو اللاتطابق بين دلالة الجُملة لسانياً وظروف السّياق، أو جعل هذه الإحالات والإشاريات وسيلة في يد المؤول لنسج شبكة تأويلية مُترامية الأطراف. وذلكَ ما ترومه القراءة التَّداوليّة وتعكف عليه مقالات هذا الكِتاب في ذكر أهمية المقاصد في فلسفة اللّغة والتَّداولية أو كيف تشتغل عمليتا الفهم والـتأويل من منظور العلوم المعرفية أو نظريات المُلاءمة.
تُـمثلُ فصول هذا الكِتاب اِسترجاعاً لاِهتمامات -المُؤلف بكّاي-، البحثيّة الجامعيّة الأولى، وهي سنوات تكوينه اللّساني في جامعة تلمسان (2005-2009)، وهي الفترة التي تزامنت معها بوادر شغفه بحقل التَّداوليّة بوصفها أحد أهم الأبواب الحسّاسة والضرورية في قراءة الخطاب في أيّامنا.
فالاِشتغال -حسب قوله- على خطاب يحكمه الوعي أو اللاوعي أو هما معًا يقتضي من المؤول أن يكون قادراً على فكّ وإعادة تركيب هياكل هذا الخطاب وفهم تضميناته وإشاراته؛ فالملفوظات الأدبيّة تُحوِّل فيها الأشكال الصوتية والتركيبية والمجازية والاستعارية إلى عناصر أساسية في بناء تداولية الخطاب، ليكون قادراً على إقناع العقول واستمالة النفوس.
و-حسب المُؤلف دائماً-: «يُمثّلُ هذا الاِسترجاع المعرفي اليوم، –على الرغم من بساطته بالنظر إلى كثافة وثراء البحوث في حقل التَّداوليّة- مساهمة متواضعة للخوض في بعض قضايا التَّداوليّة المُتنوعة بين العلوم المعرفيّة وفلسفة اللّغة والمقاصد وتأويل الخطاب الأدبي لإدراك العلاقات بين البشر وكلماتهم وعوالمهم».
كما يُلقي هذا الكِتاب نظرة فاحصة على الآليات التي توفّرها اللّغة لتحقيق هذا الإنتاج النصي وتشقّ طريقاً للكشف عن الجانب الجدلي للإنتاج الأدبي: أي النص بوصفه عملية صياغة يُنشئها المُؤلف ويُوجِّهها، ولكنها في الوقت نفسه بمثابة عملية صياغة مفعّلة وموجَّهة للقارئ الـمُكبَّل بقيود النّص؛ لكن النّص يُوفّر أيضًا درجات من الحرية اللازمة التي يُمكنُ للقارئ عبرها أن يتعاون مع المُؤلف لبناء عالم نصّي مُناسب، عالم يتوافق مع الظروف السّياقيّة الأوسع التي تُميّز العالم والظروف التي يعيشها القارئ.
الكِتاب -للإشارة-، قَدَمَ له البروفيسور محمّد شوقي الزّين، ومِمَّا ورد في نص المُقدمة، قوله: «باِنكبابه على دراسة إستراتيجيّات الخِطاب، يكون محمّد بكّاي قد قام بإضافة نوعية ستكون بلا شكّ أثراً جميلاً وجليلاً في مشهدنا النقدي والأدبي والفكري الجزائري. اِختصرت نباهة محمّد بكّاي الطريق لتذهب نحو ما هو (أساسي أو جوهري)، أي الفِعل البشري في بساطته واشتغاله، وخصوصاً الفِعل الخطابي والتداول اللغوي. ولا شكّ أنّ الخطابات عديدة بقدر ما هي مُتشابكة: الخطاب العلمي، الخطاب الأدبي، الخطاب الفلسفي، الخطاب السياسي، الخطاب الديني، الخطاب الإعلامي، إلخ. بل ولكلّ مؤسّسة أو واقعة بشرية خطابها يحتاج إلى الوقوف على نمط اشتغاله وملابسات تطوّره وأشكال تحوّله، ما يقوله وما يحجبه، الدَّلالات التي يحتملها في هذا السّياق وخلال هذا الظرف، الخطابات المُمكنة التي يُتيحها أو يختزلها، إلخ. لا شكّ أنّ التَّداوليّة تمنحُ مفاتيح نقدية ثرية في الوقوف على ظاهرة الخطاب، إستراتيجياته وتكتيكاته، مواطن صدوره وحقول تطبيقاته، أساليب توليده وأشكال إلغائه، إلخ».
للتذكير، محمّد بكّاي، باحث وأستاذ جامعي من مواليد 1986 في تلمسان، حاصل على دكتوراه في النقد الأدبي ما بعد البنيوية من «جامعة تلمسان» سنة 2016. صدر له: «أرخبيلات ما بعد الحداثة: رهانات الذَّات الإنسانية، من سطوة الاِنغلاق إلى إقرار الاِنعتاق» 2016، منشورات دار الرافدين بيروت لبنان، وOPUS أونتاريو، كندا. «التفكيك وفسيفساء المُعنى» 2018، «جدلُ النّسوية: فصول نقدية في إزاحة الدوغمائيات الأبوية» 2019. «مديحُ الاِختلاف: دراسات في فلسفة الكتابة وسياسات الهُويّة»، عن منشورات اِبن النديم للنشر والتوزيع ودار الروافد الثقافية/ناشرون، 2022. «في إزاحة التُّخوُم.. فصوصٌ في جماليّات التَّفكيك».
كما شارك في بعض الكُتُب الجماعية، من بينها كتاب بعنوان «جاك دريدا: فيلسوف الهوامش» 2017. و«أهواء بارت ومغامرات البارتية» 2017، و»حفريات الخطاب: مقالات في منطق المعنى وحدث القراءة»، عن دار الرافدين بيروت لبنان،2021.
أيضاً قام بترجمة وتقديم مجموعة من الكُتُب النقدية والفكرية، من بينها «قاموس النقد الأدبي»، من تأليف جويل جارد طامين وماري كلود هوبير.
نوّارة لحرش
توفي، اليوم، الممثل عبد الرحمان بسطانجي المعروف فنيا باسم طه العامري، عن عمر يناهز 97 سنة، تاركا من ورائه فراغا كبيرا في الساحة الفنية، لما قدمه من عطاء طيلة مسيرته الفنية.
و قد ودعت الجزائر والساحة الفنية العربية، واحد من أبنائها المخلصبن أذ لم يقتصر مساره على الفن والتمثيل، بل امتد إلى التضحية بالنفس وللنفيس للدفاع عن الوطن، أيام الثورة الاستعمارية، وهو المجاهد والقامة الفنية الكبيرة، الذي غيبه الموت، بعد مسيرة حافلة بالعطاء والإبداع، إذ ولد شهر أوت من عام 1927 بحي القصبة بالعاصمة، وكان مولعا بالفن والتمثيل إلى أن عين مديرا على رأس المسرح الوطني محي الدين بشطارزي، وعرف بوطنيته وخصاله وأخلاقه الرفيعة.
وعقب وفاته، عبرت وزيرة الثقافة والفنون، الدكتورة صورية مولوجي، عن نعيها للفنان القدير طهِ العامري، مؤكدة على مساهمته الكبيرة في بناء تاريخ الفن الجزائريِ، وذلك من خلالِ مشاركاته الثقافية والفنيةِ ومساره النضالي الحافل .
وقد أشادت وزيرة الثقافةِ بالدور الهام، الذي لعبه الفقيد طه العامري، كونه كما أضافت من خيرة رجال الجزائر المجاهدين خلال الثورة التحريرية، إلى جانب مساهمته في تنشيط الساحة الفنية والثقافية في الجزائر، خاصة وأنه يعتبر رمزا للإبداع والنضال، إذ حمل معه قيم الوطن والتضحية في كل أعماله الفنية، التي ستظل ملهمة للأجيال الجديدةِ منَ للمبدعين والفنانين الجزائريين والعرب، وبرحيله تفقد الجزائر رمزا من رموزه الفنية الملهمة، وهو من سيذكر بفضل إنجازاته الكبيرةِ، التي ستخلد اسمه لا محالة في ذاكرة الجزائريين جميعا.
ع/ بوعبدالله
وقف أمس، جمهور مسرح قسنطينة، مطولا و صفق كثيرا وبحرارة لنجوم عرض « الخطوة الأخيرة»، من أبناء المسرح الصحراوي المقاوم الذين حطوا الرحال بمدينة الجسور، في إطار جولة وطنية للعمل المنتج من طرف المسرح الوطني الجزائري والمسرح الجهوي بلعباس، بالتعاون مع المسرح الوطني المحترف للجمهورية العربية الصحراوية.
تميز العرض الذي شارك فيه 22 ممثلا، بخليط من المشاعر امتزج فيه الفخر بالأسى، واستحقت صور الكفاح و مشاهد الظلم ثناء من حضروه. قدمته ثلة من مسرحيين شباب أنجبتهم المدرسة الفنية الجزائرية، على غرار مالة محمد العبيد، نجمة المسرحية التي أدت دور «الذهبة»، مناضلة صحرواية حملت على عاتقها مهمة النضال في سبيل التحرر فصارت الشوكة التي تدمي حلق المستعمر الغاصب، و النزيف الذي لا يتوقف في جسده الممزق بفعل جراح يسببها غيرها من أبناء الشعب الصحراوي المقاوم.
ولدت الذهبة في مدينة العيون، وهناك بدأت قصتها فقد تشبعت بحب الوطن منذ الصغر، وكغيرها من نساء الصحراء قررت أن تتبنى قضية الوطن إلى غاية النصر أو الشهادة، فصارت الأسطورة لبنات أرضها والبعبع الذي يهابه الغاصبون الكاذبون، و على دربها سارت الحرائر و تحت لوائها حمل رجال السلاح و اختاروا الموت والأسر والتعذيب على الاستسلام و خيانة الأرض وبيع العرض.
« الصحرا حرة»، كانت كلمة السر التي جمعت المناضلين في العمل المسرحي لمخرجه عيسى جكاطي، كلمة ترددت كثيرا واخترق رجع صداها جدران المسرح و سكن زوايا الركح ، الذي احتفى أيضا بالثقافة الصحراوية، فالعرض البسيط بديكوراته وفواصله الكوريغرافية، جاء غنيا بالرمزية حيث قدم اللباس التقليدي بكل ألوانه ودلالاتها كتعبير عن الهوية الثقافية، و اختار مصمموه الموسيقى الصحراوية لتنقل المشاهد إلى تلك الأرض المقاومة، حيث يعيش الشعب نوفمبر آخر، وترقص الآمال على عزف أوتار أغاني الثورة.
كانت المسرحية التي كتب نصها إدريس قرقرة، وأدارها فنيا عبد القادر جريو، جريئة جدا في بعض المشاهد التي صورت التطبيع و ووصفت واقع الصراع وأطرافه دون تزييف، فسقوط «الذهبة» في الأسر كانت اللحظة التي كشفت ستار الضعف عن المستعمر وفضحت إفلاسه أمام أصحاب الحق، كما مثل قرار إعدامها اعترافا بالخوف من إرادة النساء ومحاولة يائسة لإعدام رحم الثورة.
وسط مشاهد يراقص فيها الفن خيالات السياسة، تضاربت الأفكار وتصارعت التيارات بين من يؤمن بالكفاح المسلح ومن يفضل النضال السياسي سبيلا للتحرر، وفي قلب الأحداث تأجلت كل القصص و الهواجس الأخرى وركن الحب جانبا إلى أن تنتهي الحرب، ثم انجلت سحابة الانتظار في المشهد الأخير حين انصهرت إرادة الجميع في قالب سكب منه سيف الحق الذي قطع حبل أسر الذهبة، وبتحررها تحققت إرادة الشعب بكل أطيافه.
* منى محمد سالم مديرة المسرح الوطني الصحراوي
الفن سلاح آخر نرفعه في وجه الغاصبين
قالت منى محمد سالم، مديرة المسرح الوطني الصحراوي، إن «الخطوة الأخيرة» هي سلاح آخر يرفع في وجه الغاصبين، لأن الفن أيضا وجه من أوجه الكفاح كونه لغة يفهمها الجميع، وقد وجب على أبناء الصحراء أن يرووا قصتهم لكل الناس ليعي العالم أنه شعب صاحب حق.
وأوضحت مساعدة المخرج، أن المسرحية تعتبر ثمرة لتكوين شباب مبدعين من الصحراء، في المعهد العالي لفنون السمعي البصري في الجزائر، حيث أشرف على تأطيرهم أساتذة يشتغلون اليوم على القاعدة الأولى التي سينبني عليها المسرح الصحرواي مستقلا، خصوصا وأنه لا يزال فتيا وقد مضى على تأسيسه أقل من سنة.
وحسب المتحدثة، فإن العرض تعبير عن معاناة الشعب الصحراوي وتجسيد لصمود المرأة الصحراوية في المناطق المختلفة من الأرض المحتلة، وفي مخيمات العزة والكرامة تحديدا، وقد مثله شباب صحراويون و أشرف عليه تقنيون صحراويون كذلك، وهو حاليا من أهم الإنتاجات المسرحية للبلد، رغم وجود بعض المحاولات السابقة التي قامت بها فرق وجمعيات أجهضت نجاحها الظروف القاسية في المخيمات.
واعتبرت مديرة المسرح الوطني الصحراوي، بأن الاتفاقية التي أبرمت بين وزارتي الثقافة الجزائرية والصحراوية، تعد بالكثير خصوصا ما تعلق بالتأسيس لمسرح محترف حقيقي يلقن روح الفن و معاني التحرر والكفاح لأجيال من الأطفال في المخيمات، شاكرة الدولة الجزائرية على الدعم الذي توليه لقضية الصحراء وللشعب الذي يمد كل الجسور الممكنة ليحدث العالم عن مأساته.
وقالت منى محمد سالم، إن فكرة العرض قائمة بالأساس على تكريس عناصر الهوية الثقافية المتمثلة في اللباس و الموسيقى، وذلك لأن الدفاع عن الثقافة جبهة أخرى في معركة التحرر، لا يمكن ولا يجب إغفالها ولذلك فقد ركز المخرج على لباس المرأة و الرجل على حد سواء، وأصر على حضور الموسيقى المحلية بآلاتها حتى يعطي بعدا أعمق للعرض و يوسع دائرة رمزيته.
وعن سر التركيز على العنصر النسوي في المسرحية، أوضحت مساعدة المخرج والممثلة في العمل، بأن النساء في الصحراء يعتبرن عماد الثورة لأنهن يحاربن على كل الجبهات في المخيمات أين تتكرس مظاهر القهر و المعاناة، وفي الخطوط الأمامية إلى جانب الرجال الذين يحملون السلاح و يقودون المسيرات الرافضة للاستعمار.
* نجمة العرض مالة محمد العبيد
لا نمارس المسرح لأجل المتعة بل هو كفاح
عبرت مالة محمد العبيد، نجمة « الخطوة الأخيرة»، عن سعادتها بتفاعل جمهور قسنطينة مع المسرحية، وقالت بأن كل عرض جديد هو بمثابة خطوة في مسار النضال المستمر في وجه المستعمر، لأن المسرح بالنسبة لها ولزملائها ليس هواية أو متعة، بل هو نوع من الكفاح.
واستشهدت الفنانة الشابة في حديثها عن أهمية هذا النوع من النضال، بتجربة الجزائريين إبان الاستعمار، واعتبرت بأن الجزائر لا تمنح الصحراويين الدعم فقط، بل تشكل ثورتها إلهاما لكل صحراوي حر.
مالة محمد العبيد، قالت بأن الذهبة، الشخصية الرئيسية في المسرحية تمثل الأرض، وهي أيضا كل امرأة مقاومة ترفض الاستسلام للخوف والاضطهاد، كما أنها القضية التي يتفق حولها كل أبناء الشعب الصحراوي، مؤكدة أن قصة كفاح آخر مستعمرة في إفريقيا لا تتوقف عند هذا الزمن، بل تمتد إلى مراحل سابقة منذ الاحتلال الإسباني.
وأضافت الفنانة الشابة، بأن هدف فريق العمل هو تقديم العرض في عديد الدول التي تعترف بسيادة الصحراء وغيرها، لأنها رسالة يجب أن تستمع إليها كل الشعوب الحرة عبر العالم بداية بالشعوب العربية.
هدى طابي