يصادف اليوم الجمعة، اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وسط تحديات غير مسبوقة تواجهها القضية الفلسطينية في ظل الانتهاكات الإسرائيلية الممنهجة و المتعددة الأساليب للقضاء على حل الدولتين الذي ينادي به المجتمع الدولي، و ذلك عبر تكثيف مشاريع الاستيطان و هدم بيوت الفلسطينيين واعتقالهم و طردهم من أراضيهم وسط دعم و انحياز أمريكي مفضوح للقوة القائمة بالاحتلال.
ففي عام 1977 قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتبار يوم 29 نوفمبر من كل عام يوما عالميا للتضامن مع الشعب الفلسطيني الذي لازال صامدا في وجه المحتل و مناضلا من أجل إقامة دولته المستقلة و عاصمتها القدس الشريف.
ويرتبط تاريخ 29 نوفمبر مع عام 1947، حينما اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 181 الخاص بتقسيم فلسطين عبر إقامة دولة عربية فلسطينية على أرض فلسطين التاريخية ودولة يهودية، ووضع القدس تحت الوصاية الدولية.
ويأتي اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني هذا العام، في ظل استمرار القوة القائمة بالاحتلال في و انتهاكاتها المختلفة و المتعددة بحق الإنسان الفلسطيني و ممتلكاته التي "ترقي إلى جرائم حرب" بحسب المسؤولين الفلسطينيين، وعديد من المنظمات و الشخصيات الدولية.
كما يحل هذا اليوم العالمي بعد أيام من إعلان الولايات المتحدة الأمريكية - حليف إسرائيل التقليدي - اعتبار الاستيطان "أمر شرعي" على خلاف الإدارات الأمريكية السابقة التي أجمعت على اعتبار المستوطنات في الأراضي المحتلة "مخالفة للقانون الدولي".
فيوم بعد يوم تزداد عمليات البناء الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة في انتهاك صارخ للقانون الدولي، و لا يكاد يمر شهر أو شهرين حتى تعلن حكومة الاحتلال عن عمليات بناء وحدات استيطانية جديدة في مسعى لتكريس الاستيطان من أجل فرض الاحتلال كأمر واقع، بينما تكثف من جهة أخرى، و في إطار خطة ممنهجة عمليات هدم بيوت الفلسطينيين و كان آخرها قيام قوات الاحتلال بهدم أربعة منازل لفلسطينيين اليوم الخميس متذرعة في كل مرة بحجج واهية معظمها أمنية أو سياسية.
وحسب معطيات قدمها قاسم عواد، مسؤول وحدة التوثيق في "هيئة مقاومة الجدار والاستيطان" التابعة للسلطة الفلسطينية، فقد هدم الاحتلال 6114 منزلا فلسطينيا في الضفة الغربية والقدس خلال السنوات العشر الأخيرة فقط . ولا يشمل هذا نحو 19 ألف منزل دمرها الاحتلال خلال عدوانه على غزة لثلاث مرات.
والى ذلك تضاعف عدد المستوطنين في الضفة الغربية أربع مرات حسب إحصاء ل"مركز أبحاث الأراضي" الفلسطيني العام الماضي إذ بلغ عدد المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي المحتلة عام 1967 515 مستوطنة وبؤرة استيطانية عام 2018.
كما تضاعف عدد المستوطنين في أراضي 1967 بأكثر من ثلاث مرات وارتفع إلى حوالي 834 ألف مستوطن عام 2018.
و يأتي إحياء اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني في وقت أكد فيه مسؤول ملف الاستيطان في السلطة الفلسطينية، وليد عساف، إن عمليات الهدم الإسرائيلية "تجري في سياق سياسة شاملة تستهدف الوجود الفلسطيني في مناطق الضفة الغربية والقدس خاصة، وتسعى لإبقاء مناطق واسعة من الضفة فارغة من السكان لضمها إلى إسرائيل لاحقا".
و إلى جانب عمليات الاستيطان، تضاعفت و تنوعت اعتداءات المستوطنين بحق الفلسطينيين وذلك بدعم من حكومة الاحتلال، كما "أصبح الاقتحام سياسة إسرائيلية استيطانية ممنهجة"، وفق المتتبعين للمشهد في فلسطين المحتلة.
و أكدت إحصائيات فلسطينية أن مجموع 2133 مستوطنًا اقتحموا المسجد الأقصى في مارس 2018 ، فضلا عن اقتحامهم معالم تاريخية بحجة قدسيتها توارثيا. و شملت اعتداءات المستوطنين : الاعتداء الجسدي وتدمير الممتلكات و خط شعارات عنصرية تحريضية، ومهاجمة الأراضي زراعية واقتلاع الأشجار وحرقها وسرقة ثمارها كل ذلك وسط تقديم حكومة الاحتلال الدعم والحماية للمستوطنين بل أن قوات الاحتلال كانت في كثير من الأحيان "جزء من الاعتداءات" بحسب الفلسطينيين.
ومع استمرار هذه الهجمات دعا مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة أمس الأربعاء و عشية إحياء يوم التضامن مع الفلسطينيين إسرائيل إلى اتخاذ جميع التدابير اللازمة لمنع اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين و إجراء تحقيقات "فعالة ومستقلة وحيادية بشكل فوري".
و أدان مكتب الأمم المتحدة في بيان صحفي أمس قيام مستوطنين الأسبوع الماضي بست هجمات على الأقل أسفرت عن وقوع إصابات بين الفلسطينيين "دون أن تقوم القوات الإسرائيلية المتواجدة في المنطقة باتخاذ أية إجراءات ".
وشددت الأمم المتحدة على أن "على إسرائيل بصفتها القوة القائمة بالاحتلال التزاما قانونيا بضمان سلامة الفلسطينيين وحمايتهم من هجمات المستوطنين، وفي حالة وقوع الهجمات تتحمل الالتزام بضمان محاكمة المسؤولين ومعاقبتهم".
ومن جهته اغتنم الرئيس الفلسطيني محمود عباس مناسبة "اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني"، للتأكيد مجددا أن "التصريحات والقرارات غير القانونية من جانب الولايات المتحدة لا تفضي إلا إلى تشجيع الحكومة الإسرائيلية على تكريس احتلالها وتسريع وتيرة نشاطاتها الاستيطانية وارتكاب مزيد من الجرائم بحق الشعب الفلسطيني".
وحث الرئيس عباس العالم على "عدم الاعتراف بالوضع غير القانوني الذي أحدثته السياسات الإسرائيلية غير القانونية في فلسطين المحتلة، شاملة القدس الشرقية، وعدم تقديم المساعدة أو العون الذي قد يسمح لهذا الوضع بأن يدوم ويترسخ".
وانضم الاتحاد الأوروبي إلى الموقف الفلسطيني ليؤكد بدوره أن "المستوطنات الإسرائيلية غير شرعية وتشكل عقبة أمام السلام وتجعل حل الدولتين مستحيلا" بحسب السيدة، فيديريكا موغيريني، الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية والأمنية في كلمة أمام جلسة عقدها البرلمان الأوروبي حول القضية الفلسطينية أمس الأربعاء .
ودعما لنضال الشعب الفلسطيني من أجل الحرية و استرجاع أرضه المغتصبة و إقامة دولته المستقلة ، تنظم الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، قطاع فلسطين والأراضي العربية المحتلة اليوم فعاليات الاحتفال باليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وللتأكيد أيضا على مركزية القضية الفلسطينية.
وصادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على جعل 29 نوفمبر يوما للتضامن مع الشعب الفلسطيني لتعبئة الرأي العالمي من أجل تسوية سلمية للقضية الفلسطينية.
كما يهدف اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني إلى لفت انتباه المجموعة الدولية لاستمرار الوضعية الصعبة التي يمر بها الشعب الفلسطيني والتعبير عن التضامن الكامل معه ودعم حقوقه الثابتة والمشروعة في إقامة دولته المستقلة على أرضه بعاصمتها القدس.