مـــا سـرّ تهـجّــم منظمــات حقـوقيــة علــى الجــزائـر؟
تعاود بعض المنظمات الحقوقية الدولية من حين لآخر تهجماتها واتهاماتها للجزائر حول موضوع معاملة المهاجرين غير الشرعيين و اللاجئين القادمين إليها من مختلف الجهات، وتتهم هذه الأخيرة السلطات الجزائرية بسوء معاملتهم تارة، وبمنعهم تارة أخرى من دخول التراب الوطني، متناسية الجهود الكبيرة التي بذلتها، والأموال الضخمة التي صرفتها، من أجل استقبال هؤلاء في أحسن الظروف وتقديم المساعدة لهم.
و تدعو هذه الاستفزازات المتكررة من هذه المنظمات الحقوقية الدولية ضد الجزائر إلى التساؤل عن السبب الحقيقي وراء ذلك، وعن الغرض منه، والأهداف التي تريد الوصول إليها في آخر المطاف، والجهات والسياسات التي تريد خدمتها.
ولو كانت هذه المنظمات فعلا تهتم بحقوق الإنسان، وتعتمد على التقارير الحقيقية والمعلومات الصحيحة المستقاة من الميدان، ومن الهيئات الرسمية الجزائرية، ومن فئات المهاجرين أنفسهم لما أصدرت المغالطات التي تنشرها في كل مرة وتتلقفها وسائل إعلام دولية ووطنية أيضا.
ونقول هذا الكلام لأن الواقع يختلف تماما عما تروج له بعض هذه المنظمات التي تتعامل مع مسألة حقوق الإنسان بشكل مجزأ، وإلا كيف نفسر أنها ترى ما تدعيه انتهاكات لحقوق مهاجرين من دول إفريقية وعربية على أرض الجزائر، ولا ترى بالمقابل الحقوق والمساعدات الكبيرة التي قدمتها وتقدمها الدولة والمجتمع برمته لهؤلاء الذين دخلوا التراب الوطني بطرق غير شرعية كما يعلم الجميع. وقد لا نعود هنا إلى المساعدات الكبيرة التي قدمت للمهاجرين الأفارقة الفارين من أوضاع سيئة في بلدان الجوار، لأن ممثلي المنظمات والهيئات الدولية شاهدون على ذلك وقد أنصفوا الجزائر في أكثر من مناسبة، بل نركز على ما ادعته بعض المنظمات الحقوقية في الأيام الأخيرة حول إرجاع السلطات الجزائرية عددا من المهاجرين من جنسيات عربية (سورية على وجه الخصوص) على حدودها الجنوبية.
في البداية لابد من التذكير بأن الجزائر تستقبل فوق أراضيها حوالي 50 ألف مواطن سوري فروا من الأوضاع المأساوية التي يعيشها بلدهم منذ ثماني سنوات تقريبا، وقد قدمت لهم كل الإمكانات والمساعدات الضرورية، فأدمجت أبناءهم في مختلف أطوار التعليم، ومنحتهم تراخيص بالإقامة وحتى بالعمل، ولم تترك أي مواطن سوري شقيق عرضة للشارع و الحاجة أو لأن يمد يده إلا من فضل ذلك لوحده. ولعل الذين يشتغلون في بعض المنظمات الحقوقية تناسوا أن العديد من العائلات السورية اندمجت في المجتمع الجزائري بشكل تام في ظرف قياسي بفضل آليات المساعدة التي وضعتها السلطات في متناولها، وهم اليوم يعيشون بكل سلام وفي تعايش تام مع إخوانهم الجزائريين الذين يتقاسمون معهم التاريخ واللغة والمصير والدين والمعاناة أيضا.
لكن من حق كل مواطن جزائري ومن حق السلطات المختصة أن تتساءل لماذا يفضل بعض السوريين دخول التراب الوطني من الحدود الجنوبية وفي ظروف صعبة مقارنة بدخولهم عبر البوابات العادية في الشمال؟.
ثم متى كان السوريون أو الفلسطينيون يدخلون أرض الجزائر من حدودها الجنوبية، فهذا لم يحدث أبدا في تاريخها، فلماذا إذن لا تتساءل منظمات حقوق الإنسان عن تغيير هذه الوجهة وعن المغزى من ذلك؟.
وإذا كانت هذه الأخيرة لا تهمها مثل هذه التفاصيل فإن الأمر ليس كذلك بالنسبة للسلطات الجزائرية المكلفة بحماية الوطن والمواطن، ومن حقها التساؤل والتحقيق في هوية هؤلاء، وعن الشيء الذي دفعهم لاختيار الطرق البعيدة والخطرة، وغير القانونية حتى يصلوا إلى التراب الوطني.والخلاصة أنه من حق الجزائر الحفاظ على سيادتها وأمنها وأمن مواطنيها كما تراه مناسبا، وهي في ذلك لم تعتد أبدا على حق أي إنسان وأي مهاجر، وقوانين الهجرة معروفة في كل دول العالم، ثم يحق لنا التساؤل جميعا هل نددت مثل هذه المنظمات لما قرر الرئيس الأمريكي بناء جدار كامل على حدود بلاده مع المكسيك لمنع تسلل المهاجرين؟. والحقيقة أن الجزائر التي تحملت وتتحمل ما لا تطيقه دول أخرى أمام موجات كبيرة للمهاجرين السريين لم تكن يوما ما سببا في هذه الهجرات ولو بمقدار ذرة، وهي تتحمل فقط نتائج سياسات دول عديدة غربية بالخصوص، غامرت بالتدخل في شؤون الدول الإفريقية على حساب حقوق مواطنيها، وهي تتحمل المزيد من الضغوط الدولية من أجل إقامة مراكز ومعسكرات لتجميع هؤلاء المهاجرين، لكنها رفضت ذلك رفضا قاطعا لأنه لا يتماشى ومبادئ سياساتها.كما يجب التذكير بأنه لا يمكن أبدا المزايدة على الجزائر في مجال التكفل بالأشقاء من العرب وغير العرب القادمين إليها، وهذا موقف مبدئي يعرفه القاصي والداني عن الجزائر منذ أن نالت استقلالها، ولا يمكن أبدا تقديم أي درس لبلد مثل الجزائر عانى من ويلات الاستعمار ويعرف جيدا معنى النفي واللجوء والتشرد.
كما لا يمكن لأي كان أن يملي عليها كيف يمكن أن تحمي أمنها وكيف تحافظ عليه، وكيف تحمي مواطنيها وترابها.وربما كانت كلمة السر في القصة كلّها، في رفض الجزائر إقامة محتشدات على أرضها للاجئي الجنوب الذين يرفض أغنياء الشمال استقبالهم. إلياس -ب