كشفت مبادرة تتمثل في توزيع مواد غذائية ومواد تنظيف على أسر معوزة في مشاتي بلدية بني حميدان بقسنطينة، عن معاناة أرباب عائلات من البطالة بعد انتشار فيروس كورونا، حيث أحيل عشرات الفلاحين الذين يمتهنون بيع الخضر والفواكه على حواف الطرقات، على البطالة بسبب ضعف الطلب على منتجاتهم، ما جعلهم يتوقفون نهائيا عن العمل.
ونظمت أمس، مديرية النشاط الاجتماعي بقسنطينة بالتعاون مع مديرية الفلاحة قافلة تضامنية جابت أربع مناطق ظل ببني حميدان، حيث وزع أعوان تابعون لمديرية النشاط الاجتماعي بالتنسيق مع أعوان وزارة التضامن الوطني والأسرة إعانات تتمثل في مواد غذائية على غرار الحبوب والعجائن والبيض والزيت ومادة الفرينة والدجاج، إضافة إلى مواد تنظيف متمثلة في الصابون ومعقمات ومناديل ورقية وأفرشة وأغطية، وذلك على 25 عائلة معوزة تتوزع على 4 مشاتي الحمري و المارة و سيدي دريس وعين تالة.
وبدأت الشاحنات المحملة بمختلف المواد بالتوافد على مدرسة الأطفال المعاقين سمعيا بالمنصورة في حدود الساعة العاشرة صباحا، لتكون الانطلاقة إلى غاية منتصف النهار و30 دقيقة في شكل موكب يضم شاحنات ومركبات محملة بمختلف المساعدات، حيث وصلت القافلة إلى وسط مدينة بني حميدان في حدود الثانية بعد الزوال حيث تجمعت هناك لدقائق، قبل أن تنطلق مجددا نحو المشاتي المعنية والتي تبعد بحوالي 10 كيلومترات.
سكنات غير مكتملة وخالية من الأجهزة الكهرومنزلية
وكان الطريق المؤدي من وسط بني حميدان إلى المشاتي ضيقا، إلا أن المناظر الطبيعية الخلابة التي ميزت المنطقة شدت نظرنا، حيث تحيط بالمسلك مزارع وحقول، كما طغى اللون الأخضر على المشهد العام فيما كانت الطريق ملتوية ما جعلنا نكتشف مناظر خلابة، كما لفت انتباهنا انتشار بعض الفلاحين الذين كانوا بصدد حصد الجلبانة والفول، فيما قامت نساء وشباب بقطف بعض الحشائش الصالحة للاستهلاك على غرار «القرنينة» و»الشبت»، لكن هذه المناظر أفسدتها مفرغة للنفايات واقعة وسط تلك المساحات الخضراء، وبعد حوالي 20 دقيقة صعودا بالسيارة إلى أحد الجبال، وصلنا إلى مشتة الحمري السفلي.
و مباشرة عند دخول المشتة كانت حالة البنايات غير المكتملة تدل على الوضع المادي الصعب الذي تعيشه العائلات هناك، لتتوقف القافلة أمام أحد المساك، ويتم التوجه إلى أول أسرة معوزة، وبعد قطع أمتار على مسالك وعرة، شاهدنا أن سكن المستفيد غير مكتمل تماما، وعلمنا أنه رب أسرة بطال يمتهن السرح بالماشية، وتم استقبال الأعوان من طرف شقيقة المعني وابنه الصغير، و عند دخول المسكن المكون من غرفتين، لاحظنا عدم وجود أية أجهزة كهرومنزلية، وكل ما كان متوفرا أفرشة وألبسة وبعض الأواني.
كهول بطالون يعيلون عائلات
وعند مغادرة السكن فوجئنا باحتجاج أحد الجيران مطالبا بحصته، ليتم إخطاره أن العملية ستمس كل المعوزين عبر قائمة على أن يأتي دوره في قادم الأيام، كما تجمع بعض السكان الذين بدت عليهم علامات التعجب والتساؤل حول تواجد قافلة بمنطقتهم، وكأنهم غير متعودين تواجد غرباء بالمنطقة، وبعد قطع عشرات الأمتار سيرا على الأقدام تم توزيع إعانة أخرى على كهل بطال، وجدنا أبناءه الصغار في الانتظار وعلامات الفرحة بداية على وجوههم، كما ساهموا في إدخال المساعدات للمنزل، وعلمنا أن المستفيد يعيل عائلة تتكون من 4 أبناء وزوجة و كذلك شقيقه و زوجته.
وأخطرنا المعني أنه أحيل على البطالة بسبب انتشار فيروس كورونا، حيث تعذر عليه التنقل إلى سوق الجملة الواقع بالمنطقة الصناعية بالما من أجل بيع بعض الخضار على غرار البصل والبطاطا والفول، موضحا أن النشاط التجاري يعرف ركودا وبالتالي رفض تجار الجملة اقتناء تلك السلع، كما قال شقيقه إنه تعود على البيع على حواف الطرقات ببني حميدان وشعبة المذبوح إلا أن الإقبال تراجع كثيرا ما جعلهما يكتفيان بالبقاء في المنزل وينتظران انتهاء الأزمة.
وعند عودتنا إلى مكان توقف القافلة، كانت نظرات السكان توحي بأنهم متخوفون من الاقتراب منا، حتى أعلنها أحدهم صراحة، لما قال «ابتعدوا عنا قد تجلبون لنا الوباء»، توجهنا بعدها إلى مشتة الحمري العلوي، وتم توزيع الإعانات على 4 عائلات تضم نساء يتكفلن بإعالة عائلات تتكون من عدة أفراد، ثم انطلقنا إلى مشتة المارة، وفي طريقنا وقفنا على تواجد مربي النحل مرتدين بدلات وقائية خاصة، كما صادفنا بحيرة صغيرة في مشهد جميل.
وصلنا إلى مشتة المارة والتي كانت جل بناياتها غير مكتملة أيضا، كما اعتمد أصحابها على ربط الحبال من أجل تعليق الأفرشة والأغطية وحتى الملابس، ليتم توزيع المساعدات على 15 عائلة كلها تقطن ببنايات متقاربة من بعضها، لتنطلق مجددا القافلة إلى مشتة سيدي دريس ومنها إلى عين تالة، حيث كانت كل المسالك وعرة من أجل الوصول إلى سكنات الأسر المعوزة والتي استقبلت تلك المساعدات بأوجه مبتسمة متمنية تكرار مثل هذه المبادرات مستقبلا.
مديرة النشاط الاجتماعي والتضامن: أحصينا 600 أسرة معوزة في مناطق الظل ببني حميدان
أكدت مديرة النشاط الاجتماعي والتضامن بقسنطينة، سامية قواح، أن العملية التضامنية نظمت بالتنسيق مع وزارة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة و وزارة الفلاحة والغرفة الفلاحية تحت إشراف مديرية الفلاحة، موضحة أنه تم إحصاء 600 عائلة معوزة في بلدية بني حميدان ستوزع عليها الإعانات عبر أجزاء و وفق برنامج، على أن تشمل مناطق أخرى مستقبلا، مشيرة إلى أن الخلايا الجوارية التابعة لوزارة التضامن من تشرف على إحصاء الأسر.
وأضافت قواح أن مصالحها تنظم عمليات أخرى بعد تلقي إعانات من الديوان الوطني للترقية والتسيير العقاري، إضافة إلى مجموعة من الجمعيات والمجتمع المدني وبعض المتعاملين الاقتصاديين وخاصة في مجال مواد النظافة، كما ستتم برمجة عملية أخرى على حساب صندوق التضامن الوطني ما سيمكن من مساعدة المرضى، مؤكدة أنها لن تترك العائلات المعوزة في مثل هذا الظرف، وذلك من خلال توفير مخزون معتبر من المواد الغذائية والتنظيف لتخفيف العبء عنها، مؤكدة بأن هذه المبادرة ليست الأولى حيث تعمل مصالحها على تنظيمها طيلة السنة، موضحة أنه تم التكفل بأكثر من 550 عائلة في الفترة الممتدة بين جانفي ومارس.
ح.ب