الخميس 19 سبتمبر 2024 الموافق لـ 15 ربيع الأول 1446
Accueil Top Pub

الصحفي وأستاذ الإعلام عبد الكريم تفرقنيت في حوار للنصر: الإعلام في الجزائر مازال في مرحلة الهواية ولم يدخل مرحلة التصنيع

يؤكد الصحفي وأستاذ الإعلام عبد الكريم تفرقنيت في هذا الحوار الذي خص به النصر، على ضرورة الإسراع في معالجة المشاكل التي يعاني منها قطاع الإعلام، والشروع في تنقية المجال الإعلامي والخروج من البزنسة والابتزاز، والانتقال بالإعلام إلى مرحلة «التصنيع»، كما شدد على ضرورة وقف المقايضة التي يمارسها الإعلام باعتماده على الإشهار العمومي، وقال إن معالجة مشاكل القطاع تتوقف على توفر الإرادة السياسية من جهة، واستعداد الإعلاميين للانخراط في مسعى شامل للتطهير يضع الإعلام ضمن مكانته الحقيقية كسلطة رابعة من جهة ثانية.

حاوره: ع- سمير

النصر: كيف ترون واقع الإعلام في الجزائر بعد ثلاثة عقود من التعددية والانفتاح ؟
تفرقنيت: واقع الصحافة في الجزائر صعب جدا، احترافيا وماليا ومهنيا يتوجب تداركه قبل أن يتفاقم ويتأزم أكثر، يجب إدخال تعديلات قانونية وأخرى في الممارسات الإعلامية وكل هذا يتوقف على ما تريده السلطة من جهة وما يريده رجال المهنة.
الصحافة الجزائرية مرت بعدة مراحل منذ الاستقلال من مرحلة الحزب الواحد إلى أحداث أكتوبر 1988 وظهور التعددية السياسية والإعلامية وبروز الصحافة الخاصة، حيث ظهرت عدة عناوين خاصة، إلى جانب القطاع العمومي ممثلا في 6 جرائد، لكن ما نلاحظه في الساحة الإعلامية هو وجود حوالي 150 جريدة ورقية، ولكن التي تظهر في الأكشاك حوالي 20 أو 25 جريدة فقط والباقي هي جرائد ورقية ولكنها تظهر على الانترنت أكثر، هذا الواقع الموجود الآن.
الصحافة في الجزائر نوعان، النوع الثالث غير موجود تقريبا ويتعلق الأمر بالصحافة الحزبية غير موجودة تقريبا لعدة أسباب، هناك جريدة مقربة من حزب ولكن الصحافة الحزبية غير موجودة ولا يمكن الحديث عنها، في الواقع توجد لدينا صحافة خاصة وصحافة حكومية إن صح التعبير، هي ليست صحافة عمومية هي صحافة حكومية ترتبط بالخط الافتتاحي للحكومة وصحافة خاصة هي أيضا ترتبط بالخط الافتتاحي للمال.
 كثيرون يعتقدون أن التمويل هو الرقم الأهم في المعادلة الإعلامية ما هو رأيكم ؟
التمويل بالنسبة للصحافة الخاصة ضروري جدا ومن حق كل الجرائد لخاصة أن تبحث عن التمويل لكن مشكلتها أنها لم تنوع من مصادر التمويل، تصور انه من بين المصادر الرئيسية والهامة لتمويل الصحافة الخاصة سواء الجرائد الورقية أو القنوات الفضائية الخاصة الإشهار الحكومي والإعلان المؤسساتي، هناك بعض الإعلانات الخاصة من قبل بعض الشركات الخاصة لكن نظرا لعدم ديناميكية الاقتصاد الوطني هناك نقص في هذا المجال، حيث يقتصر الأمر على بعض المؤسسات فقط التي تشتغل في قطاع المواد الغذائية التحويلية.
يتم الاعتماد بشكل كبير على الإشهار العمومي، وهنا يجب أن أشير إلى غياب قانون الإشهار وبالتالي لا توجد شفافية في منح الإشهار، كما أن الإشهار الحكومي خلال السنوات الماضية أصبح يمنح بمكيالين من يساند الحكومة والسلطة القائمة يحصل على الإشهار ومن لا يدعم لا يستفيد من الإشهار، أي كانت هناك مقايضة معروفة من قبل السلطة ومن قبل الخواص كذلك الذين استغلوها استغلالا كبيرا أي أنهم يقايضون السلطة بما أنها الممول الوحيد للإعلام في الجزائر.
تعتقدون أن الصحافة في الجزائر لا تزال تسير بمنطق «القطاع الهاوي» بعيدا عن التصنيع الإعلامي؟
الإعلام في الجزائر لم يدخل مرحلة التصنيع بل لا يزال كإعلام هاوي من ناحية التسيير والتمويل وحتى من ناحية البحث وصياغة الخبر، أي بقيت صبغة الهواة طاغية على الصبغة الاحترافية لا يوجد احتراف في التسيير والتحرير عموما مع بعض الاستثناءات، بالإضافة إلى وجود فراغ قانوني رهيب حتى في مجال السمعي-البصري، تصور أنه منذ شروع القنوات الخاصة في أول بث في 2011 حتى اليوم لا تحوز تلك القنوات على الاعتماد، هي مجرد مكاتب مصرح بها بصفة استثنائية مؤقتة لمدة سنة، رغم وجود قانون السمعي-البصري، لم تحصل القنوات الخاصة على الاعتماد وهذا هاجس كبير جدا.
الأمر ذاته بالنسبة للمواقع الالكترونية لا يوجد لديها اعتماد، أغلب المواقع مستوطنة في الخارج في تونس والأردن وبريطانيا وغيرها، وهذه ظاهرة جزائرية فقط، لا توجد قنوات خاصة ومواقع الكترونية مستوطنة في الخارج. أيضا في الواقع لا يتم التفريق بين الصحافة الالكترونية وما بين وسائط الاتصال الجديدة من حيث الاحترافية.
برأيكم كيف يمكن تغيير الأمور و معالجة الاختلالات التي تعيق تطور قطاع الإعلام في الجزائر ؟
واقع الصحافة في الجزائر يحتاج إلى وضع قوانين لتوضيح الأمور من بينها قانون الإشهار وقانون سبر الرأي الذي لا يساعد فقط الصحافة في معرفة قرائها بل يساعد حتى الاقتصاد الوطني، والصحافة الالكترونية ينبغي وضع قانون خاص بها، كما ينبغي تعديل بعض المواد من قانون الإعلام لسنة 2012، لأن الإحصائيات كشفت أن ثلث المواد الخاصة بهذا بالقانون لم تطبق، على سبيل المثال المواد التي تتعلق بمجلس أخلاقيات المهنة لم تطبق، ومواد خاصة بالصحافة الالكترونية لم تطبق، كذلك الأمر بالنسبة لسلطة ضبط الصحافة المكتوبة هناك 14 مادة في قانون الإعلام لم تطبق نظرا لعدم وجود هذه السلطة، هناك أيضا سلطة ضبط السمعي البصري وهي الحاضر الغائب والتي لا نسمع عنها إلا في مناسبات قليلة تكتفي بمجرد بيانات باهتة تحذر وتندد وكأنها غير موجودة أصلا. يجب أن ندق ناقوس الخطر إزاء الوضع المتردي الذي يعيشه قطاع السمعي-البصري، الوضع متردي وهناك عدة تجاوزات من قبل القنوات تعود لهذه الأسباب.
يمكن القول أن الإعلام في الجزائر في وضع لا يحسد عليه ويجب التعجيل بمعالجة الاختلالات وتغيير الوضع بتدخل الحكومة عن طريق تغيير القوانين ومن قبل الصحافيين أنفسهم. والملاحظ أنه لا توجد لا جمعيات صحافيين ولا نقابات، فالجمعيات الموجودة هي ضعيفة جدا وقليلة لا تمثل إلا نفسها، لا توجد نقابات ولا مجلس أخلاقيات المهنة، كانت هناك تجربة بين 2000 و 2004 لكن انتهى هذا المجلس الذي كان يرأسه احد الصحافيين الكبار في الجزائر،  في الحقيقة كانت تجربة رائدة بالنسبة للصحافة المكتوبة لكن للأسف لم تستمر.
برأيكم لماذا وصل الإعلام في الجزائر إلى هذا الوضع، هل هذا راجع لتغييب أهل المهنة وفتح المجال أمام من لا علاقة لهم بالقطاع، أم بسبب سياسات وقرارات ؟
في العالم بأسره العلاقة بين الصحافة والسلطة هي علاقة طردية وتنافسية، إن لم تكن علاقة تشنج في بعض الأحيان والصحافة الجزائرية لم تخرج عن هذا الإطار، لأن الحرية لا تمنح بل هي نتاج نضال من أجل تغيير الواقع الصحفي، وهنا يأتي دور رجال المال والأعمال، وللأسف أصحاب المال لا يستثمرون في هذا القطاع، هناك تجارب باهتة، ولو نعود إلى تجربة الصحافة الخاصة نجد أنها نشأت بعملية قيصرية، وبمبادرة من صحافيين كانوا يعملون في القطاع العمومي وهذا كان أصل المشكلة، بالإضافة إلى القطاع العمومي الذي لم يستطع أن يكون قطاعا عموميا يؤدي خدمة عمومية في غالب الأحيان، بل يؤدي خدمة للحكومة وفق دفتر شروط معين، وهذا الدفتر باهت غير واضح المعالم لا يمكن الاطلاع عليه وليس بالعنصر الشفاف، وبالتالي فان القطاع العمومي الذي هو في الحقيقة تابع للحكومة لا يؤدي خدمة عمومية.
برأيكم معالجة المشاكل التي يتخبط فيها الإعلام في الجزائر يمر عبر الحكومة التي لها مسؤولية مراجعة القوانين بالموازاة مع مبادرات لتنظيم المهنة من قبل الإعلاميين أنفسهم؟
هذا ما يتوجب أن يكون عليه الإصلاح، لأن معالجة الخلل الذي يعيب الأداء الصحفي ينقسم إلى شقين، الشق الأول للحكومة والأخر للإعلاميين أنفسهم لتنظيم الوضع. سواء كانوا أساتذة في الجامعة ولهم دور استشاري أو رجال الأعمال وأصحاب الجرائد وأيضا الصحافيين ينبغى عليهم السعي من أجل إنشاء مجلس أخلاقيات المهنة ونقابات قوية، مثلا بطاقات الصحافيين في عديد الدول حتى من بينها الدول العربية، تمنح من قبل النقابة وليس من قبل الوزارة الوصية التي تتولى دور سلطة ضبط ولا تكن سلطة وصية تتحكم في الإعلام، ينبغى العمل الجماعي من الحكومة ورجال الإعمال ورجال المهنة لتغيير الوضع، التجارب موجودة لكن القصور يرجع إلى طبيعة النظام السياسي الجزائري وطبيعة الصحافيين الجزائريين وطبيعة رأس المال الجزائري.
لكن هناك من يخشي تغلغل المال الفاسد إلى الإعلام كما حدث في السياسة، حيث أصبح المال الفاسد هو الذي يحدد التوجه السياسي ويوجه الرأي العام، ما هو رأيكم؟
التمويل طبعا يجب أن يكون وفق ضوابط محددة والالتزام بالشفافية، الإعلام بحاجة إلى أموال، والآن يقايضون بالأموال، فأصحاب القطاع العمومي يقايضون بأموال الحكومة ولا يمكنهم بذلك انتقاد الحكومة إلا في بعض المسائل الثانوية والقطاع الخاص كذلك لا يمكنه انتقاد الحكومة أو ينتقدها بطريقة تصل إلى الفوضى أي من التطرف في الثناء والمدح والتأييد إلى التطرف في النقد.
المال ضروري للإعلام لكن يجب أن يكون وفق ضوابط معينة وتحديد دفتر الشروط وهناك تجارب مشتركة تشارك فيها الحكومة والقطاع الخاص والصحافيين في مجالس إدارة المؤسسات الإعلامية، هناك عدة تجارب ناجحة ولا يجب فقط أن نركز على من يملك جريدة وله المال ويفعل ما يريد، والأمر هنا لا يتعلق برجال المال بل حتى صحافيين قدماء يملكون جرائد ويقايضون بها سواء الأحزاب أو الحكومة، نظرا لعدم الشفافية وعدم الوضوح، لذا ينبغي تقنين التمويل لمنع حدوث تجاوزات أو تغول لأي طرف على حساب الطرف الأخر.
نتحدث عن تمويل الجرائد والقنوات في الوقت الذي يعاني عشرات الصحافيين بسبب عدم تلقيهم مرتباتهم، كيف نوازن بين تمويل الإعلام وحق الصحفي في مرتب يكفل له العيش الكريم؟
ينبغى على الصحافيين أيضا التحرك في هذا المجال ولا يبقون على الهامش ولا يبقون معزولين عن هذا الواقع، بل يشاركون حتى في رأس المال كما هو معمول به في تجارب أخرى، وهنا في الجزائر بالفعل فان أجور الصحافيين أصبحت غير مضمونة وهذه نقطة مهمة جدا ويتحجج صاحب الوسيلة الاعلامية بغياب الإشهار، ما نراه اليوم هو أن صحافيين لم يتقاضوا أجورهم مدة 7 أو 8 أشهر، هل هذا واقع سوي؟ وهل يمكن بناء إعلام وصحافة بهذه الطريقة، بطريقة تسول الإشهار سواء من الحكومة أو القطاع الخاص، ينبغى أن تكون ميكانيزمات جديدة للبحث عن طرق تمويل جديدة للجرائد ولا نبقى في طريقة الهواة فقط والاعتماد على الإشهار العمومي، وإذا توقف الإشهار الحكومي تغلق الأبواب، هذه الطريقة جربناها طيلة سنوات عديدة ولم تثمر.
رغم كل هذه النقاط السلبية ألا تعتقدون أن الصحافة في الجزائر تمكنت من كسب بعض النقاط الايجابية ولو على قلتها ؟
التجربة الصحفية في الجزائر وخاصة بالنسبة للإعلام المكتوب، تجربة لها سلبياتها وايجابياتها، لا يمكن أن نقول أنها سلبية إلى درجة كبيرة ولا يمكن أن نقول كذلك أن التجربة ايجابية بالكامل، هناك عدة مميزات منها الجرأة فالصحافة الجزائرية كانت جريئة في عدة مواقف والانتقادات وأصبحت تسمى بالسلطة الرابعة في سياق نقل انشغالات المواطنين وإيصال تلك الانشغالات إلى السلطات، حيث أثرت في الكثير من القضايا وحاولت أن تكافح الفساد قبل الآن بعدة طرق، وحاولت إظهار بعض بؤر الفساد، لكن وضعها يبقى وضع هشا و ينبغى تأسيس وضع أكثر فعالية في ظل التنافس الذي تفرضه مواقع التواصل الاجتماعي.
الحكومة فتحت ورشات لإصلاح الإعلام في الجزائر، برأيكم ما هي الأولويات التي يتوجب العمل عليها لإخراج مهنة الصحافة من الوضع الذي تتواجد فيه ؟
الوضع بائس في الجزائر، ونحن أمام إشكالية غياب هياكل، فسلطة الضبط للسمعي البصري لا تؤدي دورها، وسلطة ضبط الصحافة المكتوبة غائبة وكذلك مجلس اخلاقيات المهنة، النقابات موجودة ولكنها غير تمثيلية، لذا يتوجب الخروج إلى نقابات قوية تكون فاعلة وتمثيلية وليس شرط أن تكون نقابة واحدة بل عدة نقابات قوية. للخروج من الوضع الحالي يجب أن تتوفر إرادة سياسية وعدم الخوف من الإعلام، وبالنسبة للإعلام الخروج عن ثقافة السب والشتم والابتزاز التي يعتمدها البعض، وللأسف أصبحت أخلاقيات المهنة لديهم غير موجودة، ينبغى إعادة التأسيس لها عن طريق لمجلس أخلاقيات المهنة.
يجب تنقية المجال الإعلامي والخروج من البزنسة والابتزاز، وينبغي استشارة الصحافيين في هذه القوانين، واعتقد أن  الورشات ضرورية جدا  لأن الحوار والحديث مع المهنيين والمسؤولين والاكاديمين وينبغي أن يتحمل كل طرف مسؤولياته، وينبغي للإعلام أن يدخل المجال الصناعي ويخرج من مجال الهواة، علينا أن ننتقل إلى مرحلة الصناعة الاعلامية، ويكون المجال للمحترفين فقط، ولكن كل هذا متوقف على الإرادة السياسية للحكومة ورؤيتها لقطاع الإعلام في الجزائر في المستقبل هل يكون قطاع مدح و»شيتة» أو قطاع يعمل على تقويم أي اعوجاج في الأداء الحكومي ويمارس طبيعة الرقابة الاعلامية التي تراقب نشاط الحكومة بأخلاق دون تجاوزات.        ع/س

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com