مازال الإقبال متواصلا على المنابع المائية الطبيعية بقالمة، منذ بداية شهر رمضان، في استهتار و تحد للجهد الوطني
و مساعي التصدي لوباء كوفيد 19 الذي يواصل الانتشار المرعب في البلاد.
و مع نهاية ساعات الحجر من صباح كل يوم، تتوجه أعداد كبيرة من الناس إلى المنابع الجبلية العذبة لجلب المياه، في رحلة محفوفة بالمخاطر و لا يتردد صائدو المنابع بقالمة عن خرق تدابير الوقاية كارتداء الكمامات و التباعد، فهم يتكدسون حول المنابع و يقضون ساعات طويلة هناك وسط الطبيعة، معتقدين بأن الفيروس الفتاك خجول و لن يستطيع الوصول إلى هذه المواقع الطبيعية البعيدة و أن الخطر موجود فقط بالمدن و القرى، حيث الأسواق و تجمعات الحشود الرافضة لتدابير التصدي للجائحة العالمية المرعبة.
و تعد منابع عين البيضاء بسلاوة عنونة و الأربعاء بني مجالد ببرج صباط و عين شويخة ببلدية بوحمدان و منابع عين صندل و الدهوارة و بوحشانة الأكثر استقطابا للمهووسين بمياه المنابع في رمضان و لا تنقطع الحركة بهذه المواقع طيلة ساعات النهار، رجال و نساء و أطفال صغار و باعة الحليب و اللبن و الحشائش البرية و حتى الخضر و الفواكه، الذين وجدوا في هذه المنابع المكان المفضل للتجارة، بعيدا عن فرق المراقبة و زحمة أسواق المدن.
و لا يقتصر الإقبال على منابع المياه الجبلية على سكان قالمة وحدهم، فهناك عابري السبيل الذين لا يفوتون فرصة المرور بهذه المنابع، دون تعبئة القارورات و الأواني البلاستيكية الفارغة، فهذه المواقع الطبيعية في رمضان سياحة و صيد ثمين.
و كان المشهد بمنبع عين البيضاء الواقع ببلدية سلاوة عنونة بمحاذاة الطريق الوطني 20، مثيرا للقلق و المخاوف، عندما وصلنا إلى هناك بعد منتصف نهار السبت، أين لاحظنا تدافع و تزاحم بين الناس و تجار في كل مكان و نساء و أطفال يمارسون لعبهم المفضلة بالمياه و القفز فوق الصخور و المرح بين الحشائش و الأزهار البرية.
كانت السيارات من عدة ولايات مجاورة، تماما كما كان يحدث بمحلات بيع زلابية وادي الزناتي الشهيرة قبل صدور قرار إعادة الإغلاق.
بهذا المنبع المعروف لدى سكان قالمة و مستعملي الوطني 20، لا كمامات و لا تباعد و فوق كل هذا عراك و تدافع نحو المنبع المتدفق بقوة، لكن قوته تبدو غير مقنعة للمصابين بالهوس و القلق في رمضان و سرعان ما يتم خرق طابور الانتظار و تسود الفوضى، في مشهد مقرف يختزل طرق تعامل أغلبية الجزائريين مع وباء كورونا الفتاك. و من خلال تصرفات المندفعين و المتجمعين بالأسواق و حول المنابع المائية الجبلية بقالمة، تكاد تجزم بأن الوباء موجود فقط في المستشفيات و وسائل الإعلام التي تخوض معركة إقناع مضنية، لكنها كمن يصيح في واد سحيق.
و يمكن لهواة صيد مياه المنابع الطبيعية في رمضان، أن يلتقطوا العدوى و هم لا يشعرون، عندما يتزاحمون و يتدافعون حول المنابع مع أناس قادمين من مناطق موبوءة و هم حاملون للفيروس دون أن تظهر عليهم أعراض الإصابة. و تعد هذه واحدة من أكبر التحديات التي تواجهها الجزائر، لصد الوباء المتفشي في البلاد.
فريد.غ