يتطلّع الجزائريون، بعد توقيع رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون المرسوم الخاص بنشر التعديل الدستوري في الجريدة الرسمية و دخوله بالتالي حيز التطبيق، إلى سنة جديدة بآفاق جديدة تتجاوز متاعب، ورعب، وقلق، السنة المنقضية على المستويات الصحية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
بعد سنة عصيبة أخذت فيها جائحة كوفيد 19 الحيز الأكبر ومقدمة الأحداث، وألقت بظلالها على كل مستويات الحياة كلها، وكانت نتائجها وخيمة، يتطلع المواطنون مع فجر السنة الجديدة إلى أن تكون سنة أحسن مليئة بالإنجازات والتغيير المنشود الذي رسم معالمه الدستور الجديد والتزامات رئيس الجمهورية التي قطعها على نفسه أمام الناخبين خلال حملة رئاسات 12 ديسمبر 2019.
واليوم والرئيس تبون يوقع قرار إصدار التعديل الدستوري الذي استفتي بشأنه الشعب يوم الفاتح نوفمبر الماضي فإن المجتمع برمته ينتظر تجسيد التغيير الذي وعد به تبون في مشروع "الجزائر الجديدة".
ويفتح اعتماد التعديل الدستوري الأخير بشكل رسمي المجال واسعا لتجسيد بقية الوعود المتعلقة بالإصلاح السياسي وما يترتب عنه من نتائج وخطوات واستحقاقات سياسية في المستقبل، وبهذا الخصوص تنتظر الطبقة السياسية الكشف عن مضمون القانون العضوي المتعلق بالانتخابات الذي أمر تبون قبل أيام بتحضيره والانتهاء منه في أقرب وقت والذي تنتظر منه أن يضبط العملية السياسية وشروط الترشح لعضوية الهيئة التشريعية، والقضاء بشكل نهائي على مظاهر المال الفاسد وتدخله المضر في الميدان السياسي، والذهاب نحو أخلقة العمل السياسي في آخر المطاف وإعطائه وجها جديدا.
وتنتظر الطبقة السياسية من وراء تقديم قانون الانتخابات الجديد والمصادقة عليه من قبل البرلمان بغرفتيه بشغف موعد الإعلان عن تاريخ الاستحقاقات الانتخابية المقبلة أهمها الانتخابات التشريعية والمحلية لأنها هي التي ستفرز مؤسسات شرعية جديدة تتماشى والمعطيات الجديدة التي جاءت بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
وفي ذات السياق ينتظر الكشف أيضا عن بقية القوانين العضوية التي سيتم تكييفها مع بنود التعديلات الدستورية الأخيرة، علما أن التعديل الدستوري قد رسم معالم الجزائر الجديدة والمرحلة المقبلة في حياه البلاد بما حمله من إصلاحات لبناء دولة القانون، وترسيخ الديمقراطية، وتعزيز الفصل بين السلطات، وأيضا تعزيز استقلالية القضاء ودوره في المجتمع، وتعزيز الدور الرقابي للبرلمان وللمعارضة التي ستنتخب فيه، إعطاء مكانة خاصة للمجتمع المدني.
وفي الجانب الصحي يأمل الجزائريون أن يؤدي التلقيح ضد فيروس كورونا الذي سينطلق في الأيام القليلة القادمة إلى الحد من هذه الجائحة القاتلة وعودة الحياة إلى طبيعتها والخروج من هذا الكابوس، والتخفيف بالتالي من التدابير التي صاحبت ظهور كوفيد 19.
حياة اقتصادية صعبة
وفي الجانب الاقتصادي والاجتماعي لا يخفى على أحد أن سنة 2020 الذي ميزها انتشار فيروس كورونا في بلادنا منذ الشهر الثاني على غرار بقية دول العالم، قد كانت عصيبة على شرائح واسعة من الجزائريين وبخاصة الفئات الهشة ضعيفة الدخل، ولكن ألقت أيضا بآثارها الوخيمة على القطاع الاقتصادي برمته، على الرغم من التعويضات والمساعدات التي قدمتها الدولة لكل هذه الشرائح لتجاوز الأزمة.
واليوم ومع التوجه العالمي نحو التخفيف من آثار هذه الجائحة بعد وضع لقاحات عدة مضادة لها من طرف العشرات من المخابر العالمية، ومع القرارات الهامة التي اتخذتها الدولة في مجال جلب اللقاح يأمل الجزائريون أن تأخذ السنة الجديدة منحى ايجابيا مغايرا في هذا الجانب، خاصة وأن التلقيح ضد كوفيد 19 سيبدأ في الأيام القليلة القادمة.
يضاف إلى ذلك القرارات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة المتعلقة بالفتح التدريجي للنشاطات الاقتصادية التي كانت مغلقة منذ عشرة أشهر وهو ما من شأنه أن يعيد الحيوية للنشاط الاقتصادي شيئا فشيئا ليتجاوز بذلك الخسائر الكبيرة والمعوقات التي كبلته منذ شهور والتي أثرت بشكل كبير على مردوديته، والذي من دون شك سيكون لكل هذا الانعكاس الايجابي على الحالة الاجتماعية لشرائح واسعة من الجزائريين.
أما في الشكل العام فإن الانطلاقة الاقتصادية التي رسمها الرئيس تبون والتي تعطلت بعد الظهور المفاجئ لفيروس كورونا ينتظر أن توضع على السكة مع بداية العام الجديد من أجل الدفع بالاقتصاد الوطني نحو مرحلة جديدة.
وفي هذا الصدد ينتظر من الحكومة العمل على تجسيد المخطط الوطني للإنعاش الاقتصادي الذي أشرف على مناقشته مع مختلف الشركاء رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في الصائفة الماضية، وهو المخطط الذي من المفترض أن يعطي دفعا قويا للمؤسسة الاقتصادية الوطنية العمومية والخاصة، في إطار الرؤية الجديدة لتطوير الاقتصاد الوطني.
وفي ذات الإطار أيضا سبق لرئيس الجمهورية أن ألح في أكثر من مناسبة على ضرورة التحوّل نحو اقتصاد المعرفة وجعله واقعا ملموسا، واستعمال تكنولوجيات الإعلام والاتصال الأكثر تطورا في العالم من أجل ربح معركة النمو في مجملها، والعمل على تطوير قطاع المؤسسات الصغيرة الذي يعتبر الحلقة الأهم في تطوير اقتصاديات العديد من الدول التي حققت نسب نمو كبيرة في العقود الماضية.
وبالنظر لما حمله مشروع قانون المالية للسنة الجارية من تدابير وآليات لترشيد الانفاق العمومي والتقليل من الواردات، ومع الارتفاع الملحوظ في أسعار النفط يتفاءل الكثير من المواطنين بأن تكون السنة الجديدة أفضل من سابقاتها في الجانب الاجتماعي والاقتصادي والمادي.
ووفق ما أعلن عنه رئيس الجمهورية من التزامات وما قام به من خطوات أولية ينتظر أيضا أن يقوم المجتمع المدني بدوره في رسم السياسات وإيصال انشغالات المواطنين للسلطات المعنية في إطار سياسية تشاركية واسعة يرجى منها تجاوز أساليب الحكم البالية التي ميزت المرحلة السابقة.
وعلى العموم فإن الآفاق واسعة وكبيرة والآمال أكبر في هذه السنة الجديدة لمحو آثار سنة سبقتها كانت ثقيلة ومؤلمة في نفس الوقت، والأمل أكبر في تغيير نمط الحكم وتسيير شؤون المجتمع.
إلياس -ب