فند الشيخ عبد الله جاب الله رئيس جبهة العدالة والتنمية في هذا الحوار أن يكون رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور قد توسط بينه وبين رئيس «حمس» عبد الرزاق مقري بسبب الخلاف الذي وقع بينهما غداة لقاء مقري بأويحيى . وقال أن هذا الملف طوي نهائيا وقد تمسك كل طرف برأيه . ورفض القول بأن التيار الإسلامي فشل لأنه لم يحكم برأيه حتى يصدر هكذا حكم ضده . لكنه يدعوه دائما لمراجعة الذات . محذرا من أن الوضع الحالي قد يوصلنا إلى مرتبة الدولة الفاشلة.
النصر: أطلقتم قبل أسبوع مبادرة للم شمل أبناء التيار الإسلامي هل لنا أن نعرف إلى أين وصل التجاوب معها ؟
هذه المبادرة هي مبادرة مئات الإطارات النشطة في الحقل الإسلامي والتي لها سوابق نضالية في تنظيمات مختلفة . الداعي إليها إنما هو ما آل إليه أمر التيار الإسلامي من ضعف وتشرذم ، وما آل إليه أمر الأمة من أزمات مختلفة في ميادين الحياة، وما آل إليه أمر الدولة من ذهاب المصداقية و فشلها في مشاريع التنمية المختلفة.
لما وقع إشتراك في التقييم لهذا الواقع كان السؤال الكبير الذي طرح نفسه علينا هو ما العمل من أجل المساهمة في بناء مستقبل أفضل لأبناء المشروع الإسلامي وللأمة وللوطن وللدولة ؟ ، والإستفادة من التجارب الوحدوية السابقة وما آلت إليه من فشل على كثرتها ... فكان الإتفاق بين المبادرين إلى ضرورة التوجه بالمبادرة للأفراد المؤمنين بالمشروع من أجل دعوتهم للقاء قصد التحاور والتشاور حول الواقع والمستقبل .
المبادرة إذن ليست موجهة للأحزاب وليست طاعنة في الأحزاب وليست بديلة عن الأحزاب ، وإنما موجهة للأفراد بصفاتهم الفردية وأنا موجود فيها بهذه الصفة . ويؤسفني أن أقول بأن الضجة التي أحدثتها في الساحة وردود الأفعال الصادرة في الكثير من الجرائد ومن بعض الوجوه كانت في غير محلها . لعل هذا يعود إلى سوء فهم المبادرة فظنوا أنها مبادرة أحزاب ولم يروا الأحزاب حاضرة . والحقيقة كما أفصح عنها نداؤها فهي موجهة للأفراد.
أما عن مدى التجاوب معها ، فالمبادرة مازالت في البداية ولكن هناك تجاوب مشجع يدعو إلى التفاؤل بالمستقبل مع الإستعداد لمواجهة كل الإحتمالات .
كيف تقرأون تشتت التيار الإسلامي ... ماهي الأسباب في نظركم ؟ وهل يتحملون جزء من مسؤولية حالهم ؟
هناك عدة عوامل لذلك بعضها داخلي يخص التيار الإسلامي مثل غلبة المصالح الحزبية على المصلحة العامة . وهناك عوامل خارجية وهي في نظري الأكثر تأثيرا في ما آل إليه أمر التيار . تنحصر في وقوف النظام و أوليائه وراء الحرب المتعددة والمتنوعة التي شنت على المشروع الإسلامي وأنصاره عبر أكثر من عقدين من الزمن وهي حقيقة لا يجادل فيها إلا من يريد أن يصم أذنيه ويغمض عينيه على سماع هذه الحقيقة ورؤيتها.
لكن ذلك يعتبر شيئا طبيعيا في السياسة لأن كل طرف يدافع عن مواقعه ومصالحه ؟
لا ليس شيئا طبيعيا ، بل هو سلوك يتناقض مع قواعد الممارسة الديمقراطية ، والتي منها إحترام التعددية وعدم توظيف المنصب لعرقلة الأحزاب وتشويهها . أوالكيد لها ومحاربة إطاراتها في أرزاقهم وتهديدهم سياسيا وإقتصاديا إذا إستمروا في النضال في أحزابهم إلى غير ذلك من الإجراءات الكثيرة التي إعتمدها النظام بغرض تجفيف كل المنابع التي يتغذى منها التيار الإسلامي، والعمل على محاصرة رموزه وتشويههم بشتى الطرق والوسائل.
ألا تعتقدون أن الإسلام السياسي فشل بعد عقود من الممارسة السياسية ، وأن عليه اليوم مراجعة طرائق وأساليب ممارسة السياسة ؟
هذا سؤال مركب والجواب عليه سيكون كذلك. الملاحظة الأولى حول المقولة المفرقة بين الإسلام والإسلام السياسي . والتي هي من الملوثات الفكرية العلمانية التي تسربت إلى عقلية الكثير من الكتاب والإعلاميين . لقد أضحى تسويقها في ما يكتبون وما يقولون هو القاعدة . والحقيقة العلمية غير ذلك . الإسلام دين شامل لجميع مناحي الحياة . والسياسة جزء منه وهي من أهم أجزائه . بإعتباري أحد النشطين في الحقل الإسلامي أرفض هذه التجزئة وأردها على أصحابها بالحجة والدليل . الله تعالى جعل هذا الدين منهجه المرتضى لعباده لينظموا به حياتهم ويضبطوا به مواقفهم وعلاقاتهم . منذ أن جعله تشريعا شاملا لجميع جوانب الحياة . فأضحى التشريع في الجوهر والحقيقة علم على الدين كله . وردت في بيان هذا مئات النصوص في كتاب الله ليس المجال هنا لذكرها بالتفصيل .
وثانيا القول أن الإسلام فشل . أو حتى إن الإسلاميين فشلوا قول ظالم . لأن السؤال الذي يطرح نفسه متى حكم الإسلاميون حتى نقول أنهم فشلوا ؟ .
إن بلاد العرب والمسلمين ومنذ طرد المستعمر وهي بيد العلمانيين . وما آل إليه أمر الأمة من فشل متنوع ومتعدد إنما هو فشل لهذا التيار وهو اليوم من يروج لمقولة فشل التيار الإسلامي لأنه هو المسيطر على وسائل الإعلام بشكل عام فينطبق عليه المثل العربي “ رمتني بدائها وإنسلت “.
قولكم أن التيار الإسلامي مدعو لمراجعة نفسه فهذا قول حق و أنا أشاطركم القول وأتبناه . المراجعة مطلوبة بإستمرار . والمبادرة التي توجهنا بها إنما تندرج في جملة ما تندرج فيه في إطار المراجعة والتقييم والبناء . لكنها مراجعة تنأى عن أسلوب التشخيص والتخصيص وإلغاء التبعية للغير وتذهب في أسلوب الإستفادة من التجارب السابقة وإستخلاص العبر والدروس منها والتعاون على بناء المستقبل الذي نريده أن يكون أفضل من الحاضر و أقدر على تقديم النفع للمشروع وللأمة وللوطن وللدولة.
اختلفتم مع رئيس” حمس” بعد لقائه أحمد أويحيى مدير ديوان رئيس الجمهورية . هل مشكل المعارضة في مثل هذه اللقاءات مع العلم أنه بإمكان أي حزب أن يلتقي سريا بممثلين عن السلطة ؟
التنسيقية فضاء مهم يجتمع أصحابه حول تشخيص مشترك للواقع وتصور محدد وواضح ودقيق لكيفية تحقيق الإنتقال الديمقراطي السليم. والمحافظة على الإنسجام داخل التنسيقية واجب وضروري لأنه يخدم مسألة ثقة الأمة بها ويحسن أداءها ويقوي قدرتها في قيادة نضالات الأمة لإصلاح أوضاعها.
ما حصل من حديث ، ضخمته الصحافة . هو إختلاف في وجهات النظر حول جزئية من الجزئيات تمسك كل طرف بوجهة نظره بشأنها . بينما ترى “ حمس” أنه لا تعارض بين التمسك بأرضية تنسيقية الحريات والإنتقال الديمقراطي وخيارها ، وبين التحاور من جانب واحد مع السلطة ، ترى جبهة العدالة والتنمية أن المصلحة في تفادي ذلك دفعا لأي تشويش قد يحدثه هذا السلوك لدى الرأي العام ، والتنسيق مستمر لحد اليوم.
ماهي صحة الأخبار التي تحدثت عن لقاءات ووساطة بينكما لإنهاء الخلاف ؟
ما طرح وما قيل حول مسألة اللقاء محمود . وأنا أرحب بأي أخ أراد اللقاء في أي زمان وفي أي مكان . الأخ عبد الرزاق مقري في مقدمة المرحبين به . لكن ما ثار من لغط حول هذه المسألة يحتاج لتوضيح لأنه ليس لغطا واحدا بل هو لغط متعدد . بعضه غير صحيح كالقول أن أحمد بن بيتور توسط بيننا . أو القول أن هناك إتصالا بالمكلف بالبروتوكول لطلب اللقاء هذا غير صحيح مطلقا.
القول أنه تم الإتصال بالأخ عمار خبابة لطلب اللقاء . هذا الكلام صحيح وقد تم الإتصال بخبابة ، لكن هذا الأخير طلب منهم تأجيل هذا الموضوع لأنه قدر بأن الظروف التي تم فيها الطلب غير مناسبة بسبب ما كان قائما من توتر . وبسبب أن المكتب الوطني لجبهة العدالة والتنمية لم يجتمع ليقرر موقفه مما هو جار.
لذلك لم يتم اللقاء الثنائي . وقد تم لاحقا في إطار التنسيقية وتمت تسوية هذا الملف والإتفاق على ضرورة كف الأذى وطي هذه المسألة والنظر إلى ما يقوي التواصل والتعاون في المستقبل .
نعود إلى مسألة المعارضة . بعد عقود من العمل السياسي والتجارب لا تزال المعارضة عندنا ضعيفة لماذا برأيكم ؟
ضعف المعارضة له أسباب متعددة من أهمها دور النظام في إضعافها. النظام الجزائري يسيطر على كل موازين القوة . هو نظام شمولي في الحقيقة وليس نظاما ديمقراطيا . الديمقراطية فيه مجرد مظهر يتبناه كتحية باردة للشعب يمارس من ورائها الحكم . لعله من المفيد هنا أن أشير إلى سياسات التشويه والضرب والحصار الذي يمارسه النظام ضد كل من يخالفه الرأي . لذلك من الظلم إتهام المعارضة بالفشل أو القصور والتقصير . مثل هذا الإتهام يخدم النظام ويساعده على الإستمرار في سياساته . الأولى هو إنتقاد ممارسات النظام .
هل أنتم في المعارضة ؟ ثم من تعارضون ؟ هل تعارضون السلطة القائمة أم رأس السلطة أم النظام برمته ؟
المعارضة تطلق على من يقف خارج السلطة . ويتخذ منها ومن سياساتها موقف الضد والرفض . بهذا المفهوم السياسي الصحيح نحن في المعارضة منذ أن وجدنا ونحن مستمرون في المعارضة اليوم . لأن الأسباب التي جعلتنا في المعارضة مستمرة .
كيف تقيمون الوضع العام في البلاد اليوم ؟
الوضع العام سلبي . والفشل والفساد هو الذي يطبع مشاريع السلطة في السياسة والإقتصاد والتعليم وغيرها . أعتقد أن الإستمرار في هذه الحال يعمق مقولة أننا في دولة فاشلة ويدفع بها لتكون بها دولة مميعة . مثل هذه الحال إن حصلت لا سمح الله فسوف تقود إلى فوضى عارمة الرابح فيها خاسر وهو ما نود تفاديه . لذلك إقترحنا في إطار التنسيقية تصورا سياسيا سليما ومتوازنا ومتدرجا في كيفية الخروج من الأزمة بما يضع البلاد على الطريق الصحيح لبناء نظام ديمقراطي تعددي سليم وصحيح .
اللغة العربية إحدى أهم ثوابت الأمة والمجتمع الجزائري . ودستوريا هي اللغة الرسمية الوطنية . من هنا فالعدوان عليها هو عدوان على ثابت من أهم الثوابت وعدوان على الدستور نفسه . لذلك ما تنوي الوزارة فعله هو سلوك عدواني ضد الدستور وضد ثابت من أهم ثوابت المجتمع أي ضد المجتمع . هذا يندرج في الحرب التي دأب النظام على إدارتها بحيل متعددة ضد الإسلام والعربية وضد كل الداعين إليهما والعاملين من أجلها بصدق وإخلاص . لا مبرر يمكن أن يقدم في هذا الشأن لأن التاريخ الضارب في أعماق الزمن يفند تلك المبررات والإدعاءات . آباؤنا الذين كانوا نماذج رائعة في العلم والمعرفة وخدمة الأمة والإنسانية إنما وصلوا إلى ما وصلوا إليه بتمكنهم من اللغة العربية ودراستهم لها منذ الصغر.
أجرى الحوار: محمد عدنان