فرنسا لم تتخلص من حلم " الجزائر فرنسية " وترفض تسوية قضايــــا الذاكــرة
• لا يجوز توظيف كتابة التاريخ لأغراض سياسية
قال الباحث في التاريخ محمد لحسن زغيدي، الأستاذ بجامعة الجزائر 2 ، أن فرنسا لم تستطع التخلص من حلمها القديم ومازالت تنظر إلى الجزائر على أساس أنها قطعة من فرنسا، لذلك لا تتردد في محاولة التدخل في الشؤون الداخلية للجزائر، وتحاول إفشال المحاولات الجزائرية لتنويع شركائها الاقتصاديين، كما ترفض رفضا قاطعا أي تحرر ثقافي للجزائر عن باريس، كما أكد الباحث بأن رفض فرنسا الاعتراف بجرائم ماضيها الاستعماري نابع من كونها لا تريد أن تتصالح مع تاريخها ولا تريد أن تتبنى ثقافة السلم وثقافة المؤاخاة مع الآخر.
وأكد زغيدي في لقاء خصّ به النصر، أن فرنسا مازالت لم تتخلص من حلمها ومن عقدتها التاريخية وتعتقد اليوم كما بالأمس بأن الجزائر فرنسية، وقال ‹› إن العقلية اليمينية في فرنسا مازالت تسيطر على المصادر الحقيقية للقرار الفرنسي في المجال الثقافي والسياسي وأحيانا حتى في المجالين الاقتصادي والدبلوماسي››، وقال إن اليمينيين الفرنسيين المستحكمين في دواليب السلطة وفي القرار مازالوا يظنون أن الجزائر تابعة لفرنسا ويسعون للتدخل في الشؤون الجزائرية.
وأعرب المتحدث عن يقينه بأن فرنسا مازالت ترفض أي تحرر ثقافي للجزائر وتحاول دائما أن تعرقل ربط علاقات شراكة مع البلدان الأخرى لتستأثر بحصة الأسد في كل شيء، لذلك – يضيف ـ فإن قضية الذاكرة بالنسبة للفرنسيين تبقى عقدتهم الأبدية، مشيرا إلى أن قضية تمجيد الاستعمار التي كان قد صوت عليها البرلمان الفرنسي كانت نسبة أبناء جيل 1962 من النواب الفرنسيين الذين صادقوا على هذا القانون تفوق 80 بالمائة، رغم أنه جيل ليس له علاقة بجيل فرنسا الاستعمارية وكان من المفروض على هذا الجيل أن يتبنى أفكار الثورة الفرنسية المبنية على ( حقوق الإنسان والعدالة والإخاء والمساواة ) و ليس تبني ثقافة جيل الاستعمار.
كما أكد زغيدي في ذات السياق، بأن فرنسا ترفض تسوية القضايا المتعلقة بالذاكرة ولا تريد في الاعتراف بجرائم ماضيها الاستعماري، لكونها لا تريد أن تتصالح مع تاريخها ولا تريد أن تتبنى ثقافة السلم وثقافة المؤاخاة مع الآخر ولا تريد الاعتراف بما اقترفه أسلافها مع الآخر، رغم أن فرنسا في واقعها معترفة بجرائم ماضيها الاستعماري، باعتبار أن كل كتابات العسكريين السابقين والسياسيين التي تتحدث عن احتلال فرنسا للجزائر ومراحل الاحتلال الفرنسي والاستيطان الفرنسي في الجزائر ومراحله يتناولون جرائم لا نظير لها من قتل وحرق وتخريب وتدمير وإبادة ومحو من الوجود.
وأشار زغيدي في هذا الصدد إلى أن جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر تعددت في عدة مجالات، وذكر منها الجرائم الاجتماعية كتشريد الجزائريين وتشتيتهم في الداخل والخارج، وتفكيك المجتمع الجزائري، ولفت إلى بعض الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها فرنسا في الجزائر كمحارق العوفية والظهرة وبني ناصر ومجازر 8 ماي 1945 علاوة على جرائم دينية تتمثل في تحويل المساجد إلى كنائس، فضلا عن التعدي على الرموز الدينية وغيرها إضافة إلى جرائم ثقافية تتمثل في نشر الجهل عمدا ومحاربة التعليم باللغة العربية وجعل هذه الأخيرة لغة أجنبية، وكذا فرض التدريس والتعليم والمخاطبة باللغة العامية، وجعل هذه الأخيرة، لغة للصحافة المكتوبة وأعطى مثالا بجريدة ‹› المبشر ‹› التي كانت تصدر في العاصمة، وكل ذلك من أجل ضرب مقومات الشخصية الوطنية في محاربة الإسلام بمحو لغة الإسلام وكذلك جرائم اقتصادية من الاستيلاء على الأراضي واغتصاب الأراضي ومحاربة الصناعات التقليدية والصناعات التحويلية في الجزائر ثم محاربة كل مظاهر النهضة الفكرية.
وفي رده عن سؤال عما إذا كان يؤيد الدعوة إلى تحريك المجتمع المدني للضغط على فرنسا لغاية حملها على الاعتراف والاعتذار والتعويض، قال زغيدي «كل الدول التي اعترفت بجرائم ماضيها الاستعماري بدء بالولايات المتحدة الأمريكية وانتهاء بإيطاليا، جاء اعترافها بجرائمها ليس عبر القنوات الرسمية فحسب وإنما عن طريق الضغط المتواصل للمجتمع المدني الواعي لأن باستطاعته وبممارسة ضغوطه أن يحّول المستحيل إلى ممكن لأن المجتمع المدني يستطيع أن يتجاوز ويتخطى الالتزامات الدبلوماسية التي لا تعنيه وإنما تعني الدوائر الرسمية فيما يتكلم هو باسم التنظيمات الشعبية غير الحكومية›› مضيفا، ‹› للمجتمع المدني الحق المطلق في أن يدافع عن ما يراه هو حق له، بل يساعد الدوائر الحكومية التي تحيدها الأعراف الدولية والبروتوكولات الدبلوماسية والتعاملات السياسية في أن تتنازل عن بعض الحقوق أو تسكت عنها... وهكذا و أمام الضغط والسعي المتواصل قد يساعدها في تبرئة ذمّتها كونها أصبحت تطالب بذلك كمعبر عن لسان الشعب الضاغط والمدافع بقوة إلى آخر هذا الضغط وهو ما نراه اليوم في الكثير من الدول الغربية وكثير من الدول العالم باستعمال الضغط الشعبي كذريعة للوصول إلى الدفاع وتحقيق قضايا معينة، وقد تتدخل في أمور لا تعنيها وبعيدة عنها ولا تربطها بها لا قضايا جغرافية ولا دينية ولا اقتصادية ولا قومية وتتدخل بدعوى الضغط الشعبي المساند لتلك القضية››.
ونبّه المتحدث إلى أن المجتمع الجزائري بإمكانه إذا ما أراد أن يتهيكل ويتجند في الداخل ويجنّد أصدقاءه عبر العالم لأنه لا يوجد اليوم في الكرة الأرضية من لا يقدس الثورة الجزائرية ومن لا يحترم تضحيات الشعب الجزائري ومن لا يعترف بالجرائم التي ارتكبت في حقه، وقال ‹› أرى أنه من حقنا الاستثمار في أصدقائنا للوصول إلى هدفنا، مازلنا البلد الوحيد الذي انتهكت حرمة أرضه بالتفجيرات النووية بشقيها السطحي والباطني››.
وبخصوص الأهمية التي يكتسيها الأرشيف الجزائري الذي استولت عليه إدارة الاحتلال الفرنسي وقامت بتهريبه وما زالت فرنسا تمتنع عن تسليمه، رد زغيدي›› نظرا للأهمية التاريخية والقيمة العلمية للأرشيف الجزائري الموجود في الخارج سيما في فرنسا في اكتشاف الحقيقة، فهو يحافظ على الإرث التاريخي مهما كانت أخطاره، لذلك فإن فرنسا مسؤولة في الحفاظ عليه وتسليمه بكل أمانة لأصحابه المعنيين طبقا لنصوص المواثيق الدولية المتعلقة بهذا الشأن››، محذرا من أنه أمام التقدم التكنولوجي فإنه بإمكان الأرشيف أن يتعرض إلى التزييف تماما مثل ما تتعرض العملات لذلك. ولهذا يطالب الدكتور زغيدي أن يتم التعامل مع أي وثيقة خاصة بالأرشيف تأتي من فرنسا بأن تأخذ بعين النقد والتدقيق، وذلك انطلاقا من الروح العدائية التي مازالت تكنها للجزائر والجزائريين رغم مرور أكثر من نصف قرن على الاستقلال واستعادة السيادة الوطنية.
وعن واقع الكتابة التاريخية والبحث الأكاديمي في التاريخي بالجزائر، قال زغيدي ‹› يجب أن لا نقيم البحث العلمي في المجال التاريخي ولا يحق لنا تاريخيا أن نقول أن هذه القضية قد أخذت حقها سيما وأن من صنعوا هذا الحدث مازالوا ما أحياء يرزقون››، ملفتا إلى أن الباحث الجزائري على مستوى الجامعة قدم في هذا الإطار عبر أقسام التاريخ المئات من الأطروحات في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، تناولت كما أشار بالدراسة التوثيقية لجوانب متعددة في تاريخ الثورة والحركة الوطنية ومن بينها هجومات 20 أوت 55 ومؤتمر الصومام، لكن لا نستطيع أن نقول أننا أوفيناه حقه.
ووجه زغيدي في هذا الصدد نداء إلى المعنيين بتشجيع نشر الكتاب على مستوى وزارتي المجاهدين والثقافة وكذا ديوان المطبوعات الجامعية على طبع وإخراج هذه الأطروحات، من أجل إثراء رصيد المكتبة الوطنية من الإصدارات المتخصصة في التاريخ الثورة والحركة الوطنية وبالتالي تشجيع الباحثين وتحفيزهم على مواصلة البحث وفي المقابل تشجيع القارئ الجزائري على اقتناء الجديد والاطلاع على مختلف الجوانب المتعلقة بتاريخ الجزائر.
من جهة أخرى، اعتبر زغيدي بأنه من حق أي كاتب أن يتناول مواضيع عن التاريخ أو أن يكتب في التاريخ كهاوٍ من منطلق أن التاريخ من صناعة شعب، لكنه أكد بأنه لا يحق لأي كان أن يضع مكانه مكان المؤرخ، وقال ‹› بإمكان كل شخص أن يكتب التاريخ كهاوٍ وكمحب أو مبدع، لكن لا يجب أن يدعي أنه يمتلك الحقيقة المطلقة لأنه لا يملك صفة المؤرخ، باعتبار أن التاريخ علم يخضع لمنهجية أكاديمية يتكون فيها المؤرخ وفق مراحل تكوينية جامعية متخصصة يتدرج فيها وفق ما تتطلبه مراحل التدرج من تقديم رسائل وأطروحات ودراسات وبحوث تخضع جميعها للتقييم وينال بها الباحث درجة الباحث في التاريخ››.
وأضاف ‹› بأن كل ما يكتب في التاريخ خارج المنهج العلمي هي كتابات بالمنظور الشخصي للكاتب ووفق لونه السياسي وأيضا وفق قناعاته و ما يريد أن يوصل من رسائل إلى الآخر لأغراض سياسية ‹›، وقال ‹› إن هذا في الحقيقة لا يجوز لأنه قد يمس بمصداقية الحقيقة التاريخية ، لأن التاريخ صُنع ليكون زاد لا للمزاد››.
عبد الحكيم أسابع