ملف من إعداد: صالح فرطاس
فتحت النسخة 19 لألعاب البحر الأبيض المتوسط الباب على مصراعيه أمام الجزائر لجعلها قطبا رياضيا بامتياز، لأن النجاح في تنظيم العرس المتوسطي فاق كل التوقعات، في دورة ستبقى فعالياتها راسخة في أذهان منشطيها من الرياضيين وكذا المتتبعين، على حد سواء، مع بعث الأمل في قلوب كل الجزائريين بالقدرة على احتضان التظاهرات القارية وحتى العالمية على المديين القصير والمتوسط، بالاستثمار في المرافق والهياكل التي تم تشييدها خصيصا للموعد المتوسطي، وتبقى في الخدمة تحسبا لقادم الاستحقاقات.
دورة وهران، وإن حملت رسالة الأمن والسلام من الأراضي الجزائرية، بتعايش شعوب حوض المتوسط سويا في بلد بحجم قارة، مع دعم مبدأ السلم ونبذ العنف والعنصرية في مختلف القضايا، وعلى اختلاف المستويات والأصعدة، فإنها بالمقابل أعطت للجزائر صورتها الحقيقية «دوليا»، خاصة في المجال الرياضي، وذلك من خلال التأكيد على القدرة على تنظيم منافسات مهما كان حجمها، بعدما كانت الهيئات القارية والإقليمية، وإلى وقت ليس ببعيد، تشكك كثيرا في هذا الأمر، وتتردد حتى في منح الجزائر شرف احتضان تظاهرات كبيرة، والدليل على ذلك فشل ملف تنظيم «كان 2017» أمام الغابون، وكذا الترويج لإشاعات تجريد الجزائر من شرف تنظيم «شان 2023»، لكن المعطيات انقلبت رأسا على عقب بعد دورة وهران 2022، لأن عبارات الإشادة والتنويه بإمكانيات وقدرات الجزائر تجاوزت حدود القارة السمراء، بعد أن أثبتت حقيقة الميدان بأن المرافق والهياكل الرياضية التي أنجزت في «الباهية» وضواحيها كانت بمواصفات عالمية، فأخذت الطلبات تتهاطل على مسؤولي قطاع الرياضة بوهران بحثا عن برنامج مسطر لتنظيم دورات ومنافسات قارية وحتى دولية في عدة اختصاصات، فضلا عن وضع هذه الهياكل في خدمة العناصر الوطنية، مادام الرئيس تبون كان قد ألح على ضرورة إعطاء أهمية قصوى للرياضيين الذين نجحوا في تشريف الألوان الوطنية في أكبر المحافل، تحضيرا للمواعيد المقبلة.
كسب رهان تنظيم الطبعة 19 للعرس المتوسطي وبتقدير ممتاز، امتد مفعوله من النجاح الرياضي إلى قطاعات أخرى، لأن السياحة بوهران تشهد هذه الصائفة نقلة نوعية، من خلال الإقبال القياسي للمصطافين، خاصة من السياح الأجانب، وما لذلك من انعكاسات جد إيجابية على الحركة التجارية بالقاعدة الغربية من الوطن، بصرف النظر عن الآثار الإيجابية لهذه التظاهرة على الاقتصاد، لأنها كانت بطابع «رياضي»، إلا أن ثمارها كانت في النهضة الاقتصادية، موازاة مع حتمية استغلال المرافق المنجزة بمعايير عالمية، وإعطائها المكانة التي تسمح بجعلها مشاريع استثمارية.
ص / ف
مدير الشباب والرياضة لوهران ياسين سيافي للنصر: نلنا ثقة الهيئات الدولية والطلبات تتهاطل لإقامة منافسات قارية وعالمية
كشف مدير الشباب والرياضة لولاية وهران ياسين سيافي، بأن النجاح الذي عرفته النسخة 19 من ألعاب البحر الأبيض المتوسط، كان كافيا لتسويق صورة رائعة عن الجزائر بصفة عامة و»الباهية» على وجه الخصوص، واستدل على ذلك بالإقبال القياسي للسياح الأجانب على ولايات الجهة الغربية من الوطن في هذه الفترة، بصرف النظر عن الآثار الإيجابية التي تركتها هذه التظاهرة على الجانب الرياضي.
وأكد سيافي، وفي حوار خص به النصر، بأن المرافق الرياضية التي تم تشييدها بولاية وهران تحسبا للعرس المتوسطي أبهرت العالم، إلى درجة أن الطلبات أخذت في التهاطل من أجل إقامة منافسات قارية وعالمية بوهران، بعد الاطمئنان المسبق على النجاح في التنظيم، وهو ما اعتبره مكسبا كبيرا للجزائر، بنيل ثقة مسؤولي مختلف الهيئات الرياضية الدولية بشأن المرافق والهياكل التي تتوفر عليها، والقدرة على استضافة أي منافسة مهما كان حجمها.
*في البداية، ما هي قراءتكم في مشهد وهران خلال فترة ما بعد العرس المتوسطي؟
الحقيقة التي لا يمكن لأي أحد إنكارها أن النجاح الكبير في تنظيم النسخة 19 لألعاب البحر الأبيض المتوسط، كان كافيا للتسويق لصورة مميزة للجزائر على الصعيد الدولي، سواء من خلال رسالة الأمن والسلام، أو مكانتها المرموقة في الساحة الإقليمية والعالمية، لأن التظاهرة الرياضية جمعت أبناء 26 دولة، تعايشوا معا في سلام، في حوض المتوسط، الذي يشمل بلدانا من 3 قارات، وهي معطيات تكشف عن المكسب الكبير الذي حققته الجزائر في الجانبين السياسي والاجتماعي، لأن كل الوفود كانت قد غادرت وهران بنظرة مختلفة عن تلك التي كانت لديها عن الجزائر قبل انطلاق المنافسات، والكل انبهر بالتنظيم، وكذا بالمرافق التي تم انجازها خصيصا لهذا الموعد، دون تجاهل الانعكاسات الإيجابية التي كانت في باقي القطاعات، ولعل السياحة تبقى في الصدارة، لأن ما تعيشه ولاية وهران في موسم الاصطياف الحالي يبقى أمرا غير مسبوق، بتوافد آلاف السياح الأجانب، خاصة من ليبيا، فضلا عن القفزة العملاقة في إطار تشجيع السياحة الداخلية، الأمر الذي حرك دواليب مختلف النشاطات بعد ركود لسنوات طويلة.
*نفهم من هذا الكلام أن الدورة المتوسطية، كانت سببا في تحقيق انتفاضة سياحية بالولاية؟
كنا نعتقد بأن الإقبال القياسي على الفنادق ومرافق الاستقبال كان في فترة الألعاب المتوسطية فقط، لكن المؤشر واصل في التصاعد بشكل ملفت للإنتباه، ليبلغ الذروة بتوافد السياح الأجانب، وهذا «السيناريو» لم يكن وليد الصدفة، بل نتاج النجاح المحقق في العرس المتوسطي، والنجاح كان باندماج الحركة الجمعوية والمجتمع المدني في المساعي التي قامت بها لجنة التنظيم بمختلف تخصصاتها، لأن حفاوة الاستقبال التي حظيت بها كل الوفود، وكذا المعاملة المميزة التي كانت قد لقيتها من طرف المواطنين سواء في الملاعب والقاعات، وحتى عند الخروج إلى الشوارع ساهمت بشكل مباشر في إعطاء صورة رائعة عن الجزائر وشعبها، والأمثلة كثيرة ومتعددة، خاصة من وفود إيطاليا، إسبانيا، فرنسا وتركيا، وكذا كل الوفود العربية، في وجود الكثير من الرياضيين الذين كانوا قد ذرفوا الدموع عند مغادرتهم وهران، مع إلحاحهم على ضرورة العودة إلى هذه المدينة إما لقضاء العطلة أو التحضير للاستحقاقات القادمة، فكانت عواقب ذلك جد إيجابية، لأن الفترة التي تلت الألعاب شهدت توافد السياح بشكل كبير، والإقبال أعطى المنطقة ديناميكية كبيرة في مختلف القطاعات.
*وماذا عن الجانب الرياضي وآثار تلك التظاهرة على الهياكل التي تم تشيّيدها؟
الصورة التي تم تسويقها بعد النجاح الباهر في تنظيم ألعاب البحر الأبيض المتوسط أعطت الجزائر مكانة مرموقة في الساحة الرياضية الدولية، لأن المرافق التي تم انجازها خصيصا للعرس المتوسطي كانت بمواصفات عالمية، وقد وقف على ذلك الرياضيون وبعض مسؤولي الاتحادات القارية والدولية، وقد انبهر الجميع للمستوى الذي بلغته الجزائر في هذا المجال، وذلك بتوفرها على ملاعب وقاعات تستوفي كل الشروط المطلوبة لاحتضان مسابقات دولية، وهذا الأمر يمكن اعتباره بمثابة أحد أهم المكاسب للجزائر في المجال الرياضي، وذلك بنيل ثقة مختلف الاتحادات، والاعتراف المسبق بقدرتها على تنظيم المنافسات، مادامت البنية التحتية متوفرة، وعليه فإن الطلبات تهاطلت علينا من العديد من الاتحادات العربية والإفريقية بحثا عن موافقة لتنظيم تظاهرات رياضية بوهران، فكانت البطولة العربية للسباحة أول تجربة في هذا الشأن، وقد سارت الأمور بنفس إيقاع العرس المتوسطي، لأننا كسبنا ثقافة «التنظيم» بكامل تقاليدها، مع السعي دوما للنجاح في كسب الرهان، دون التقليل من قيمة أي تظاهرة، مهما كان طابعها، كما أن الاتحاد العربي لكرة القدم حول البطولة العربية لفئة أقل من 17 سنة إلى وهران، بعد التأكد من توفر المرافق والهياكل التي تسمح بضمان النجاح في التنظيم، في الوقت الذي طلب فيه الإتحاد الإفريقي للملاكمة تنظيم دورة قارية بوهران، فضلا عن الاتحادات القارية لرياضات الكاراتي دو، المصارعة، التنس والبادمينتون، والتي أعربت عن نواياها الجادة في تنظيم دورات دولية بوهران، ومن بينها محطات من برنامج التصفيات المؤهلة إلى أولمبياد باريس 2024 وكذا بطولات العالم في مختلف التخصصات.
ألا يعني هذا بأن وهران قادرة على احتضان نسخة من دورات «الكان»؟
الحديث عن تنظيم طبعة من نهائيات كأس أمم إفريقيا يبقى من صلاحيات السلطات العليا للبلاد، ولو أن الامكانيات المعتبرة التي كانت الدولة قد سخرتها لإنجاح النسخة الأخيرة من العرس المتوسطي تبقى مؤشرا ميدانيا على قدرة الجزائر على احتضان أي تظاهرة رياضية، مهما كان حجمها، لأن التجربة المتوسطية جعلت الطلبات تتهاطل على الجزائر، للموافقة على تنظيم عديد الدورات بوهران، وهذا ما يكفي للتأكيد على أن موازين القوى قد تغيّرت، والمعطيات انقلبت رأسا على عقب في ظرف زمني وجيز، لأن من كان يشكك في قدرة الجزائر على تنظيم تظاهرة إقليمية أو قارية أصبح يساند فكرة منحها شرف احتضان منافسات عالمية، وذلك بعد الوقوف على الهياكل التي تم تسخيرها لإنجاح دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط، وقد تلقينا بعد تلك التظاهرة العديد من رسائل التهاني والشكر على التنظيم من لجان أولمبية لبلدان من الحوض المتوسطي، كما لم يتردد رؤساء بعض الاتحادات من دول أوروبية في إقامة تربصات إعدادية بوهران تحسبا للتصفيات المؤهلة للأولمبياد، وهو ما سيلزمنا على ضبط رزنامة تتماشى وما تسطره الاتحاديات الجزائرية من برنامج، لأن رياضيي النخبة سيستفيدون من تكفل تام في مرحلة التحضير، تنفيذا لتوصيات الرئيس تبون، في انتظار استغلال المرافق المتوفرة في احتضان بطولة عالمية، وهذا هو هدفنا على المديين القصير والمتوسط، لأن أغلب القاعات والملاعب تستوفي الشروط الدولية، وما تتوفر عليه لا يوجد في أغلب بلدان العالم.
حـاوره: ص / فرطاس
الأمينة العامة للجنة التنظيم نوال بن قفور للنصر: دورة وهران عكست المكانة الحقيقية للجزائر
rاستغلال المكتسبات المحققة كدعائم لتجسيد تنمية شاملة
صنفت الدكتورة نوال بن قفور، الأمينة العام للجنة تنظيم النسخة 19 لألعاب البحر الأبيض المتوسط، دورة وهران في خانة المرآة التي عكست المكانة الحقيقية للجزائر في الساحة الدولية، وذلك من خلال النجاح في كسب رهان التنظيم بتقدير «ممتاز»، دون تجاهل الانعكاسات الإيجابية التي كانت لها على مختلف القطاعات، ولو أنها ألحت على ضرورة الاستثمار العقلاني في المرافق والهياكل التي تم تشيّيدها، واستغلالها في قادم المواعيد لتمكين الرياضة الجزائرية من تحقيق قفزة عملاقة في مجال التنظيم.
وأشارت الدكتورة بن قفور في حوار مع النصر إلى أن وهران، كانت قد استفادت من جملة من المشاريع التي أهلتها لتكون قطبا رياضيا وسياحيا بامتياز، وذلك بمجرد ظفرها بشرف احتضان فعاليات العرس المتوسطي، رغم أن المهمة ـ حسب تصريحها ـ « لم تكن سهلة، سيما بعد العقبات التي كانت قد اعترضت سير الأشغال بسبب الأزمة الوبائية، فضلا عن المحاولات اليائسة التي كانت بعض الأطراف قد قامت بها للتشويش على مدى قدرة الجزائر على تنظيم أكبر تظاهرة في إقليم المتوسط، خاصة وأن هذه المحطة جاءت في فترة استثنائية، في غياب المنافسات الرياضية الكبرى، مع تعطش الجماهير في كل بلدان الحوض المتوسطي لمشاهدة تظاهرات رياضية بطابع دولي، الأمر الذي جعل دورة وهران محطة متجددة لتكريس ثوابت حضارات المتوسط، ولبنة مضافة إلى نهج الجزائر الجديدة المتطلعة إلى دفع الطاقات واحتضان الفعل الشباني، مع تفعيل ثقافة راسية فاعلة ومتفاعلة، تستلهم ذخائر التاريخ في منطقة حساسة، تمتد مساحتها إلى 3 قارات».
وفي ردها عن سؤال بخصوص انعكاسات التظاهرة على الجانب الاقتصادي، أكدت الدكتورة بن قفور أن ولاية وهران كانت قد استفادت من مشاريع جعلتها نموذجا يقتدى به ويقاس عليه في الشأن المقترن بتوظيف هذه المكتسبات واستغلالها لدعم البنية التحتية، تماشيا مع الموقع الاستراتيجي، لأن ذلك ـ حسب تصريحها ـ « ساهم بشكل مباشر في تفعيل الحركة السياحية، وألقى بالكرة في مرمى السلطات الولائية والحركة الجمعوية على حد سواء، من أجل المحافظة على هذه الديناميكية، واستغلال المكتسبات المحققة كدعائم لتجسيد تنمية شاملة».
وختمت الأمينة العامة للجنة تنظيم العرس المتوسطي حديثها، بالتأكيد على أن دورة وهران 2022 بددت المخاوف بشأن قدرة الجزائر على احتضان فعاليات أكبر التظاهرات الرياضية، وأعادت الأمل إلى قلوب كل الجزائريين في هذا المجال، بعد كسب رهان التنظيم، باعتراف كل المتتبعين، كما أن هذه الدورة ـ على حد قولها ـ « لم تتوقف عند الطابع الرياضي فحسب، بل امتد مفعولها إلى باقي النشاطات، من ثقافة، فن، مسرح وغيرها، الأمر الذي فسح المجال لتكون عرسا متعدد الأوجه، مع النجاح في تجسيد الإستراتيجية المنتهجة من طرف السلطات العليا للبلاد، والرامية بالأساس إلى بناء اقتصاد وطني يعتمد على خلق الثروة والتحرر من التبعية النفطية، ومكتسبات دورة وهران تصب في هذه الخانة، مادام أنها حركت النشاط السياحي، وفتحت الباب لاحتضان أكبر المنافسات الرياضية مستقبلا».
حـاورها: ص / فرطاس
الخبير الاقتصادي الدكتور عبد القادر بريش للنصر: نجاح الألعاب كفيل بتحريك دواليب قطاع السياحة
يرى الخبير الاقتصادي، الدكتور عبد القادر بريش، بأن احتضان وهران لفعاليات النسخة 19 من ألعاب البحر المتوسط كانت له الكثير من الأبعاد المنفصلة عن الشق الرياضي، والنجاح في كسب رهان التنظيم كانت له ـ كما قال ـ « العديد من الانعكاسات الإيجابية، انطلاقا من الرياضة، مرورا بالسياسة، وصولا إلى السياحة والاقتصاد».
وأوضح عضو لجنة المالية بالمجلس الشعبي الوطني الدكتور بريش، في دردشة مع النصر، بأن الجزائر نجحت من خلال دورة الألعاب المتوسطية في توجيه رسالة قوية إلى العالم برمته، بالتأكيد على المواقف الثابتة، والمبنية بالأساس على ترسيخ مبدأ الأمن والسلام، والدعوة دوما إلى دعم الحلول السلمية في مواقفها إزاء كل القضايا، مع العمل على تجسيد صور التآخي بين شعوب دول الجوار في الحوض المتوسطي، ودعم المواقف المناهضة لكافة أشكال التمييز العنصري ونبذ العنف.
واعتبر الدكتور بريش بأن حفل الافتتاح كان بمقاييس عالمية، وبنجاح أبهر كل المتتبعين، الأمر الذي كانت له انعكاسات جد إيجابية من الناحية السياسية، لأنه مكّن الجزائر ـ حسب تصريحه ـ « من استعادة مكانتها المرموقة في الساحة الإقليمية والدولية، وبدبلوماسية التأثير في المحيط الإقليمي الإفريقي والأوروبي، وهذا بعد إرساء البناء المؤسساتي، مع التأكيد للعالم بأن الجزائر بلد آمن، والاستقرار الذي تعرفه يعطيها ثقة وموثوقية لدى مختلف الشركاء وفي شتى المجالات الاقتصادية والطاقوية».
من هذا المنطلق، أكد محدثنا بأن القفزة العملاقة التي حققتها الجزائر «سياسيا» و»أمنيا» من خلال النجاح في تنظيم العرس الرياضي المتوسطي جعلها ـ على حد قوله ـ» محل اهتمام عالمي كبير، كبيئة مستقرة تتوفر على عدة مقومات للاستثمار خاصة بعد صدور قانون الاستثمار الجديد، وما تضمنه من تحفيزات وضمانات للاستثمارات الأجنبية المباشرة، ودعم فكرة التعامل مع المستثمرين الأجانب لتجسيد مشاريع كفيلة بالنهوض أكثر بالاقتصاد الوطني، دون تجاهل الامتيازات العديدة التي تنصب في خانة الأولويات لدعم قطاع السياحة، والاستثمار في هذا المجال، لأن دورة وهران الرياضية كانت فرصة مواتية لتسويق صورة رائعة عن الجزائر، والمواقع السياحية الخلابة التي تزخر بها، والتي كانت لسنوات طويلة خارج نطاق الخدمة، وهو أمر تجسد من خلال التواجد المكثف لوسائل الإعلام الأجنبية، سيما الأوروبية منها، فضلا عن الصور التي تم تناقلها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي كشفت عن المكانة الفعلية للمشهد السياحي بالجزائر، وهذا باعتراف مشاركين في التظاهرة الرياضية من جميع الدول، وحتى مؤثرين قدموا من عدة بلدان، ليكون لهذا الزخم الإعلامي انعكاس جد إيجابي على السياحة الجزائرية، لأن المواقع التي تزخر بها الجزائر جذبت السياح الأجانب، الأمر الذي ألقى بالكرة في مرمى المستثمرين الجزائريين في هذا القطاع، باختبار قدراتهم في الجانب المقترن بنوعية الخدمات المقدمة، لأننا بلغنا نقطة تحول بين الوضعيتين السابقة والحالية، وهذا المنعرج كفيل بتحريك دواليب قطاع السياحة في الجزائر، بإدراك المكانة التي تواكب الامكانيات الضخمة التي ما فتئت الدولة تسخرها للنهوض بهذا القطاع الحساس».
على صعيد آخر أشار الدكتور بريش إلى أن العلاقة بين الرياضة والاقتصاد تبقى وطيدة، والبنية التحتية التي تم تشييدها بولاية وهران تحسبا لهذا الحدث جعلت ـ كما استطرد ـ» من الجزائر مركز جذب واهتمام الهيئات الرياضية الدولية والقارية والإقليمية، على اعتبار أن الملاعب والمرافق التي أنجزت كانت بمواصفات عالمية، وتستوفي كل شروط النجاح، الأمر الذي يفسح المجال لاحتضان تظاهرات أخرى وفي مختلف الاختصاصات على المديين القصير والمتوسط، لأن كسب رهان التنظيم يبقى هدف كل هيئة، والصورة التي قدمتها وهران في ألعاب البحر الأبيض المتوسط تكفي للتهافت على إقامة مختلف المنافسات بالجزائر، مادامت كل مقومات النجاح متوفرة، وما لذلك من انعكاسات جد إيجابية على مختلف القطاعات التي لها صلة مباشرة بالرياضة، خاصة الاقتصاد والسياحة، بعد الحسم في الجانب السياسي، واستعادة الجزائر مكانتها على الصعيدين الدولي والإقليمي، دون تجاهل جانب آخر يتعلق بالآثار الإيجابية للمرافق والهياكل الرياضية المنجزة على الرياضة الجزائرية، سواء من خلال توفير الامكانيات التي تحفز الرياضيين في مختلف الاختصاصات على التحضير الجيد، باستغلال هذه المنشآت، ووضعها تحت تصرف رياضيي النخبة، وما لذلك من انعكاس على النتائج، وكذا تمكين النوادي والمنتخبات من إقامة تربصات «محلية»، بدلا من التنقل إلى الخارج للتحضير، لأن وهران ستتحول إلى قبلة تستقطب الرياضيين، حتى الأجانب منهم، لإقامة تربصات إعدادية، الأمر الذي سيساهم بشكل مباشر في تطور مستوى الرياضيين الجزائريين».
حاوره: ص / فرطاس
المحلل الاقتصادي الأستاذ عبد الغني نعمان للنصر: انتزعنا الكثير من المكاسب في الشق الاقتصادي
اعتبر المحلل الاقتصادي، الأستاذ عبد الغني نعمان، دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط التي نظمتها وهران مؤخرا بمثابة واحد من أهم الاختبارات المفصلية التي نجحت الجزائر في اجتيازها، وذلك من خلال كسب رهان التنظيم، وإبهار العالم بمنشآت ومرافق بمواصفات عالمية، الأمر الذي كانت له ـ حسب تصريحه ـ انعكاسات جد إيجابية على مكانة الجزائر رياضيا، وكذا عائدات هذا المكسب على الجانب الاقتصادي، ولو أن ثمار ذلك لن تظهر جليا سوى على المديين المتوسط والطويل، رغم ظهور أولى المؤشرات خلال فعاليات العرس المتوسطي.
المحلل الاقتصادي عبد الغني نعمان، والذي يشغل حاليا منصب مدير المدرسة الوطنية للرياضة الأولمبية بسطيف، أكد بأن الجزائر عملت على استغلال دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط لإسقاط الإستراتيجية المنتهجة من طرف الدول الكبرى، والتي أصبحت مبنية بالأساس على اعتبار الرياضة واحدة من أبرز الركائز في تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية في البلاد، بحكم أن الرياضة لها شعبية كبيرة، كما أن أغلب الاستثمارات تتم على مستوى المنشآت والهياكل الرياضية، سواء من خلال تشييد الملاعب والفنادق، وحتى السعي للظفر بأفضل عقود رعاية للدعاية والإشهار، ولو أن الجزائر ـ حسب تصريحه ـ « انتزعت من خلال هذه التظاهرة الكثير من المكاسب، خاصة في الشقين الاقتصادي والسياحي، الأمر الذي سيعود بالفائدة على المداخيل والعائدات، كثمار للاستثمارات التي قامت بها السلطات العليا للبلاد تحسبا لهذا الموعد الإقليمي».
وأكد الأستاذ نعمان في دردشة مع النصر بأن الحديث عن الانعكاسات الإيجابية لدورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط في فترة ما بعد هذه التظاهرة لابد أن ينطلق من الامكانيات المادية الضخمة التي كانت الحكومة الجزائرية قد سخرتها من أجل إنجاح هذه الدورة، وذلك بعد رصد غلاف مالي بقيمة 45 مليار دج لإنجاز 35 مشروعاً في ثمانية قطاعات مختلفة، لها صلة مباشرة بتنظيم الطبعة 19 من العرس الرياضي المتوسطي، وهو رقم ـ كما قال ـ « يؤكد على النوايا الجادة التي أظهرتها السلطات العليا للبلاد في توفير كل مقومات النجاح، فضلا عن الأموال الكبيرة التي تم صرفها من أجل انجاز المرافق الرياضية، منها القرية المتوسطية بمبلغ 17 مليار دج، المركب الأولمبي ميلود هدفي بغلاف مالي لم يبتعد كثيرا عن ذلك الذي استهلكته القرية الأولمبية، إضافة إلى الميزانية التي تم تخصيصها لإتمام مشاريع البنية التحتية بولاية وهران، منها الشطر الرابط بين الميناء والطريق السيّار، مشروع المحطة الجوية الجديدة وكذا أشغال التوسعة على مستوى مطار أحمد بن بلة، ومشاريع أخرى تم تشييدها خصيصا لهذه التظاهرة، دون تجاهل التأثيرات السلبية للأزمة الوبائية على سير أشغال كل المشاريع المسجلة، وما كان لها من انعكاس على الشق المادي، بسبب ارتفاع أسعار مختلف المواد في السوق العالمية جراء تفشي فيروس كورونا، ومع ذلك فإن الحكومة الجزائرية كانت قد ألحت على ضرورة التعامل مع ملف الأولمبياد المتوسِّطي بالجدية التي يستحقُّها، وتبديد المخاوف التي كان منطقها عدم احترام الهامش الزمني المُتَّفق عليه سالفاً، فكانت نتائج ذلك مضاعفة الجهود وتسريع وتيرة الأشغال، ليقف العالم برمته على المكسب الكبير الذي حققته الجزائر من حيث المرافق المنجزة».
على هذا الأساس فقد اعتبر الأستاذ نعمان بأن دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط كانت عبارة عن مشروع استثماري للجزائر، لكن بأبعاد مختلفة ومتعددة، لأن النجاح في التنظيم أعطى ـ حسبه ـ « دفعا جديدا للرياضة الجزائرية، دون تجاهل الانعكاسات الإيجابية لهذا الموعد على الشق الاقتصادي، لأن الاقتصاد أصبح مرتبطا ارتباطا وثيقا بالرياضة، لما تحققه مختلف المنافسات الرياضية من عائدات، وأصبحت من بين مصادر الدخل القومي بالنسبة للدول غير الصناعية، بصرف النظر عن الدور الفعال في تطوير البنية الأساسية والتنمية للدول النامية، من خلال زيادة الإنتاجية والحفاظ على معدلات الإنتاج».
وخلص الأستاذ نعمان إلى التأكيد على أن المؤشرات الأولى التي كانت قد لاحت في الأفق خلال الدورة واكبت الجهود والاستثمارات الكبيرة التي قامت بها الحكومة الجزائرية لاحتضان ألعاب البحر الأبيض المتوسِّط، وما يمكن توقعه بالانعكاس الإيجابي على الاقتصاد الوطني، خاصة في قطاع السياحة والخدمات، لأن هذه المنافسات الرياضية تُضاعف إيرادات قطاع النقل، الفنادق، المطاعم، المحلاّت التجارية، وعائدات السياحة عموماً في ولاية وهران والمدن السياحية القريبة منها، كما أن عمليات تعزيز البنية التحتية والتنظيم لهذا الحدث الرياضي الدولي كانت قد ساهمت أيضا في توفير العديد من مناصب الشغل وفرص العمل المؤقَّتة، إلا أن المكسب الأهم يتمثل في مشاريع بناء وتطوير المرافق والهياكل الرياضية، والتي ستكون ثمارها المالية والاقتصادية غير المباشرة في المدى الطويل، خاصة بعد الصورة الرائعة التي كسبتها الجزائر «دوليا»، والتي تكفي لتسطير هدف لا يخرج عن نطاق الاستمرار في تنظيم الفعاليات والمسابقات الرياضية الدولية والتنافس لاستضافتها وإحداث نقلة رياضية نوعية، الأمر الذي سينعكس إيجابياً في المستقبل على جذب الاستثمارات، تحسين التجارة، إعطاء دفعة قوية للسياحة والفندقة الحديثة، وهي عوامل كفيلة بتعزيز حظوظ الجزائر في نيل شرف احتضان تظاهرات عالمية أخرى، مادامت هياكل التنظيم متوفرة، وتستجيب لكل المعايير المطلوبة. حاوره: ص / فرطاس