يرى المحلل السياسي رابح لعروسي بأن تجاوز الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر وفرنسا يؤكد نضج السياسة الخارجية الجزائرية، مضيفا بأن علاقة الجزائر مع فرنسا تسير في الطريق الصحيح بعد تجاوز هذه الأزمة عقب المكالمة الهاتفية التي جمعت الرئيس عبد المجيد تبون بنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، أول أمس، مشيرا إلى أن الاتصال بين الرئيسين يأتي بعد مرحلة فتور في العلاقات بين البلدين لاسيما منذ تهريب المسماة «بوراوي» بطريقة غير قانونية.
وقال المحلل السياسي رابح لعروسي في تصريح للنصر أمس : «تم من خلال المكالمة بين الرئيسين الإفصاح بصفة رسمية على أنه تم تهريب الرعية المزدوجة الجنسية بتواطؤ جهات لها علاقة بالقنصلية الفرنسية بتونس، وهذا اعتراف رسمي من السلطات الفرنسية العليا بأنها هي التي تورطت أو تدخلت في هذه العملية التهريبية».
و أضاف بأن المكالمة الهاتفية بين الرئيسين اعتراف كذلك بوجود لوبيات فرنسية نافذة تشوش على العلاقات الجزائرية الفرنسية منذ زيارة ماكرون إلى الجزائر وعقد اتفاقيات بين البلدين، مشيرا بأن هذه الاتفاقيات التي تم إمضاؤها تعبر فعلا عن فتح صفحة جديدة من التعاون والشراكة والتفاهم بين البلدين في قطاعات مختلفة، لكن هناك لوبيات حسبه تشوش أحيانا على هذه التوافقات وتشوش على الرئيس ماكرون في حد ذاته خصوصا علاقاته ومساراته التي أصبح يتخذها من أجل ضمان مصلحة فرنسا.
وأكد المحلل لعروسي بأن التشويش الذي وقع على العلاقات الجزائرية الفرنسية من خلال تهريب الرعية مزدوجة الجنسية كان يهدف إلى توتيرالعلاقات بين الجزائر وفرنسا من جهة، ومن جهة ثانية كانت تهدف إلى ضرب الزيارة المرتقبة للرئيس تبون إلى فرنسا، خصوصا وأن هذه الزيارة هي زيارة دولة لتمتين وتعميق علاقات التعاون بين البلدين، مضيفا بأن عودة العلاقات بين البلدين تفتح آفاق جديدة من حيث تطوير العلاقات بالرغم من أن ملف الذاكرة يبقى ملفا أساسيا من حيث بناء العلاقات الجزائرية الفرنسية، ولا يمكن نسيان الماضي الأليم للعلاقات الجزائرية الفرنسية خلال الفترة الاستعمارية، مشيرا في نفس السياق إلى أن رئيس الجمهورية تحدث بصراحة في لقائه الأخير عبر قناة الجزيرة عن العلاقات الجزائرية الفرنسية، والمكالمة التي جمعت الرئيسين تؤكد ذلك وتعطي الطابع الرسمي لزيارة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون لفرنسا، وكذا عودة السفير الجزائري إلى فرنسا.
ويعتقد المحلل السياسي رابح لعروسي بأن فرنسا هي التي تحتاج إلى الجزائر حاليا لتعزيز مكانتها من خلال التنافس الموجود اليوم في القارة الإفريقية ككل وفي الجزائر بحكم العلاقات الجيدة التي تميز الجزائر مع العالم الخارجي، ومن خلال العودة القوية للجزائر على مستوى العلاقات الدولية ومساهمتها في فض النزاعات، وكل هذا يجعل الجزائر حسبه محط أنظار من طرف مختلف القوى.
وأكد لعروسي بأن ما يقوي العلاقات بين الجزائر وفرنسا هي المصالح المشتركة، ومن مصلحة الجزائر أن تقوي علاقاتها مع فرنسا ومع غير فرنسا، كما يجب أن تبقى العلاقات الجزائرية الفرنسية حسبه بعيدة عن الشيطنة ومبنية على احترام دولة لدولة أخرى، والمصالح السيادية للبلدين تكون فوق أي اعتبار وبعيدة عن الخلافات الشخصية، مشيرا إلى ضرورة أن ترتقي العلاقات الفرنسية الجزائرية إلى علاقات مصالح اقتصادية بامتياز، بعيدا عن التشنجات التي تحدث من حين لآخر، وخاصة أن هناك بعض الأبواق التي تدعي الديمقراطية والحريات في أوروبا وفرنسا و أحيانا تسيء للذاكرة الوطنية، مضيفا بأن فرنسا الرسمية بقيادة ماكرون تقدم نوايا حسنة من أجل تطوير العلاقات الفرنسية، والجزائر عليها بالمقابل أن تسير بالعلاقات الندية وما يخدم مصالحها.
من جانب آخر أشار المحلل لعروسي إلى أنه من حق الجزائر تشكيل حلفاء استراتيجيين جدد خارج المحور الفرنسي من خلال العلاقات مع كل من روسيا و الصين و إيطاليا وغيرهم كحلفاء استراتجيين، وهذا يشجع حسبه على تقوية المناعة الداخلية للجزائر في الجانب الاقتصادي خاصة مع من يتقاسم معها نفس المواقف ونفس الرؤى في القضايا العادلة والمشتركة دوليا.
نورالدين ع