دعا، أمس، الأمين العام للمحافظة السامية للغة الأمازيغية سي الهاشمي عصاد، إلى ضرورة تجنب طرح قضية اللغة الأمازيغية في ثوب سياسي وإيديولوجي، معتبرا بأن تجنب هذا الطرح سيجنب الصراع اللغوي الوهمي، و بأن المصالحة اللغوية بين الجزائريين تأتي من خلال إنتاج خطاب هادئ قائم على التعايش في ظل التعدد اللساني.
الأمين العام للمحافظة السامية للأمازيغية وفي كلمته التي ألقاها ضمن فعاليات الندوة الوطنية التي احتضنتها جامعة العربي بن مهيدي بأم البواقي، في إطار أول طبعة للاحتفالات باليوم الدولي للغة الأم الذي كرسته اليونسكو، والتي نظمت تحت عنوان «الأمازيغية في منظومة التعليم العالي والبحث العلمي في الجزائر..إنجازات وآفاق» أكد بأنه لابد علينا اليوم، أكثر من أي وقت مضى، تفادي طرح قضية اللغة الأم والهوية في ثوب سياسي إيديولوجي، لأن هذا كان في كثير من الأحيان سببا في إفشاء التشنج، وتأجيج صراع لغوي وهمي في محافل مغلقة وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا بعيدا عن الواقع اليومي للمجتمع الجزائري المتفتح والمنصهر داخل وعاء وطني جامع، مضيفا بأنه ولسد كل أسباب هذه الأطروحات السلبية وجب علينا كنخب مؤسساتية وأكاديمية أن نقر بتصحيح المفاهيم والميل إلى إبراز أهمية المصالحة اللغوية بين كل الجزائريين، ولابد من إنتاج خطاب هادئ قائم على التعايش في ظل التعدد اللساني والمصارحة الحقيقية والابتعاد عن ثقافة الإقصاء والتهميش والتطرف واحتقار الذات، والمساس بكل رموز الوحدة الوطنية، مشيرا بأن مسؤوليتنا هي المبادرة لإيجاد الصيغ المناسبة لتحقيق التواصل اللغوي الحتمي بين متكلمي العربية والأمازيغية، فجميعنا منصهرين في بوتقة دينية واحدة.
وأضاف سي الهاشمي عصاد بأن بلادنا تتميز بأنها من الأقطار الشاسعة التي تعيش ظاهرة التعددية اللغوية داخل المجتمع، فهناك لغتان أم على مستوى مؤسسات التنشئة الاجتماعية ويتعلق الأمر باللغة الأمازيغية بكل المتغيرات المتداولة عبر التراب الوطني، وتبلغ حسب الدراسة التي هي بصدد إعدادها من طرف المحافظة السامية للأمازيغية بأربعة عشر متغيرا لغويّا، وكذلك اللغة العربية الدارجة وأحيانا للبعض اللغة العربية الفصحى فضلا عن اللغة الفرنسية والإنجليزية كلغتين أجنبيتين تتقاطعان مع اللغتين الوطنيتين في كثير من وظائفهما.
وأشار المتحدث إلى أن الكل يدري جيدا بأن اللغة الأمازيغية والعربية تشكلان لحمة مترابطة على مستوى الجذور انسجاما وتوارثا، كما أنهما توأم لا يمكن الفصل بينهما نظرا للعلاقات الجوارية الطبيعية الموجودة بينهما والقائمة على أسس التكامل والانصهار الحضاري على مر العصور بحكم التعايش الطبيعي بين هاتين اللغتين.
واعتبر المتحدث بأن الندوة الوطنية تأتي بهدف إبراز مجهودات ومكاسب الدولة في قطاع التعليم العالي والبحث العلمي لترقية اللغة والثقافة الأمازيغية في بلادنا، وذلك بمشاركة لأول مرة كل الأطراف الفاعلة في هذا المجال من ممثلي القطاع الوزاري المعني وكافة مدراء الجامعات التي تتواجد فيها أقسام اللغة والثقافة الأمازيغية، فضلا عن رؤساء هذه الأقسام ومخابر البحث في ذات التخصص، إضافة إلى كتاب ومترجمين وكذلك أساتذة اللغة الأمازيغية الذين يزاولون عملية التدريس على مستوى مؤسسات التربية الوطنية، مبينا في سياق حديثه بأن الاحتفال باليوم الدولي للغة الأم يعدّ سانحة طيبة للحديث عن مكتسبات اللغة الأمازيغية في الجزائر، مما سيمكن المحافظة من تقييم مسار الإنجازات سواء على المستوى التشريعي أو الهيكلي ببعدها الوطني والأكاديمي، كما أنها فرصة للتأكيد على التوجه المؤسساتي المسؤول الذي تتبناه المحافظة السامية للأمازيغية، من خلال تجسيد التزامات الدولة تناغما على ما أقرته منظمة «اليونسكو» التي خصصت يوما عالميا حول أهمية الحفاظ على اللغة الأم، من خلال تنفيذ سياسات وممارسات التعليم في سياق تعدد اللغات كركيزة لتحقيق هدف التنمية المستدامة.
وأكد سي الهاشمي عصاد بأن مسعى المحافظة السامية للأمازيغية يرتكز على ترقية اللغة الأمازيغية بكل متغيراتها اللسانية المتداولة عبر كل التراب الوطني، وفقا لمخرجات دستور نوفمبر 2020، الذي يعتبر مكسبا فارقا في تكريس اللغة الأمازيغية كمقوم أساسي وأصيل يعزّز مقومات الأمة بأبعادها الثلاثة.
وأضاف المتحدث بأن أهمية الندوة الوطنية تكمن في خلق إطار تواصلي وتنسيقي بين كل الهيئات الجامعية المعنية بهذا التخصص، مبينا بأنه من غير المعقول أن ينزوي كل قسم، أو مركز أو مخبر بحث بذاته، دون السعي لتكريس إطار عمل أو آلية شراكة وتعاون من شأنها الشروع في تقييم شامل لمسار تدريس الأمازيغية في منظومة التعليم العالي منذ فتح أول قسم للغة والثقافة الأمازيغية في جامعة مولود معمري بتزي وزو موسم 1990-1991 وصولا لفتح فروع ترجمة في تخصص لغة أمازيغية بتزي وزو وبجاية موسم 2022 وكذا إنشاء فرع على مستوى القطاع الخاص عبر جامعة الغفران بولاية غرداية السنة الفارطة، إضافة للقيام بدراسة إحصائية دقيقة تعكس المنحنى الحقيقي لتعداد المتخرجين إلى ما بعد التدرج مع تشخيص المشاكل البيداغوجية ذات الصلة بعملية التدريس.
فعلى مستوى المحافظة، يضيف ذات المتحدث، تم خلال الموسم الجامعي الماضي بلوغ تعداد 3338 متحصل على شهادة جامعية في اللغة والثقافة الأمازيغية، و112 أستاذ من درجة أستاذ مساعد «أ» و»ب» إلى أستاذ تعليم عالي مرورا بدرجة أستاذ محاضر «أ» و»ب»، وأكد الأمين العام بأن العمل جارٍ لتأسيس قاعدة بيانات مشتركة على شكل تجمع شبكي يشترك فيه كل الفاعلين الحاضرين في الندوة الوطنية، بغية إرساء منهجية عمل فعالة لتعزيز مكانة اللغة الأمازيغية في عملية التدريس والبحث في الجامعة الجزائرية مع تبني مجموعة من التوصيات ترفع إلى الجهة الوصية بعد انتهاء أشغال هذه الندوة الوطنية.
أحمد ذيب