يُعول فلاحو منطقة بوزينة وما جاورها جنوب شرقي ولاية باتنة، على سد تاقوست لتوفير مورد دائم للسقي الفلاحي وكذا توسيع مساحات الأشجار المثمرة، خصوصا وأن المنطقة فلاحية وتعرف بأجود منتوجاتها، غير أن تحقيق ذلك يبقى مرهونا بإنجاز محطة للتصفية وتوفير الطاقة الكهربائية، خاصة وأن السد الذي لطالما كان حلما للفلاحين، انتهت أشغاله بعد 10 سنوات.
روبورتاج: يـاسين عـبوبو
وقد أجمع فلاحون التقتهم النصر ببوزينة، على أهمية التعجيل باستغلال مياه السد، مؤكدين أنها ستعود بالنفع على المناطق الجبلية لبلديات بوزينة ولارباع وتيغرغار، ناهيك عن تنشيط الحركة السياحية، وتوفير مناصب العمل والحد من النزوح الريفي.
بعد انتهاء أشغال سد تاقوست ببوزينة، التي دامت عشر سنوات، حيث انطلقت سنة 2014، ظل إتمام المشروع منذ آنذاك حلما يراود الفلاحين والسكان لإنهاء أزمة المياه، سواء تعلق الأمر بمياه الشرب أو الموجهة لسقي المحيطات الفلاحية، وقد وقفت النصر خلال تنقلها للمنطقة في أعقاب انتهاء إنجاز السد، على إجماع الفلاحين على أهمية المشروع الذي حظيت به بوزينة، إلا أنهم في الوقت نفسه تساءلوا عن مدى إمكانية استغلال مياهه في ظل تعرضها للتلوث بسبب اختلاطها بمياه الصرف الصحي، الناتجة عن تلوث وادي عبدي أو إزر ناه عبذي، حيث تصب مياه الصرف للتجمعات السكانية الواقعة على جانب الوادي نحو مصب السد المنجز حديثا، والذي تم تدشينه نهاية شهر جوان من السنة الجارية من طرف السلطات العمومية.
وبات سد تاقوست ثاني أكبر سد بولاية باتنة، بطاقة استيعاب تجميع المياه تصل 18 مليون متر مكعب بعد سد تيمقاد الذي تبلغ طاقة استيعابه 76 مليون متر مكعب، وناهيك عن البُعد الاستراتيجي للمشروع المتمثل في توفير المورد المائي للشرب وللسقي، فالزائر للسد سينبهر بجمال المنظر الطبيعي للون المياه المتجمعة بهذه المنشأة الضخمة وسط طبيعة بوزينة، التي تتباين تربتها بين اللون الأحمر الأرجواني والأصفر الفاقع، لكن يبقى تجمع المياه ذات اللون الأسود البادي للعيان يشكل هاجسا في الظرف الراهن بعد إتمام إنجاز السد، حيث تظهر جليا المياه الملوثة عند المرور بالمنشأة التي عرف هذا الموسم ولأول مرة تجمع مياه الوديان الناتجة عن التساقط خلال فصل الشتاء الماضي. وخلال جولتنا ببوزينة الواقعة في قلب جبال الأوراس، والتي أخذت تسميتها من جمالها الطبيعي الباهر، رحنا نستمتع بمواقعها السياحية، رفقة ابن المنطقة عبد الكريم جبايلي، وهو مستثمر فلاحي وناشط جمعوي، وقد أكد لنا بدوره أن السد يعد إنجازا هاما سيعود بلا شك بالفائدة على المنطقة في توفير المورد المائي، والتخلص من هاجس توفير مياه السقي الفلاحي، مضيفا بأن ذلك سيوفر مياه الآبار للطبقة الجوفية للشرب فيما توجه المياه السطحية المجمعة بالسد نحو النشاط الفلاحي، إلا أن مرافقنا بدوره أكد بأن استغلال السد يبقى مرتبطا بإنجاز محطة تصفية، على غرار ما هو موجود في مناطق أخرى مشيرا لنجاح التجربة بطولقة بولاية بسكرة.
آفاق بتوسيع محيطات الأشجار المثمرة إلى مئات الهكتارات
بلغت تكلفة إنجاز سد بوزينة ما يزيد عن 1400 مليار سنتيم، بعد أن رفعت شركات مختلطة جزائرية تركية التحدي لإتمام المشروع منذ سنة 2014، كون السد يقع وسط تضاريس صخرية ومنعرجات جد وعرة، وتتوقع المصالح المختصة توسيع المساحات المسقية سواء بالنسبة للأراضي المحيطة بالسد أو الممتدة إلى غاية بلديات لارباع وتيغرغار، إلى ما يزيد عن 500 هكتار في مرحلة أولى وذلك وفق بيانات وشروحات قدمت على هامش الزيارة التي كانت قد قادت وزير الموارد المائية طه دربال، رفقة وزير الصناعة والإنتاج الصيدلاني علي عون إلى السد لتدشين هذه المنشأة، وذلك خلال شهر جوان المنقضي.
وبالنسبة للمستثمر الفلاحي، ابن المنطقة عبد الكريم جبايلي، فأكد لنا بأن توسيع مساحة السقي الفلاحي يمكن أن تصل إلى 7 آلاف هكتار في حال امتلائه، والتخلص نهائيا من هاجس تلوث مياهه بعد إقامة محطة التصفية والمعالجة لمياه الصرف الصحي. وأوضح مرافقنا، بأن توقعه مستمد من اعتماد محيطات فلاحية على التساقط الموسمي ما يجعل نجاح الموسم الفلاحي دائما مرهونا، على عكس ما إذا تم توفير المورد المائي الدائم انطلاقا من السد، الذي سيكون له الأثر الإيجابي الواضح في توفير ورفع كمية المنتجات الفلاحية، ناهيك عن توفير مناصب العمل للشباب البطال، وضمان استقرار السكن وكبح النزوح الريفي.
وفي سياق متصل أكد المستثمر الفلاحي عبد الكريم، الذي يملك حوالي 1500 شجرة مشمش، وينشط أيضا في مجال تربية النحل، بأن استغلال مياه السد سيوفر مما لا شك فيه مناصب عمل لشباب المنطقة، وأكد بعملية حسابية بسيطة، بأن تمكين كل فلاح من مساحة تسع لـ 120 شجرة سيوفر له دخلا ماليا خلال كل موسم جني، بما يكفيه بأضعاف عن دخل صاحب الراتب الشهري لدى الوظيف العمومي.
وأبدى عبد الكريم أسفه لاضطرار العديد من الشباب إلى الهجرة عن البلدية لغياب فرص العمل، مؤكدا بأن الطابع الفلاحي للمنطقة يعد الخلاص في المستقبل القريب بعد استغلال مياه السد لتوسيع المساحات الفلاحية المسقية، وكان عبد الكريم جبايلي قد منحنا من وقته للقيام بجولة ببوزينة، وهو الذي كان منهمكا بشغله المتعلق بنهاية موسم جني المشمش، مؤكدا بأن إنتاج هذه السنة كان وفيرا لدرجة تشبع وحدتي نقاوس ومنعة، وقال بأنه كان يوجه المشمش الموجه للاستهلاك لولاية سكيكدة وبوسعادة، فيما وجه كميات من المنتوج الخاص بالتحويل إلى وحدات جيجل وبجاية.
بساتين غناء وينابيع رقراقة
لم تكن بوزينة لتحمل تسميتها إلا من حقيقة جمالها الذي يعبر عنه بالعامية «الزينة»، فالمنطقة تتميز بطبيعة متفردة المناظر، والمسافر إليها سيلحظ التدرج اللوني لتربتها من الأصفر الفاقع إلى الأحمر الأرجواني، ووسط هذين اللونين تترامى بساتين خضراء على جانب الوادي الذي يمر ببوزينة، ويقسمها إلى تجمعين سكنيين هما مالو وسامر، وتتميز بوزينة وخاصة الدشرة القديمة أو كما يعبر عنها بالشاوية هاقليعث هاقذيمث، بنسق عمرانها الأوراسي للبيوت المشيدة قديما من الحجارة والطين، والتي يشكل لونها امتدادا للصخور والتربة، وتعرف أيضا بوزينة منذ القدم بينابيعها الطبيعية الرقراقة التي تصب في الوادي وتستغل في سقي الأشجار المثمرة للبساتين، وقد أكد لنا أحد الفلاحين خلال توغلنا وسط البساتين، بأن سر حلاوة فواكه المنطقة يكمن في المياه العذبة التي تسقى منها.
وبمجرد توغلنا وسط البساتين المترامية والمتداخلة على جانب الوادي، بدا لنا وكأننا لم نكن قد أتينا من تلك الطبيعة التي يطغى عليها اللونين الأصفر والأحمر، فالأشجار المثمرة ممتدة حتى بدا لنا ونحن نسير على مسالك فلاحية وكأننا في غابة استوائية نظرا لهيمنة اللون الأخضر لأوراق الأشجار الكثيفة، من عنب، وتفاح وإجاص ومشمش وجوز ورمان، ولاحظنا اشتغال فتيان على جمع الغلة، وترتيب الصناديق التي توضع بها استعدادا لتسويقها، وهنا أشار لنا مرافقنا عبد الكريم إلى أن موسم جني فواكه الأشجار يعد مناسبة للشباب، وحتى تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات الذين هم في عطلة، للكسب المادي، وقال بأن أجرة اليوم من الجني وجمع المنتوج الفلاحي، تتراوح بين ثلاثة ألاف وأربعة آلاف دينار.
وناهيك عن مشاركة الشباب في حملة الجني، فإن المرأة الريفية ببوزينة لاتزال تلعب دورا هاما وبارزا مثلما وقفنا عليه ولاحظناه في الحياة اليومية، فبينما نحن نسير بالمسالك الفلاحية الضيقة، كنا نجد كلما قطعنا مسافة، امرأة أو نسوة متجمعات يشتغلن في حملة الجني أو تهيئة أحواض البساتين بالفؤوس والمعاول، وأخريات تجمعن الغلة على ظهورهن، وبعضهن يرعين الماعز، وكانت إحداهن وهي الخالة فاطمة البالغة من العمر 63 سنة قد راحت ترحب بنا، ووجهت لنا الدعوة لنأخذ الغلة من بستانها وكلها فرح وسرور يغمر محياها، وقالت لنا بأنها منذ صغرها تهوى خدمة أرض أجدادها لكسب القوت. تنوع المنتوج الفلاحي للأشجار المثمرة، وخاصة منها المشمش دفع بجمعيات إلى تثمينها بإقامة معرض يعرف بـ «روزي بوزينة» نسبة لصنف المشمش الروزي الذي تنفرد منطقتا بوزينة ومنعة في إنتاجه، ويعد أجود وألذ أنواع المشمش، وقد تلقينا الدعوة من جمعية «خليفث نيرذي» لحضور فعاليات الطبعة الثانية للفعالية فكانت جولتنا بين بساتين الأشجار المثمرة ومعرض المنتجات الفلاحية للمنطقة، وتضمّن الأخير أجود أنواع الفواكه بالإضافة لزيت الزيتون المحلية والثوم وأعشاب تستخدم في الطهي، وأكد لنا رئيس الجمعية فيصل شرقي، بأن الهدف من إقامة التظاهرة التعريف بمنتجات المنطقة، وتثمين موروثها والزخم الذي تتوفر عليه.
غابة الزقاق .. طبيعة عذراء تسر الناظرين
قبل سنتين، لم يكن التوجه إلى بوزينة سواء من عاصمة الولاية باتنة شمالا، أو من بسكرة جنوبا، متاحا إلا عبر طريق واحد لكن بعد أن تم إعادة تأهيل الطريق الذي يربط بوزينة ببلدية معافة، وكذا شق وتعبيد طريق يربطها ببلدية لارباع، ساهمت هذه الطرقات الجديدة في فك العزلة، حيث يختصر المحور الممتد بين بوزينة ومعافة المسافة، وأصبح متاحا التنقل من وإلى بوزينة، انطلاقا من عين التوتة، وفضلا عن تقليص المسافة فإن الطريق سياحي بامتياز، يتيح التأمل والاستمتاع بمناظر طبيعية من مرتفعات تعانق السحاب يزيد علوها عن 1400 متر وهو الطريق الذي استمتعنا بجنباته ذهابا إلى بوزينة.
وفي العودة سلكنا الطريق المنجز حديثا بين بوزينة ولارباع مرورا بغابة الزقاق، التي تعتبر من أكبر وأجمل غابات الأوراس، والتي لم يكن ممكنا التنقل أو الولوج إليها إبان العشرية السوداء، بعد أن هُجرت بلدية لارباع من ساكنيها عن آخرها، فكان لشق الطريق بعد استتباب الأمن وبداية عودة السكان، بمثابة اكتشاف جديد للمنطقة، فالمسلك سياحي بامتياز يسر النظر من أعلى مرتفعات جبلية على طول الطريق من بوزينة إلى لارباع وصولا إلى تازولت، على مسافة تقدر بـ 23 كلم، وتتزين غابة الزقاق بأنواع نباتية وأشجار متنوعة على جانبي الطريق، أبرزها أشجار الأرز الأطلسي المتميزة بشكلها وشموخها، والملاحظ تعرض أشجار من الأرز للتماوت بسبب ما أرجعه خبراء إلى التغيرات المناخية.
ونظرا لشساعة غابة الزقاق الممتدة بين بلديات لارباع وبوزينة وبني فضالة الحقانية ولاحتوائها على تنوع بيولوجي ونباتي، فقد طالب نشطاء في حماية البيئة بتصنيفها محمية طبيعية من أجل ضمان أكثر لحمايتها.
وعلى امتداد الطريق بين بوزينة ولارباع لاحظنا عودة الكثير من الفلاحين لخدمة أراضيهم وذلك بعد عودة الأمن وتجاوب السلطات مع مطالب التنمية، منها ما تعلق بالكهرباء، حيث تم تمديد أعمدة وكوابل الكهرباء في مناطق تعرضت للتخريب التام والحرق خلال العشرية السوداء.
وكان فلاحون قد تحدَوا التضاريس الصعبة، وراحوا يحصدون مساحات من الحبوب بمرتفعات جبلية كانت في وقت سابق مناطق «محرمة»، ويأمل المزارعون أن يستفيدوا من مياه سد بوزينة في الري الفلاحي لتطوير مختلف الشعب الفلاحية.
ي.ع