يتوقع خبراء أن تعيش منطقة الصحراء الكبرى التي تُعد أحد أكثر الأماكن جفافا على وجه الأرض، حدثا مناخيا فريدا خلال سبتمبر الجاري، بحيث ستحصل على أكثر من 500 بالمئة من معدل هطول الأمطار الطبيعي في هذا الشهر.
ونشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية قبل أيام، نقلا عن خبراء في مجال المناخ، تقريرا يشير إلى تشكل سيول وفيضانات كبيرة ونادرة في منطقة الصحراء الكبرى، تمس الجزائر وليبيا وبعض دول الساحل، خلال نهاية شهر أوت والأيام العشرة الأولى من شهر سبتمبر.
وتشير أحدث مخرجات هذا التقرير الصادر من النموذج الأمريكي للطقس المعروف اختصارا بـ GFS، إلى أن منطقة الصحراء الكبرى المعروفة بأنها أكثر الأماكن جفافا على وجه الأرض، قد تعيش حدثا فريدا من نوعه خلال الأيام والأسابيع القادمة، حيث من المتوقع أن تشهد أجزاء واسعة منها أكثر من 500 بالمئة من معدل هطول الأمطار الشهري الطبيعي في شهري أوت وسبتمبر.
وذكر التقرير أن هطول الأمطار بهذه الطريقة في الصحراء الكبرى يعتبر ظاهرة جوية نادرة للغاية، حيث تحدث على الأقل مرة واحدة كل عقد في المتوسط، وربما تكون إشارة إلى اضطرابات غير عادية في الغلاف الجوي وتغيير في أنماط الطقس العالمية.
ومن المتوقع حدوث زخات رعدية متفرقة فوق مالي والنيجر وتشاد وأجزاء من الصحراء الجزائرية وموريتانيا، حيث تتسبب منطقة التقارب بين المدارين، وهي حزام من العواصف الرعدية والضغط المنخفض الذي يتحرك من الشرق إلى الغرب عبر وسط إفريقيا أين تلتقي الرياح التجارية من نصف الكرة الشمالي والجنوبي، في تركيز هطول الأمطار في أماكن معينة.
وتُعد نفس الزخات الرعدية التي تغمر حزام وسط إفريقيا، مقدمة للعديد من الأعاصير الأطلسية، حيث تتغذى منطقة التطور الرئيسية في الأطلسي، وهي منطقة بين إفريقيا والكاريبي حيث تتشكل الأعاصير الطويلة المدى الكلاسيكية، من مناطق العواصف الرعدية المرتبطة بمنطقة التقارب بين المدارين.
يمكن أن تتطور هذه المناطق، المعروفة باسم الموجات المدارية، إلى أعاصير في ظل الظروف المثالية، ولكن إذا تفككت الموجات المدارية، فلن يكون هناك شيء يوّلد إعصارا، حتى إذا كانت الظروف البيئية الأخرى مواتية لذلك، وهذا ما يحدث مؤخرا.
ومع وجود منطقة التقارب بين المدارين إلى الشمال، تخرج الموجات المدارية من إفريقيا بالقرب من المغرب والصحراء الغربية بدلا من السنغال وغامبيا، وتأخذ هواء أكثر برودة ورملا لتمر فوق مياه فاترة فقط، مما يؤدي إلى تفككها، لهذا السبب لم تكن هناك أي أعاصير أطلسية طويلة المدى مؤخرا، فيما قد يستمر هذا النمط لمدة أسبوع تقربيا، ويُتوقع أن تواجه الصحراء فيضانات محلية مع انتقال الأمطار إلى الشمال أكثر من المعتاد، مثلما جاء في التقرير.
وتعليقا على هذا التقرير، قال الخبير في رصد التغيرات البيئية في منطقة البحر الأبيض المتوسط والتابع لوحدة البحث في الوساطة العلمية، مراد حمدوش، أنه لا يحدث في كثير من الأحيان أن تشهد الصحراء الكبرى، التي تُشكل صحراء الجزائر جزءا مهمّا منها، مثل هذه الظواهر المطرية، فهي نادرة للغاية، لكنها عادة ما تكون علامة على أن شيئا ما يتغير في نظام الطقس على الأرض، مما يشير إلى حالة غير عادية للغلاف الجوي مع اقترابنا من الخريف والشتاء.
وتابع حمدوش في حديث للنصر «إلى غاية الفترة القصيرة التي سبقت هذه الصائفة، لم يتوقع العلماء حدوث هذه الظاهرة، التي ترتبط بالأساس بارتفاع غير عادي في درجة حرارة مياه البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي. الأمر يستدعي من سكان الصحراء أخذ احتياطاتهم خاصة القاطنين قرب الوديان، ومن المحتمل كذلك تنقل أسراب كبيرة من الجراد من منطقة الساحل إلى النقاط الرطبة خصوصا في شمال الجزائر، بما يشكل خطورة على الموسم الفلاحي، إضافة إلى احتمال تشكل البرك وما تسببه من انتشار الحشرات المسببة للأمراض ومنها الملاريا».
وعن هذه الظاهرة النادرة علّق مطارد الأعاصير الأمريكي الشهير «آدم لوتشيو»، في تدوينة له «حدث نادر جدا نشهده، وقد لا يتكرر إلا مرة كل 1.4 مليون سنة. الأمطار في الصحراء الكبرى الإفريقية! يحدث شيء غريب في إفريقيا! لم نتحدث عن ذلك كثيرا بعد، ولكن حدثا غير مسبوق وقع في جميع أنحاء منطقة الصحراء في شمال إفريقيا، حيث تتجه الموجات المدارية نحو الشمال في المنطقة بدلا من المحيط الأطلسي. هذه أحد الأسباب التي جعلت موسم الأعاصير لدينا هادئا جدا.»
ي.ب