الثلاثاء 14 جانفي 2025 الموافق لـ 14 رجب 1446
Accueil Top Pub

انعدام الثقة لدى الأفارقة في سياسات ماكرون وغياب رغبة جدّية في الإصلاح: العلاقــــات بيـن فرنســــــا و إفريقيـــــــا على وشـــك الانهيـــــــار


سلط تقرير تناول العلاقات بين فرنسا وبعض الدول الافريقية، تنامي الشعور المعادي لفرنسا، خاصة وسط شعوب 6 دول فرنكوفونية كانت إلى وقت قريب تصنف ضمن الدول الحليفة لفرنسا وتدخل ضمن محور مع ما يسمى «فرنسا إفريقيا»، ويظهر من خلال الاستطلاع الذي أنجزته منظمة غير حكومية، عدم ثقة غالبية المستجوبين في السياسات التي تنتهجها فرنسا مع دولهم سواء على الصعيد الاقتصادي أو فيما يخص مكافحة الإرهاب.  

ويعد التقرير حوصلة استطلاع رأي شمل ستة بلدان إفريقية ناطقة بالفرنسية، قامت به حركة «لنطوي الصفحة» وهي حركة دولية تأسست في 2014، وتضم أكثر من 250 منظمة من منظمات المجتمع المدني الإفريقية والأوروبية، بالتعاون مع مركز الدراسات الدولية.
وسجل التقرير تنامي الشعور المعادي لفرنسا، والذي لم يقتصر على الشعوب فقط بل امتد إلى الحكومات مع مطالبة بعض الدول من فرنسا سحب وحداتها العسكرية من أراضيها، كنتيجة لانعدام الثقة في الشريك الفرنسي الذي يعد في نظر الكثيرين «شريكا غير موثوق»، وبهذا الخصوص، يرى 78 بالمائة من المستجوبين أن فرنسا شريك غير موثوق في مجال الأمن ومكافحة التهديدات، كما أن 79 بالمائة منهم يعتقدون أن فرنسا ليست بالشريك الموثوق في مجال مكافحة الفساد، و 80 بالمائة لا يرون في فرنسا الشريك المناسب في مجال الاقتصاد، وهي كلها أرقام تعكس الرفض الفرنسي في افريقيا. وبحسب ما ذكرته الدراسة، فان النتيجة الرئيسية هي أن رفض السياسة الفرنسية في إفريقيا واسع النطاق، بل يكاد يكون بالإجماع، وقالت إنه برغم التباين الواضح بشأن بعض القضايا، إلا أن انعدام الثقة في السياسيات الفرنسية يبرز بشكل واضح، و هذا الرفض ليس نتيجة لجهل ما بالسياسات الفعلية لفرنسا في إفريقيا. على العكس، فإن الأشخاص الذين عبّروا عن آرائهم هنا لديهم روابط عديدة مع فرنسا، سواء نضالية، أو تعاونية، أو حتى عائلية لبعضهم. كما أن هؤلاء فاعلون على المستوى الدولي، يبنون أفكارهم وأفعالهم ضمن أطر جماعية منفتحة على العالم. علاوة على ذلك، يتمتع الكثير منهم بخبرة في التفاوض وإيجاد حلول وسط.
 العلاقات بين فرنسا وإفريقيا على وشك الانهيار
وأوضحت الدراسة، انه منذ الانقلاب العسكري في مالي أصبحت مسألة رفض السياسة الفرنسية في إفريقيا، أو ما يُعرف إعلاميًا بـ»الشعور المعادي لفرنسا»، موضوعًا يثير اهتمامًا يتجاوز الأوساط النضالية أو الأكاديمية. وأضاف التقرير، أن رحيل القوات الفرنسية من مالي، بوركينا فاسو، والنيجر، إضافة إلى المظاهرات العامة المناهضة للوجود الفرنسي في منطقة الساحل، وكذلك في السنغال أو تشاد، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن العلاقات بين فرنسا وإفريقيا وصلت إلى نقطة انهيار، ولم يعد من الممكن الحفاظ على الوضع الراهن.
ويربط التقرير بين تنامي العداء لفرنسا، والرفض الافريقي للسياسة التي تنتهجها القوة الاستعمارية السابقة، ويُدرج ضمن حركة أوسع من التوترات المتعلقة بإعادة النظر في الاستعمار أو باستمرار الهيمنة الاستعمارية في العلاقات بين الشمال والجنوب. وقال بأن أحد التحديات التي تواجه صناع القرار الفرنسيين القلقين بشأن هذه المشاعر الإفريقية هو ربما أولاً فهم هذه المشاعر الفرنسية المتعلقة بالقارة الإفريقية.
  إفريقيا تتطلع لسيادة كاملة بلا وصاية

وقالت منظمة «لنطوي الصفحة» في تقريرها، بأن القارة الافريقية تطمح إلى تغييرات جذرية في مواجهة أوضاع من الظلم الاجتماعي الكبير. وأوضحت بأن هذه الرغبة في التغيير تؤدى في النهاية إلى «قلب الطاولة، وحتى في إلغائها تمامًا»، للرد على الهيمنة الغربية وخاصة الفرنسية على إفريقيا.
وأوضح في السياق ذاته، انه «سواء كان ذلك من أجل ضمان الأمن الوطني، أو بناء النظام السياسي، أو لتحقيق التنمية الاقتصادية في بلدانهم، فإن الاستقلال الثاني ضروري». وقالت بأن هذه العزيمة هي التي تدفع الآلاف من المتظاهرين إلى النزول إلى الشوارع للاحتجاج ضد الأنظمة القمعية، وأيضًا لرفض وجود فرنسا في القارة. وعلى الرغم من أن هذه الرغبة في الاستقلالية والسيادة قد يتم استغلالها أحيانًا من قبل الأنظمة الاستبدادية لكسب الشرعية، إلا أن ذلك لا ينبغي أن يحجب قوة هذا الحراك الذي يعم المجتمعات الإفريقية.
القطيعة مع فرنسا عميقة ولا يمكن إصلاحها
وبرأي الخبراء، فإن القطيعة مع الدولة الفرنسية واضحة وعميقة، وهي بالنسبة للبعض لا يمكن إصلاحه، كون فرنسا غير قادرة على الاستماع إلى الانتقادات وجراء ذلك، لا يمكنها تغيير استراتيجيتها. كما أنها غير قادرة على الاعتراف بأخطائها وتغيير سياستها، وهو ما أدى في النهاية إلى فقدان باريس لمصداقيتها ونفوذها في القارة.وبهذا الخصوص يشير الخبراء إلى الأخطاء التي ارتكبتها فرنسا في تعاملها مع بعض الدول الافريقية، وقال أحد المشاركين في التقرير انه «عندما تم طرد فرنسا من مالي، كنت أعتقد أن الفرنسيين سيجلسون ويفكرون. ويكتشفون بأنفسهم أن هذه الطريقة التقليدية في إدارة إفريقيا، إذا استمروا فيها، سيتعين عليهم مغادرة إفريقيا […]. ثم، فوجئت لرؤية أنهم في بوركينا ارتكبوا نفس الخطأ» [النيجر]. وبالنسبة للكثيرين، القطيعة واضحة، وشيكة، ولا مفر منها. حيث تُعتبر السياسة الإفريقية التي ينتهجها إيمانويل ماكرون، مجرد استعراض للتغيير دون إحداث تحوّل حقيقي. وتبدو هذه الاستراتيجية وكأنها تهدف إلى «تغيير كل شيء دون أن يتغير شيء». وفقًا لأحد المتحدثين من النيجر: «ماكرون قام بجولة في إفريقيا [...] محاولًا إعادة بناء العلاقات والشراكات. نعلم أن هذه مجرد وسيلة لخداعنا». الوعود التي قُدمت في قمة مونبلييه في أكتوبر 2021، والتي هدفت إلى إعادة ابتكار العلاقات بين فرنسا وإفريقيا، لم تُقنع أحدًا: «أعتقد أن فرنسا ترفض فهم الرسالة، [...] فهي تعقد القمم وتتحدث مع الشباب، لكن هذا ليس ما نريده» [تشاد]. فمنذ أكثر من خمس سنوات، يُظهر ماكرون رغبته في إحداث ثورة في العلاقات الفرنسية-الإفريقية، خاصة من خلال اختيار «مجتمعه المدني الخاص» والترويج له في الأحداث الدولية أو داخل مساحات التفاوض المغلقة. ومع ذلك، يُنظر إلى هذا النهج على أنه خداع. بالنسبة للكثيرين، لا يمكن لفرنسا الحفاظ على علاقات مستدامة مع الدول الإفريقية الناطقة بالفرنسية إلا من خلال تغيير جذري في النهج والممارسات.
وبالنسبة للمحللين فإن الأمر يتطلب تغييرًا في نهج صناع القرار السياسي الفرنسي. أولاً، الاستماع وتقبّل صوت المعنيين بالأمر، بما في ذلك الانتقادات. هذا ما يسعى إليه هذا التقرير، ويُعد شرطًا أساسيًا لإعادة بناء علاقة تقوم على الاحترام المتبادل. يتطلب هذا الاستماع أيضًا التواضع، للاعتراف بأن الحلول للمشكلات الإفريقية يجب أن تأتي أولاً من الإجابات الإفريقية، وكذلك مواجهة التاريخ الخاص لعلاقات فرنسا مع مستعمراتها السابقة بجميع أبعاده، بما في ذلك العديد من إخفاقاته. وأخيرًا، يجب إدراك أن القطيعة قد بدأت بالفعل، وأن إعادة بناء علاقات متوازنة سيكون عملية طويلة. هذه المهمة تستلزم الانفتاح، والتشاور، والحوار في فرنسا كما في إفريقيا، مع جميع الأطراف المعنية.
ويؤكد التقرير، بأن «الشعور المناهض لفرنسا»، يكشف عن رغبة في أوساط الشعوب الافريقية في ممارسة السيادة بشكلها الواسع المرتبط بالاستقلالية والحرية. أي أن يكون البلد سياديًا يعني أن يكون «مستقلًا، ذاتي القرار»، والأهم هو أن يتصرف «وفقًا لظروفه الخاصة»، كما يشير ذلك إلى اتخاذ القرارات دون أن يتأثر بقوة عظمى أو قوة إقليمية أخرى في خياراته، والقدرة على التصرف دون تأثير من جهة دولية أخرى هي عناصر أساسية لفهم السيادة. إذا تم التأكيد على هذه النقاط بشكل خاص، فذلك لأنها تُبرز العلاقة بفكرة السيادة في الدول المتأثرة بالوجود الفرنسي أو الأجنبي عمومًا.
   ع سمير

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com