تتواصل الاستفزازات الفرنسية ضد الجزائر، دولة وشعبا، منذ أسابيع بأشكال وصور متعددة آخذة في الانحدار من يوم لآخر نحو مستوى وضيع يعكس المأزق الفكري و السياسي والأخلاقي الذي وصلت إليه بعض الأطراف والنخب الفرنسية المتطرفة.
ولم يعد اسم الجزائر يذكر حينما يقتضي الأمر ذلك، بل صار يتداول على بلاطوهات قنوات فرنسية وعلى صفحات جرائد وشبكات التواصل الاجتماعي صباح مساء، سواء بمناسبة أو بغير مناسبة، وترديد اسم الجزائر والجزائريين هنا غالبا ما يكون من باب الانتقاد والتهجم والتجني
و نشر المغالطات.
وليس المواطن الجزائري فقط من صار يدرك أن بعض الأطراف الفرنسية أصيبت بمرض اسمه «الجزائر» بل حتى الغريب أو المحايد الذي يشاهد للمرة الأولى ما تبثه قنوات فرنسية، ويطلع على ما تنشره صحف فرنسية، ويستمع لما يتفوه به بعض الساسة الفرنسيين، يدرك مباشرة دون كبير عناء أن الأمر غير عاد، ذلك لأن الهجمة الفرنسية المتعددة المحاور على الجزائر تجاوزت كل الحدود.
فقد وصلت الهيستيريا التي أصابت جهات في اليمين الفرنسي المتطرف ومن يدور في فلكه من إعلاميين وبرلمانيين وساسة ومثقفين، إلى النوع الذي يتطلب نقل المصاب إلى المصحات العقلية لتلقي العلاج، فمن غير المعقول أن يفعل توقيف مواطن جزائري، قبل أن يكون فرنسيا، تعدى على القانون وطعن في تاريخ بلاده ووحدتها الترابية، كل هذا الفعل، وأن يؤدي إلى استشراء الداء بسرعة في جسد يبدو أنه كان منهكا مسبقا ومنذ عقود بأمراض الحقد والضغينة.
ومن غير المنطقي أن ينحرف النقاش حول قضية توقيف المدعو بوعلام صنصال إلى حملة تشهير واستفزاز وسب وشتم ضد الجزائر، ونشر المغالطات باستعمال كل أنواع الأسلحة المسموح بها والمحرمة أخلاقيا وسياسيا ودبلوماسيا، وما أكثر هذه الأخيرة التي تنطلق هذه الأيام من باريس في اتجاه الجزائر.
لقد تجاوزت بعض النخب السياسية الفرنسية التقاليد والأعراف الدبلوماسية الدولية المتعارف عليها والمعمول بها في ما بين الدول والأمم والشعوب، وتخلت مرة واحدة عن قاموس السياسة وضوابطه، وتجاوزت وسائل إعلام فرنسية كل آداب وأخلاقيات العمل الصحفي المهني المحترف، في التعامل مع القضية التي أثيرت حولها كل هذه الحرب، وصارت تستعمل جهارا لغة اللصوص والعصابات في كيل التهم والتهديد والوعيد، و الألفاظ السوقية والعبارات المتدنية عند حديثها عن الجزائر وعن الجزائريين.
ولم يكتف اليمين الفرنسي وأشياعه بهذا المستوى من التهجم على الجزائر بل أنتقل الأمر من القول إلى الفعل، والكل يشهد على ما قام به وزير الداخلية الفرنسي عند توقيف جزائريين بسبب مناشير وفيديوهات على مواقع التواصل واستغلاله ذلك للتهجم على الجزائر، الأمر الذي أدى بالعدالة الفرنسية إلى التدخل ووضع المعني عند حدوده، فهو لم يكتف بالتدخل في الشؤون الداخلية للجزائر فقط و الزج بأنفه في عمل وصلاحيات المؤسسة القضائية هنا في الجزائر بل تدخل حتى في عمل المؤسسة القضائية الفرنسية هي الأخرى.
كما وصل الأمر ببعض الجهات الفرنسية الحاقدة أيضا إلى حد التعدي على مسافرين جزائريين، لا ناقة لهم ولا جمل في ما يدور من نقاش، في مطاري شارل ديغول و أورلي، في ممارسة عنصرية مقيتة تطلبت من السلطات الجزائرية استدعاء السفير الفرنسي هنا في الجزائر والرد بحزم على مثل هذه السلوكات.
إن مثل هذه السلوكات والتصرفات الهيستيرية غير المحسوبة تعكس في الواقع المستوى الذي وصلت إليه نخب اليمين المتطرف الفرنسي حيثما وجد في مؤسسات الدولة الفرنسية أو في وسائل إعلامها أو في حكومتها أو في مؤسستها التشريعية، مستوى كشف حقيقة هذه النخب وطبيعتها العنصرية الفاشية، وحقدها الدفين على كل ما هو جزائري انطلاقا من عقدة الاستعمار والحنين إلى الماضي الذي ولى ولن يعود، وكشف أيضا المستوى الثقافي و الأخلاقي المنحط لهذه النخب .
كما تعكس الاستفزازات المتكررة والمبتكرة لليمين المتطرف الفرنسي من جانب آخر المأزق الذي يعيش فيه هذا الأخير من الناحية الإيديولوجية والسياسية والثقافية، وهو الذي تغذى منذ عقود على موائد الكراهية والعنصرية والتطاول على الآخرين خاصة في القارة الإفريقية، وبنى خطابه على الاستهزاء بالآخر والتدخل في الشؤون الداخلية للغير.
لقد عرت النقاشات التي أثيرت في الأسابيع الأخيرة حقيقة اليمين الفرنسي المتطرف، فهو لم يكن يوما مع حقوق الإنسان وحرية التعبير و الكتابة، فتلك كذبة كبرى، لأن هذه الحقوق تداس يوميا في أمكان عدة من العالم خاصة في فلسطين لكنه لم ينبس ببنت شفة حول ما يجري في غزة حتى الآن.
والواضح اليوم أن تصرفات اليمين الفرنسي المتطرف لم تلق الإدانة والتنديد هنا في الجزائر فحسب بل حتى في فرنسا نفسها ظهرت أصوات للحكمة و التعقل رفضت بشكل مطلق ما تتعرض له الجزائر منذ أسابيع.
إلياس- ب