أشاد أمس، أكاديميون خلال ملتقى وطني بقسنطينة حول "الصحافة الدينية في الجزائر خلال فترة الاحتلال" بالتجربة الصحافية الجزائرية في ذلك الزمن واصفين إياها بالرائدة والملهمة، كما أكدوا على أهمية دراسة الصحافة الدينية غير الإسلامية لإحاطة أشمل بالتاريخ وكذا توعية الأجيال والشعوب بالاستراتيجيات التي تضعها الشعوب المستعمرة لتنفيذ أهدافها.
واحتضن مجمع مخابر البحث بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية أشغال الملتقى الوطني، إذ ذكر رئيسه في كلمته الافتتاحية البروفيسور، محمد البشير بن طبة، أنّ التجربة الصحافية الجزائرية إبان فترة الاحتلال رائدة وملهمة بحكم ثرائها وتنوّع مصادرها، اتجاهاتها، فاعليها وتأثيرها عبر الزمان والمكان، موضّحا أنّ خصّ إشكالية الصحافة الدينية من خلال الملتقى بالدراسة والتحليل والنقاش يعود لاعتباره العنوان الجامع للعديد من الروافد والتجارب الصحفية ذات القيمة.
ويرى المتحدّث أنّ المفهوم الديني يشكل نسقا قيميا وفكريا جامعا يجمع مختلف المسلمين العاملين في قطاع الصحافة خلال فترة الاحتلال في الجزائر، كما يتوسّع إلى دراسة ونقد التجارب الصحفية للأديان والطوائف المختلفة التي شاركت الجزائريين يومياتهم على غرار النصارى واليهود، وأوضح المتحدث أنّ الصحافة الجزائرية الوطنية الدينية كانت شاملة، ساهمت في الحفاظ على الهوية الجزائرية، العربية، الإسلامية ونشر الوعي والدعوة للتمسّك بتعاليم الدين الإسلامي ومواجهة الدعوة إلى الاندماج، الفرنسة والتجنيس وأيضا مقاومة التنصير وصحافته.
وصرّح، بن طبة، على هامش الملتقى أنّ المغزى من إقامة هذا الأخير نابع من النقاشات الأكاديمية التي تدور حول الصحافة في زمن الاستقلال، بحيث تمت ملاحظة نوع من عدم الشمول والإقصاء لبعض الاتجاهات، وبالتالي التفكير في البحث عن صيغة تجمع كل الأطياف من خلال التفكير في عنصر يتناول جميع العمل الذي كان يصدره الجزائريون باعتباره يدرج في سياق خدمة القضية الجزائرية.
وقال كذلك المتحدّث إنّه أريد للإشكالية أن تتوسّع لتتناول الصحف الموازية التي كانت تعادي الجزائرية باعتبارها جانبا مهما يتغاضى عنه ولا ينتبه له الباحثون على غرار الصحافة المسيحية التي تمثّل دورها في إخراج الجزائريين من الإسلام إلى المسيحية خدمة لأهداف الاستعمار الذي ركز على البعد الفكري والمعنوي وتغيير شخصية الفرد والرهان على تبديل هويته المرتبطة بالدين واللغة والأرض، وبالتالي وجود صحافة موازية دينية تعمل على هذا الوتر، بينما الصحافة اليهودية فعملت على خدمة القضية الصهيونية ونقل اليهود من الجزائر إلى فرنسا لتحقيق أرض الميعاد، لافتا أنّه من خلال البحث وجدت صحف تحمل هذا الاسم.
ودعا، بن طبة، إلى الاهتمام أكثر بهذا الموضوع بالدراسة والبحث للتعرّف على هذه الاستراتيجيات العميقة التي عُمل عليها منذ القدم، كذلك الانتباه لهذه المخططات ورفع مستوى الوعي لدى الشعب والمواطنين.
خلفيات لم تظهر بعد
من جهته قال عميد كلية أصول الدين بذات الجامعة البروفيسور، أحمد عبدلي، إنّ الموضوع لا يزال يحتوي على وقائع وخلفيات لم تظهر للعلن، بحكم أن العديد من الوثائق لم تظهر إلا مع التكنوجيات الحديثة بحيث أعيد تصويرها وإطلاقها عن صحافة تلك الفترة باعتبارها مرجعا ووثائق وكذلك الشهادات التي قد تكون ضاعت مع وفاة أصحابها.
وتحدّث، عبدلي، أنّ التنوع الصحفي يغيب في كثير من الأدبيات، إذ قال إنّه لم يكد يعثر على دراسات تناولت الصحافة الدينية غير الإسلامية خصوصا المسيحية أو اليهودية رغم الأدوار التي لعبتها، لافتا أنّ الملتقى يفتح المجال أمام إنتاج مقالات أو موضوعات وعروض بحوث في هذا الموضوع، كما تطرّق إلى إشكالية التعريف بين المنظورين الموسع الذي يعطي للدين مساحة أوسع في المفهوم ليشمل كل مناحي الحياة والضيّق الذي يقتصر على الموضوعات المتعلق بالدين فقط، كما عرّج إلى اتجاهات الصحف الدينية في الجزائر بين الإسلامية، المسيحية واليهودية والتي كانت تعكس التنوّع الموجود.
وتطرّق المتحدّث كذلك إلى سياقات وجود الصحافة على غرار ظهور الأوضاع التعليمية والسياسية والثقافية والصراع الهوياتي، ظهور النخب الدينية بمشاريع ذات أسس عقائدية، كذلك تقسيماتها والمواضيع التي عالجتها وتأثر كتاباتها بنوعية تكوين كتابها العقائدي والفقهي، وصرّح المتحدث على الهامش، أنّ مجال البحث العلمي طبعه التركيز على الصحافة الجزائرية بجميع أطيافها، غير أنّ الناقص حسب تعبيره هو دراسات حول خصائص وسمات وخلفيات وموضوعات والعلاقات التي كانت بين الصحف في الاتجاهات الأخرى، إذ تمنى وجود دراسات في هذا الإطار باعتبارها جزءا من التاريخ تسمح بالتعرّف على ما كتب فيه ومن كتبه وما كان موجودا وبالتالي إحاطة أكثر شمولية، كذلك الحركة الوطنية على غرار التيار الطرقي.
وتطرّق كذلك البروفيسور بجامعة قسنطينة 3، فضيل دليو، أنّ الصحافة جاءت كدعامة ومرافقة للتوسع العسكري للاحتلال، سواء باتجاه العساكر والمستوطنين أو الرأي العام المحلي، ما جعلها تستعمل لغات متعددة واستعانت بالمترجمين، كذلك استعان الجزائريون بالصحافة لمقاومة الاحتلال عبر عدّة اتجاهات.
ولفت كذلك إلى أنّ الصحافة الدينية لا يقصد بها فقط الإسلامية، موضحا أنّها تفاعل صحافي مرتبط بالدين تستهدف حسبه بعدين تبليغ محتويات دينية محضة أو دنيوية من منظور ديني، مضيفا أن من خصائصها تغليب الشحنة العاطفية عند عامة الناس مع وجود نقاش بين أنصار الخطابين العقلي والعاطفي، كما استعرض أنواعها تبعا لطبيعتها المتخصصة والعامة، كذلك من ناحية البنية والأسلوب ممثلة في الصحافة السردية، الوصفية، التفسيرية، الهزلية، الجادة، الإصلاحية، العقلية العاطفية، زيادة إلى ذلك عرّج إلى أنواعها وغرضها من ناحية دعمها للاحتلال أو معاداته.
إسلام. ق