* الدعوة إلى سن قانون لتجريم الاستعمار الفرنسي
أجمع خبراء ومؤرخون على أن التفجيرات النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية، جريمة عابرة للحدود، ضد الإنسان وضد الطبيعة، و ألحوا على ضرورة أن تكشف فرنسا عن كل أسرار هذه التفجيرات وأن تتكفل إنسانيا بالضحايا وتنظف المكان، كما كشفوا عن مشاركة علماء إسرائيليين في المشروع النووي الفرنسي.
نظم المجلس الشعبي الوطني، أمس الأول، بالمركز الدولي للمؤتمرات عبد اللطيف رحال بالجزائر العاصمة يوما دراسيا بعنوان «التفجيرات النووية الفرنسية في الجزائر.. جريمة ضد الإنسان والبيئة»، بحضور خبراء ومؤرخين وقانونيين وممثلين عن السلك الدبلوماسي المعتمد بالجزائر ونواب، وهذا تزامنا والذكرى الخامسة و الستين لأول تفجير نووي بصحراء رقان يوم 13 فيفري 1960 الذي حمل تسمية «اليربوع الأزرق».
وقد سلط المتدخلون في هذا اليوم الدراسي الضوء على مختلف جوانب التفجيرات النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية على مدى سنوات، مبرزين حجم الجريمة التي ارتكبتها السلطات الاستعمارية في حق الإنسان والبيئة على حد سواء ليس فقط في الجزائر بل في عديد الدول التي طالها الإشعاع النووي.
ففي مداخلة له بعنوان «النفايات النووية ..الإرث الفرنسي المسموم في صحرائنا» أكد الأستاذ عمار منصوري، باحث في التفجيرات النووية الفرنسية وعضو سابق بالوكالة الوطنية للطاقة الذرية أن التفجيرات النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية «إرث استعماري ثقيل ومسموم وجريمة عابرة للزمان والمكان، وهي جريمة ضد خلق الله وضد الكون، وكارثة بيئية وفلاحية بامتياز»، و أوضح أن التفجير النووي الموسوم باليربوع الأزرق والذي كانت قوته 70 كيلو طن مست إشعاعاته 26 دولة إفريقية وجنوب أوروبا أيضا وهو ما يجعل من هذه التفجيرات جريمة ضد الإنسان عابرة للمكان والزمان.
كما كشف المتحدث عن أن فرنسا أجرت في المجموع 60 تفجيرا وتجربة نووية وكيماوية وجرثومية 4 منها سطحية بطاقة تصل إلى 800 ألف طن، فضلا عن حوادث أخرى وقعت بالصحراء، مضيفا بأن السلطات الاستعمارية التي استعملت الإنسان الجزائري والفرنسي كفئران تجارب في هذه التفجيرات دفنت بعد ذلك الآليات والتجهيزات الملوثة في الصحراء.
أما المحامية فاطمة الزهراء بن براهم، التي تشتغل على هذا الملف منذ أكثر من 20 سنة فقد تساءلت في بداية مداخلتها «هل القنبلة النووية كانت فرنسية أم جاءت من جهات أخرى؟ لتجيب بأنه بعد عشر سنوات تمكنت من الحصول على وثيقة جاءت في شكل اعترافات من عالم فرنسي تؤكد أن فرنسا لم يكن بمقدورها الحصول على القنبلة النووية لولا إسرائيل.
وأضافت في هذا الإطار تقول بأن 1500 عالم فرنسي أرسلوا إلى إسرائيل للتكوين في المجال النووي، وأن المساعدات التي قدمتها دولة الكيان لفرنسا كانت كبيرة، وهي من اقترحت على السلطات الفرنسية تفجيرها في منطقة حمودية رقان لأن الشيخ المغيلي هزم و طرد اليهود من المنطقة في وقت سابق لذلك أرادت الانتقام من المنطقة.
وخلصت المحامية بن براهم إلى أن التفجيرات النووية الفرنسية في الجزائر لم تكشف بعد عن كل أسرارها، وهو ما يدعو بإلحاح إلى مواصلة العمل على هذا الملف الهام والخطير.
وفي مداخلة له بعنوان «التفجيرات النووية الفرنسية جريمة عابرة للأجيال» أكد المؤرخ، وعضو اللجنة الجزائرية- الفرنسية حول الذاكرة، محمد لحسن زغيدي، أن جريمة التفجيرات النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية كبيرة وواسعة لأنها جرت في مناطق أهلة بالسكان، كما جلبت السلطات الاستعمارية حوالي 200 مجاهد جزائري أسرى وجعلتهم حقلا للتجارب النووية، فضلا عن أن الإشعاعات النووية مست كامل القارة الإفريقية وجزءا من جنوب أوروبا وهو ما يجعل منها جريمة عابرة للحدود.
وأضاف زغيدي بأن المحتل الفرنسي تنصل من جريمته ومن تنظيف الأماكن التي أجريت بها التفجيرات وكذا من تقديم العون الإنساني للمصابين، ليخلص إلى أن هذه التفجيرات ذات أبعاد دولية وعلى البرلمانات الدولية أن تجرم المحتل.
كما قال إن الوقت قد حان كي يعرف أبناء الجيلين في الجزائر وفرنسا الجرائم التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي خلال القرن التاسع عشر في الجزائر، وأوضح بهذا الخصوص أنه ومن موقعه كعضو في اللجنة الجزائرية الفرنسية حول الذاكرة وخلال زياراته لفرنسا وقف على ملايين من الوثائق التي تخص القرن الـ19 وقد حقق الطرف الجزائري قفزة نوعية بحصوله على 2 مليون وربع المليون وثيقة.
وتطرق المؤرخ الدكتور جمال يحياوي إلى السياق التاريخي الذي جاءت فيه هذه التفجيرات، وركز على عقدة الهزيمة التي لاحقت فرنسا منذ بداية الحرب العالمية الثانية أمام ألمانيا ثم هزيمتها في ديان باين فو، وهزيمتها في الجزائر وهو ما جعلها تسعى لتعويض ذلك بالتفجيرات النووية في الصحراء الجزائرية.
وخلص المتدخلون إلى أن التفجيرات النووية الفرنسية في الجزائر جريمة مكتملة الأركان وعلى فرنسا الاعتراف بها وتحمل مسؤولياتها وتبعاتها التاريخية والقانونية والإنسانية والسياسية.
وقد توج اليوم الدراسي بجملة من التوصيات منها، سن قانون يجرم الاستعمار الفرنسي ويلزم فرنسا الاعتراف بمسؤوليتها عن جرائمها ضد الإنسانية بما فيها الإبادة الجماعية والتجارب النووية وفسح المجال للمساءلة الجنائية، توثيق الشهادات الحية للسكان و المجاهدين الذين عايشوا فترة التفجيرات النووية، إنشاء مركز وطني للذاكرة النووية يعنى بدراسة الآثار البيئية والصحية و التداعيات المستمرة، إطلاق دراسات ميدانية لمتابعة الوضع الصحي للسكان المتضررين وتقديم الدعم الطبي لهم.
كما أوصى المشاركون أيضا بالضغط الدولي لحمل فرنسا على الاعتراف وتقديم التعويضات، وإدراج التفجيرات النووية في المناهج التعليمية لتعريف الأجيال بالجريمة، و تنظيم ندوات ومؤتمرات علمية وتاريخية حول القضية، وإنتاج أفلام وثائقية و أعمال أدبية حولها، وتخصيص يوم وطني للذاكرة النووية، وأخيرا رفع دعاوى قضائية أمام المحاكم الدولية ضد فرنسا ومطالبتها بالتعويض.
إلياس –ب