• الجزائريون لا يتسامحون مع المتاجرين بقيم الدين أو الوطنية
أكد الوزير الأول السيد عبد المالك سلال، أن الجزائر «واجهت لعشرية كاملة ولوحدها إرهابا مقيتا حصد آلافا من أبنائها»، مبرزا أن المصالحة الوطنية التي بادر بها رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة ، أكدت»خيار الشعب من أجل السلم وثقافة العفو والتسامح ونبذه للعنف بكل أشكاله ووضعه للثوابت الوطنية في مرتبة أسمى من المعترك السياسي».
و قال سلال في حوار لمجلة «الأهرام العربي» المصرية، بأن الجزائريين الذين»يعلمون جيدا ثمن الأمن والإستقرار (...) لا يتسامحون مع المتاجرين بقيم الدين أو الوطنية، كما أن تعلقهم وعرفانهم كبير للجيش الوطني الشعبي وباقي الأسلاك الأمنية على سهرهم لحماية شعبنا وبلادنا».
و من هذا المنطلق - يضيف سلال-»ترافع الجزائر من أجل تنسيق دولي ومقاربة شاملة لمحاربة الظاهرة الإرهابية خصوصا أن هذه الأخيرة امتزجت في الأزمة الأخيرة بشبكات الجريمة العالمية العابرة للحدود مما زاد في قدراتها».
وفي هذا الاطار ذكر بأن الجزائر «طالبت وما زالت تطالب بتجفيف مصادر تمويل الإرهاب لاسيما عبر تجريم دفع فدية المختطفين ومحاربة الإتجار غير الشرعي بالأسلحة والمخدرات والبشر، ومواجهة دعاة التطرف في المجتمع والمدارس ودور العبادة».
وفي رده عن سؤال حول موقف الجزائر من تطورات الأوضاع في ليبيا على المستويين السياسي والأمني، قال سلال «قبل الأمن والسياسة ، الكارثة في ليبيا الشقيقة إنسانية»، مبرزا أن الليبيين»يعيشون مأساة حقيقية ولا يرون أفقا للخروج من نفق الخلافات ولا أملا في توقف المناورات الأجنبية مع تخييم هاجسي الخطر الإرهابي والتدخل العسكري».
وجدّد سلال تمسك الجزائر بمبدأ سيادة ليبيا ووحدة ترابها، داعيا جميع الأطراف إلى نبذ العنف واعتماد الحوار لتجاوز الخلافات وتحقيق التوافق الوطني في إطار الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة ودون اللجوء إلى التدخل العسكري الأجنبي.
وبخصوص الأزمة السورية ، جدد سلال التأكيد على أن الحوار هو»السبيل الأمثل لحل هذه الأزمة والرعاية الأممية قد تشكل ضمانا لنجاحه»، مضيفا أن معاناة الشعب السوري طالت ولابد أن تتوقف من خلال مسار توافقي سوري- سوري يضمن الوحدة الترابية لهذا البلد وسيادته واستقلاله ويحقق تطلعات شعبه المشروعة في الحرية والديمقراطية.
كما نبه الوزير الأول إلى الخطر الإرهابي الذي يتطور في تلك المنطقة»وسيشكل تهديدا متناميا للسلم العالمي»، مشيرا إلى أن الإرهاب»بعد أن خرب أجزاء كبيرة من العراق وسوريا تمكن ويا للعجب حتى من الإتجار في النفط».
وبشأن التعاون الجزائري- التونسي في مجال مكافحة الإرهاب، أكد سلال أن الثقة والقناعة بالمصلحة المشتركة واحترام سيادة كل بلد»هي أسس هذا التعاون ليس فقط أمنيا بل في كل الميادين والمجالات».
وتابع قائلا»مرت تونس بمرحلة دقيقة وحاسمة واخترنا أن تكون الجزائر إلى جانب شقيقتها في تلك اللحظة الفارقة»،لافتا إلى أن التعاون بين البلدين»يتعدى المجال الأمني إلى تنسيق سياسي دائم رفيع المستوى حول القضايا ذات الإهتمام المشترك إقليميا ودوليا»، مؤكدا حرص الجزائر على علاقاتها المتميزة مع تونس وتطلعها إلى الإرتقاء بها أكثر.
وفي رده عن سؤال حول إمكانية مشاركة الجزائر في محاربة الإرهاب عسكريا خارج حدودها، قال سلال «قبل الحديث عن خيار المشاركة في عمليات عسكرية ضد الإرهاب، الأجدر بنا أن نفكر في جدوى هذا الخيار ومدى نجاحه وقد أكون مخطأ لكنني لا أذكر تدخلا عسكريا خارجيا حقق نجاحا أو أنهى وجود مجموعات مسلحة بل قد يؤدي ذلك في غالب الأحيان إلى خلق مشاكل أكثر تعقيدا من تلك التي أُريد حلها».
وبعد أن ذكر بالمانع الدستوري الذي لا يسمح للجيش الوطني الشعبي أن يقوم بمهام قتالية في الخارج،أكد سلال أن «اليأس غير مسموح للمسؤول السياسي، فمهما كانت الأوضاع في عدد من دول منطقتنا بالغة التعقيد، إلا أن حلها بالحوار والطرق السلمية ليس مستحيلا، يجب ألا نقبل أن يرهن التطرف مستقبل شعوبنا».
وبخصوص العلاقات الجزائرية الفرنسية، أبرز الوزير الأول أن فرنسا شريك اقتصادي «مهم» للجزائر, مضيفا أن مجالات التعاون بين البلدين «كثيرة ومتعددة»ويعملان الآن على قاعدة ملفات محددة وواضحة في إطار المصلحة المشتركة للطرفين.
كما تطرق سلال إلى الجالية الوطنية المقيمة بالمهجر ، حيث أكد وقوف الدولة إلى جانبها «في هذه الظروف المضطربة وتعتبر أنه من غير المقبول ما يلاقيه أفرادها من مظاهر التمييز العنصري وإلصاق الإرهاب بالدين الإسلامي الحنيف».
الجزائر ملتزمة بدعم حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير
وجدد الوزير الأول، دعم الجزائر لحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير وإلتزامها بالمسار الأممي لتسوية النزاع في الصحراء الغربية.
وذكر سلال أن ملف الصحراء الغربية موجود بين يدي منظمة الأمم المتحدة وهو الآن محل مسار سياسي تفاوضي بين المملكة المغربية والجمهورية الصحراوية.
وتابع قائلا»من منطلق تاريخها الثوري، لم تخف الجزائر يوما تعاطفها وتضامنها مع الشعب الصحراوي في نضاله من أجل حقه في تقرير مصيره ولا اعترافها بالجمهورية الصحراوية على غرار أكثر من سبعين دولة في العالم والعديد من المنظمات الدولية وعلى رأسها الإتحاد الإفريقي».
وجدد في هذا الإطار دعم الجزائر وإلتزامها بالمسار الأممي في هذا الملف للوصول إلى حل نهائي وعادل لهذا النزاع «يمكن شعوب المنطقة كلها من التركيز وتوجيه الجهود نحو التنمية الاقتصادية والإجتماعية».
وبخصوص العلاقات الجزائرية المغربية، قال سلال أن المغرب «بلد جار وشقيق بيننا نقاط خلاف عالقة تتبايين بشأنها وجهات النظر»، مضيفا أن الجزائر»تفضل مقاربة شاملة تطرح فيها القضايا بصراحة في حوار مباشر خصوصا أن الأمر يتعلق بمواضيع محددة يبقى استعداد بلادنا كاملا لتسويتها بطريقة جدية،كي يتمكن البلدان من التفرغ إلى المهمة الأسمى ألا وهي بناء اتحاد المغرب العربي كما تتطلع له شعوبنا».
و بشأن غلق الحدود البرية بين البلدين، ذكر الوزير الأول أن الأمر «يتعلق بإجراء جاء ردا على القرار الأحادي لسلطات المملكة المغربية بفرض تأشيرات دخول على الرعايا الجزائريين».
لن ندخر جهدا في دعم كل مساعي رصّ الصف العربي
وبشأن العمل العربي المشترك ومستقبله، أكد سلال أن الجزائر لن تدخرا جهدا في تدعيم كل المساعي الرامية إلى رص الصف العربي و تفعيل تضامن الأمة، وأضاف أنه «بالنظر للراهن العربي، نؤكد أن الاسترجاع السريع للأمن والاستقرار هو أولوية الأولويات ومن دونه لا يمكن تصور عمل عربي ناجح أو تأثير على الأحداث خصوصا فيما يتعلق بملفاتنا الأساسية وعلى رأسها القضية الفلسطينية المركزية».
من هذا المنطلق أبرز الوزير الأول، أن الجزائر لن تدخر جهدا في تدعيم كل المساعي الرامية إلى رص الصف العربي وتفعيل تضامن الأمة العربية»بما يحفظ لها مكانتها في المجتمع الدولي ويسمح لها بكسب رهان التنمية والتقدم».
وبخصوص الإضطرابات التي يعرفها العالم العربي منذ 2011، أوضح سلال أن الأيام والأحداث «أثبتت رجاحة القراءة الجزائرية لما عرف بالربيع العربي التي وإن أقرت على الدوام بصدق وبراءة آلاف الشباب الذين خرجوا في عدد من الحواضر العربية وشرعية مطالبهم، إلا أنها أعلنت من الوهلة الأولى تحفظها على مظاهر انهيار الدول والمساس بسيادة الأوطان ووحدتها الترابية والتدخل الأجنبي وتفشي العنف اللفظي والجسدي».
وتابع قائلا «كما أننا لم نقتنع يوما بنموذج ديمقراطي نمطي موحد لكل الدول، لأننا نؤمن أن كل أمة تصنع مصيرها الخاص بالنهل من تاريخها وحضارتها والإرادة الحرة لأبنائها».
وبخصوص الفتن المذهبية والطائفية التي يستعملها الغرب كشرارة لإحراق الشعوب العربية،أوضح سلال «عندما نقول في الجزائر أن الإسلام والعروبة والأمازيغية هي مكونات الشخصية الوطنية هذا لا يعني أن مجتمعنا مكون من تعايش ثلاث مجموعات عرقية أو طائفية»، مضيفا أنه في شخصية كل جزائري «تقوى المسلم وحكمة ابن الصحراء وفروسية العربي وعزة الأمازيغي».
وتابع في نفس الموضوع قائلا»لاشك أن هناك في الخارج من يستفيد أو يؤجج الفتن والاختلافات الطائفية والمذهبية في البلدان الاسلامية والعربية لكن القدر الأكبر من المسؤولية يبقى ملقى علينا بأن نجعل من تنوعاتنا المختلفة ثراء ومصدر قوة وزخما ثقافيا وفكريا واجتماعيا»، لافتا إلى أن الجزائريين اختاروا»أن يحرروا قضايا الدين والهوية واللغة من مستنقع المزايدات السياسية وأن يرتقوا بها، بعد تثبيتها في النص الدستوري، إلى الفضاء الأكاديمي والعلمي، حيث يتمكن أهل الاختصاص من تناولها بموضوعية تخدم وحدة الشعب ومصالح الوطن».
الدستور المعدل «خطوة عملاقة» في مجال الحقوق والحريات الجماعية والفردية
و في تطرقه إلى الدستور المعدل، أكد الوزير الأول، أن الدستور المصادق عليه يوم 7 فبراير المنصرم يعد «خطوة عملاقة» في مسيرة الجزائر و»طفرة» في مجال الحقوق والحريات الجماعية والفردية.
وأوضح سلال أن الدستور الجديد يعد»طفرة في مجال الحقوق والحريات الجماعية والفردية وخطوة عملاقة في مسيرة الجزائر».
وأضاف بأن الدستور المصادق عليه أقر أحكاما تضمنت «تقوية للوحدة الوطنية والشخصية الجزائرية من خلال دسترة الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية».
كما نصت الأحكام الجديدة - يضيف الوزير الأول- على»حقوق الإعلام والوصول إلى المعلومة والحرية الأكاديمية والعملية والفنية وحرية المعتقد وحرية النشاط السياسي والتظاهر السلمي، ووجوب حماية الأطفال والمسنين والفئات المحرومة والاستقلال التام للقضاء ومفهوم المحاكمة المنصفة والحق في بيئة سلمية».
وفي رده على سؤال بشأن البرامج والاجراءات التي وضعتها الحكومة لترقية وضعية المرأة، أكد الوزير الأول بأن التشريعات الوطنية المتوالية «عززت مكانة المرأة وحقوقها»، مبرزا أن التعديل الدستوري الأخير «أرسى هدف الوصول إلى المناصفة بين الرجال والنساء في مجال العمل والمشاركة السياسية والمجتمعية».
وفي هذا الاطار، أعرب سلال عن «افتخاره بالمؤشرات الايجابية التي تحققت في مجال التكفل بانشغالات المرأة على غرار نسبة النساء العاملات (16,8 بالمائة) وفي البرلمان (32 بالمائة) وفي المجالس المحلية (20 بالمائة) وعدد الناجحات في امتحانات البكالوريا والجامعيات اللائي فقن عدد الذكور في السنوات الخمس الأخيرة».
كما أبرز سلال في هذا المجال «حضور المرأة في كل هياكل الدولة من الحكومة إلى الدواوين الوزارية إلى مجلس الدولة إلى أسلاك السفراء والولاة وحتى في رئاسة الأحزاب السياسية».
لن يتم المساس بالمكاسب الاجتماعية
وفي ره على سؤال بشأن تداعيات الازمة النفطية على الاقتصاد الجزائري، أكد الوزير الأول أن هذه الازمة «عنيفة وذات جذور جيو استراتيجية أكثر منها اقتصادية»، مشيرا إلى أنه من «الصعب التكهن بتطورها على المديين القريب والمتوسط».
وذكر بأنه يتعين على الجزائر لمواجهة هذه الأزمة «مواصلة عصرنة البلاد دون المساس بالمكاسب الإجتماعية أو اللجوء المفرط لاحتياطاتنا»، مشيرا الى أنه «بفضل التسديد المسبق للديون والتسيير المالي الراشد، نواجه الأزمة أحسن من كثير من الدول المنتجة».
وفي ذات الاطار، شدد على ضرورة «البحث عن الثروة في القطاع المنتج وفي المؤسسة الجزائرية عمومية كانت أم خاصة».
وبشأن مجهودات الدولة في جذب الاستثمارات الخارجية، أكد سلال أن البلاد»تعمل على بناء اقتصاد ناشئ يرتكز على القطاع المنتج الخالق للثروة».
و أضاف بأنه تجسيدا لهذا الهدف،»تم التركيز في السنوات الأخيرة على إعادة بناء القاعدة الصناعية الوطنية من خلال شراكات في عدد من القطاعات مع متعاملين ذوي خبرة عالمية معترف بها».
التعاون الجزائري-المصري دون طموح البلدين
وبخصوص التعاون الثنائي بين الجزائر ومصر، أكد الوزير الأول بأن «المحرك الأساسي لعلاقات البلدين يكمن في الإرادة السياسية الكبيرة للرئيسين بوتفليقة وعبد الفتاح السيسي في الدفع بها وتوسيعها إلى آفاق أرحب».
وفي هذا الاطار، أوضح سلال أنه «بالرغم من الحجم المعتبر للشراكة الاقتصادية بين البلدين، تبقى التبادلات التجارية دون طموحنا، خصوصا إذا نظرنا إلى فرص التكامل الكثيرة التي تتيحها الإمكانيات الهائلة المتوفرة في الدولتين في مختلف الميادين».
وشدّد في هذا السياق، على ضرورة «البحث عن أفضل السبل لتوسيع قاعدة التعاون كي تشمل سائر قطاعات الحياة الاقتصادية والمالية، بما يحقق شراكة حقيقية وتكاملا اقتصاديا ملموسا».
وفي هذا الجانب، ذكر الوزير الأول بأن اللجنة المشتركة للتعاون قررت اعتماد «نظرة متجددة» للعلاقات الجزائرية -المصرية، خصوصا في المجال الاقتصادي ترتكز على»الواقعية والبراغماتية والصرامة في تنفيذ الاتفاقيات والبرامج المشتركة.
ق و