انتقد عدد من نواب الغرفة السفلى للبرلمان بقوة محافظ بنك الجزائر والسياسة النقدية التي يتبعها والتي لم تتمكن من وقف انهيار قيمة العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية ولا من وقف نزيف العملة الصعبة نحو الخارج، بينما دعا محمد لكصاسي إلى مواصلة التسيير الحذر للاحتياطات الرسمية للصرف، وقال إن الوضعية المالية الخارجية الصافية للجزائر تبقى صلبة وهو ما من شأنه تخفيف أثر انخفاض أسعار البترول على ميزان المدفوعات الخارجية.
قدّم محافظ بنك الجزائر محمد لكصاسي أمس، أمام نواب المجلس الشعبي الوطني التقرير السنوي الخاص بالتطورات الاقتصادية والنقدية لسنة 2014 وآخر التوجهات لسنة 2015 وهو ما لم يهضمه النواب، الذين قالوا أن كل المعطيات الواردة في التقرير الذي تلاه لكصاسي تغيرت اليوم، متسائلين عن سبب تأخر عرضه إلى هذا الوقت خاصة، وأن الظروف المالية والاقتصادية تتسارع.
وتركزت الكثير من مداخلات النواب حول تدهور قيمة العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية والدور الذي من المفروض أن يقوم به البنك المركزي في هذا الشأن، وعدم وضع مكاتب لصرف العملة، و مواصلة تهريب وتبييض الأموال، وفي هذا الصدد قال ناب جبهة العدالة والتنمية لخضر بن خلاف أن كل الأرقام انقلبت رأسا على عقب لأن التقرير أعد في السداسي الأول من سنة 2015، وتساءل لماذا يبرمج هذا التقرير للمناقشة في غياب ممثلي الحكومة؟.
ثم عاد للوعود التي قدمت سلفا المتعلقة برفع قيمة منحة السفر التي قال أنها خفضت إلى 120 يورو فقط، والوعود بفتح مكاتب الصرف للعملة الصعبة لامتصاص 3700 مليار دينار المتداولة في السوق الموازية ببورسعيد.
ودعا النائب عن الآفلان إلياس سعدي إلى قول الحقيقة كاملة للشعب واخباره بقيمة ودائعه المالية في الخارج، وكذا بمخزون البلاد من الذهب، كما تطرق هو كذلك إلى مشكل الصرف الذي لم يحل منذ سنوات، وطالب النائب عبد العزيز منصور بإزالة السوق الموازية للعملة الصعبة بساحة بور سعيد بالعاصمة.
من جانبه اعتبر نائب التجمع الوطني الديمقراطي محمد بابا علي، أن التقرير المقدم يحمل الكثير من المغالطات، متطرقا هو الآخر إلى قضية تهاوي قيمة الدينار دون أن يفعل بنك الجزائر شيئا، وأثار النائب عن تكتل الجزائر الخضراء نعمان لعور مسألة الاستدانة الداخلية والخارجية وركود التشغيل في القطاع البنكي وجمود البورصة، أما رمضان تعزيبت عن حزب العمال فقد اعترف بأن محافظ بنك الجزائر قدم تشخيصا دقيقا للوضع المالي والاقتصادي للبلاد، وقال أنه لابد من اتخاذ اجراءات قوية وشجاعة للمحافظة على الصحة المالية للبلاد، داعيا في نفس الوقت إلى المحافظة على الطابع العمومي للبنوك وضبط التجارة الخارجية بشكل أكبر وفك عقد الشراكة مع الاتحاد الأوربي.
أما النائب حسن عريبي عن جبهة العدالة والتنمية فقد تطرق إلى مسألة تهريب العملة الصعبة نحو الخارج بطرق غير قانونية من قبل رجال أعمال وتحت عناوين مختلفة، داعيا إلى كشف هؤلاء الذين يخالفون القانون ويقومون بتحويل العملة الوطنية، وعلى العموم فقد تركزت معظم مداخلات أعضاء المجلس على تدهور قيمة الدينار والتلويح باللجوء للاستدانة الخارجية، وعدم حل مشكلة السوق الموازية للعملة التي تساهم في الظرف الحالي في تهريب العملة نحو الخارج و في تدهور قيمة العملة الوطنية. ولم يسلم محافظ بنك الجزائر من انتقادات النواب، حيث دعاه البعض منهم إلى تقديم استقالته لأنه يقدم نفس التقارير منذ سنوات دون أن يسجل أي تحسن في الوضعية النقدية والمالية للبلاد التي تأثرت بتراجع أسعار البترول.
وعلى الرغم من أن التقرير المقدم من طرف لكصاسي يتحدث عن فترة 2014 إلا أنه أشار أن الأداءات المالية والاقتصادية المسجلة بين 2001 و 2008 خصوصا تحسن الوضعية المالية الخارجية وتراكم موارد الادخار الميزاني سمحت للاقتصاد الوطني أن يصمد أمام الصدمات الخارجية، مشيرا أن انخفاض اسعار البترول شكل عاملا حاسما في رسم الوضعية المالية والنقدية للبلاد.
و قال أنه في ظل هذا الظرف الحالي للاقتصاد الدولي واصلت الجزائر الحفاظ على الاستقرار النقدي والمالي في سنة 2014 في وضع يتميز بعجز في ميزان المدفوعات الخارجية واستمرار العجز الميزاني، وقد اشتدت هشاشة الاقتصاد الجزائري اتجاه الصدمة الخارجية بداية من السداسي الثاني من 2014 تحت تأثير الانخفاض الهائل لأسعار البترول واستمرار الركود في قطاع المحروقات، ورغم ذلك شهدت ذات السنة انتعاشا طفيفا في النشاط الاقتصادي بمعدل نمو قدره 3.8 بالمائة.
ومن أجل امتصاص البطالة خصوصا لدى فئة الشباب ينصح التقرير بضرورة أن ينمو الاقتصاد الجزائري بمستواه الكامن ضمن هذا الوضع الجديد المتميز بالصدمة الخارجية بالارتكاز على الانتاج الصناعي والفلاحي وعلى الخدمات المنتجة من خلال امتصاص فعال للادخارات المالية للأعوان الاقتصاديين الوطنيين.
وعلى عكس سنة 2009 التي عرفت تباطؤا في تراكم الاحتياطات الرسمية للصرف ترجمت الصدمة الخارجية لسنة 2014 بتراجع في الاحتياطات الرسمية للصرف، حيث بلغت 178.94 مليار دولار مقابل 194.01 مليار دولار في نهاية 2013، ومع ذلك بقي مستوى الاحتياطات الرسمية للصرف معتبرا ويغطي 30 شهرا من استيراد السلع والخدمات، وبالنظر للمستوى المنخفض للدين الخارجي متوسط وطويل الأجل تبقى الوضعية المالية الخارجية الصافية للجزائر صلبة وتفوق بكثير النسب المسجلة في أغلبية البلدان الناشئة، و هذا يوفر مجالا لدعم الاستثمار وتخفيف آثار انخفاض اسعار البترول على ميزان المدفوعات الخارجية.
واعتبر لكصاسي في تقريره أن الاستقرار المالي يشكل مكسبا يجب المحافظة عليه في هذا الوضع الجديد المتميز بالصدمة الخارجية التي تبدو مستدامة، وقال إن هشاشة ميزان المدفوعات اتجاه الميل التصاعدي للواردات وأمام تقلص حجم صادرات المحروقات قد تزداد حدة اذا استمرت أسعار المحروقات في الانخفاض، لذلك دعا الى مواصلة التسيير الحذر للاحتياطات الرسمية للصرف من طرف بنك الجزائر والتركيز على أمن الاستثمارات وتحقيق مردودية مقبولة.
واعترف محافظ بنك الجزائر بالارتفاع الطفيف لسعر الصرف الفعلي الحقيقي للدينار سنة 2014 نتيجة لتقلبات أسعار صرف أهم العملات المرتبطة بارتفاع قيمة الدولار، مشددا على صلابة القطاع المصرفي الجزائري، وقال أنه محصن نسبيا رغم المرحلة التصاعدية لدورة القروض.
وفيما ظل مستوى احتياطات الصرف ملائما لمواجهة الصدمة الخارجية في نهاية جوان 2015، فإن تأثير الصدمة الخارجية الكبيرة على الأساسيات أدى إلى انخفاض متوسط قيمة سعر الدينار مقابل الدولار الأمريكي في السداسي الأول من سنة 2015 مقارنة بنفس الفترة من سنة 2014، بالمقابل ارتفعت قيمة الدينار قليلا مقابل اليورو في حين بقي سعر الصرف الفعلي الحقيقي للدينار مرتفعا مقارنة بمستواه التوازني على المدى المتوسط.و أمام تقلص فائض السيولة يقول لكصاسي، شرع بنك الجزائر في التخفيض التدريجي لاسترجاع السيولة ويرتقب عودة المصارف والمؤسسات المالية إلى إعادة التمويل من طرف بنك الجزائر خاصة من خلال إعادة الخصم.
م- عدنان