حذر أساتذة و باحثون من جامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة، من زحف المذهب الحنفي في المجتمع الجزائري رغم أنه لا يتناسب مع تقاليده و أعرافه، و قد يتسبب في تشتيت الجزائريين الذين يتبعون المذهب المالكي، كما انتقدوا خلال ملتقى نظم نهاية الاسبوع استعانة وسائل الإعلام الوطنية بمشايخ غير مؤهلين، تحول بعضهم إلى مهرجين مهمّتهم إضحاك الناس.
حمّل الدكتور عبد القادر جدي نائب عميد كلية أصول الدين بجامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة، وسائل الإعلام مسؤولية ظهور مهرجين و أشخاص غير مؤهلين لإصدار الفتاوى، و قال أن بعض هؤلاء متأثر بالمذهب الحنبلي الذي تسير عليه المملكة العربية السعودية و لا يتوافق مع المجتمع الجزائري.
و في حديث النصر على هامش ملتقى نظم بدار الإمام بقسنطينة حول ضوابط الفتوى، ذكر الدكتور عبد القادر جدي أن بعض الذين يظهرون على القنوات الفضائية الجزائرية لإصدار الفتاوي، ليسوا أساتذة و باحثين كما أن أغلبهم ليسوا من خريجي الكليات الشرعية للجامعات الجزائرية و لم يشاركوا في ملتقيات و لم يعدوا أبحاثا، ما يجعلهم غير مؤهلين و لا يمتلكون الخبرة للإفتاء، محملا كامل المسؤولية لوسائل الإعلام الوطنية، خاصة و أنها تنقل، كما قال، فتاوى مشايخ متأثرين بالمذهب الحنبلي، و ليس المالكي الذي يتبعه الجزائريون منذ 13 قرنا، و هو أمر «مؤسف” و قد يتسبب في التشويش على الناس و «إدخالهم في خلاف».
و استغرب الدكتور جدي و هو مفتي و رئيس مخبر الدراسات الشرعية بجامعة العلوم الاسلامية، الاستعانة بمتخصصين عندما يتعلق الأمر ببرامج الطب و حتى الطبخ، لكن عندما يتعلق ببرنامج يخص الدين يتم اللجوء إلى “مهرجين”، و أضاف الأستاذ في الكلمة التي ألقاها بالندوة، أن الفتوى صناعة تحتاج لعدة مواد و هي ليست بالمسألة الهينة، و يجب أن تسبق بالتحري و ترفق بذكر الدليل، على عكس ما يقوم به مشايخ يفتون تبعا لمزاجهم و بحسب حالة طالب الفتوى.
و خلال النقاش الذي أعقب الندوة ذكر الأستاذ جدي أن المالكية تجيز سفر المرأة دون محرم و لو اتبع الجزائريون المذهب الحنفي لما وصلت المرأة إلى الجامعة، مستغربا سير البعض على المذهب الحنفي رغم أنه آخر المذاهب من حيث عدد الأتباع بالعالم الاسلامي، معيبا على بعض القنوات الترويج لما أسماها بـ «الحثالات».
قال الدكتور كمال لدرع عميد كلية الشريعة و الاقتصاد بجامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة، بأن الجزائريين أصبحوا يصرفون أموالا طائلة من أجل استفتاء شيوخ يتبعون مذهبا غير المالكي و ليسوا على علم بأعراف و تقاليد المجتمع الجزائري، محذرا من خطورة إسقاط فتاوى قديمة على واقعنا بحجة إتباع السلف.
و خلال يوم دراسي بعنوان “ضوابط الفتوى و إشكالية فقه الواقع” جرت فعالياته بالمعهد الوطني لتكوين أسلاك إدارة الشؤون الدينية بدار الإمام، ذكر الدكتور كمال لدرع في لقاء مع “النصر”، أن على المفتي أن يكون على دراية بواقع القضايا الاجتماعية و تطور المجتمع و كذلك خصوصياته و العادات التي يسير عليها، بحيث لا يكفي أن يكون عالما بالأحكام الشرعية و القرآنية و النبوية، فهو، كما قال، مثل الطبيب الذي يقدم العلاج بعد التشخيص و ذلك لا يكون إلا إذا كان ملامسا لواقع الناس و غير معزول عنهم.
و اعتبر الدكتور أن مقام المفتي مهم جدا بالنظر للدور الكبير الذي يؤديه و حاجة المجتمع إليه، مضيفا بأنه يتوجب اللجوء إلى الإفتاء الجماعي في القضايا الهامة و هو ما جعل وزير الشؤون الدينية يفكر في هذه المسألة، و خلال كلمة ألقاها بالملتقى أكد الأستاذ أن إشكالية منصب مفتي الجمهورية لا تزال مطروحة، و هو ما جعل الجزائريين ينفقون مبالغ كبيرة للاستفتاء حول قضايا بسيطة من علماء يجهلون تقاليدنا و ثقافتنا، مقدما مثالا عن السعودية التي أفتى علماؤها بعدم جواز قيادة المرأة للسيارة، ليتابع “ليس كل من يتخرج من الجامعة الإسلامية مؤهل للإفتاء”، بحيث يشترط، حسبه، أن يكون المفتي ذو علم و ورع، سيما و أن الإفتاء بغير علم مُحرم شرعا.
و يرى عميد كلية الشريعة أنه من الخطر إسقاط فتاوى قديمة على واقعنا بحجة إتّباع السلف، حيث كانت التي يصدرها التابعون خاضعة لظروف معينة، مستدلا بتغير فتاوى الصحابة لدى تنقلهم إلى المدينة المنورة، و كذلك فتاوى الخلفاء الراشدين، و دعا الدكتور لدرع المشايخ إلى غرس قيم الوسطية و الاعتدال و نبذ الانحرافات الخطيرة و المخربة للمجتمع و كذلك مراعاة المتغيرات و الظروف التي نعيشها، خاصة و أن الجزائر عانت من الفتاوى التي أدت إلى التطرف و العنف و الترويج للقتل و الإرهاب.
و تعقيبا على أسئلة بعض طلبة المعهد من أئمة و مؤذنين بشأن جواز الإفتاء بغير المذهب المالكي، باعتماد المذهب الحنفي على سبيل المثال، أوضح الدكتور كمال لدرع أن المالكية حافظت على وحدة المجتمع الجزائري، رغم مرور الدولة العثمانية ثم الاستعمار الفرنسي، إذ واصل الجزائريون التمسك به لقرون.
دعا الدكتور عبد القادر جدي من جامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة، إلى سنّ قوانين تمنع ما يعرف بالتسويق الشبكي الذي اعتبره خطيرا، كما انتقد عدم استفتاء السلطات للفقهاء حول مشروعية القرارات إلا بعد المصادقة عليها.
و في رده على سؤال أحد الأئمة بخصوص منظور الشرع للتسويق الشبكي الذي راج مؤخرا بين الشباب، قال المتحدث أن هذا النوع من النشاط محرم و مصدره شركات فاسدة تنشئ مكاتب لتهريب الأموال و سرقتها، إذ يكسب المنخرطون فيها أموالا دون بذل أي جهد، و ذلك بعد دفع مبلغ و إجراء دورة تدريبية أو السفر إلى بلد ما، مضيفا بأن تحصيل الأرباح يكون على شكل هرمي، حيث يحصل من هم في أعلى الهرم على أموال أكثر من المصنفين في الأسفل، إلى أن يكتشف المرتبون في القاعدة أنهم لن يحصلوا على أية أموال، داعيا إلى وجوب تحسيس الشباب و الشركات لإصدار مراسيم تمنع التسويق الشبكي لخطورته.
من جهة أخرى انتقد الأستاذ عبد القادر جدي في حديثه للنصر، استفتاء علماء الدين بعد إصدار المراسيم و الموافقة عليها من البرلمان، على غرار صيغة البيع بالإيجار التي اعتمدت قبل أزيد من 10 سنوات، متسائلا عن سبب عدم طلب رأي الفقيه مثله مثل أي خبير، أو استفتاؤه بأثر رجعي و بعد سنوات من العمل بالقوانين محل الفتوى، ليضيف أن جميع الدول تستشير الفقهاء لدى صياغة القرارات و هو أمر غير معمول به ببلادنا و السبب في ما يحدث من “محن”.