دعا قانونيون في إطار مراجعة قانون الأسرة، إلى ضرورة وضع قيود للخلع وللعصمة، وكذا إعادة النظر في إسقاط شرط الولي، وكذا إسناد الحضانة بما يتماشى مع الشريعة الإسلامية، وأصروا على فتح نقاش موسع وعدم تقييد التعديل بوقت محدد، بغرض تفادي الهفوات والأخطاء السابقة.
سجّل المختصون في القانون مآخذ على قانون الأسرة الحالي الذي خضع لتعديل شبه جوهري سنة 2005، جراء النتائج السلبية التي ترتبت عنه، وهو ما يؤكده المحامي وعضو اللجنة الاستشارية لترقية حقوق الإنسان حسين خلدون، الذي يرى بأن أي نص قانوني يجب أن يكون وقائيا، معتقدا بأن الدولة اعتمدت مقاربة الإصلاح التدريجي في تعديل قانون الأسرة الذي تمت مراجعته سنة 2005، وأن التطبيق الميداني بين وجود بعض العيوب، مثلا فيما يتعلق بالإفراط في اللجوء إلى الخلع، وكذا التسرع في إصدار الأحكام بالطلاق، وهي عوامل تؤدي مع مرور الوقت إلى تفكك الأسرة، موضحا بأن المراجعة هدفها إصدار قانون في صالح الأسرة دون تفرقة بين المرأة والرجل، وأن كل الدول لها حق التحفظ على الاتفاقيات الدولية في حال تنافيها مع الأعراف والعقيدة، خصوصا فيما يتعلق بحضور الولي عند إبرام عقد الزواج، الذي يعد شرطا في صالح المرأة وليس ضدها.
ويرى الاستاذ عامر رخيلة، عضو سابق في المجلس الدستوري بأن مراجعة قانون العقوبات يترتب عنه حتما مراجعة قانون الأسرة عقب مرور 30 سنة عن إصداره، وبعد 10 سنوات من تعديله الذي كان سنة 2005، مؤكدا بأن تطبيق النص المعدل طرح إشكالات كثيرة، من بينها إسناد الحضانة، وربطها بعدم تكرار الزواج من قبل المرأة، وكذا ترتيب الحضانة التي أصبحت تعود للرجل بعد المرأة، ما يتنافي مع الشريعة، لأن القانون أضحى يخضع للأعراف، فضلا عن عدم التمكن من ضبط تعدد الزوجات، رغم القيود التي وضعها المشرع في إطار تعديلات سنة 2005، قائلا بأن المراجعة ينبغي أن لا تتصادم مع الشريعة والمعاصرة، واقترح المتحدث فتح حوار موسع لتفادي التسرع الذي أحاط بتعديل قانون العقوبات، لأن الأمر يتعلق حسبه بقانون الأسرة، التي تعد الخلية الأساسية للمجتمع، معبرا عن مخاوفه من أن يؤدي الاستمرار في تعديل القوانين بهذه الطريقة من ظهور مجتمعين، واحد يلتزم بالقوانين، وآخر ناكر لوجودها، وهي ذات الملاحظة التي أبداها المحامي مصطفى بوشاشي.
وفسرت نعيمة صالحي، رئيسة حزب العدل والبيان، وكذا عضو اللجنة التي ساهمت في تعديل قانون الأسرة سنة 2005، الثغرات الموجودة في النص الحالي، بأنه خلال مراجعة القانون تم تسجيل خمس نقاط إختلاف، لأن اللجنة صاغت القانون آنذاك قامت بحسب قولها بتزوير ما تم الاتفاق عليه، بإدخال إضافات معاكسة لما تم الاتفاق بشأنه، من بينها إسقاط الولي الذي أدى إلى ظهور زواج المتعة، ونفقة المرأة في البيت وما يترتب عنه في جانب الميراث، وموافقة الزوجة على زواج الرجل من امرأة أخرى، وإقرار الخلع، الذي أدى في تقدير المتحدثة إلى تضاعف عدد حالات الطلاق، بسبب ترك السلطة التقديرية للقاضي دون وضع ضوابط، وترى السيدة صالحي بأنه بعد مرور عشر سنوات ظهرت العيوب، محذرة من الخلفيات التي يحملها البعض في إطار تعديل قانون الأسرة، من بينها المساس بالمواد الثابتة المستنبطة من الشريعة الإسلامية، كالعصمة والميراث وتعدد الزوجات، معتقدة بوجود نوايا لإلغائها تماما، لذلك فهي تصر على إستحداث لجنة توافقية غير إقصائية عند صياغة النص الجديد، مع الالتزام بالقرارات التي تخرج بها. ويقترح رئيس اللجنة الاستشارية لترقية حقوق الإنسان، فاروق قسنطيني، معالجة جوانب عدة، أهمها العصمة التي هي في يد الرجل، من خلال تقييدها بشروط، دون تجاوز الشريعة، وأعطى على سبيل المثال إلزام الرجل بتوفير السكن للزوجة في حال الطلاق التعسفي، حفاظا على الأبناء، لأن بدل الإيجار المقدر بـ 6000 دج لايفي بالغرض، ويصر قسنطيني على ضرورة ضبط الخلع أيضا، من خلال فرض وجود أسباب ثابتة وجدية، ووضع مقاييس أخرى، لأنه لا يكفي أن تدفع المرأة للرجل مقابل الحصول على حريتها.
ويضيف الرئيس السابق للجنة الشؤون القانونية بالبرلمان، محمد كناي، الذي كان على رأس اللجنة سنة 2005 حينما تم تعديل قانون الأسرة، بأن إصدار النص المعدل على شكل أمرية، حرم النواب من إضفاء تعديلات عليه، وتمنى لو تم إصداره على شكل مشروع قانون، علما أن الأمرية لا يمكن أن تخضع لأي تعديل، فإما أن يتم قبولها كليا أو إسقاطها، مبررا التصويت عليها حينذاك بأنها تضمنت الكثير من الإيجابيات، لكنه دعا هذه المرة إلى إشراك الجميع في عملية التعديل، خصوصا فيما يتعلق بإسقاط الولي، وإثبات الزواج العرفي، الذي يجب تقنينه، والتعسف في الطلاق، وما يتبعه من التعويض على الضرر والنفقة التي تخضع للسلطة التقديرية للقاضي، فضلا عن تنظيم الزواج مع الأجانب، وشروط إتمام الزواج.
لطيفة بلحاج
أكدت أمس، متخصصات في القانون و الشريعة، أمس بقسنطينة، بأن صندوق النفقة الخاص بالمطلقات الحاضنات الذي أعلن مؤخرا عن إنشائه ، يتضمن جملة من الثغرات القانونية التي من شأنها تعريض المرأة للإهانة و السماح للرجل بالتهرب من المسؤولية، كما أنه يلغي أزيد من 20 ألف قضية نفقة على مستوى العدالة.
و أوضحت بعض المشاركات خلال ندوة حول المركز القانوني للمرأة في التشريع الجزائري بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، بأن الصندوق لا يعدو أن يكون زوبعة داخل فنجان، على اعتبار أن العديد من مواده القانونية مبتورة، و لا تخدم المطلقة الحاضنة، بقدر ما تعقد معاناتها مع النفقة، خصوصا الشق المتعلق بآلية الاستفادة من خدماته، و التي تفرض عليها الحصول على أمر قضائي لصرف إعانة تتراوح بين 3000 إلى 8000 دج، مع العلم أن كافة الأحكام الصادرة قبل سنّ الصندوق غير معنية بإجراءاته التعويضية. الأمر الذي أشارت إليه الدكتورة زهرة بن عبد القادر من جامعة الأمير، بأنه يلغي أزيد من 20 ألف قضية نفقة مسجلة على مستوى العدالة ، التي أحصت خلال الثلاث سنوات الأخيرة 22 ألف و 189 قضية نفقة لم تسوَ منها سوى 2489 قضية، استنادا إلى إحصائيات مستقاة من وزارة العدل بحسبها.
و أضافت المتحدثة، بذات الشأن، بأن المشرّع الجزائري مطالب بمراجعة دقيقة للنصوص التنظيمية الخاصة بتفعيل خدمات الصندوق لسد الثغرات القانونية التي يتضمنها، خصوصا وأن الهدف الأساسي من إقراره يتعلق بتقليص نسبة الطلاق في المجتمع الجزائري، و التي وصلت إلى مستوى مخيف، إذا ما علمنا أن الثلاث سنوات الماضية عرفت تسجيل 125 ألف و 183 حالة طلاق، منها 10 آلاف حالة خلع، أي ما يعادل حوالي 8 بالمائة من إجمالي حالات الانفصال ببلادنا .
وأكدت أستاذة القانون ، بأن نجاح الصندوق مرهون بتوفر آليات قانونية صارمة، في مقدمتها التحقيق حول الوضعية المالية والاجتماعية للمطلق، خلال الفترة التي يمنح فيها الصندوق النفقة للمطلقة، مع التأكيد على حقها في متابعته قضائيا، وقالت أنه في حال مرض المدعى عليه وإصابته بعجز ذهني أو حركي يعفى من إرجاع المبلغ الممنوح للمدعية.
و في حال تهرب المطلق من المسؤولية، وثبت أن لديه راتبا شهريا أو دخلا، وبعد الحكم عليه نهائيا بدفع النفقة، تصبح الجهات المعنية ملزمة باسترجاع المبلغ المدفوع للضحية، وذلك، حسبها ،من خلال تطبيق سلطة اقتطاع نفقة المطلقة من راتبه بالتنسيق مع المؤسسة أو الجهة التي يعمل لديها.
كما شدّدت على ضرورة إعطاء أهمية أكبر لحق المطلقة في متابعة الزوج جزائيا في حال توقفه عن دفع النفقة، لأنها ستكون مجبرة على السعي للحصول على قرار قضائي جديد للاستفادة من تعويضات الصندوق.
من جهتها، وصفت الأستاذة ليندة بومحراث ،من جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، تعديلات قانون الأسرة المعلن علنها في 27 مارس 2005، بالغامضة، و أنها بحاجة إلى تمحيص و مراجعة أدق من قبل البرلمان بغرفتيه، قبل ضبط النصوص التنظيمية الخاصة به.
و استغربت من ناحية أخرى، الأستاذة سعاد قصة من كلية الشريعة و الاقتصاد، كل ما يثار حول النص من رفض، خصوصا بالنسبة لبعض المواد المتعلقة بحماية حقوق المرأة المادية و المعنوية، كالمادة 330 مكرر، القاضية بمعاقبة الزوج المهمل و تعريضه لعقوبات مالية وجزائية، إضافة إلى المادة 341 مكرر، المتعلقة بالتحرش الجنسي و توسيع نطاقها لتشمل كافة أنواع العنف حتى في الشارع، مؤكدة بأن الهدف الأساسي منه يتمثل في محاربة التفكك الأسري من خلال تقليل نسب الطلاق التي تصل إلى 150حالة شهريا.
كما تطرقت الأستاذة و الحقوقية ، في مداخلة تناولت أثر تعديلات قانون الأسرة على حقوق المرأة، إلى العديد من المواد التي لا تزال بحاجة إلى بحث و مراجعة، على غرار المادة 49 ،المتعلقة بإثبات الطلاق بحكم قضائي، المتعلقة بتوحيد سنّ الزواج، و ولاية المرأة في عقد الزواج ، بالإضافة إلى المادة 39 التي تتحدث عن حق الطاعة و كذا المادتين 36 و 37 مكرر، المتعلقة بتحديد الحقوق و الذمة المالية للمرأة.
و تم الاتفاق على أن القانون المعدل 05 ـ 02 الصادر في 27 فيفري 2005، بحاجة إلى مراجعة وتعديل لبعض المواد ذات الصلة بالطلاق، التى تحتمل عدة تأويلات، وذلك بما يضفى عليها الوضوح والدقة ويسدّ الثغرات ويضمن حماية حقوق الزوجين والأولاد، و العمل وفق ما تنص عليه تعاليم الشرعية الإسلامية .
نور الهدى طابي