دعا المشاركون في الملتقى الدولي السابع عشر حول مجازر 8 ماي 1945 المنعقد بجامعة قالمة أمس الأحد، إلى ضرورة العمل على حماية الذاكرة التاريخية للأمة الجزائرية
و ترسيخها بين الأجيال المتعاقبة حتى لا تنسى جرائم الاستعمار الفرنسي و المجازر التي ارتكبها في حق شعب أعزل عانى من القتل و مسخ الهوية و الاضطهاد،
و الجوع و الفقر و الأمراض الفتاكة ما لم يعانيه شعب آخر من شعوب المستعمرات الفرنسية القديمة.
و أضاف الباحثون و المؤرخون القادمون من داخل الوطن و من خارجه بأن مجازر 8 ماي 45 بقالمة، سطيف، خراطة و غيرها من المدن و القرى الجزائرية الأخرى ترقى إلى مصاف جرائم الحرب و الإبادة العرقية المنظمة وسط صمت دولي غير مبرر و تعتيم إعلامي فرنسي حال دون وصول أخبار مجازر ماي إلى أوروبا و أمريكا و آسيا و الوطن العربي، واصفين هذا التعتيم و التغطية على حرب الإبادة بمثابة جريمة أخرى تضاف إلى السجل الأسود للاستعمار الفرنسي بالجزائر.
الملتقى المنعقد تحت شعار «جرائم الثامن من ماي 1945 في الكتابات الجزائرية و الأجنبية» حضرته السلطات الولائية المدنية و العسكرية و سلط الضوء على صدى المجازر في الصحافة الدولية و العربية و الجزائرية على مدى الاثنين وسبعين سنة التي مرت من عمر الانتفاضة الشعبية الخالدة التي مهدت الطريق لثورة شاملة كسرت شوكة الاستعمار و حررت الأرض و الإنسان.
و أجمع المتدخلون بأن أولى الكتابات حول تلك المجازر كانت شحيحة للغاية و أغلبها اعتمد على الرواية الفرنسية التي وصفت الانتفاضة الشعبية بالأحداث المتفرقة التي قام بها قطاع طرق ضد السكان الأوربيين بالجزائر، و عملت إدارة العدو و مخابراته على أن لا تصل أخبار تلك المجازر إلى الرأي العام الدولي و لذا فإن ما كتب عن مجازر 8 ماي 45 في الصحافة الدولية آنذاك لا يكاد يذكر سواء في أوروبا و أمريكا و آسيا أو في الوطن العربي باستثناء بعض المقتطفات في الصحف الأسبانية و المصرية، و في المقابل كانت أخبار تلك المجازر البشعة تسري بشكل مكثف و فعال بين الجزائريين من خلال صحف جمعية العلماء المسلمين الجزائريين و منشورات أخرى إلى جانب العمل الكبير الذي قام بها الأدباء و الكتاب الجزائريون في كشف حقيقة الاستعمار و تعريته بعد انتفاضة ماي الأسود كما فعل الأديب العالمي كاتب ياسين في روائع نجمة و الجثة المطوقة و المضلع الكوكبي.
و ذهب بعض المتدخلين إلى القول بأن التعتيم الفرنسي على تلك الجرائم مازال مستمرا إلى اليوم من خلال حرب الأرقام حول عدد الضحايا و قضية الاعتراف و الاعتذار كما قال الدكتور محمد شرقي من جامعة قالمة.
و مازال العناد الفرنسي قائما حول الذاكرة التاريخية و الماضي الاستعماري الأسود في الجزائر، لكن هذا العناد بدأ يتراجع في السنوات الأخيرة تحت تأثير المنظمات الحقوقية العالمية و النشاط المكثف للمؤرخين الجزائريين و الأجانب و العمل الكبير الذي تقوم وسائل الإعلام الجزائرية في مجال التاريخ و حث الأجيال على عدم نسيان الماضي الاستعماري الدامي و تضحيات الشعب الجزائري من أجل التحرر و استرجاع السيادة و الكرامة.
النصر تابعت فعاليات الملتقى التاريخي و نقلت أهم المداخلات التي تتحدث عن جرائم الثامن من ماي 1945 في الكتابات التاريخية كما جاءت على لسان نخبة من الباحثين و المؤرخين من الجزائر و مصر و البرتغال و فرنسا و بالرغم من قلة هذه الكتابات فقد اعتبرها المحاضرون بمثابة مراجع تاريخية هامة تثري الرصيد الأدبي و الإعلامي و الثقافي المتعلق بالانتفاضة الشعبي الخالدة، و تدعم الذاكرة الوطنية الحية، و تدفع بالأجيال إلى مزيد من البحث و التنقيب في الماضي الاستعماري حتى لا تنسى الأمة الجزائرية ما مر بها من نكبات و أحداث مؤلمة على مدى 132 سنة.
فريد.غ
الباحثة تريزا سيركو من جامعة بورتو البرتغالية
على الجزائريين أن لا ينسوا ذاكرتهم التاريخية
قالت الباحثة البرتغالية تريزا سيركو بأن مأساة 8 ماي 1945 بالجزائر لا يمكن أن تنسى رغم المحاولات الرامية إلى تشويه هذه الذاكرة و وضعها في أرشيف التاريخ القديم، و دعت الجزائريين أن لا ينسوا ذاكرتهم التاريخية لأنها تمثل الماضي و الحاضر و المستقبل لكل أمة على وجه الأرض و بدون ذاكرة تاريخية لا يمكن الذهاب إلى المستقبل و لا يمكن الحفاظ على وحدة الشعوب و تماسكها. و تناولت المحاضرة إشكالية الذاكرة و التاريخ، و اعتبرت مجازر 8 ماي 1945 بمثابة مرجع لكل الشعوب التواقة إلى الحرية و العدالة، و قالت بأن الاستعمار القديم يعرف جيدا معنى الذاكرة و التاريخ و يحاول بكل الطرق و الوسائل ثني الشعوب عن معرفة تاريخها و التمسك به و تعليمه للآجال المتعاقبة و لذا فهو دائما يتهرب من الحقيقة ويراهن على عامل الزمن لتمييع الحقائق و تشويه التاريخ، لكنه لن يتمكن من ذلك لأن ذاكرة الشعوب الحية لا يمكن أن تنسى المآسي التي مرت بها و لا يمكنها أيضا أن تتوجه إلى المستقبل بدون مرجعية تاريخية.
و تطرقت الباحثة إلى الكتابات الجزائرية حول مجازر ماي الأسود و ذكرت مولود فرعون و محمد ديب و كاتب ياسين الذي وصفته بمؤرخ المأساة الجزائرية من خلال روائعه الأدبية نجمة، الجثة المطوقة و المضلع الكوكبي و قالت بان كاتب ياسين قد كشف جرائم الاستعمار و وثقها و هو شاهد عيان على تلك الحقبة الدموية و لا يمكن للمستعمر أن ينال من كتاباته كما كتابات أخرى لأدباء جزائريين آخرين تركوا بصمات و شواهد تاريخية حية تعد بمثابة مرجع للأمة الجزائرية و كل الشعوب التواقة إلى الحرية و المدافعة عن ذاكرتها و هويتها و مرجعيتها الثقافية و التاريخية. و أوضحت الباحثة بجامعة بورتو البرتغالية بأن النظرة إلى الذاكرة التاريخية مازالت محل خلاف بين الجزائر و فرنسا و لكل نظرته إلى المرحلة الاستعمارية و محطاتها الدامية.
في فرنسا مازالت تلك المجاز تؤلمهم و تحرجهم و تجرحهم و يعترفون في قرارة أنفسهم بأنهم هم من دبروها و هم من يريد دفنها و إخراجها من ذاكرة التاريخ. و في الجزائر يعتبرون ذاكرة الحرب و الكفاح ذاكرة مشرفة و فخر لا يمكن نسيانه. و تساءلت المحاضرة عن أدب الثورة و حركات التحرر و قالت بان الشعوب يجب أن تستفيد من المراحل الصعبة التي عاشتها و عليها أن تحافظ على رصيدها التاريخي و أضافت بأن الذاكرة التاريخية تكتسي أهمية بالغة و لا يمكن القفز عليها و نسيانها بمرور الزمن.
الدكتور صالح فركوس أستاذ التاريخ بجامعة قالمة
وثائق سرية من أرشيف «أكس ونبروفانس» تكشف الجريمة المدبرة
و في مداخلة له، عرض الباحث الجزائري و أستاذ التاريخ بجامعة قالمة، الدكتور صالح فركوس، وثائق سرية للغاية قال بأنه حصل عليها من أرشيف «أكس أونبروفانس» تتحدث عن اعترافات مسؤولين فرنسيين كبار مدنيين و عسكريين بالمجازر الرهيبة التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي بمنطقة الشمال القسنطيني و منطقة قالمة على وجه الخصوص، مؤكدا بأنه وصل إلى هذه الوثائق عن طريق الصدفة لما سمح له بدخول مركز الأرشيف الفرنسي لما وراء البحار للاطلاع على الوثائق السرية التي رفع عنها الحضر منذ سنة 2008 و أصبحت قابلة للتداول، و من بين هذه الوثائق الهامة، تقرير سري أنجزه الحاكم العسكري لقسنطينة الجنرال كاربونال و أرسله إلى وزير الداخلية الفرنسي آنذاك «تكسيي» يطلعه على الوضع الميداني بعد خمسة أيام من مجازر 8 ماي 1945 بقالمة. و خرج الحاكم العسكري الكبير في سرية تامة تحت حراسة السفاح آشياري رئيس دائرة قالمة آنذاك و كتب في تقريره يقول « شاهدت في الحقول و الوهاد و الجبال و الوديان جثثا لا تحصى و لا تعد و لم يتم دفنها بعد». و قال الباحث الجزائري الذي تمكن من تصوير التقرير و إخراجه من مركز الأرشيف، بأن القادة الفرنسيين و فور أطلاعهم على هذا التقرير الخطير أمروا بجمع جثث الضحايا الجزائريين و حرقها بأفران الجير الرهيبة بهليوبلوليس الواقعة على بعد 5 كلم شمالي مدينة قالمة في محاولة لمحو آثار الجريمة و طمس معالمها. و أوضح المتحدث بأن جريمة حرق الجثث اكبر من جريمة القتل و وصفها بالمحرقة النازية و مجازر الأرمن.
و قد سارع الفرنسيون إلى سحب تقارير سرية من أرشيف «أكس أونبروفانس» تتعلق بجرائمهم المرتكبة في الجزائر، و قال صالح فركوس بأنه عندما عاد مرة أخرى إلى الأرشيف لم يجد الوثائق التي تتحدث عن مجازر 8 ماي 1945 بقالمة و لحسن الحظ فإن البعض منها قد تم تصويره و تحويله إلى الجزائر. و تحدث المحاضر عن الكتابات الفرنسية السرية و المؤلفات الأدبية و المقالات الصحفية التي تطرقت إلى المجازر الرهيبة التي وقعت بعدة مناطق من الجزائر بداية من 8 مخاي 45 و استمرت أشهرا طويلة و سقط فيها الآلاف من الجزائريين العزل و كانت هذه الانتفاضة بمثابة شرارة لاندلاع الثورة المقدسة.
أحمد الشربني من جامعة القاهرة
الصحف المصرية تحدثت عن انتفاضة 8 ماي 1945 و فيها أرشيف تاريخي مهم
قال الباحث المصري أحمد الشربني من جامعة القاهرة، بأن الصحافة المصرية قد تفاعلت مع انتفاضة الشعب الجزائري في 8 ماي 1945 ، و ما أعقبها من مجازر مؤلمة لكن هذه المتابعة كانت دائما تستند إلى مصدر واحد هو الرواية الفرنسية، مضيفا بأن جريدة الأهرام قد كتبت عن تلك الأحداث لكنها لم تكن تملك الحرية لقول ما يجب قوله لأنها كانت تحت طائلة الأحكام العرفية و الرقابة الشديدة و لم يكن أمامها مجال للحديث عن حقيقة ما جرى في تلك لفترة.
و حسب المحاضر المصري، فإن ما وقعت فيه الأهرام من أخطاء قد استدركته في وقت لاحق عندما تحررت من الرواية الفرنسية و كتبت عن القمع و القتل الممارس ضد الجزائريين، مضيفا بان صحيفة البلاغ المصرية التابعة لحزب الوفد كانت أكثر شجاعة من الأهرام و عرت وحشية الاستعمار الفرنسي و نقلت تصريحات أمين عام الجامعة العربية الفتية التي كان عمرها آنذاك شهرين و سياسيين مصريين آخرين نددوا بالجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في حق الجزائريين العزل و دعت إلى تدخل الأمم المتحدة و فتح ملف القضية الجزائرية.
و نقلت صحف أخرى مسيرات بالقاهرة خرجت للتنديد بمجازر الفرنسيين بقالمة ، سطيف و خراطة، و قال أحمد الشربني بأنه يوجد أرشيف مصري هام يتحدث عن مجازر ماي الأسود و ثورة التحرير، مضيفا بأنه يمكن للجزائريين أن يستفيدوا من هذا الأرشيف و يفتخروا به.
و تطرق كل من المؤرخ نجيب عاشور من فرنسا، و شرقي محمد و قاسمي يوسف من جامعة قالمة، و عمر عبد الناصر من جامعة أسبانية، عن دور الصحف التابعة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين و حرب الأرقام بين الجزائر و فرنسا حول عدد الضحايا و شجاعة الصحف الاسبانية التي رفضت الرواية الفرنسية و أرسلت مبعوثين لها لتغطية الأحداث المؤلمة التي جرت بالجزائر في 8 ماي 1945 و نقل الحقيقة من أرض الواقع لكشف الوجه الآخر للاستعمار الفرنسي بالجزائر.
ف.غ