فاز المرشح الوسطي للرئاسة الفرنسية إيمانويل ماكرون في الانتخابات الرئاسية الفرنسية بنسبة 65.9 في المائة مقابل 34.1 في المائة لمرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان. ليصبح بذلك أصغر رئيس في تاريخ الجمهورية الخامسة، وقد يعطي فوز ماكرون بمفتاح قصر «الاليزي» دفعا جديد للعلاقات الجزائرية الفرنسية، وهو الذي وصفه وزير الخارجية رمطان لعمامرة بـ"صديق الجزائر" بعدما أبدى رغبته في الاعتذار عن جرائم فرنسا الاستعمارية.
حقق إيمانويل ماكرون (39عاما) فوزا كاسحا في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية الفرنسية التي جرت أمس، ليصبح أصغر رئيس سنّا في تاريخ الجمهورية الفرنسية. وأفادت النتائج الأولية الرسمية بفوز ماكرون مرشح حركة «إلى الأمام» بنسبة تقارب 66 بالمائة من أصوات الناخبين، بينما حصلت مرشحة «الجبهة الوطنية» مارين لوبان على 34 بالمائة من الأصوات، وبنسبة مشاركة 74.7 بالمائة، وهي الأقل منذ الانتخابات الرئاسية لسنة 1969.
وأتاح سقوط اليميني المحافظ فرانسوا فيون و»حروب اليساريين» فرصة ذهبية لماكرون لحصد أصوات ملايين المتعاطفين مع اليمين وكذلك اليسار، متمكنا من فرض نفسه كنموذج مثالي ضد «الشعبوية القومية» لخصمته مارين لوبان، وبرغم صغر سنه إلا أن ماكرون كان يحيط نفسه بطبقة سياسية معمرة، من خلال احتكاكه بركائز الحزب الاشتراكي، وعرف كيف يحصل على ثقة الناخبين، إذ سمح سعي قائد حركة «إلى الإمام» إلى تقديم طابع مختلف بجعله خيارا فريدا بالنسبة إلى الناخبين.
وكانت مراكز الاقتراع، قد فتحت أبوابها في الساعات الأولى أمام الفرنسيين لاختيار الرئيس المرشح، وسجلت في بداية الاقتراع نسبة إقبال ضعيفة، في هذا الدور الذي طغت عليه الترتيبات الأمنية تحسبا لهجمات إرهابية، وهو ما دفع السلطات الفرنسية إلى إخلاء محيط متحف اللوفر بباريس بعد العثور على حقيبة مشبوهة.
وأعلنت الداخلية الفرنسية، أن نسبة المشاركة في الدور الثاني للانتخابات الرئاسية بلغت 65.30 بالمائة أي قبل 3 ساعات من إغلاق أبواب مراكز الاقتراع. ولفتت الوزارة إلى أن معدّل المشاركة سجّل تراجعا مقارنة باقتراعي 2012 (71.96 بالمائة) و2007 (75.11 بالمائة). وقاربت نسبة المشاركة الاجمالية 75 بالمائة وهي الاقل من انتخابات 1969,
وقبل 3 ساعات من اختتام موعد الاقتراع الرئاسي بدأت أولى المؤشرات التي توحي بفوز ماكرون، حيث أعلن راديو وتلفزيون بلجيكا اكتساح ماكرون نتائج الجولة الثانية من الانتخابات الفرنسية في الولايات المتحدة وكندا. وأوضح أن وزير الاقتصاد السابق حصل على أكثر من 90 بالمائة من أصوات الفرنسيين المقيمين في الدولتين. كما كشفت صحيفة «لوسوار» البلجيكية أن إيمانويل ماكرون تقدم على منافسته مارين لوبان بنسبة 60 بالمائة من أصوات ناخبي أقاليم ما وراء البحار الفرنسية.
وأدلى مرشح حركة “إلى الأمام” المحسوبة على تيار الوسط الفرنسي إيمانويل ماكرون وزوجته بريجيت تورينو بصوتيهما بمنطقة توكيه بإقليم با دو كاليه. وقام بتحيته أنصاره، وصوتت مرشحة الرئاسة الفرنسية عن «الجبهة الوطنية» مارين لوبان، في مدينة «اينان-بومون» العمالية بشمال فرنسا، وقامت مارين بتحية مناصريها الذين احتشدوا قرب مركز الاقتراع أمام عدسات وسائل الإعلام التي تواجدت بكثافة.
ويعد إيمانويل ماكرون، أصغر المرشحين سناً، وأصغر رئيس فرنسي منذ قيام الجمهورية الخامسة، ويبلغ من السن 39 عاماً، وهو مصرفي سابق، شغل منصب وزير الاقتصاد والصناعة والاقتصاد الرقمي، يعرف عنه أنه وسطي يتبنى الفكر الليبرالي في الاقتصاد ويدعم ريادة الأعمال، وفي أبريل 2016 أسس حركته السياسية «إلى الأمام»، مؤكدا أنها لا يمينية ولا يسارية. ويطلق عليه “المدافع العنيد” عن القيم الأوروبية الليبرالية.
ويوصف الرئيس الفرنسي الجديد، بأنه من أنصار أوروبا الموحدة، وهو العقل الاقتصادي السابق للرئيس الاشتراكي فرانسوا هولاند، وبالرغم من وصف خصومه له بأنه «صديق رجال الأعمال»، فإنه يصر على أن مسيرته تميزه عن السياسيين المهنيين الذين اقتاتوا طوال حياتهم من الأموال العامة.
«موزار» المالية في قصر الإليزي
ماكرون ابن لطبيبين من مدينة «أميان» شمالي فرنسا، درس في المدرسة الوطنية للإدارة وبدأ عقب استكمال دراسته في العمل كمفتش مالي قبل انضمامه إلى بنك «روتشيلد» الشهير في عام 2008 كمصرفي استثماري. وحمل ماكرون لقب «موزار المالية» لبراعته الشديدة في عقد اتفاقيات استنادا إلى شبكة جيدة من الاتصالات في عالم السياسة، مثل الاتفاق الذي أبرمته شركة «نيستلي» لشراء قسم ألبان الأطفال في «فايزر» مقابل تسعة مليارات يورو.
كما تمكن في مصرف «روتشيلد» من معرفة إسبانيا جيدا ونخبتها السياسية، بفضل العمل الذي قام به في إعادة الهيكلة المالية لمجموعة «بريسا» الإعلامية. وكمصرفي، فقد جمع ماكرون بين عمله وبين التعاون مع المرشح آنذاك للرئاسة هولاند. ودخل ماكرون قصر الإليزيه في عام 2012 بجانب هولاند كنائب للأمين العام للرئاسة، حيث أجرى أول إصلاحات اقتصادية دعمها الرئيس الاشتراكي. كما تولى صيف 2014 حقيبة الاقتصاد خلفا لأرنو مونبور، قائد الجناح اليساري للاشتراكيين.
والرئيس الفرنسي الجديد موسيقي متمرس حصد جوائز في العزف على البيانو في «الكونسرفتوار» بمدينة «أميان»، وهو قارئ نهم للفلسفة، كما ذاعت شهرته إزاء قصة الحب الخاصة التي تجمعه بزوجته بريجيت ترونيو التي تكبره بـ24 عاما والتي أصبحت أكبر سيدة أولى سنا تدخل القصر الرئاسي.
أصوات الجزائريين لصالح ماكرون
وعرف ماكرون كيف يستقطب أصوات الجالية الجزائرية بعد تصريحاته حول الفترة الاستعمارية، و وصفه وزير الخارجية والتعاون الدولي، بأنه «صديق الجزائر» في إشارة واضحة لرغبة الجزائر في فتح صفحة جديدة في علاقاتها مع فرنسا بقيادة الوافد الجديد لقصر الاليزيه، وهو الذي أعلن صراحة نيته الاعتذار عن جرائم الاستعمارية، حيث وصف الاستعمار الفرنسي بأنه «جريمة ضد الإنسانية», وأن «الأمر كان وحشيًا حقًا وهو جزء من الْماضي، يجب أن نواجهه حتى نعتذر أيضًا لمن تضرروا».
ويقول الخبراء أن أحد مفاتيح نجاح المرشح الرئاسي، إيمانويل ماكرون، في الانتخابات، أنه سياسي لا يتبع لأحد، ولعب على وتر السياسي المستقل، رغم توليه من قبل منصب وزاري، وما صب كذلك في مصلحته أن فرنسا، شأنها في ذلك شأن معظم البلدان في جميع أنحاء العالم، سئمت من الطبقة السياسية التقليدية.
ولن يجد ماكرون قصر الاليزيه معبدا بالورود، بالنظر للمواعيد الذي تنتظره، وأولها تشكيل حكومة تحضر للانتخابات البرلمانية المقررة الشهر المقبل، والتي سيدخلها حزبه بحثا عن فوز يمكنه من تنفيذ برنامجه الانتخابي، وسيكون مطالبا بمواجهة التحديات الأمنية التي تواجهها فرنسا، كما سيتعين عليه زيادة فرص العمل من خلال إصلاح قانون العمل، وليس من خلال تقييد الهجرة، وستزداد الأمور صعوبة عليه إذا فشل حزبه الجديد في تنفيذ برنامجه وهو ما سينذر بصعود اليمين المتطرف من جديد في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ع سمير