الدعاية الترويجية شوهت مفهوم الدعوة في وسائل الإعلام
انتقد أمس، دكاترة و مختصون في مجال الدعوة و الإسلام، واقع الإعلام الديني اليوم مؤكدين في ملتقى وطني احتضنته جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، بأن الدعوة الإسلامية حادت عن هدفها إعلاميا و أصبحت تميل إلى الدعاية للأشخاص و الهيئات بدل تقديم الدين بالشكل الصحيح و تعميق المعرفة بالإسلام و شرح مقاصده، وهو ما شوه مفهوم الدعوة، كما أن كثرة التعاطي مع الغيبيات باسم الدين و المبالغة في دغدغة العواطف، بغية استقطاب أكبر عدد من الجمهور، أضرت بجدية المسعى الإعلامي للدعوة الإسلامية.
الملتقى حمل عنوان «الدعاية الدينية في الممارسة الإعلامية الإسلامية» و تزامن مع الاحتفال باليوم الوطني للصحافة، حيث دعا الدكتور نور الدين سكحال المختص في الدعوة و الإعلام، في مستهل محاضرته الموسومة بـ «الإثارة و تحول الممارسة الإعلامية الإسلامية من الدعوة إلى الدعاية»، إلى ضرورة التفريق بين مصطلحي «الدعوة و الدعاية» لاعتبارات واقعية، لكون الأول هو عمل تعبدي يهدف لنقل حقائق الرسالة الإسلامية إلى الناس، ابتغاء وجه الله و مرضاته و الابتعاد عن أية محاولة للتزييف و المبالغة لشد الانتباه، أما الدعاية في مفهومها الحديث فهي عبارة عن فعل يمارس على الإنسان بغرض دفعه لتبني أفكار معينة، و هي كثيرا ما تعتمد على الخيال و تعمل على فرض وجهة نظر معينة و إخفاء وجهة نظر أخرى، كما تهدف إلى تخدير المستهدفين و تشويش الحقائق و بترها.
و أوضح المتدخل، بأن الدعوة الإسلامية أصبحت عبارة عن دعاية لأشخاص و هيئات و جهات معينة، بطريقة شوهت مفهوم الدعوة لأسباب تأتي في مقدمتها الإثارة، التي تعني حسبه، المبالغة في عرض الأفكار و تضخيمها و استخدام شيء من الخيال و كذا اللجوء إلى إخفاء بعض الحقائق و التفوه بالكذب أحيانا ، من أجل تلميع صور الأشخاص ما يحول الممارسة الدعوية إلى نوع من الممارسة الدعائية، و بالتالي يسيء إلى الإسلام أكثر من ما يفيده، خصوصا في ظل التركيز على دغدغة العواطف و المبالغة في ذكر تفاصيل عالم الغيب لرفع نسب المشاهدة، تحت غطاء السعي لتعليم الناس عقائدهم الصحيحة، مضيفا بأن سلبيات الدعاية الدينية اليوم تشمل أيضا، الإكثار من الحديث عن الملائكة و عالم الجن، لأن الأمر من شأنه نشر الوساوس بين الناس و هو عمل مناف تماما للدين و لا يتطابق مع الهدف من الدعوة الإسلامية.
فالإثارة تكون مقبولة حسبه، إن كان الهدف منها هو تعزيز عملية الإقناع بالحقائق و المعلومات و ببعض الجوانب الوجدانية العاطفية، لكنها مرفوضة إن أريد بها استقطاب الجمهور على حساب الحقيقة، وكان الهدف منها هو التضليل و المبالغة، لأن في ذلك تشويها للغاية من الدعوة الإسلامية، مؤكدا بأن الأصل في الدعوة هو مخاطبة العقل، و تعزيز الحقائق بالاعتماد على وتر العاطفة، أما أن يتحول الخطاب لمخاطبة العواطف و إهمال العقل بشكل كلي، فهو انحراف عن المسار الصحيح.
تكريس النجوم للتأثير على الشباب
من جهته، أضاف الدكتور بشير قلاتي، في محاضرة بعنوان «دور الدعاية الدينية في تزييف الوعي و تفكيك المجتمع»، أن الدعاية الدينية لعبت دورا كبيرا في إشعال نار الفتنة في بلادنا سنوات التسعينات، فقد انتهجت خطابا دينيا يخالف الواقع و الحقائق و ينساق وراء الشعبوية و التهييج العاطفي و التحميس، مركزا في خضم حديثه، على ظاهرة تكريس النجوم في الدعاية الدينية، وهو أسلوب تنتهجه كما قال، مراكز نشر الدعايات، من خلال الترويج لشخصية معينة، تقدمها في صورة نجم تظهر عليه مظاهر الثراء و النعيم، يكثر ظهوره في البرامج التلفزيونية أين يتم التركز على مظهره، و تقديمه كنموذج للشاب الناجح العصري لاستخدامه من أجل التأثير على فئات الشباب و كسر الصورة الكلاسيكية للإنسان المتدين الذي يبدو قديم الطراز وباليا بالنسبة لهؤلاء، وذلك مقارنة بالنموذج الأول البراق.
موضوع الفصل بين الدعوة و الدعاية في الإعلام، أخذ حيزا كبيرا من تدخلات المشاركين في النقاش الذي أعقب المداخلة سالفة الشرح، حيث تم التطرق بإسهاب إلى مشكلة الإعلام الديني المعاصر و التركيز على الغيبيات، وكيف أن هذا التوجه الإعلامي حصر مفهوم الدين في زاوية ضيقة، ما أثر سلبا على حياة الأفراد، فعوض تحليل الظواهر نفسيا أو اجتماعيا أو اقتصاديا في الإعلام أصبح التركيز منصبا عن قصد على تفسير الأمور غيبيا، كما أكده دكاترة وباحثون في مجال الدعوة الإسلامية، مشيرين إلى أن هذا الطرح يعد من بين أهم العوامل التي جعلت الإعلام الإسلامي أو الديني يبتعد هدفه كما أبدوا أسفهم تجاه بعض التجارب الإعلامية الدينية التي بدأت بشكل صحيح، قبل أن تنقلب سلبا بسبب ضعف المشاهدة.
أسماء بوقرن