محاولة للاِقتراب من العلاقة بين المجتمع المدني والديمقراطية
عن دار الوطن اليوم، وضمن سلسلة كِتاب الجيب، صدر كِتاب/دراسة «المجتمع المدني والديمقراطية»، للدكتور والباحث منير مباركية، الكِتاب الّذي يقع في 90 صفحة، جاء ليبسط فكرة المجتمع المدني كأحد منتجات الديمقراطية للقارئ غير المُتخصص في أسلوب سهل وبسيط، وفيه سرد للأفكار بلغة في متناول الجميع بمصطلحات تقنية غير معقدة.
وتتوزع مادة هذه الدراسة على المحاور الأربعة التالية: المحور الأوّل عبارة عن وقفة مفاهيمية تحدّد كلا من المفهومين المعاصرين للمجتمع المدني والديمقراطية؛ أمّا المحور الثاني فيستعرض العلاقة بين المجتمع المدني والديمقراطية في صورتيها الإيجابية والسلبية؛ في حين المحور الثالث يتطرق بالشرح إلى الخصائص الأساسية التي تُحدّد التأثير السلبي أو الإيجابي للمجتمع المدني على الديمقراطية، والتي تسمح بمتابعة وتصويب وصيانة تلك العلاقة في مختلف المجتمعات؛ وأخيرا المحور الرابع يُطبق المكتسبات المعرفية والنظرية السابقة على المجتمع المدني الجزائري، مستنبطًا نمط هذا الأخير وتأثيراته المختلفة على مسارات التحوّل والتعميق الديمقراطي.
تُعد هذه الدراسة إحدى محاولات الاِقتراب من العلاقة بين المجتمع المدني والديمقراطية في صورها النظرية والإمبريقية، بالتطبيق على حالة المجتمع المدني الجزائري، وذلك من خلال حوصلتها للأدبيات المٌتعلقة بالعلاقة النظرية بين المفهومين، وكذا تتبعها لتقلبات العلاقة على مستوى المُمارسة الواقعية في الساحة السياسية والمدنية الجزائرية.
وبمقاربتها النقدية، تُضاف هذه الدراسة إلى الأدبيات «القليلة» التي تغطي «الجوانب القاتمة» في علاقة المجتمع المدني بالديمقراطية، والتي غطت عليها الدعاية السياسية لصالحه كفاعل رائد في عملية الدمقرطة، وتُتيح الفرصة لإمكانية تحسين الأداء الديمقراطي للمجتمع المدني بالوقوف على نقائصه في هذا المجال.
فقد كشفت عن نقائص المجتمع المدني الجزائري، والبيئة التي ينشط فيها، والتي جعلت منه مجتمعًا مدنيًا: مُسيسًا، غير منسجم وانتقائي في تمثيله للمصالح والوساطة فيها، غير ديمقراطي في سلوكه التنظيمي؛ غير مُمكن...؛ ولكنّها في ذات الوقت كشفت عن بعض الفُرص التي يُتيحها نظراً لكونه «مُندمجًا ومُتكاملاً» (في غالبه) مع المجتمع.
هذا الوضع، الّذي -كما يقول الباحث- «لا يتحمل المجتمع المدني الجزائري كلّ المسؤولية عنه، وإنّما يتقاسمها مع بيئته (المجتمع والدولة)، يجعل منه داعمًا للديمقراطية أحيانًا، وعاملاً مثبطًا لها في أحيان أخرى، وهو ما يجعلنا نؤكد على أهمية دعم وجود تنظيمات المجتمع المدني وتوسيع هامش حريتها ومبادرتها، مع ضرورة متابعة وتقييم وتقويم أدائها بشكلٍ مستمر. فالمتابعة والتقويم المطلوب للأداء الديمقراطي للمجتمع المدني الجزائري يجب أن يُناط بكلّ من الدولة من خلال مؤسساتها الوصية، وأيضا بالنُّخب والمجتمع من خلال مؤسسات البحث والرصد والتقويم الغائبة عن الساحة الجزائرية، والتي بات وجودها مُهمًا للغاية».
الكِتاب تطرق أيضا للنقاشات والمناظرات في مجال دراسات الديمقراطية ومسارات التحوّل الديمقراطي، ومِمَا جاء في مقدمة الكِتاب بهذا الخصوص قول الباحث: «تتجدّد النقاشات والمناظرات في مجال دراسات الديمقراطية ومسارات التحوّل الديمقراطي بشكلٍ دائم، وهذا من أجل إزالة العوائق وتذليل المصاعب أمام تجسيد مبادئ الديمقراطية، وحل الإشكاليات التي تظهر من فترة لأخرى. ومن أبرز النقاشات المُتجدّدة في هذا الشأن هو النقاش حول (علاقة المجتمع المدني بالديـمقراطية) في الدول النامية وحديثة العهد بالتحوّل الديمقراطي، أين يمكن لتلك العلاقة أن تأخذ عِدة صور، بل ويمكن أن تنحرف عن صورتها النظرية نتيجة عِدة عوامل».
فرغم أنّ كلاّ من مفهومي «المجتمع المدني» و»الديمقراطية» -كما يقول الباحث في مقدمة كتابه دائما- ينتميان إلى عائلة واحدة للمفاهيم الليبرالية الغربية، ويأتيان في سياق واحد هو ضبط وتحسين الحياة السياسية والاِجتماعية، إلاّ أنّ العلاقة الواقعية بينهما (في عديد الدول بِمَا فيها الجزائر) تبيّن أنّها لا تأخذ دائمًا طابع العلاقة الإيجابية التي تـجعل كلّا منهما في خدمة الآخر، وعاملاً من عوامل تكريسه وتجسيده.
مضيفاً في ذات المعطى: «إنّ واقع المُمارسة السياسية في عديد الدول يُشير إلى وجود عِدة صور للعلاقة بين كلّ من المجتمع المدني والديمقراطية، وهذه الصور كانت محل دراسة لتحديد طبيعتها وظروفها وتداعياتها المختلفة على مجتمعاتنا، مع التطبيق على واقع تلك العلاقة في الجزائر».
لتصل الدراسة في الأخير إلى أنّ المجتمع المدني الجزائري لا يزال يُعاني من نقائص في بيئته تتمثل في تسييسه وانتقائيته وعدم انسجامه. وكنتيجة لطبيعة العلاقة الجدلية والمتقلبة، خاصة من الناحية الإمبريقية، بين المجتمع المدني والديمقراطية، فإنّه ينبغي –حسب الباحث دائمًا- متابعة ومراجعة واقع العلاقة بينهما في دولنا بشكلٍ مُنتظم ونقدي، بِما يضمن أن لا تنحرف تنظيمات المجتمع المدني عن أداء دورها الديمقراطي الإيجابي.
للإشارة الدكتور منير مباركية، أستاذ جامعي بقسم العلوم السياسية بجامعة عنابة منذ 2008. حاصل على التأهيل الجامعي في العلوم السياسية والعلاقات الدولية. له عِدة مساهمات علمية على شكل أوراق مؤتمرات وملتقيات علمية، وله أيضا العديد من المنشورات العلمية على شكل مقالات ودراسات علمية وبحثية وكُتب منشورة في مراكز بحث مُتخصصة ومحكمة. متحصل على عدٌة جوائز وطنية وعربية. اِنخرط في عِدة فِرق ومخابر بحثية، ويُساهم في تحكيم الوثائق والمنشورات العلمية لصالح عِدة مجلات ومراكز بحث محترمة. وبحكم تخصصه في العلاقات الدولية من جهة، وتدريسه لعديد المواد والمساقات في تخصص التنظيمات السياسية والإدارية ومساهمته في إعداد برامجه والإشراف على بحوثه لعدٌة سنوات متواصلة، من جهة ثانية، فقد تنوٌعت اِهتمامات الباحث بين المجالين، وكانت من بين أهم مجالات اِهتمامه: القوى الصاعدة والعلاقات بين القِوى الكُبرى، قضايا المُواطنة، تكنولوجيا المعلومات والتنمية الإدارية (الإدارة الإلكترونية)، الإصلاحات والتنمية الاِقتصادية، المجتمع المدني وقضايا الديمقراطية، الهجرة الدولية وسياساتها، التعاون اللا مركزي الدولي.
نـوّارة لـحـرش