الاثنين 16 سبتمبر 2024 الموافق لـ 12 ربيع الأول 1446
Accueil Top Pub

الكاتب الروائي الصدّيق حاج أحمد الزيواني للنصر

الجوائز ليست معيارا لكنها مُؤشر إيجابي للنص ولصاحبه

يتحدث الكاتب والروائي الصدّيق حاج أحمد -الزيواني- عن روايته الأخيرة «مَنّا.. قيامة شتات الصحراء» المتواجدة ضمن القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية دورة 2023. وهي الرواية الجزائرية الوحيدة في قائمة طبعة هذا العام. ويتحدث الزيواني في هذا الحوار و بهذه المناسبة عن الجوائز الأدبية، مؤكداً أهميتها في مسار الكاتب، كونها تمنح له شيئًا من الضوء لاِلتفات القُرّاء إلى منجزه؛ لكن على الكاتب -كما يقول- ألا يجعلها غاية ونهاية؛ لأنّه لو اِعتقد ذلك، سيتوقف ويخبو وبالتالي يحفر قبره بنفسه. صاحب «مملكة الزيوان»، تحدث أيضا عن الصحراء.. تيمة رواياته وأعماله، قائلاً في هذا السياق: «الصحراء، فلسفة ورؤية وإلهام، والّذي لا ينطلق في كتابته الروائية عن الصحراء، من خلفية فلسفية وجودية، لا يمكنه أن يذهب بعيداً في كتابته عن هذا الفضاء الغرائبي».

حاورته/ نـوّارة لـحـرش

للإشارة، الصدّيق حاج أحمد «الزيواني»، كاتب وروائي، يشتغل كأستاذ مُحاضر لمقياسي اللسانيات وفقه اللّغة بجامعة أدرار. تقلّد عِدة مهام بالجامعة منها نائب عميد كلية الآداب واللغات لمدة سنتين، ليتفرّغ بعدها للتدريس والبحث والإبداع.
أصدر عام 2013 روايته الأولى «مملكة الزيوان». وبعدها «كاماراد: رفيق الحيف والضياع» 2015. وتعتبر «مَنّا.. قيامة شتات الصحراء» روايته الثالثة. كما له مجموعة إصدارات أخرى في مجال الدراسات والأبحاث وأدب الرحلة، من بينها: «التاريخ الثقافي لإقليم توات» 2003. «الشيخ محمّد بن بادي الكنتي: حياته وآثاره» 2009. «رحلاتي لبلاد السافانا: النيجر، مالي، السودان».
روايتك «مَنّا.. قيامة شتات الصحراء» ضمن القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية دورة 2023، ما الّذي يمكنك قوله بهذا الخصوص؟ وكيف اِستقبلت الخبر؟ وما الذي تُضيفه الجوائز إلى مسار الكاتب؟
الصدّيق حاج أحمد: سعيد بهذا التصنيف، الّذي بلغه نص الصحراء، في طويلة البوكر العربية، لا سيما وأنّه النص الوحيد من الجزائر، طبعًا الجوائز ليست معياراً؛ لكنها مُؤشر إيجابي للنص ولصاحبه.
اِستقبلتُ الخبر بسرور؛ لكن الّذي أسعدني أكثر، اِستقبال القُرّاء وابتهاجهم بذلك، ليس في الجزائر فحسب؛ بل في العالم العربي، وهي ثقة كبيرة، وضعها المُتلقي الجزائري والعربي في نص «مَنّا»، نظير تلقيهم لنص «كاماراد» وما قبله «مملكة الزيوان»، فأجدّد شكري وامتناني لهذا القارىء العظيم.
طبعًا الجوائز لها أهميتها في مسار الكاتب، كونها تمنح له شيئًا من الضوء لاِلتفات القُرّاء إلى منجزه؛ لكن على الكاتب ألا يجعلها غاية ونهاية؛ لأنّه لو اِعتقد ذلك، سيتوقف ويخبو وبالتالي يحفر قبره بنفسه.
الرواية صدرت أوّلاً في طبعة جزائرية حصرية عن دار الجنوب الكبير (دار الدواية بأدرار)، وهي دار نشر جديدة، ما يعني أنّ الجوائز أحيانًا لا تهتم لمكانة واسم الدار بقدر ما تهمها الأعمال المشاركة وقيمتها الأدبية.
الصدّيق حاج أحمد: صعود رواية «مَنّا» المنشورة بدار فتية مغمورة بين رمال الصحراء للقائمة الطويلة للبوكر العربية، يُبطل مقولة إنّ البوكر تُراعي في اِختياراتها دور النشر الكُبرى والمعروفة.
الرواية تاريخية بينية، تيمتها الأساس جفاف عام 1973 الّذي ضرب صحراء شمال مالي. لماذا هذا الخوض السردي في هذه الأحداث التاريخية البينية في آن؟
الصدّيق حاج أحمد:  جفاف 1973 الّذي ضرب صحراء شمال مالي، يُعتبر أكبر حدث عرفته الصحراء الكُبرى في التاريخ الحديث المُعاصر، ورغم هذا الحدث الجلل والعظيم، الّذي غيّر الصحراء، وجعل شعوبها وقبائلها التارقية والحسانية، شتاتًا بين دول الجوار، للأسف –رغم هذا- لم يلتفت إليه المؤرخون وتجاوزوه بشيء من الرضى؛ بل حتّى هذه الحرب المُستعرة بالأزواد الآن، سببها هذا الجفاف، بحكم أنّ الذين فرّوا من الجفاف، وجدوا القذافي ينتظرهم، ويفتح لهم مراكز التدريب ويمنيهم بقيام دولة الأزواد.

لقد زرتُ الأزواد قبل عقدين من الزمن، يوم ذهبتُ لأجل البحث الأكاديمي، والمُتمثل في رسالة الماجستير، لأحد الشخصيات الأدبية الكنتية بصحراء مالي، وقد لفتَ اِنتباهي خلال محادثة الشيوخ والعجائز هناك، عدم نسيانهم لمأساة ظلّت محفورة بذاكرتهم وهي الجفاف، وكنتُ أختزن تلك المرويات في ذاكرتي، ولم أكن يومها روائيًا؛ لكني على أية حال، خزّنتها بذاكرتي، نظراً لروع ما سمعت وما رويَ لي عنها.
هل يعني هذا أنّ رحلة بحثك الأكاديمي، ساعدتك في اِختزان مرويات الرحلة من أهل المنطقة وأنّ هذه المرويات كانت بمثابة ذخيرة لمتخيل أدبي سيخرج لاحقًا على شكل رواية؟ أيضا إلى أي حد تهمك وتحفزك المرويات على الكتابة؟
الصدّيق حاج أحمد: أكيد.. رحلاتي المتكررة والمُتعددة لصحراء مالي والنيجر، أكسبتني معرفة عميقة بهذا المجتمع التارقي والحساني، الّذي يعتمد في تلقيه للأشياء عن طريق مشافهة المرويات، لاسيما عند الشيوخ والعجائز، الذين يحملون مخزونًا هائلاً من المشاهدات واليوميات الماضية.
تأثيث النصوص الروائية بالثقافة الصحراوية والإفريقية في المدونة السردية العربية نادر جداً
تسعى لتوظيف وتأثيث رواياتك، بالثقافة الإفريقية، والصحراوية وهذا ما نلاحظه بشكلٍ واضح في أعمالك الصادرة حتّى الآن. إلى أي حد يعنيك الاِشتغال على الموروث الصحراوي والإفريقي واستحضاره في أعمالك؟
الصدّيق حاج أحمد: الصحراء الكُبرى وإفريقيا جنوب الصحراء، مناطق مجهولة سرديًا لدى المُتلقي الجزائري والعربي، وإن كان الروائي الليبي الكبير إبراهيم الكوني، فاتح سرديات الصحراء وأبوها الأوّل دون منازع، ونكنّ له كلّ التقدير؛ لكنّه تجاوز العديد من الأحداث الحاسمة في حياة التوارق بليبيا، عن قصد أو غير قصد، لستُ أدري صراحةً؛ لكن الّذي أتحقّقه أنّ ثمّة أحداث كشفت عنها رواية «مَنّا» بالنسبة للتوارق في ليبيا، لم يذكرها في منجزه السردي.
طبعًا الثقافة الصحراوية والإفريقية، وتأثيث النصوص الروائية بها، في المدونة السردية العربية نادر جداً، لذلك حاولتُ الاِلتفات إلى هذا الجانب المُغيّب في هذه المدونة، وتأثيث نصوصي منها، لخلق عوالم جديدة تقدّم إضافة لهذه المدونة.
ثمّة أمرٌ آخر وهو أنّنا دائمًا نتعالى على الجوار الإفريقي وننظر إليه بشيء من الدونية والريبة، كونه جغرافيا للبؤس والفقر والأوبئة والاِنقلابات العسكرية، بينما في الحقيقة؛ هو منجم ومغنم ثمين، عثرتُ عليه.
الّذي لا ينطلق في كتابته الروائية عن الصحراء، من خلفية فلسفية وجودية، لا يمكنه أن يذهب بعيداً في كتابته عن هذا الفضاء الغرائبي
يقول إبراهيم الكوني في الكتابة عن الصحراء «لا أعتبر نفسي كاتبًا عن الصحراء وإنّما أستخدم الصحراء كمفردة وجودية أعبر من خلالها عن رؤيتي الخاصة للعالم من حولي». فماذا تقول أنت؟ وهل تعتبر الصحراء مفردة وجودية أم ملاذ وجود في النص؟
الصدّيق حاج أحمد: الصحراء.. فلسفة ورؤية وإلهام، فالّذي لا ينطلق في كتابته الروائية عن الصحراء، من خلفية فلسفية وجودية، لا يمكنه أن يذهب بعيداً في كتابته عن هذا الفضاء الغرائبي، ولعل إبراهيم الكوني، نجح نجاحًا باهراً في تقديم الصحراء؛ لأنّه قدّمها من منطلق تأملي وجودي، للسكون، للفراغ، للإنسان وأساطيره وتفسيراته الوجودية للكون، وتفسير الظواهر الطبيعية، ومحاولة تلبيسها وصفات لجلب الخير أو دفع الشرّ كما توهّم الإنسان الأوّل.. بهذا المنطق، يُمكننا تقديم الصحراء بكتابة واعية للذات الكاتبة، ومدركة لما حولها في الماضي والآن والمستقبل.. غير هذا تبقى كتابة مسحية سطحية، سرعان ما تُمحى مع أوّل زوبعة رملية في الصحراء.
كيف تفسر أو تقرأ الاِلتفات النقدي في السنوات الأخيرة لأدب الصحراء، أو للسرديات التي تتكئ وتستلهم وتستثمر في الصحراء والموروث الصحراوي والإفريقي على حدٍ سواء (من خلال ندوات وملتقيات ودراسات وكتابات)؟
الصدّيق حاج أحمد:  صحيح.. هناك اِهتمام نقدي لافت لأدب الصحراء، خلال السنوات الأخيرة، لاسيما النقد الثقافي، الّذي تبنّى الأنساق والسياقات، كمنافذ يعبر منها لاِختراق النصوص، والقبض على الظواهر والمكونات التي تختزنها هذه النصوص.
الصحراء كتيمة وكفضاء وكمكان. كيف تجلّت وحضرت بكلّ موروثاتها وتضاريسها وحكاياها وطقوسها في المتن الروائي الجزائري؟
الصدّيق حاج أحمد:  يمكننا القول إنّ الصحراء بدأت تتخطى خطواتها في السرد الجزائري، ولعلّ رواية «مريم بين النخيل» لولد الشيخ، كانت الاِرهاص الأوّل لظهورها خلال النصف الثاني من القرن العشرين؛ لكن الصحراء لم تشهد الكتابة الواعية إلاّ مع رشيد بوجدرة في رواية «تيميمون»، ولحبيب السايح في رواية «تلك المحبة»، والسعيد بوطاجين في رواية «أعوذ بالله»، والعبد الضعيف في روايات «مملكة الزيوان» و»كاماراد» و»مَنّا» و»رحلاتي لبلاد السافانا»، وكذا عند الرفيق عبد الله كروم، من خلال نصين قصصين هما «حائط رحمونة» و»مغارة السابوق»، وروايته الأخيرة «الطرحان»، التي حاز بها جائزة آسيا جبار، نفس الشيء بالنسبة للرفيقين عبد القادر ضيف الله في روايته «تنزروفت» وجميلة طلباوي في رواية «وادي الحناء» وغيرها، كما أنّنا بدأنا نشهد اِهتمام بعض الكتّاب الواعدين، منهم عائشة بويبة، وكاتب من عين صالح فاتني تذكّر اِسمه وغيرهم.
الكتابة عن الصحراء لا تزال قليلة وفي بداياتها
هل الصحراء، وجدت/وأوجدت سياقها الجمالي والفني والمكاني والأدبي في النص الروائي الجزائري كما يليق برحابة جغرافيتها وتاريخها وموروثها، أم أنّ حضورها كان قليلاً وشاحبًا مقارنةً مع حضور فضاء المدينة مثلاً، أو فضاء البحر والريف في الرواية الجزائرية منذ البدايات وحتّى روايات الجيل الجديد؟
الصدّيق حاج أحمد: الكتابة عن الصحراء لا تزال قليلة وفي بداياتها، لذلك لا يمكننا تقييمها والحكم عليها أو مقارنتها بالمدينة.
هل يعني هذا أنّ «الصحراء» لم تنل حظها كما يجب في الفضاء الروائي الجزائري؟
الصدّيق حاج أحمد:  علينا الاِعتراف أنّ الكتابة عن الصحراء لا تزال في بدايتها، إذ لا يمكن الحكم على أمر، إلاّ بوجود تراكمات عند الشخصيات الكاتبة وفي المجايلة أيضا؛ لكن رغم هذا يمكن أن نستبشر خيراً بهذه البدايات الواعية لبعض الأقلام.

وكيف أثرت الصحراء في المخيال الأدبي؟
rالصدّيق حاج أحمد: الصحراء متاهة.. ولذة هذه المتاهة هي الدهشة.. فالصحراء تُحيلك على الغرابة في كلّ شيء، في إنسانها الأوّل الّذي عمرها وارتضاها مأوى.. فبغواية صمتها الرهيب، وشساعة اِمتداد الرؤية فيها، وأساطير محكيات يومياتها، أثرت وبلا ريب المخيال الأدبي، بكثير من الصور والتأثيثات المكانيّة والثّقافيّة، التي هي وقف عليها، وتفتقر إليها المدينة.
رواية «مَنّا» يمكن أيضا أن تُصنّف في خانة «السرد المعرفي»، لأنّها محملة بمعطيات معرفية كثيرة وتواريخ وحقائق ووثائق. ما رأيك في هكذا تصنيف، وهل ترى أنّ هذا التصنيف هو الأنسب والأقرب لمثل هذا النوع من الروايات العارفة إن صح القول؟
الصدّيق حاج أحمد:  نعم رواية «مَنّا» رواية معرفية باِمتياز؛ لأنّها قدّمت وجبة معرفية دسمة، لمجاهيل وأحداث ظلّت مخفية بالصحراء الكُبرى ودول الساحل الإفريقي؛ بل وتجاوزها المؤرخون كما قلتُ سالفًا، ومع هذا التصنيف النسبي، تبقى الرواية رواية في تجنيسها، بحكم اِرتباطها بالتخييل والعناصر الضرورية، التي تشرّع لها التصنيف ضمن ما يُسمى رواية.
أيضاً ما تتميز به الرواية هو طابعها الأنثروبولوجي الثقافي؟
الصدّيق حاج أحمد: طبعًا الكتابة الواعية، المُنطلقة من خلفيات فلسفية، تُحاول أن تحفر في تفكير وثقافة الإنسان الأوّل، بِما في ذلك أساطيره، وموقفه من الوجود، وتعامله مع الظواهر الطبيعية والكونية، لذلك حاولتُ أن أطعم الرواية بمخزون أنثروبولوجي في المُتخيل الروائي، يعطي للقارىء اِنطباعًا وفكرة حول هذا الإنسان الصحراوي، الّذي يراه الآخر في شمال القارة، شخصاً بدويًا مُترحلاً بين عالية وسافلة اِبتغاء المرعى وكفى.
في رواية «منّا» أيضاً تتعدّد اللهجات واللغات. لماذا هذا التنويع على مستوى لغة ولهجة الحوار في النص؟
rالصدّيق حاج أحمد: في رواية «منّا».. هناك تعدّد للأصوات الساردة، وللغات، وللثقافات.. في «منّا»، يجد القارىء نفسه بين ثقافتين متجاورتين من ثقافة الصحراء الكُبرى، وهما الثقافة التارقية والحسانية، وبالرغم من تجاورهما في البوادي والخيام، إلاّ أنّ لكل واحدة خصوصيات مستقلة، رغم وجود المُشترك المرتبط بالبيئة كالخيمة والمرعى وثقافة التعامل مع الماشية وغيرها.

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com