السبت 23 نوفمبر 2024 الموافق لـ 21 جمادى الأولى 1446
Accueil Top Pub

الكاتب والناقد عبد الحميد ختالة للنصر

الرواية الجزائرية نشأت وتطوّرت في بيئة زمنية متخمة بالصراع الإيديولوجي

يتحدّث الكاتب والناقد، الدكتور عبد الحميد ختالة في هذا الحوار، عن الرواية والتاريخ، الموضوع الإشكالي/والسجالي الّذي يعود الحديث عنه ويتجدّد من وقتٍ لآخر، ويتطرق لبعض شؤونه من زاوية نظره الخاصة. مؤكداً في ذات السياق أنّ الرواية لم تتخلَّ عن التاريخ بل إنّها اِحتوت معاناة التاريخ بطريقة أكثر فنيّة فتداخلت نصيًا مع الوثيقة التاريخية المحضة مقلّلة من تحالفها التقليدي وانصياعها المعهود له. الدكتور ختالة، من توظيف التاريخ ومقاربته ومعالجته سردياً، عرج إلى شؤون أخرى ذات صلة بالرواية دائماً، منها حديثه عن مستويات وسياقات توظيف الدين أو الخطاب الديني في الرواية الجزائرية، وكذا بعض التوظيفات الإيديولوجية أكثر من كونها دينية؟ أو بمعنى آخر أكثر من كونها ذات خلفيات دينية.

حاورته/ نـوّارة لـحـرش

ختالة، يرى من جهةٍ أخرى أنّ الرواية الجزائرية تبقى على مسافة من الخطاب الديني وأنّها لم تقدمه فنيًا كنسق قابل للقراءة، وحافظت على تنميطه وفق رؤية تقليدية مُعادية مُتأثرة في ذلك بالمنجز الروائي الغربي الّذي حافظ على عدائيته لكلّ ما هو ديني. ورغم هذا فقد قدمت –حسب رأيه- الصوت الديني كنسق ثقافي يحتاج الحوار مرّةً أخرى في سياقاته التاريخية ومدى جدواه اِجتماعيًا.
الرواية اِحتوت معاناة التاريخ بطريقة أكثر فنيّة فتداخلت نصيًا مع الوثيقة التاريخية
معظم الإصدارات الروائية خاصة الأخيرة تنهل من التاريخ وتوظفه وتستلهم منه، وفي كلّ مرّة يتجدّد الحديث عن مدى إمكانية الرواية وقدرتها على كتابة التاريخ، بعيداً عن تهويمات الفن والخيال. بمعنى أدق هل يمكن كتابة رواية تاريخية متخفّفة من إرث الخيال والتخييل، وكيف تنجح الرواية في كتابة أو إعادة كتابة التاريخ؟
عبد الحميد ختالة: الحق أنّ الفنّ بعامة هو مرآة عاكسة لحياة الشعوب، إذْ لم تنجح إلياذة هوميروس إلاّ عندما أرّخت باِمتياز لحرب طروادة الشهيرة، وقد اِستمر الأدب ينمو طبيعيًا من ثدي التاريخ حيثُ يُشير تطوّر الرواية الغربية إلى وجود رأيين في علاقة الرواية بالتاريخ، ففي مرحلة نشأتها كانت الرواية السليل المُعترف به من التاريخ، وقد اِقترنت به قران وفاء –كما يرى بَلْزَاك-، فركّزت على الشخصية الصانعة للتاريخ وتمسكت كثيراً بالتسلسل التراتبي للأحداث، فالرحلة في أبعاد الزمن الغائبة تخلق فنيًا نوعًا من العبث عن طرق تقديم أحداث وتأخير أخرى، وهي ذاتها النقطة التي تتقاطع فيها الرواية بالتاريخ، وتصبح وثيقة من وثائقه.
مفهوم «الطابو» قد هُدّم اِجتماعيًا قبل أن يُهدم فنيًا
لقد ظلّت الرواية تحترم بشدة دور التاريخ في تحريك عجلة الحكي حتّى مطلع القرن العشرين الّذي عرف تحوّلات عميقة تبدّلت معها مفاهيم كانت سائدة، مثل وَاحِدية الفرد في صنع التاريخ، وزيادة الحياة تعقيداً وتركيبًا، هذه التبدّلات أوجدت لنفسها صدىً في الرواية التي تغيّرت نظرتها إلى التاريخ فأنكرته وألغت تفرّد الشخصية بصناعة الحدث، وكسّرت خط السيرورة التاريخية أو ما يُعرف بترابية الزمن، ورغم هذا التنّكر من الرواية للتاريخ إلاّ أنّها لم تتخلَّ عنه بشكل نهائي بل قُل إنّها اِحتوت معاناة التاريخ بطريقة أكثر فنيّة فتداخلت نصيًا مع الوثيقة التاريخية المحضة مقلّلة من تحالفها التقليدي وانصياعها المعهود له.
التعالق بين الرواية والتاريخ لا يجعلنا بالضرورة نوحّد الرؤية والمفهوم للمؤرخ والروائي
هذا التعالق بين الرواية والتاريخ، هل يُشير بشكلٍ ما إلى نفس الوظيفة أو المفهوم للمؤرخ والروائي في ذات الوقت؟
عبد الحميد ختالة: إنّ هذا التعالق بين الرواية والتاريخ لا يجعلنا بالضرورة نوحّد الرؤية والمفهوم للمؤرخ والروائي، إذ لا يقدر المؤرخ وهو يسرد أحداثًا أن يكون روائيًا لِمَا يفرضه عليه التاريخ من اِلتزام بالحقيقة، وتشبّث بالوقائع كما هي في الحياة تُمليه سلطة المهنية ومنهج التاريخ معاً، كما لا يمكن للروائي أن يكون مؤرخًا عندما يتوسل التخييل في سرده للأحداث، فيحذف ويزيد، ويُقدم ويُؤخر، فلم يكن جورجي زيدان يومًا مؤرخًا، وبقي على ما قدمه من خدمة للتاريخ الإسلامي روائيًا، وهذا الّذي يضمن لنا الفصل المفهومي بين الرواية والتاريخ رغم التواصل الكبير بينهما.
إنّ الّذي يضمن للرواية التاريخية نجاحها هو تجاوز أن يحضر التاريخ بوصفه رقعة بنفسجية تُزين النص الأدبي
برأيك. ما الّذي يضمن للرواية التاريخية نجاحها؟
عبد الحميد ختالة: إنّ الّذي يضمن للرواية التاريخية نجاحها هو تجاوز أن يحضر التاريخ بوصفه رقعة بنفسجية تُزين النص الأدبي، ولا يعدّ جسراً يعبُرُهُ الروائي لاِكتساب الشرعية الأدبية، بل الرجوع إلى صورة الحادثة التاريخية يُمثل مرتكزاً شرعيًا إبداعيًا نقيضًا لشرعية تاريخية فيها بعضٌ من الزيف، أو من التعتيم الّذي سميناه مبدأ التحفظ، وهنا فقط يتداخل السياسي والاجتماعي والنفسي والفني والتاريخي، وتعجز أية مقاربة أخرى كيفما كانت خلفيتها عن ملامسة الإشكالية التي يطرحها النص الروائي.
يقتضي تحويل السرد التاريخي إلى سرد روائي تغييرا في مجموعة من الخصائص المميزة للسرد الأوّل، وهذه الخصائص التي أشار إليها سعيد يقطين تتعلق بهيمنة صيغة الفعل الماضي، وسرد الأحداث بالزمن الماضي المنتهي مع مراعاة التسلسل الزمني وهيمنة ضمير الغائب.
الجنس مَلمحٌ طبيعي في حياة الإنسان وسيبقى طبيعيًا في الرّواية ما لم يكن هو المُعوّل عليه للتميّز والحضور
من اِستلهام واستحضار وتوظيف التّاريخ في الرّواية الجزائرية، إلى اِستلهام واِستحضار وتوظيف (الدين، الجنس، السياسة). كيف تقرأ هذه الإشتغالات على هذه التيمات؟
عبد الحميد ختالة: تعدّ الرّواية الناقل الحيوي والفاعل جدّا للحياة بكلّ أصولها وفروعها، ولمّا كان الأمر كذلك يسلّم القارئ المعاصر بأنّ مصطلح «الطابو» لم يعدّ ذا قيمة فاعلة في الرّواية بعامة وفي الرّواية الجزائرية بخاصة، فالّذي لا يختلف فيه قارئان أنّ الصحف والجرائد التي تعدّ لسان حال يوميات الجزائري حُبلى بالأخبار المتطرفة أخلاقيًا وسياسياً ودينيًا، ولا نختلف كذلك في أنّ حيرة القارئ قد خفتت كثيراً لحظة تلقيه لعناوين صحفية بالبنط العريض، تتمرّد عن المألوف سياسيًا ودينيًا وأخلاقيًا.
بعض النصوص الروائية الجزائرية ركزت على الجنس كمادة سردية لكنها لم تتميّز سرديًا
من هذا الّذي سبق أصبح السؤال أكثـر إلحاحاً في مدى توسّل الرّواية الجزائرية للجنس والدين والسياسة من أجل ضمان كينونتها الإبستيمية وفاعليتها في القارئ؟
عبد الحميد ختالة: الحق أنّ الرّواية الجزائرية بمنجزها الثقيل لم تعدّ بحاجة إلى المُخالفة المفضية للتعريف، كما أنّ ثِقل الأسماء الجزائرية في قائمة الروائيين العرب المتوجين بجوائز التميّز أصبحت تنأى بالروائي الجزائري عن الاِتكاء على التصعلك الفني من أجل ضمان قدر محترم من القرّاء، هذا إذا قرأنا «الطابو» على أنّه إستراتيجية كتابية يتوسلها الروائي من أجل المعراج من درجة الهواية إلى الاِحتراف، فالطابو في العُرف الكتابي خروج عن المعهود وخرق لحجب الطهر والحياء الفني يغازل بواسطته الكاتب اِنتباه القُرّاء.
لا يجعلنا هذا الحكم نغض البصر عن بعض الحقائق التي نقرؤها في الرّواية الجزائرية، فرغم قناعتي بأنّ مفهوم «الطابو» قد هُدّم اِجتماعيًا قبل أن يُهدم فنيًا، إلاّ أنّنا نقرأ أحيانًا نصوصًا تتعامل مع طابو السياسة كما الدور الّذي يقوم به التنويري في إشاعة الكامن، وإغراق الفني في المُضمر والمسكوت والمبحوح، وهنا أجد أنّ دور الرّواية يتجاوز ذلك إلى رصد القواعد الخلفية لمخابر السياسة ومصانع السياسيين وهذا المابعد طابو الأجدر بالصوغ السردي، وفي فلكه نقرأ رواية مثل «العربي الأخير» لواسيني الأعرج.
لا يخفى أنّ بعض النصوص الروائية الجزائرية شغلت قارئها عندما ركزت على الجنس كمادة سردية، والغريب أنّ هذه النصوص لم تتميّز سرديًا بقدر ما شدّت إليها عين النقد كنص مُتفلّت ومتمرّد عن المألوف سرديًا، مثل رواية «اِكتشاف الشهوة» لفضيلة الفاروق، لكنّي أجد أنّ الجنس مَلمحٌ طبيعي في حياة الإنسان وسيبقى طبيعيًا في الرّواية، ما لم يكن هو المُعوّل عليه للتميّز والحضور، وإذا كان فحينها ستسقط الرّواية فنيًا وسرديًا، لأنّ الجنس الّذي يكون قد أسهم في نجاح السينما، سيكون سببًا في اِنهيار إمبراطورية الرّواية إن كان هو أساسها.
يرى «أمين الزاوي» بأنّه من لا يكتب عن الطابوهات والمسكوت عنه ليس روائيًا، وهذا رأي الروائي وليس الناقد، فقد ينسكن الروائي بالجنس والدين والسياسة فيكتبها جميعاً، لكنّه إن توسلها وقصدها أصبح مجرداً من الفن بعيداً عن جماليته. فما قدمه «جورج طرابيشي» على أنّه تحرّر للمرأة في الرّواية العربية أجده محض قراءة تُخطّئها قراءات أخرى، والرّواية التي يعرّفها «أندريه جيد» على أنّها حياة، تتجاوز أن تكون مخدعًا لإفراغ المكبوت.
وكيف هي برأيك مستويات وسياقات توظيف الدين أو الخطاب الديني في الرواية الجزائرية، وكيف تفسر الحضور المُكثف لهذا التوظيف، وهل بعض التوظيفات إيديولوجية أكثـر من كونها دينية؟ أو بمعنى آخر أكثـر من كونها ذات خلفيات دينية، وأنّ الديني ملتبس مع الإيديولوجي غالباً؟
عبد الحميد ختالة: إنّ الحقيقة التي نبدأ منها بسط تصورنا في هذا الموضوع، هي أنّ الإنسان مذ كان بدءً لم تنفصل عن تفكيره قضية الدين أو بالأحرى فكرة الإله، فلا يمكن له أن يعيش إلاّ في فلك تلك القوّة الغيبية التي يلجأ إليها دومًا عندما تنفذ قدراته في مواجهة عقبات الحياة، ففكرة الإله متمحورة في الذات البشرية قناعةً، حتّى مع ظهور فلسفة الإلحاد التي غذّاها التطرف في التدّين.
ولأنّ الرواية هي الحياة فلا غرو أن تمتح هي الأخرى من هذا المكون الإنساني الهام الّذي هو الدين، ولكن السؤال الّذي يُواجهنا هو ما مدى عمق التفاعل الّذي حدث بين الرواية الجزائرية والدين؟، لا نختلف في أنّ الرواية الجزائرية نشأت وتطوّرت في بيئة زمنية متخمة بالصراع الأيديولوجي في سبعينيات القرن الماضي مع مجموعة من الروائيين نذكر منهم الطاهر وطار، رشيد بوجدرة، عبد الحميد بن هدوقة، كاتب ياسين، جيلالي خلاص...، هذه الأسماء التي شكلت إلى حدٍ ما صوت الرواية الجزائرية، وهو الصوت المُؤثث جماليًا وفق ملامح الواقعية الاِشتراكية من حيث العُمق والأداء والاِستشراف، إذ نطقت الرواية الجزائرية في هذه الفترة بِمَا نطقت به السياسة الوطنية وقتها مُرسِخةً أيديولوجيًا الفكر الشيوعي، ومع ذلك فقد قدمت الصوت الديني كنسق ثقافي يحتاج الحوار مرّةً أخرى في سياقاته التاريخية ومدى جدواه اِجتماعيًا.
ولم تختلف الرواية الجزائرية في الثمانينيات والتسعينيات مع الديني اِختلافاً عميقًا، بل كان الاِختلاف في ملامح الخطاب الديني السائد يومها، فقدّم بعض الروائيين من أمثال الطاهر وطار وواسيني الأعرج نقداً لسذاجة الخطاب الديني المكرور واعتماده على الظاهرة الصوتية، خاصةً مع نهاية الأحادية الحزبية في بداية التسعينيات وإعادة رسم خارطة الأيديولوجيات، مِمَّا سمح بظهور مجموعة من الحساسيات ومنها الإيديولوجية الإسلامية التي كانت نتاجًا طبيعيًا لتيار الإسلام السياسي.
ظهرت هذه الأيديولوجيات الجديدة في الرواية الجزائرية، فقرأنا «حراس النوايا» و»الورم» و»كراف الخطايا» و»الغيث» وغيرها من السرود التي قدمت قراءتها للخطاب الديني، وهو ما أثبت اِستيلاء هذا النوع من الخطاب على الاِهتمام الفكري لأنصاره وخصومه، ومعه تحوّل الدين إلى سياسة وتحوّل الفكر إلى أيديولوجيا، ليقترن الديني في الخطاب الروائي في الجزائر بالفهم الّذي أشاعه خطاب الحركات الإسلامية، حيثُ أساء هذا التحجيم السيئ للخطاب الديني كنسق ثقافي اِحتاج لكثير من العُمق من أجل تسريده بشكلٍ عارف وواع.
الجنس الّذي أسهم في نجاح السينما، سيكون سببًا في اِنهيار إمبراطورية الرّواية إن كان هو أساسها
ألا ترى أنّ الكثير من الروايات الجزائرية، حاولت خلق مساحات كبيرة لسماع وإسماع الصوت الديني في شخصياتها؟
عبد الحميد ختالة: عاشت الرواية الجزائرية في القرن الواحد والعشرين مرحلة الوعي الجديد أو ما يُسمى بعصر الإيمان بعدما تقلص زمن الإلحاد، وحاولت سماع الصوت الديني في شخصياتها، إلاّ أنّ الغالب من هذا الخطاب الروائي فهم التدين على أنّه إمّا اِستمرار للخطاب الفقهي المُحافظ فوق ما يجب أو أنّه محض مُمارسة جوفاء تغلب عليها الفولكلورية ويعوزها التعمق في المقولات والآليات، ليمتد صراع الحضور الديني في الرواية الجزائرية يتأرجح بين النزعة العلمية والعلمانية.
اِختفى عن المنجز النقدي الّذي حاول تصنيف الرواية الجزائرية ما يُسمى بالخطاب الروائي المحافظ أو الإسلامي، رغم مسحة الزهد والتصوّف التي نقرأها في الروايتين الأخيرتين للطاهر وطار، ومع ذلك تبقى الرواية الجزائرية على مسافة من الخطاب الديني لم تقدمه فنيًا كنسق قابل للقراءة، وحافظت على تنميطه وفق رؤية تقليدية مُعادية مُتأثرة في ذلك بالمنجز الروائي الغربي الّذي حافظ على عدائيته لكلّ ما هو ديني.

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com