الروايـة الجزائريــة من دون هويـــة بصريــــة
يقرأ الكتاب من غلافه أحيانًا، تماما كما يمكن أن يقرأ من عنوانه، وقد تكون الصورة أبلغ من اللغة لأنّها تخاطب الخيال، لكنّ الرواية الجزائرية قليلا ما تُغازل القارئ بغلافها لأنّها لا تتحدث كثيرا لغة الإخراج الفني، و السبب حسب ناشرين و مصمّمين و كتّاب، هو ظروف ولادة الكتاب في بلادنا و نقص المصمّمين القادرين على ترجمة الكلمة إلى صورة و استلهام أغلفة من الرموز البصرية المتوفرة في الحياة اليومية، ولذلك من الصعب جدا حسبهم، أن تبني الرواية الجزائرية لنفسها هوية بصرية قائمة على الألفة بين العنوان و صاحبه و عين المتلقي.
هدى طابي / نوارة لحرش
العتبة
الغلاف هو العتبة التي يلجُ من خلالها القارئ إلى عالم الكتاب، فتلك الصورة الفنيّة التي يعدها المصمّمون ، قد تكون وحدها قادرة على دفع المتلقي إلى اتخاذ قرار شراء الرواية حتى قبل أن يقرأ ملخّص الأحداث، خصوصا ونحن نعيش في عالم تفرض فيه الصّورة منطقها و يعد التّصميم جزءًا مُهمًّا في عملية التّسويق باعتباره عنصر جذبٍ، و المبحر في عالم الكتاب سوف يلاحظ بأن الأغلفة كانت في وقت سابق تحظى بأهميّة بالغة، و كانت تصنع من الجلد و تزيّن بماء الذهب، و لذلك تعتبر هذه الطبعات اليوم « قطعا فنيّة» مطلوبة، تُشترى بمبالغ كبيرة و تستخدم عموما كقطع للديكور نظرا لفخامتها.
و في الستينيات و السبعينيات كان هناك اهتمام كبير بنوعيّة الصّورة و توظيف ملحوظ للألوان، بشكل يخاطب العين مباشرة، و يدغدغ الفضول باللّعب على وتر الرمزية، و مع أن المؤسسة الوطنية للكتاب، كانت قد استعانت في سلسلة سابقة من كتاب الجيب بأعمال تشكيليين من أمثال اسياخم و باية محي الدين، واستخدمت لوحات لهم كصور لأغلفة الكتيبات، إلا أن هذا التوجه ضعيف جدا بين عموم الناشرين في الجزائر، لأسباب يقولون بأنّها تتعلّق بالوقت و التكلفة و ظروف صناعة الكتاب، ولذلك يقل الاهتمام بالغلاف و مدلوله و نوعية التصميم و مسؤولية أن يفوز بثقة القارئ في المنافسة الثقافية مع باقي الكتب المجاورة له بالمكتبة.
بين الفن و المنطق التجاري
حسب الكاتب والروائي مراد بوكرزازة، فإن الكتاب في الجزائر، ما يزال يعاني الأمرين في ظل الظروف التي يعلمها الجميع، وقد حال هذا الوضع دون تقديمه للمتلقي بالشكل الذي يعزّز اللّهفة لشرائه، و يشمل تأثير هذه الظروف الغلاف كذلك، رغم أهميته بوصفه واجهة العمل وانطلاقا منه بإمكان المتلقي أن يعرف الوجبة التي تنتظره سواء كانت دسمة أو هزيلة.
صاحب رواية « الأيادي السوداء»، قال إنّه ككاتب يولي أهمية قصوى لهذا الموضوع، وقد تعامل في بداياته مع أكثر من فنّان تشكيلي، كان يسلمهم العمل ويدفعهم لأن يتوغلوا في أعماقه، قبل أن يقترحوا عليه مجموعة من اللوحات، التي تكمل أو تضيف للعمل لمسة فنية، ويكون الاتفاق على شكل معين، لكن الناشرين تدخلوا في السنوات الأخيرة، و صاروا هم من يتولون هذه المهمة «الدقيقة» على حد تعبيره، ويقترحون على الكتّاب تشكيلة متنوعة من الأغلفة التي تقارب العمل وتحاول أن تكون مرآته العاكسة، وقد يستغرق اختيار الغلاف وقتًا طويلًا، يكون فيه مجبرًا على الاستعانة بآراء الأصدقاء على اختلاف أذواقهم الفنية وقراءاتهم للعمل والغلاف معا، قبل أن يستقر على غلاف معين.
في هذا المضمار، وجب حسبه، أن نقول أنّنا مازلنا نتعامل مع الغلاف بشكل سلبي، إذ كثيرا ما تكون الأغلفةُ عاديةً جدًا ولا تستجيب لمتطلبات النّص، مضيفا، أن ألمانيا هي الوحيدة التي تتعامل حاليا، بحساسية عالية مع موضوع الغلاف، مقابل سيطرة الجانب التجاري لدى دور النشر الفرنسية. تبقى المعادلة مرتبطة بتوفر المصمّم المبدع و تمكنه من المجال و أن يكون قارئا بالدرجة الأولى، لأن الغلاف هو عنوان أبدي للعمل وانعكاس لروح المصمم، و كلما كان المصمّم فنانا عبقريا كلما أضاف للكتاب الشيء الكثير من روحه.
* كمال قرور صاحب دار نشر الوطن
مأزق سببه الوقت و التكلفة
يرى كمال قرور صاحب دار نشر الوطن أنّ دور النشر العريقة في العالم، تعطي وقتا وجهدا للتمعّن والتفكير في اختيار الأغلفة المناسبة، لكن الوضع مختلف عندنا، فرغم إدراكنا لأهمية الغلاف، إلا أنّه لا يزال يطرح مشكلة كبيرة سواء فيما يتعلّق بفكرة التصميم أو بتنفيذه و إنجازه و السبب حسبه، هو نقص المختصين في المجال ووجود هوة كبيرة بين مضمون النص و غلاف الرواية أو التعليب إن صح الوصف، والأمر معقد حسبه، لأنّ وجه الكتاب يلعب دورا مهما في عملية التّسويق ونحن الآن نعيش «عصر التعليب».
و أوضح المتحدث، أنّ هناك تقصيرا من ناحية معينة معلقا أنه رغم جهوده كناشر وحرصه على الغلاف، إلا أنه كلما حاول تقييم تجربته وقف على نقائص و أدرك أننا في الجزائر لم نصل بعد إلى ما هو مطلوب في هذا المجال و السبب مرتبط بالدرجة الأولى حسبه، بنقص المختصين أو « الأنفوغرافيين»، و الوقوع على مختص متمكن و مبدع يجمع بين التصور الفني و المستوى الفكري الذي يسمح له بترجمة النص إلى صورة، يشبه الوقوع على خاتم سليمان على حد قوله، لأنّ من يمتهنون هذا النوع من التصميم قليلون جدا، و إن توفر بينهم شخص متمكن في مجاله فسيكون عملة مشتركة بين جميع دور النشر، وهو ما يضعنا حسبه، أمام صعوبة أو استحالة القدرة على بناء هوية خاصة لدار نشر بعينها أو لكاتب بعينه و المحافظة عليها، وهو ما يوجب الاهتمام أكثر بتكوين المختصين في هذا المجال هنا وفي الخارج.
وأضاف قرور، أنّ المنافسة التي تفرضها السوق فيما يخص الحاجة لهؤلاء، هي التي تحد من فرض الإبداع في عالم الكتاب، لأنّ المُصمّم مطلوبٌ كذلك لدى المنتجين في المجالات الصناعيّة، و عليه، فإن هناك ما يشبه الميل نحو التعامل مع الكتاب كسلعة تأتي في ذيل ترتيب الأولويات. وعن إمكانية الاستعانة بالفنانين التشكيليين للجمع بين لغة الريشة و بوح النص، قال الناشر، إن الفكرة مهمة جدا و من شأنها أن تغطي جانبا من الحاجة، خاصة وأن هناك فنانين تشكيليين يتعاونون مجانا، غير أنها عملية تلتهم الكثير من الوقت و النشر عمل عملاق قائم على صراع مستمر مع الزمن، ولعل هذه الجزئية هي ما يؤثر سلبا على جماليات صناعة الكتب في بلادنا.
من 300دج إلى 30ألف دج للتصميم
من جانب آخر، أضاف المتحدث، بأن الناشر مطالب أيضا باحتساب تكلفة الكتاب ككل و العمل على التصاميم الإبداعية عالية الجودة أمر مكلف جدا كما قال، و لذلك يختار الناشرون عموما تصاميم بسيطة بميزانية محدودة، علما أن التصاميم الجيدة قد تكلف ما يعادل 20ألفا إلى 50ألف دج وهي تكلفة لا تتماشى مع معطيات صناعة الكتاب محليا.
وأضاف، أن سوق الأغلفة حاليا تنطلق من 3000دج إلى 15 ألفا حتى 20ألف دج، لكن الطلب يحتكم إلى حجم الطبع فعندما تتعدى الطبعة 100 نسخة مثلا، يصبح من الصعب على الناشر أن يختار الغلاف الأغلى و الأفضل، ولذلك فإن تكلفة الأغلفة بالعموم تبقى تراوح حدود 5000 دج كأقصى حد.
* الناشر والموزع فاتح رغيوة
المصممون الحلقة المفقودة
يرى فاتح رغيوة صاحب دار نوميديا للنشر و التوزيع، أن الحديث عن بناء هوية بصرية للرواية أو الكتاب الجزائري أمر صعب جدا، في ظل شح المصممين المتمكنين في مجال تصميم واجهات الكتب، فنحن على عكس دول عربية مثل مصر أو تونس، لا نملك العنصر البشري المحترف، لأن غالبية المتخرجين من مدارس الفنون الجميلة، يملكون النظرة الفنية المطلوبة لكنهم لا يتحكمون في التقنية الرقمية و العكس، أي أن هناك دائما حلقة مفقودة في العملية ككل.رغيوة قال، إنّ المصمّمين المحترفين القادرين على تقديم قراءة سيميولوجية دقيقة للنص و ترجمته إلى صورة، يعدون على رؤوس الأصابع، و لا يتجاوز عددهم في الجزائر خمسة أو ستة محترفين.
وأضح، أن اختيار الغلاف جهد مشترك بين الكاتب و الناشر و المصمم، فكل يقدم مقترحا و تنتهي العملية بالاتفاق على صورة واحدة، فقد يختار صاحب النص مثلا، نسقا فنيا معينا يعتمد بعد النقاش، كما يمكن أن تسند المهمة إلى المصمم وحده إن كان محترفا، حيث يمكنه بعد مطالعة النص أن يضبط تصورا فنيا مناسبا للعمل و أن يقدم غلافا متكاملا يسمح للقارئ بأن يبحر على شراع الخيال و يتصور مضمون الرواية قبل أن يقلب صفحاتها.
أضاف الناشر، بأن لكل كتاب إخراجا فنيا مختلفا، يحتكم لنوع النّص و مجاله الأدبي، فالرواية الخيالية تتطلب صورة سيميائية متعدّدة الأبعاد، على عكس غيرها من المنتجات الأدبيّة الأخرى، التي يكون للكاتب دائمًا دورٌ في تحديد هويتها البصريّة، مع الاحتكام لضوابط قانونية و ثقافية واجتماعية و أخلاقية معينة، بحث يكون الغلاف مقبولا و غير صادم للجمهور، وقال إنّ هناك اهتمامًا بالغًا بتوظيف صورة الكتاب أو الرواية الأصلية، عند طبع وتوزيع الأعمال المترجمة خصوصا الروايات العالمية، لوجود نوع من الألفة بين الرواية الأصلية و عين القارئ، كما تؤخذ الجوانب المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية بعين الاعتبار، في حال استخدمت على الأغلفة لوحات تشكيلية أو صور معينة لمنحوتة أو غير ذلك.
وحسب رغيوة، فإن دار نوميديا، تعتمد أحيانا على أعمال التشكيليين كأغلفة للروايات و ذلك حتى تصنع لنفسها ولمنشوراتها هوية خاصة تميزها عن باقي دور النشر الأخرى، غير أنّها عملية تتطلّب الكثير من الوقت، لأن التواصل مع الفنان و تزويده بالنص و الانتظار إلى غاية تفرغه من قراءته و من ثم تحديده للتصوّر الفنّي للصورة و انجازها، قد يستغرق عدة أشهر وهو ما لا يتناسب مع التزامات النشر و عملية التسويق.
* الروائي بشير مفتي
الحديث عن الأغلفة نوع من الترف الثقافي
يقول الكاتب والروائي بشير مفتي «إن الحديث عن الأغلفة صار نوعًا من الترف الثقافي إن صح القول، فنحنُ نعيش في فترة تراجعت فيها دور النشر الجادة لظروف موضوعية كثيرة (غياب التوزيع، قِلة المكتبات، القرصنة الاِلكترونية للكُتُب، ضُعف المقروئية..) وتقدمت فيه دور النشر التجارية (في الحقيقة لستُ لا ضدّها ولا معها) وميزة هذه الدور أنّها تنشر على حساب المؤلف (غير مهتمة أصلاً بقيمة ومضمون الكِتاب)، والنشر على حساب المؤلف يكمن ضرره أنّ دور النشر التي تنشره لا تُبالي إن كان كتابه يُفيد بالفعل أو لا يفيد، وإن كان يُباع حقًا أو لا يباع، إن كان يلبي بالفعل حاجيات القراءة في سوق الكِتاب أم لا يفعل شيئًا غير أن يزيد من عدد المطبوعات».
صاحب «دمية النار»، أضاف مستدركاً: «بالنسبة للأغلفة من منا لم تُغْرِهِ أغلفة دور النشر البيروتية في أزمنة بعيدة، بل كنا نعرفها ونُميزها بين دور النشر من خلال أغلفة كتبها فأغلفة دار الآداب أو الطليعة أو دار العلم للملايين..إلخ، كانت تحمل بصمة خاصة، وكانت تلك الأغلفة خاصة الروايات العربية الأكثر شهرة لنجيب محفوظ أو لإحسان عبد القدوس تفتح شهية القراءة حتّى لو ظهرت مرات كأنّها مجرّد أغلفة تسويقية تستدرجُ قارئًا عربيًا يُعاني من مكبوتات تُخاطبها الأغلفة برسومات لنساء غالب الوقت، ونذكر جميعًا أنّ الأغلفة كانت تشبهُ بوسترات الأفلام المصرية».
تقليد و استنساخ
لكن سوق النشر حسب مفتي دائماً، تتطور مع الوقت و قد صارت دور النشر العربية تعتمد على مخرجين فنيين أو حتّى فنانين تشكيليين، ولنقل أنّ بعض الكُتّاب مثل غادة السمان، أحدثوا نقلةً نوعية في أغلفة كُتبهم، كما فعلت هي مع أعمالها المُختلفة في المجموعة التي صدرت في سياق أعمالها غير الكاملة، بينما عرفت دور نشرنا بعض التحوّلات البسيطة إذا ما قارنا النشر في السبعينيات عند دور النشر العمومية واليوم، ومع ذلك نادراً ما تجد اِختلافات بين دور النشر في تصاميم الأغلفة فهي أصبحت متقاربة حتّى لا أقول مستنسخة عن بعضها البعض أو هي تقليد للأغلفة الرائجة عربيًا..
و في ذات السياق أضاف موضحاً: « لا أعتقد أنّ الغلاف مجرّد مظهر خارجي للكِتاب، بل ربّما يكون هو الجزء الأكثر إثارة للاِنتباه، فعندما تذهب إلى مكتبة ما الّذي يستدرجك لتصفح هذا الكِتاب دون ذاك؟، طبعًا الغلاف من أوّل نظرة، مع أنّي أُدرج في الغلاف عنوان الكُتب أيضاً. قبل أن تتسلل إلى الداخل وتحاول أن تعرف إن كان الكِتاب يستحق، ومع ذلك فليس كلّ الكُتّاب يستهويهم هذا الأمر. أذكر أنّ رشيد بوجدرة، عندما نشرنا له روايته المترجمة إلى العربية (الاِنبهار) طلب مني عدم وضع صورة أو لوحة، قال يكفي اِسم الكاتب والعنوان والناشر. ولكن بوجدرة كاتب معروف ولا يحتاج الناشر إلاّ إلى اِسمه كي يدفعه إلى سوق القراءة، وهذا ما لا ينطبق على الجميع.
مفتي خلص في الأخير، إلى أنّ الأزمة اليوم هي أزمة نشر ومشكلة الأغلفة يمكن التغلّب عليها عندما يقف النشر على قدميه، أي حين يحل مشاكله المستعصية.
* حكيم خالد (كاليغرافي)
تصميم الغلاف أكثر تعقيداً مِمَّا يعتقدهُ الناشرون
يعتبر الكاليغرافي ومصمم الأغلفة، حكيم خالد، الغلاف بمثابة الصورة التسويقية الوحيدة والحاسمة التي يملكها الكِتاب والقارئ الّذي يبحث بين رفوف الكُتُب لا يختلف كثيراً عمّن يقف أمام التلفاز ويُشاهد سلسلة من الإعلانات التجارية، كلها تُحاول شد اِهتمامه. إلاّ أنّ غلاف الكِتاب لا يملك 30 ثانية مثل الإعلان التجاري، بل 5 ثواني أو أقل لشرح محتوى الكِتاب وإقناع القارئ، وهذا ما يجعل تصميم الغلاف أكثر تعقيداً مِمَّا يعتقدهُ الناشر والمُصمم.
وحسب المتحدث، فإن هناك نوعا من الأغلفة يُسمى «قاتل الكِتاب» وهذا النوع من التصاميم هو الّذي يعتمد على لوحات فنية معروفة أو غير معروفة خاصةً السريالية أو المبهمة ظنًا من الناشر أو المُصمم أنّ القارئ يملك كلّ الوقت ليشاهد الغلاف ويتأمل الألوان والأشكال ويُحاول فهم اللوحة، وكأنّه واقفٌ في معرض للوحات الفنية. وهناك أيضًا ناشرون ومصمّمون يعتقدون كما قال، أنّ غلاف الكِتاب لا يختلف عن التعليب، ويرون أنّه يجب أن يكون ذا تأثير تصويري له علاقة بصورة أخرى تمّ تسويقها من قبل، ويتعاملون مع غلاف الكِتاب مثل علب العصير أو منظفات الغسيل. ويتناسون أنّ الكِتاب لا يُباع مثلما تُباع السلع.
ويستدرك ذات المتحدث في هذا المعطى: « الحقيقة أنّ الكِتاب يتحدى المعطيات العلمية في التسويق، لأنّه مرتبط بالعاطفة والذاكرة معًا. فهو يتلو قصص الخبرات الإنسانية ويستحيل تلخيص كلّ ذلك الكم الإنساني في لون بني وخط عريض مثل عُلب الأحذية. تصميم غلاف الكِتاب يحتاج إلى فن ومعرفة وحدس. و المُصمم الجيد هو الّذي يمتلك التفكير البصري للمفردات والصور والعناوين، وكيفية تفاعلها وهو قارئٌ جيد ومتفاعل مع التاريخ، والأدب والموسيقى والأفلام والفن والسياسة، لأنه يستخدم كلّ تلك الإشارات البصرية والمعرفية من أجل تبيان وتوضيح جوهر الكِتاب في قطعة واحدة ومحدودة المساحة، ويجيب عن الأسئلة المهمة في وقت قياسي لا يتعدى 5 ثوان. والناشر كما المصمم الجيد، عليهما التركيز على شروط أوليّة لنجاح الغلاف الجيد وهي التميز و الوضوح و الاِتصال العاطفي».
وهنا يوضح فكرة هذه الشروط، وما تعنيه بالنسبة له: «التميز لا يعني الجمال فقط، بل حتّى يكون الغلاف فعّالاً، أحيانًا كسر القواعد والخروج عن الخطوط العامة هربًا من التنبؤ هو السبيل الوحيد لإحداث التميز. أمّا وضوح الغلاف سيساعد القارئ على العثور على ما يبحث عنه في بضعة ثواني، وإذا كانت الصورة لا تتطابق مع العنوان، أو لا توضح للقارئ محتوى الكِتاب فقد اِنتهت العلاقة بينهما. وهنا تجدر الإشارة إلى شيء يكاد ينعدم في أغلفة الكُتُب عندنا، أيضا نحن لا نستعمل جملة أو فقرة مختصرة في الغلاف. تلك العبارة المأخوذة أو المقتبسة من الكِتاب التي تشد القارئ لمعرفة المزيد عنه».
أمّا عن الاِتصال العاطفي، الشرط الثالث، -حسب ذات المتحدث- فهو ما يجعل القارئ يختار الكِتاب نهائيًا. أحيانًا يكون الغلاف بسيطاً في تصميمه، لكنه يحمل صورة تُخاطب شيئاً دفينًا في ذاته، أو خطاً له شكل يتحدى تفكيره المُسبق للخطوط، تلك كلها عوامل تبني برجًا عاطفيًا بين القارئ وبين الكِتاب.
* القاص بوداود عميّر
فشلنا في صناعة كِتاب ناجح شكلاً ومضمونًا
يقول القاص والمترجم، بوداود عميّرمن جانبه: «من منا لم تطبع في ذهنه وذاكرته رسومات الفنان المصري جمال قطب الّذي كانت تزيّن ريشته أغلفة الأعمال الروائية للكاتب الكبير نجيب محفوظ، رسوماته كانت بمثابة عنوان آخر للرواية، تُوازي بمعانيها الحسية والجمالية قيمة العنوان وأهميته في العمل الروائي، وتتناسب تمامًا مع مضمون العمل، لم يكن القارئ يشعر بأي حالٍ من الأحوال وهو يتفحص رسومات الكِتاب وعنوانه كأوّل نقطة تواصل بين القارئ والكِتاب، بأنّها تبدو مقحمة لا تمت بصلة لمحتوى العمل كما هو الشأن اليوم. كان غلاف الكِتاب بعنوانه ورسمه ولونه أحياناً يُحدّد جنس الكِتاب ومحتواه، وبالتالي يُتيح للقارئ حرية اِختيار ما يرغب في قراءته».
صاحب «صوب البحر»، يؤكد في هذا الشأن: «الأمر مختلف تمامًا عندنا في الجزائر للأسف، ليست هناك عناية ولا اِهتمام بتصميم الغلاف قديمًا وحديثًا، لأنّ المؤسسات الثقافية المخول لها إصدار الكِتاب والتسويق له علاوةً على دور النشر، تكاد تنحصر عملية اِنجاز الكِتاب عندها فضلاً عن الغلاف في طرفين رئيسيين: المؤلف والناشر، مع أفضلية واسعة بطبيعة الحال للناشر في إدارة عملية الاِنجاز. ولأنّ أصحاب دور النشر في معظمهم لا علاقة لهم بشؤون الكِتاب إدراكًا وفهمًا لدوره التربوي والتثقيفي، يعتبرون الكِتاب بضاعة ليس إلاّ، يُطرح في السوق ويرضخ شأنه شأن البضائع الأخرى إلى قانون العرض والطلب».
ويُضيف ذات المتحدث بهذا الخصوص: «عدم اِقتناعنا الكامل بفكرة أنّ الكِتاب صناعة قائمة بذاتها تأليفًا، نشراً وتوزيعًا. في اِعتقادي من وراء فشلنا في صناعة كِتاب ناجح شكلاً ومضمونًا، ذلك أنّ الكِتاب عملية تشاركية بالأساس، هو انجاز ثقافي وحضاري وعلمي وفني يتولى إدارته وتسيير شؤونه المالية والفنية فريقٌ متكامل ومتنوع: الكاتب، الناشر، الموزع، الرسام، الخطاط، المُصحح اللغوي، لجنة القراءة، لجنة الإشهار، لجنة التوزيع».
* معاشو قرور
هناك إسقاط عشوائي وتدفق على التصاميم الجاهزة
أمّا الكاتب والكاليغرافي معاشو قرور، فيقول: «الكِتاب الأدبي يُعتبر عصب الخطاب البصري نظراً للتواشجات القائمة بين القصيدة التشكيلية والتحبيرات الورقية. أو بين توصيفات الخطاب السردي الروائي ومجازات الرسوم المصاحبة له. أو بين السينوغرافيا وأداءات المُمثل على الركح. كلّ هذه التجاورات تحملُ بشكلٍ ما نبالة محمولات النص القابعة دومًا في غيابات تفكيرنا. وإزاء عملية سبر لهذا المسار سوف نُحَمِّل القارئ تبعات خفوت الملمح النقدي أو المدرك الجمالي. أو حتّى التسويق الإشهاري لثقافة الكِتاب المقروء».
وأضاف قائلاً في ذات السياق: «إنّ ما يُعرف بالإسقاط العشوائي لثقافة الناشر على الغلاف هو مؤشر سلبي على اِنتهاك الحقوق المجاورة، وتخطٍ ناشز يستفز بالأساس ذائقة المؤلف قبل أُفق اِنتظار المُتلقي. ومِمّا زاد من غلبة هذا التوجه هو تدفق الناشرين على المنجز من التصاميم الجاهزة في (الكاليغرافيا-الزخرفة-اللوغو) والمنبثة في برمجيات (الفوتوشوب). والمُعالجة بالأنفوغرافيا».
وخلص ذات المتحدث إلى أنّ هناك أسماء فنية وتشكيلية مثل محمّد خدة، والطاهر ومان، ومحمّد حنكور، من التجارب الرائدة في رفد الكِتاب الأدبي والإعلاء من مشروعية خطابه البصري وهو ما تسعى التجارب الجزائرية المعاصرة اليوم إلى اِستنفار مؤهلاتها الفنية والأدبية قصد خلق تقليد مرجعي لثقافة الصورة وخطاب العين ينبني على فكرة أنّنا كلما أدركنا الجمال نكون في عصمة من كلّ سوء فنحن حينها في وفاق مع أنفسنا ومع العالم».