صدر للكاتب والناقد الدكتور اليامين بن تومي كتابه الجديد الموسوم «رواية الأزمة وإشكالياتها النظرية.. المصطلحات والمنظورات»، عن دار خيال للنشر والترجمة، ويفتح هذا الكِتاب مجال الاِجتهاد النظري، لإعادة قراءة الـمُحدِّدات المعرفية للنظرية الأدبية، إنّه يُعيد تَفَكُّر لبنات النظرية الأدبية من جهة المفاهيم البانية لها؛ مفهوم الأدب، والواقع، والخيال، والمُحاكاة، ومدى اِختبارها على مستوى ما تطرحه ما تُسمى بـ»رواية الأزمة Roman de crise» وهي رواية تختلف شكلاً وموضوعًا عن ما يُسمى «الرواية الجديدة» في فرنسا، كما يوضح ذلك بن تومي، مشيرا إلى أنها جديدة في تعلقها بمناخ سياسي واجتماعي وثقافي طارئ في الجزائر، وفي بعض الأقطار العربية الآن التي تعاني أزمة سياسية خانقة في بلدانها، يتحدَّدُ أساسا من خلال المرحلة الأمنية/الحرب الأهلية التي أثَّرت كثيراً في الشكل الروائي، حيثُ إنّها لم تكتف بقطع العلاقة مع التقاليد الأدبية السابقة، وإنّما أعادت بناء منتوج أدبي مختلف شكلاً وموضوعاً.
وحسب مؤلف الكتاب، فإنّ ملامح هذه القطيعة الجذرية تكمن في عُمق الكتابة الأدبية في الجزائر، والرفض المطلق لهذا النوع من الكتابة والموقف الحدِّي الّذي تبنَّاه شيخ الروائيين «الطاهر وطار»، حيثُ سمَّاها «رواية اِستعجالية Roman d’urgence» لأنّها لا تراعي الشروط الجمالية لبناء الرواية كما يعرفها الرصيد الجمالي لجيل الطاهر وطار؛ أي أنّ هناك شرخا بين نموذج الكتابة الروائية كما يعرفه جيل الطاهر وطار، ونموذج الكتابة الروائية كما تعين فيما يُسمى «بالرواية الاستعجالية أو رواية الأزمة»، حيثُ يضعنا هذا الشرخ أمام تحوّل عميق في أصول الكتابة الروائية، كما يضعنا أمام اِلتباس مصطلحي حول تسمية هذا النوع من الكتابة، بينما نجد أنّ الأديب «واسيني الأعرج» قد وضع يده على ضبط مصطلحي دقيق في أحد حواراته الصحفية، حينما أشار إلى أنّ هذا النوع من الكتابة يدخل في باب «الشهادة Témoignage» خاصةً أنّ نصه «ذاكرة الماء» الّذي كتبه في عز الأزمة الأمنية يدخل في عُمق هذا الباب.
الكِتاب أشار إلى أنّه من الضروري أن نقف أمام إشكاليتين مهمتين، أوّلاً: الإشكالية النظرية الخالصة التي تُعالج مفهوم الأدب والأدبية، وعدداً من المفاهيم المساوقة لهما؛ الواقع، الخيال، المحاكاة، الشكل الأدبي. وكيف فتح هذا الشكل الروائي الباب واسعًا أمام التفكير في إعادة صياغة هذه المفاهيم، مع إعادة إنتاج تصور نظري يخدم الشكل الأدبي الجديد برمته.
وثانيًا: الإشكالية المصطلحية التي طرحها هذا الشكل الجديد، حيثُ يُراعي الوضع المصطلحي الاِنسجام بين الشكل الروائي وما يضبطه من جهة المصطلح، لذلك حاول مؤلف الكتاب أن يبحث له عن مُسوِّغ مصطلحي كاف يحمل في داخله قدرة تفسيرية مكتملة، خصوصًا وأنّ أدب الأزمة أو الأدب الاِستعجالي لم يعد خِصِّيصة جزائرية؛ بل أصبحت بعض الأقطار العربية تعرف هذا النوع من الأدب لطبيعة الأحداث الأمنية التي تقع في كل من سوريا، والعراق، ومصر والسودان وتونس. إلاّ أنّ الفرق بين الجزائر وبقية البلدان -حسب ما ورد في الكتاب-، هو أنّ التجربة الجزائرية سابقة على تجربة بقية البلدان، ولذلك تمنحها تلك المسافة سلطةً معرفية تُمكنها من قراءة الوضع الأدبي في تلك المرحلة قراءةً موضوعية، تستوعب العلاقة الكلية بين التجربة الأمنية/الزمنية، وتجربة الكتابة الإبداعية. في حين أنّ بقية البلدان العربية ما تزال التجربة الإبداعية فيها في بدايتها لعدم تصفية التجربة الأمنية، وعليه فالتفكير في هذا الشكل الأدبي يعمل على ضبط نظري عام يُمكّننا من فهم التجربة الأدبية، ومن ثَمّ فهم السياق التّاريخي والثقافي الّذي يتحكم في البنية الأدبية برمتها. للإشارة، تمَّ تقسيم الكتاب إلى مجموعة من الفصول يسبقها فصلان نظريان؛ أحدهما يخص النظرية الروائية في الجزائر والتحوّلات السوسيولوجية التي تعرضت لها في مسارها التاريخي، والفصل الثاني يُعالج اللَّبنات المفهومية القائمة في عضد الأدب في شتى مخارجه، وثلاثة فصول تطبيقية على نماذج روائية تستوعب تحوّلات الأزمة؛ حيثُ يقف في أوّل النصوص المُنتقاة نص «ذاكرة الماء» لواسيني الأعرج، ونص «بوح الرجل القادم من الظلام» لإبراهيم سعدي باِعتبارهما -كما جاء في مقدمة الكِتاب- من النصوص التأسيسية التي يتداخل فيها الشّعري/الأدبي بالخطاب المُباشر الّذي يُنبِّهُ لوجود تحوّل على مستوى بنية الرواية الجزائرية، وهي روايات تدرس بعمق المرحلة الأولى من الوضع الأمني الّذي بدأ بقتل المثقفين ونخبة المجتمع. لتتحوّل الأزمة من تكفير الأفراد إلى تكفير المجتمع برمته، وتدخل رواية الأزمة مرحلة ثانية من تسريد السَّواد، خصوصًا نص «سادة المصير» للكاتب سفيان زدادقة، وغيره من النصوص.
وعليه، وحسب ما ورد من مقاربات نقدية في الكِتاب نجد أنّ رواية الأزمة ليست كلاً متكاملاً؛ بل هي أشكال متنوعة ومُتعدّدة نتيجةَ اِختلاف الرؤية والمنظور الّذي ينطلق منه كاتب الرواية، لذلك تفرض علينا هذه الرواية أن نُعيد إنتاج تصوّرات تطمح إلى وضع تفسير نظري يستوعب هذه الظاهرة الأدبية، أي «الرواية الجديدة/رواية الأزمة».
نوّارة لحـرش