الخميس 24 أفريل 2025 الموافق لـ 25 شوال 1446
Accueil Top Pub

سيول تكشف مقبرة جماعية داخل بئر: 12 شهيدا يعودون إلى تبسة بعد 62 عاما

 كانت عودة شهداء بوخضرة بولاية تبسة عام 2019 مستعصية و عسيرة،  وفي أحيان أخرى غير متوقعة ، لكن يقين رفاقهم في السلاح، قد عجل بعودتهم إلى سطح الأحداث، رغم محاولات فرنسا الإستعمارية طمس جريمتها، وتغييبهم بعد تصفيتهم، والرمي بهم في بئر سحيقة ونائية ، وشاءت الأقدار أن تحرك مياه الأمطار، الأتربة التي تغطي إحدى مداخل هذه البئر، فحركت معها القضية مجددا، وقد شجعت الهياكل العظيمة، التي جرفتها مياه الأمطار المواطنين، إلى إعادة طرح مطلبهم مجددا، والقاضي بالحفر والتنقيب في هذا المكان .
ليطرح الملف  على والي تبسة عطالله مولاتي، ثم مركزيا على وزير المجاهدين الطيب زيتوني ، هذا الأخير الذي وافق على إعادة الحفر والتنقيب في هذه  البئر ، استجابة لمكونات الأسرة الثورية ببوخضرة، التي أكدت في أكثر من مناسبة، أن مغارة كاف السنون بها 12 شهيدا، من أبناء المنطقة الذين، اختفوا قبل 5 سنوات قبل الاستقلال وظل مصيرهم مجهولا إلى غاية السنة الماضية.
الأمطار تعرقل عملية الحفر وظهور المقبرة الجماعية بعد أسبوعين
لم تتسرع السلطات الولائية، في تنفيذ قرار وزارة المجاهدين ، حيث استعانت بخبرات الجيش الوطني الشعبي، في تأمين المكان، وتطهيره من الألغام إن وجدت ، كما استعانت بعتاد ضخم، من عدة مؤسسات عمومية، بينها مؤسسة أشغال الطرقات، و الردم التقني ومدير الأشغال العمومية، ومنجم بوخضرة للحديد، للتنقيب على هؤلاء « الذين هم أحياء عند ربهم يرزقون»، كما جندت للعملية  فرقة مكونة من 12 عنصرا، من عناصر الإنقاذ والتسلق، في الأماكن الوعرة تابعة لمديرية الحماية المدنية، وبالموازاة مع ذلك شكل والي تبسة عطالله مولاتي، لجنة مختصة تتكون من ممثلين، عن السلطات المدنية  العسكرية والأمنية والأسرة الثورية ، وتحت إشراف مدير الحماية المدنية، انطلقت عملية الحفر  في 16 جانفي 2019، وذلك بحضور لافت للمواطنين، الذين تفاعلوا مع الحدث، غير أن العملية توقفت لساعات، بسبب سقوط الأمطار ، ثم استؤنفت في هذه المغارة، بحذر شديد خشية أن يكون ملغما، وحفاظا على الهياكل العظمية، وتوجت جهود اليومين الأولين، بالعثور على رفات شهيدين، وبقايا رفات شهيد ثالث، وذلك بعد الحفر بعمق عدة أمتار ، ومع بلوغ 13 مترا ظهرت فتحة جانبية بالبئر ، وظهرت معها باقي الهياكل العظمية تباعا، و استمرت رحلة البحث في هذا البئر أسبوعين، كللت بالعثور على المقبرة الجماعية،  التي حاول الاستعمار الفرنسي طمسها،بعد إعدام الجزائريين، ورميهم بالرصاص داخل هذه المغارة، أين وجدت 24 رفاة لشهداء الثورة منهم امرأة، كما عثر على حافظات لوثائق بعض المعدومين، وألبسة وعملات نقدية، تعود للحقبة الاستعمارية، وهي قرائن حية تدين فرنسا التي تدعي الحرية وحقوق الإنسان.
  العثور على الرفات انتصار لرواية المجاهدين
كان خبر العثور على المقبرة  الجماعية، انتصارا لرواية مجاهدي المنطقة،  الذين أكدوا في مختلف المناسبات، أن مغارة كاف السنون، تضم العديد من رفات الشهداء ، منهم 12  شهيدا من أبناء المنطقة،  المختفين أيام الثورة، وبحسب روايات متطابقة، فإن هذه البئر التي يطلق عليها بئر الشهداء ،استخدمتها فرنسا للتخلص من كل معارضيها والرافضين  لوجودها بولاية تبسة، وذلك بعد استنطاقهم والتحقيق معهم، وبخاصة العاملين بالمنجم، وتوسعت العملية إلى مختلف فئات المجتمع،  وضاعف الاحتلال من إجراءاتها التضييقية ، مع زيادة جيش التحرير لنشاطه بالمنطقة ، بحيث شهدت بوخضرة، عملية فدائية استهدفت، قطار نقل الحديد من المنطقة  نحو عنابة ، أين تم توقيف مجموعة من المجاهدين، واقتيادهم إلى وجهة مجهولة، وتوالت  العمليات  الفدائية ، والرد عليها من طرف الاستعمار، غير أن مصير المختفيين قسرا  ظل مجهولا، إلى غاية عام 1957، حين ألقت القوات الفرنسية القبض، على أحد المجاهدين بالمنطقة، وقامت بالتحقيق معه و استنطاقه، وتحويله فيما بعد إلى البئر ، وبالقرب من حافته، وقبل رميه بالرصاص، رمى بنفسه داخل الجب، ثم استخدم جثت الشهداء كدرع واق، من رصاص الجنود المنسكب، ولم تنته رحلته عند هذا الحد، وهو ما دفعه للبحث عن مخرج ، بعدما كتبت له الحياة ثانية، وتمكن من الخروج من فوهة أخرى لم تكن القوات الفرنسية على علم بها، ثم قام لاحقا بإشاعة خبر هؤلاء الشهداء والمقبرة الجماعية بين الناس.
جيش التحرير يحقق و فرنسا تحاول طمس الحقيقة
شاع خبر وجود مقبرة جماعية بالبئر المشار إليه، وتناقل المواطنون رواية الناجي الوحيد على نطاق واسع، وكان وقع الخبر أكثر إيلاما بالنسبة للعائلات التي تجهل مصير آبائها أو أبنائها المختفين قسرا، ووصلت تلك الأنباء إلى مسامع فرنسا، فتحركت بسرعة لاحتواء الوضع، بعدما توسعت دائرة الرفض لوجودها، ففندت أولا عن طريق دعايتها المضادة، ما يروج عن هذه البئر، وأكدت أن هذه الزوبعة من صنع الفلاقة وجبهة التحرير، وقامت ثانيا بغلق المغارة المؤدية للبئر،
 بواسطة جرافة المنجم حسب الروايات  المتداولة لكبار السن، وفي غمرة هذه الأحداث المتسارعة، دفن مع هؤلاء الشهداء عجلات سيارة «جيب» العسكرية  ، في محاولة منها لطمس أدلة إدانتها، وطي هذه الصفة السوداء من تاريخها، وبالمقابل لم تتخلف جبهة التحرير آنذاك، عن  ركب هذا الحدث المفصلي، إذ سارعت عيونها إلى التحري في هذه القضية، وكلف بالمناسبة قائد المنطقة محمود قنز، أحد المجاهدين  للتأكد من حقيقة ما يتداوله المواطنون من روايات، وأخبار عن هذه البئر التي كانت، موجودة في منطقة نائية ومحروسة،  لا يمكن للجزائريين التقرب منها، ورغم المخاطر تمكن مبعوث محمود قنز من الولوج إلى البئر ، أين عثر بمغارته على عدد من الجثث، وتمكن من التعرف على بعض أصحابها، وخاصة من أولئك القاطنين بمنطقة بوخضرة، ولكن تعدادهم بالبئر فاق عدد المختفين قسرا  بالجهة، وهو ما يؤكد أنه تم جلبهم من مناطق أخرى، وتصفيتهم بنفس الطريقة ورميهم في تلك المبقرة الجماعية.
 أما مواطنو الجهة فقد فضل بعضهم التريث، والتمسك بالأرض وتقديم العون لثورة التحرير الكبرى، بينما فكر آخرون في الهجرة والفرار من بطش فرنسا، خشية أن تطالهم التصفيات الجسدية، مثلما طالت أقرباءهم ببوخضرة، ولكن مخطط هروب بعضهم لم ينجح، بحيث حاولت فرنسا تلميع صورتها، بالترغيب تارة وبالترهيب تارة أخرى، وبالقفز على هذه الحقيقة طورا آخر، متناسية أن جريمتها لا تموت بالتقادم، ولا يمكن مسحها من ذاكرة الأيام، أما جيش التحرير الوطني، فقد أمر أذرعه المنتشرة بالمنطقة، إلى تكثيف هجماتهم ضد الاستعمار و أذنابه، وذلك عبر حرب العصابات والعمليات الفدائية، وكان من بين  البدائل المطروحة، عرقلة مسيرة القطار الناقل لمادة الحديد الخام من بوخضرة نحو عنابة، فضلا عن مهاجمة أهداف عسكرية فرنسية بحتة.
11 شهيدا يحوزون على شهادة الاعتراف
مع نهاية شهر جانفي 2019، أعلن عن نهاية عملية الحفر في هذه البئر، حيث تم تجميع الهياكل العظمية، لـ 24 شهيدا من شهداء الثورة التحريرية، وتم نقلها إلى مقر الوحدة الرئيسة للحماية المدنية بتبسة، أين وضعت منفردة في قاعة كبرى، وقد كانت محل زيارات للعديد من المواطنين و المسؤولين، ومنهم السلطات الولائية ومكونات الأسرة الثورية، حيث تمت تلاوة الفاتحة على أرواحهم الطاهرة في خشوع، وبإشراف من مدير المجاهدين الطيب زيتوني، وبحضور والي تبسة  ، والسلطات المدنية والعسكرية والأمنية، ووري الشهداء الثرى بمقبرة الشهداء ببلدية بوخضرة، وذلك في الـ 04 أفريل 2019، بمناسبة إحياء ذكرى معركة حرق سوق مدينة تبسة من طرف القوات الفرنسية عام 1956، وكانت عملية إعادة دفنهم  حدثا بالولاية وخاصة لساكني بلدية بوخضرة، ولأقارب الشهداء و السكان، الذين اعتبروا عودة أبنائهم الحدث الأكبر، الذي غطى على كل الأحداث خلال عام 2019، وقد خصص لهؤلاء الشهداء، مربع  خاص بمقبرة الشهداء.
تجدر الإشارة إلى أنه تم التعرف على هوية 12 شهيدا من هؤلاء الشهداء، وتبين  أن 11 منهم، يحوزون على شهادة الاعتراف الصادرة عن وزارة المجاهدين، وأكد مدير المجاهدين فوزي مصمودي للنصر بأنه تم العثور على 24 رفات طاهرة ممن ألقي في البئر، انطلاقا من شهادات بعض المجاهدين، وخاصة الناجي الوحيد من المجزرة، إذ كانت معلوماته دقيقة ومتماشية، مع ما عثر عليه داخل المغارة فيما بعد الحفر، بما في ذلك وجود المرأة الوحيدة وباقي الجثث والقرائن الأخرى، وتم التعرف على هوية 12 منهم، بينما الـ 12 شهيدا الأخرى ظلت هوياتهم مجهولة، ورجح محدثنا أن يكون قد تم اقتيادهم من مناطق  وولايات مجاورة  وتصفيتهم لاحقا ببئر بوخضرة.                   الجموعي ساكر

لغز  مئة بندقية  مدفونة تحت الأرض بالشريعة
      كانت إحدى المقاولات المكلفة بالحفر، لإنجاز شبكتي المياه والتطهير بالشريعة، على موعد مع التاريخ، ففي 24 أوت2019، كشفت حفرياتها عن وجود أكثر من 100 بندقية، مدفونة في تجاويف تحت الأرض، يرتبط وجودها بالثورة التحريرية، إلا أن هذه الأسلحة ودفنها في هذا المكان، ظلت بلا إجابة لحد الساعة.
مع نهاية شهر أوت 2019، تداولت العديد الوسائط الإجتماعية والصحافة الإلكترونية، خبر العثور على مخبأ للأسلحة والذخيرة بالشريعة، وهو المخبأ الذي ضم العشرات من البنادق، كانت مدفونة بإحكام في تجاويف تحت الأرض، غير بعيدة عن ثانوية النعمان بن بشير بوسط المدينة، وقد سارعت يومها المقاولة المعنية، بإنجاز مشروع شبكة المياه والتطهير، إلى توقيف نشاطها وتبليغ الجهات المعنية، وبالموازاة مع ذلك، تنقل وفد مكون من رئيس البلدية، وممثلين عن الأسرة الثورية، والدرك والشرطة والحماية المدنية، إلى عين المكان، وذلك لمعاينة هذه البنادق، واتخاذ القرارات والإجراءات المناسبة لتحديد وجهة هذه الأسلحة، كما تنقل وفد من مديرية المجاهدين، إلى مدينة الشريعة لتحديد عمر البنادق والذخيرة، وإذا ما كانت مرتبطة بالثورة التحريرية، مع تدارس إمكانية نقلها لاحقا، إلى متحف المجاهد محمود قنز بتبسة .
منطقة لا يدخلها سوى الجنود والحركى
عاد أمين قسمة المجاهدين بالشريعة لعروسي بوطالب، إلى ما قبل الثورة التحريرية وأثناءها وبعدها، معرجا على الموقع الذي عثر فيه على تلك البنادق، أين أشار إلى أنه كان ملكا لأحد الخواص، ثم حولته السلطات الإستعمارية، إلى ثكنة عسكرية محاطة بالأسلاك الشائكة، مضيفا بأن هذه المنطقة ظلت ممنوعة على الجزائريين، ولا يدخلها إلا الجنود و الحركى، واستبعد محدثنا أن تكون هذه البنادق فرنسية، على اعتبار أن السلطات الفرنسية، كانت ترقم كل أسلحتها، ولا يمكن أن ترمي بهذا الكم الهائل تحت الأرض، وربما قد يتسبب ذلك في وصولها إلى المجاهدين، مرجحا جمعها وتخزينها من طرف مجاهدي المنطقة، قبل تحويل الموقع إلى ثكنة، وبتثبيت الأسلاك وتحولها تحت سلطة الاحتلال، أعدمت الجهود لإخراجها مجددا لدعم ثوار الجبهة، فظلت في ذلك المكان عقودا من الزمن، إلى أن طالها الصدأ و النسيان، كما استدل لعروسي بوطالب بنوعية الأسلحة، التي هي في الغالب بنادق مدنية وليست عسكرية، إذ عثر على 102 بندقية، أغلبها بنادق عادية، والقليل الآخر من أسلحة ماط 49 والكولط، في الوقت الذي شدد على أن الأسلحة المكتشفة بهذا المكان، من الأسلحة التي كان يستعملها زملاؤه المجاهدون في معركة التحرير، مبديا تأكيده بأن منطقة الشريعة عانت كثيرا سنوات معركة التحرير، مشيرا إلى أنه غير بعيد عن هذا المكان، عثر في بداية الألفية الحالية، على مقبرة جماعية بها 652 شهيدا وشهيدة، نكلت بهم فرنسا وتمت تصفيتهم، في مساحة صغيرة وبمقر البلدية القديم، وقامت بإخفاء جريمتها، بعد ردمهم في الأرض، وتحويل المكان إلى مساحة خضراء وأشجار، غير أن عملية حفر لمد شبكة المياه، عجلت بإعادة قضيتهم مجددا إلى سطح الأحداث، حيث تم إخراج رفاتهم، ودفن هؤلاء بمقبرة الشهداء، كما تطرق إلى ما يسمونه في الشريعة بالحمام، وهو مكان لا يبعد عن المكان السابق سوى بعشرات الأمتار، تفننت فرنسا ومن يسير في فلكها، في التنكيل والتعذيب بالجزائريين، ويطلق عليه آخرون تركة الرعب، بحيث شيد في بداية الأمر كجامع لإقامة الصلاة، ثم حول إلى حمام للمبيت، وتحت رعاية وتغطية القوات الفرنسية بالجهة، حول أيام الثورة التحريرية، إلى مقر للتعذيب والتنكيل والقتل،  بقيادة المجرم ميسوني فرناند، ولا زالت بعض الشواهد قائمة إلى اليوم بهذا الشاهد التاريخي، فعذب البعض بأداة المقصلة، وعذب آخرون بأداة الكرسي المربوط بالأرض، ولم يسلم البعض الآخر، من وسائل تعذيب أخرى، على غرار أداة كسر الأصابع، وتثبيت أكف الأيادي بالمسامير، على اللوحة الخشبية الملتصقة بالجدار، وقد كانت كل هذه الأدوات، تستعمل في تعذيب الجزائريين والتنكيل بهم في هذا المكان، الذي يعد شاهد إثبات على جرائم فرنسا الإستدمارية، آملا في الوقت نفسه من السلطات صيانة هذا الموقع، والحفاظ عليه على اعتبار  أنه من المآثر التاريخية لثورة أول نوفمبر 1954 بالمنطقة.
الجموعي ساكر

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com