يتعايش عشاق ومتتبعو كرة القدم مع حالة الكآبة والملل التي فرضها الحجر المنزلي الصحي بسبب تفشي فيروس كورونا في العالم، وما خلفه توقف عجلة مباريات كرة القدم عن الدوران منذ أكثر من شهر، حيث لجأ عشاق الساحرة المستديرة إلى ابتكار طرقا لتعويض هذا الفراغ «القاتل» الناجم عن «كسوف» الرياضة الأكثر شعبية في العالم، من خلال إعادة متابعة مباريات مسجلة سواء على جهاز التلفزيون أو عبر مختلف الأجهزة الالكترونية المدعمة بخدمة اليوتيوب، رغم أن ذلك لا يفي بالغرض، حسب مدمنو الجلد المنفوخ.
حاتم بن كحول
تحضيرات وطقوس جدية لمواعيد مسجلة !
استرجع الكثير من الرياضيين والمهووسين بالكرة، أجواء المباريات الشهيرة للمنتخب الوطني، التي يعاد بثها عبر قناة التلفزيون العمومي، وتحول توقيت الساعة السادسة والنصف من كل مساء، بمثابة الموعد الحاسم لمتتبعي كرة القدم، ويتم التحضير له وكأن الموعد يخص لقاء مباشرا وليس مسجلا، حيث يتجمع الناس قبيل الموعد بدقائق في شكل مجموعات، ويتبادلون الحديث عن اللقاء ويسترجعون بعض الذكريات، التي تزيد من شغفهم في متابعة المباراة.
وأكد بعض عشاق كرة القدم، أنهم يتصرفون دون وعي كأن الموعد حاسما ونتيجته محددة ومسببة للتوتر، حيث يقومون باستحضار طقوس وتقليد ذات السلوك الذي سبق الموعد المعني في حينه، باقتناء بعض المكسرات والفواكه والمشروبات التي يتناولونها عند مشاهدة اللقاء، فيما يقتني آخرون علب السجائر من أجل تخفيف ضغط المباراة، رغم علمهم بنتيجتها مسبقا بحكم أنها مسجلة، ولم يكتف محبو الساحرة المستديرة بهذه الأجواء، بل يكون التفاعل مع مجريات المباراة كبيرا، من خلال الصراخ تارة والتصفيق تارة أخرى.
تفاعل مع الأهداف والفرحة المقلدة لا تختلف عن الأصلية
أكد العديد ممن أعادوا مشاهدة تصفيات مونديال جنوب إفريقيا 2010 أنهم عاشوا أوقات عصيبة شبيهة لتلك المعاشة قبل عقد من الزمن، بعد إعادة بث تلك المباريات وخاصة أمام المنتخب المصري في ملعب تشاكر والأهازيج والصراخ، الذي انبعث من مختلف المنازل خاصة وأنها تزامنت مع فترة الحجر الجزئي، حيث كسرت تلك الصرخات الهدوء المخيم على مختلف الأحياء، ليتواصل التفاعل مع بقية المباريات على غرار مباراتي زامبيا ولقاء إياب أمام رواندا، أين تعالت الأصوات احتفالا بهدف زياني في الدقيقة الأخيرة من ضربة جزاء.
كما عايش نفس الأجواء، مناصرو بعض الأندية الجزائرية تفاعلا مع مباريات أنديتهم على غرار مشجعي مولودية وشباب قسنطينة بعد إعادة بث ديربي سنة 2008، وكذا أنصار وفاق سطيف وشبيبة القبائل الذين تفاعلوا مع انجازات أنديتهم القارية، كما يعيد بعض الرياضيين أبرز مباريات المنتخب الوطني، على غرار ملحمة أم درمان ولقاء كوت ديفوار وبوركينافاسو ومباريات المونديال.
الجيل الحالي يكتشف أساطير الخضر
كشف محبو الرياضة الأكثر شعبية في العالم، أنهم بفضل تلك المباريات المسجلة يكسرون روتين الحديث عن عدد الإصابات والوفيات جراء الوباء، موضحين أن وقع الفيروس جاء أكبر بعد توقف نشاط كرة القدم، كما تساءل البعض عن إمكانية استئناف الدوريات الأوروبية من دون جمهور، فيما تحسر آخرون عن تأجيل رسمي لبعض المنافسات على غرار «يورو 2020»، وبخصوص المباريات المعادة فقد أكد بعض الشباب أنها كانت فرصة للوقوف على مستوى بعض الأساطير الذين سمعوا عنهم من أبائهم وأجدادهم، على غرار عصاد وقندوز وماجر وبلومي وفرقاني وقاسي السعيد.
وقال صابر موظف بمديرية المالية في قسنطينة، ومشجع لفريق شباب قسنطينة، أنه يعوض توقف المنافسة، في مشاهدة مباريات قديمة على هاتفه الذكي، تخص أنديته المفضلة وهي برشلونة وجوفنتوس وأجمل لقطات رياض محرز، إضافة إلى أفضل مباريات الخضر الخاصة بكأس أمم إفريقيا الأخيرة، كما يلجأ لسماع أبرز المقاطع التي تتغنى بانجازات المنتخب الوطني، لتخطي الضغط النفسي الذي يعيشه جراء الجائحة،.
أدمن على مشاهدة المباريات القديمة الخاصة بفريقي ريال مدريد في حقبة بويو شاندو وكماتشو وسانشيس وقورديو وبوتراغوينو وميشال فالدنو وغيرهم، وفريقي المفضل مولودية قسنطينة وجيله الذهبي كروكرو وفندي وقموح، هي العبارات التي بدأ بها الكهل مصطفى كلامه، وهو تقني سامي ومسؤول بقطاع بناء، مضيفا أنه يروح عن نفسه عن مشاهدة بعض المباريات على القناة الأرضية، بتعليق بن يوسف وعدية والحبيب بن علي، فيما أكد المنتخب ومندوب الفرع البلدي بعلي منجلي نور الدين، أنه يعوض توقف منافسة كرة القدم بإعادة مشاهدة مباريات مسجلة، تخص فريقي ريال مدريد ومولودية قسنطينة.
كورونا صادر أفيون الشباب
قال الشاب طارق صحفي موقع الفيفا والقاطن بولاية البليدة، أن وباء كورونا تسبب في مرور العالم على مرحلة صعبة، مع تضرر عشاق الكرة المستديرة، لتعودهم على متابعة مختلف الدوريات في العالم وخاصة دوري أبطال أوروبا وأفريقيا، وقال إنه على غرار بقية المواطنين يقبع بمنزله، ويحاول البقاء على تواصل مع كرة القدم من خلال مشاهدة مباريات سابقة لكأس العالم، التي تبث كل نهاية أسبوع على قناة الفيفا بموقع اليوتيوب، فضلا عن المباريات التاريخية التي تبث على التلفزيون العمومي، مختتما حديثه أن ذلك لا يعوض حلاوة المباريات المباشرة سواء بحضورها أو عبر شاشة التلفاز.
فيما أكد صالح صحفي بقناة الهداف، أن كرة القدم أفيون الشعوب، والمتنفس الذي يلجأ إليه الشباب الجزائري خاصة، لنسيان تعب ومشاق الحياة اليومية، وغياب الساحرة المستديرة عن المشهد العام بسبب جائحة «كورورنا» خلف فراغا رهيبا، وأربك حسابات الجميع، «وحساباتي أنا أيضا كمحب وعاشق لفريق مولودية قسنطينة محليا وبرشلونة أوروبيا، ولكن لنقلها صراحة أن الصحة العامة أهم شيء في هذا الظرف الصعب والحساس الذي يمر به البلد، ونسأل الله أن يرفع عنا هذا البلاء، ويحفظ الجزائر وشعبها الأبي من كل مكروه».
بدوره حمزة صاحب الـ41 سنة وهو مصور بالتلفزيون العمومي، قال إنه يشعر باختناق بسبب اشتياقه لمشاهدة مباريات فرقه المفضلة والتي حددها بأندية ميلان وبرشلونة ومولودية قسنطينة والمنتخب الوطني، موضحا أنه حاليا يعيد المباريات التي تخص الأندية المذكورة، كما أوضح رفيق عون حماية مدنية بولاية ميلة، أنه يشتاق كثيرا لمباريات كرة القدم، مضيفا أنه كان يتوقع أن يمتد التوقف لأيام فقط ليفاجأ بتمديده لأسابيع، ما جعله يدخل في روتين يومي بعيدا عن كرة القدم، وعليه تحول لمتابعة مباريات الخضر المسجلة وكذا فريقه المفضل ريال مدريد، فيما أكد اشتياقه لأجواء ملعب شلغوم العيد، بحكم أنه مشجع لفريق الهلال.
شوقي صاحب الـ33 سنة بيولوجي في الصحة العمومية، أكد أنه أصبح عصبيا في الفترة الحالية، بل وصف نفسه بالمجنون نظرا لتصرفاته النابعة من اشتياقه لأفيون الشعوب، حيث أكد أنه أصبح يدمن طيلة اليوم على مشاهدة مباريات بايرن ميونيخ ومولودية قسنطينة وتبادل صور أنصار الموك من على المدرجات مع بقية أصدقائه، موضحا أنه يتمنى عودة المباريات ولو من دون جمهور.
وقال سفيان صحاب محل لبيع المواد الغذائية، أنه تعود على التوجه مباشرة من محله إلى منزله العائلي في حدود الساعة الثالثة بعد الزوال، وهو في حالة من البهجة قبل مشاهدة مباريات كرة القدم، ولكنه حاليا أصبح يواصل عمله لفترة إضافية بسب شعوره بالملل عند تواجده ببيته، موضحا أنه كان مدمنا على مشاهدة مباريات أقوى البطولات الأوروبية وخاصة ناديه المفضل ريال مدريد، ليجد نفسه في مشاهدة مقابلات مسجلة حاليا، مضيفا أن الأيام الحالية تعتبر مملة جدا له.
مباريات الخضر والديربيات الأكثر مشاهدة
أدم موظف في بنك عمومي، كشف أنه يشاهد المباريات المعادة للمنتخب الوطني بمنافسات كأس إفريقيا وتصفيات كأس العالم ومباريات المونديال ومقتطفات وأجمل اللقطات للاعبين المحترفين في الدوريات الأوروبية، على غرار محرز وبراهيمي وسليماني، بالإضافة إلى ملخصات أجمل المقابلات في دوري أبطال أوروبا بالأخص ريال مدريد ، دون أن ننسى بعض الداربيات وأبرز مباريات فريقه المفضل مولودية قسنطينة.
ووصف خليل عامل يومي في مجال البناء، الأيام الحالية بالمملة، موضحا أنه اشتاق كثيرا لمشاهدة مباريات فريقه المفضل أوروبيا ريال مدريد، وكذا التنقل إلى ملعب بن عبد المالك لحضور مباريات مولودية قسنطينة، موضحا أنه يعوض ذلك، بمتابعة مباريات مسجلة لفريقيه المفضلين.
وقال رفيق صحفي بوكالة الأنباء الجزائرية بولاية خنشلة، أنه موازاة وانتشار فيروس كورونا المستجد -كوفيد 19- وتعليق نشاط الدوري الوطني وكذا الدوريات الأوروبية لكرة القدم، فقد اضطر كواحد من عشاق المستديرة ومن المداومين على التنقل إلى مدرجات الملاعب والاستمتاع بمشاهدة مباريات مختلف البطولات سيما الاسبانية، الفرنسية والانجليزية، إلى إعادة مشاهدة مباريات سابقة للمنتخب الوطني على «اليوتيوب» سيما مواجهة المنتخب الايفواري في نهائيات كأس إفريقيا 2010 ونهائي كان 2019، وكذا مواجهات كلاسيكو العالم بين فريقه المحبب برشلونة ونظيره ريال مدريد، وأضاف أنه محليا يعيد مشاهدة مباريات فريقه شباب قسنطينة على غرار لقاء مازيمبي في رابطة أبطال إفريقيا، والديربيات الساخنة بين الجارين الشباب والمولودية، على غرار آخر ديربي نقل على القناة العمومية برسم الموسم الكروي 2008 - 2009، موضحا أنه استمتع وتفاعل مع هدفي سامي زقرور في شباك الحارس بابوش.
وقال الشاب برهان، إنه يعوض تعليق مختلف البطولات الأوروبية والمحلية، بالقيام ببعض التحديات المقدمة على مواقع التواصل الاجتماعي، من طرف صحفيي الكرة المحلية والعالمية، بالإضافة إلى إعادة بعض مقابلات ناديه المفضل مانشستر يونايتد ومتابعة آخر مستجداته، كما هو الحال مع فريقه المحلي مولودية قسنطينة، مضيفا أنه يقضي الوقت في استعادة بعض الذكريات والصور القديمة للتنقلات، ومحاولة الاطلاع عن تاريخ النادي.
حسام الشاب البالغ من العمر 35 سنة صاحب محل لبيع أجهزة الحاسوب، أكد أنه أصبح عصبيا ودخل في نوبات قلق بعد تجميد نشاط كرة القدم، ما جعله يشتاق كثيرا لملعب حملاوي وحضور مباريات فريقه شباب قسنطينة، أو متابعة لقاءات ناديه المفضل جوفنتوس على شاشة التلفاز، وأوضح أنه يعيد أبرز مباريات فريقيه المفضلين في الفترة الحالية.
حلاوة المباريات المباشرة لا تعوضها المسجلة
تقي الدين صحفي، أوضح أنه وعلى غرار شريحة كبيرة من الشعب الجزائري مدمن على رياضة كرة القدم، مضيفا أنه كان يقضي أغلب يومياته في متابعة المباريات، وخاصة تلك المتعلقة بالدوريات الأوروبية الكبيرة، ولكنه اصطدم على حد تعبيره بغياب الجلد المنفوح عن شاشة التلفاز، مؤكدا أنه وجد في هذه الفترة فرصة الاهتمام بأمور أخرى، منها المطالعة ومحاولة تعلم اللغات أو الانشغال بأمور السياسة وما تمر به البلاد حاليا، وختم كلامه بأنه يعيد بين الحين والآخر بعض مباريات الموك وريال مدريد فريقيه المفضلين.
أما بلال الموظف في شركة الاتصالات الخاصة «أوريدو» بقسنطينة، أكد أن توقف عجلة مباريات كرة القدم عن الدوران تركت فيه وفي عشاق الساحرة المستديرة فراغا رهيبا، موضحا أنه لم يتمكن من ملئه رغم أنه أصبح يقضي الوقت في لعب ألعاب الفيديو ومشاهدة الأفلام الوثائقية، ورغم لم يتمكن من تعويض متابعة مباريات فريقه المفضل محليا شباب قسنطينة ونادي مانشستر يونايتد أوروبيا.