- كوادر - الخضر يتربصون للمونديال بملاعب قطر
أضحت الدوريات الخليجية، وجهة مفضلة للاعبين الجزائريين في الفترة الأخيرة، سواء القادمين من البطولة المحلية أو حتى ممن تكونوا في مدارس أوروبية وفرنسية على وجه التحديد، على غرار الصفقة الأخيرة لمهدي عبيد، المنتقل في سن الزهور من نادي نانت الفرنسي، صوب نادي النصر الإماراتي.
وعكس السنوات الفارطة، التي كان فيها عدد اللاعبين الجزائريين في الدوريات الخليجية يعد على أصابع اليد الواحدة ، تغيّرت المعطيات في الفترة الأخيرة، حيث ارتفع العدد بشكل كبير وملحوظ، بعد أن تمكنت الفرق القطرية والسعودية والإماراتية بنسبة أقل، من استقطاب أبرز نجوم الخضر، بفضل الرواتب المرتفعة المقدمة لهم، والتي تمثل أضعاف ما يتلقونه في الجزائر وتفوق بالمقابل حتى التي تقترحها الفرق الأوروبية، فضلا عن الظروف المميزة التي توفرها لهم، والتي تضاهي أو تفوق ما كانوا يحظون به في القارة العجوز، كما أن اختيار الفيفا دولة قطر ومن خلفها الخليج العربي لتنظيم مونديال 2022، قد تكون من بين أسباب هذه «الهجرة»، خاصة وأن عدد من اللاعبين صرحوا في وقت سابق، أن التحول لدوري دولة تتحضر لاحتضان المحفل العالمي يعتبر عامل بالغ الأهمية في الخيار.
والمتتبع لإستراتيجية الفرق الخليجية وأسلوب عملها مؤخرا، يجد بأن مسؤوليها، أضحوا يضعون اللاعب الجزائري ضمن أبرز خياراتهم، متفوقا على نظرائه من تونس والمغرب ومصر، لعديد الأسباب، أبرزها التتويج بنهائيات كأس أمم إفريقيا 2019، خاصة وأن تعداد الخضر كان يضم في صفوفه في دورة مصر، عديد العناصر الناشطة في بطولات خليجية، وفي مقدمتهم قلب الأسد جمال بلعمري الذي صنع الحدث بعدها، بالانتقال من نادي الشباب السعودي إلى متصدر «الليغ 1» نادي ليون.
وأخذ الدوري القطري حصة الأسد من تنقلات اللاعبين الجزائريين، حيث لم يقتصر الأمر على الأسماء المحلية، التي ودعت ولو مؤقتا البطولة الوطنية، بل تعدى الأمر إلى لاعبين محترفين، فضلوا «ترك» دوريات أوروبية، من أجل أموال ومزايا دوريات الخليج العربي، على غرار النجم الأسبق لنادي بورتو البرتغالي ياسين براهيمي، الذي كان مطلوبا في عدة أندية عريقة في القارة العجوز، على غرار روما وميلان الإيطاليين ومرسيليا وموناكو الفرنسيين وإيفرتون وأرسنال الإنجليزيين، إلا أنه انتقل في آخر المطاف إلى نادي الريان القطري، في صفقة تحدثت عنها وسائل الإعلام العالمية بإسهاب، معرجة للدوافع والأسباب التي دفعت ببراهيمي لهذا الاختيار.
ويبدو أن الاستقطاب الذي يشهده الدوري الخليجي للاعبين الجزائريين، خاصة الدوليين منهم، له عدة أسباب ودوافع مختلفة، سواء كانت رياضية أو مادية أو عائلية وحتى ثقافية.
وأكد بعض المتابعون أن تحوّل الجزائري نحو الخليج العربي، طبيعي ويخدم كافة الأطراف، اللاعبين والدوريات على حد سواء، فيما أجمع اللاعبون ممن اختاروا الخليج، أن قراراهم ليس مجازفة بمشوارهم، وإنما تجربة تستحق أن تُعاش، نظرا للمستوى الذي بلغه الدوري القطري، الذي لا ينقصه شيئا سوى قلة الجماهير، ولئن كانت جائحة كورونا، قد جعلت الأخير يشهد حضور الأنصار في ظل توفر الإمكانيات الخاصة، بإجراء تحاليل الكشف عن الفيروس اللعين، على عكس الدوريات الأوربية، التي تتجه لإنهاء الموسم بمدرجات شاغرة.
وصنعت بعض صفقات الجزائريين صوب الدوريات الخليجية الحدث، على غرار الانتقال الأخير لمهدي عبيد صوب النصر الإماراتي، في قرار فاجأ الجميع، خاصة وأن الأخير في سن الزهور، ليعيد بذلك سيناريو ما فعله إسحاق بلفوضيل هداف هوفنهايم الألماني قبل سنوات، عندما غادر «الكالتشيو» الإيطالي، وتوجه لنادي بني ياس الإماراتي، وكان الدولي السابق نذير بلحاج أول من كسر «طابو» التخلي عن إغراءات الأضواء والشهرة في أوروبا، وتفضيل الخليج، عندما قرر صيف 2010، عقب مونديال جنوب إفريقيا مغادرة «البريميرليغ» ونادي بورتسموث، والانضمام إلى نادي السد القطري، في صفقة أثارت وقتها الكثير من اللغط، خاصة وأن الأخير كان محل اهتمام نوادي عريقة.
الوجهة كانت «طابو» في عهد حليلوزيتش
بالعودة إلى الدوريات الخليجية، التي لطالما شهدت تواجد الجزائريين بداية من بلومي وماجر وصايب، مرورا بعنتر يحي وبوقرة ومسلوب وصولا إلى بونجاح وبلايلي وبراهيمي، نجد بأنها كانت الوجهة المفضلة للاعبينا الدوليين، ولكن بعد تقدمهم في السن، مخافة خسارة مكانتهم مع المنتخب الوطني، خاصة في عهد الناخب وحيد حليلوزيتش، الذي كان يحذر دوما من تحول الخضر إلى «منتخب خليجي»، على اعتبار أن ذلك قد ينعكس بالسلب على مستوى التشكيلة الوطنية.
واستبعد حليلوزيتش خلال فترة إشرافه على المنتخب الوطني، عديد الأسماء من حساباته، على غرار القائد مجيد بوقرة، الذي لم يهضم انتقاله من نادي غلاسكو رينجرز الاسكتلندي، صوب لخويا القطري، إلى درجة أنه لم يدرج اسمه ضمن قائمة العناصر المعنية ب"كان" جنوب إفريقيا 2013، (برر وقتها الموقف بعودة الماجيك من إصابة).
وتلقى في ذات الفترة، لاعبو الخضر إغراءات بالجملة من فرق خليجية، غير أن الخوف من ردة فعل حليلوزيتش، أجبرت البعض على الاعتذار، فيما أخر البعض الآخر تحوله صوب الدوريات الخليجية، إلى ما بعد الاعتزال الدولي.
رؤية بلماضي للدوريات الخليجية رفعت الحرج
عكس التقني البوسني صاحب النظرة السلبية للدوريات الخليجية لاعتبارات خاصة به، رفع الناخب الحالي جمال بلماضي كافة الحرج عن لاعبينا الدوليين، الراغبين في خوض تجارب في الشرق الأوسط، بسبب رؤيته الايجابية لبطولات قطر والسعودية والإماراتية، والدليل اعتماده خلال بطولة كأس أمم إفريقيا 2019 بمصر، على مهاجم السد القطري بغداد بونجاح ومدافع الشباب السعودي جمال بلعمري ضمن التشكيلة الأساسية على مدار البطولة ككل، مفضلا إياهما على أسماء ناشطة في أندية أوروبية، مثل أندي ديلور وإسلام سليماني ومهدي تاهرات، الذي كان ينشط قبل «الكان» في نادي لانس الفرنسي.
ويبدو أن استقرار الناخب الوطني في دولة قطر منذ سنوات، وخوضه لتجارب ناجحة هناك كلاعب ومدرب، قد ساهم في تغيير نظرته للبطولات الخليجية، فهو يرى بأن هؤلاء اللاعبين الجزائريين الناشطين في قطر، وغيرهم من إفريقيا وأوروبا قد رفعوا جودة الدوري، الذي أصبح واحدا من أفضل البطولات العربية، والدليل أنه أصبح يستقطب لاعبين مميزين، وبات يلعب فيه نجوم عالميين كثر، فالدوري الذي يلعب فيه نجم أرسنال والمنتخب الإسباني الأسبق كازولا وغابي القائد السابق للأتلتيكو وقبلهم تشافي نجم برشلونة وراوول وباتيستوتا، ليس أي دوري.
وتحظى العناصر الناشطة في الخليج بمتابعة واهتمام الناخب الحالي، حيث توجه لها الدعوة باستمرار إلى معسكرات المنتخب الوطني، إلى درجة أن قائمته المتوجة بالتاج القاري، ضمت ثمان عناصر كاملة منها أربعة تعتبر أساسية، ويتعلق الأمر بمبولحي ودوخة وبلعمري وقديورة وبونجاح وبراهيمي وبلايلي وتاهرت.
علما، وأن تربص مباراتي زيمبابوي شهر أكتوبر الماضي، شهد حضور عدة أسماء ناشطة في قطر والسعودية، وحتى القائمة الموسعة ضمت عناصر تلعب في بطولات الخليج، على غرار مهاجم الوكرة القطري بن يطو وحارس الحزم السعودي عسلة، وكذا حامي عرين ضمك السعودي زغبة، مما يؤكد بأن بلماضي لا يهتم سوى بما يقدمه اللاعب فوق الميدان، دون النظر للفريق الذي ينتمي إليه، وهو ما لمّح له بغداد بونجاح في آخر حوار أجراه مع جريدة العربي الجديد.
رواتب مرتفعة وللدين دور !
إن كانت الدوريات الخليجية، قد شهدت قفزة نوعية بفضل الإمكانيات الضخمة، التي وفرتها الفرق للاعبيها، إلا أن الأسباب الرئيسية في اختيار قطر والسعودية والإمارات، ستظل مادية بالدرجة الأولى، خاصة وأن هذه النوادي «الفاحشة الثراء» توفر رواتب خيالية، هي أضعاف ما يتلقاه اللاعب في أوروبا، كما أن الاستقرار وتوفير الظروف المميزة يعتبر دافعا آخر لقبول تجارب الشرق الأوسط، وهو ما أكده عديد لاعبين الجزائريين، على غرار نجم الريان براهيمي، الذي أوضح بأن الدين كان عاملا بارزا في تفضيله لقطر، سيما وأنه في الثلاثين من عمره، ولم يتبق أمامه الكثير في الميادين، وسار سفيان هني لاعب الغرافة في نفس اتجاه مواطنه، أين أكد بأن الدوري القطري يمتاز بالجودة على عكس كل ما يقال، واختياره اللعب للغرافة لم يكن لأسباب مالية، بل بحثا عن بعث مشواره، والاقتراب من الناخب الوطني، بعد تجربة وصفها بغير الناجحة في الدوري الروسي.
وحتى مع وصول بلماضي، ومنحه الفرصة للاعبي البطولات الخليجية للتنافس مع المحترفين، زاد من قناعة الكثيرين في تغيير وجهة الاحتراف، كما أن عامل الدين يلعب أحيانا دوره، حيث إن الاقتراب من أفضل بقاع الأرض، زاد من النقاط الإيجابية للدوري السعودي الذي لعب له موسى صايب وعبد المالك زياية وعنتر يحيى وعادل معيزة والحاج بوقش وآخرون.
13 دوليا اختاروا الشرق الأوسط والأفضل في قطر
يعد اللاعب الجزائري في الوقت الحالي الأكثر طلبا ورواجا في السوق الخليجية لعديد الأسباب، أهمها القيمة الفنية الكبيرة التي يتمتع بها، فضلا عن قيمته التسويقية المعقولة، مقارنة بنجوم أوروبية أو لاتينية، ويتفوق الجزائريون من حيث العدد على نظرائهم من شمال إفريقيا، حيث نمتلك 13 لاعبا دوليا في دوريات الشرق الأوسط، موزعين بين 6 عناصر في قطر ونفس العدد في السعودية، مقابل لاعب واحد في الإمارات (مهدي عبيد)، على عكس اللاعبين التونسيين الذين يقتصر عددهم على ثلاثة أسماء، ويتعلق الأمر بنعيم السليتي الناشط في نادي الاتفاق السعودي وسعد بقير المحترف مع نادي أبها السعودي وأيمن عبد النور المرتدي لألوان أم صلال القطري، فيما يمتلك المغاربة أيضا ثلاثة عناصر دولية فقط في الخليج العربي، ونعني بالذكر النجم نور الدين أمرابط لاعب النصر السعودي ووليد أزارو المحترف مع نادي الاتفاق السعودي، إضافة إلى إسماعيل الحداد لاعب الخور القطري، فيما صنع المصريون الاستثناء، بغيابهم التام والمحير عن البطولات الخليجية على غير العادة.
ونمتلك في الوقت الحالي 9 لاعبين في الدوري القطري، موزعين على أندية النخبة هناك (بونجاح (السد ) وبلايلي (قطر) وقديورة وهني (الغرافة) وبراهيمي (الريان) وبن يطو وبلحوسيني (الوكرة) وعزي (العربي) وبلحاج( السيلية).
وتعد العناصر المحترفة في قطر، الأفضل في صفوف المنتخب الوطني، كونها تشارك كأساسية مع بلماضي، ويتعلق الأمر ببونجاح وبلايلي وقديورة، وحتى براهيمي بات يحظى بأدوار مهمة في آخر المواعيد.
بالمقابل، يحوز المنتخب الوطني على 10 محترفين بالدوري السعودي، ويتعلق الأمر بتاهرات (أبها ) ومبولحي (الاتفاق) ودوخة (الرائد) وسوداني وبن دبكة (الفتح) وعسلة ( الحزم) وزغبة وشافعي وشنيحي (ضمك) وتايدر (التعاون)، بينهم ست دوليين على الأقل يحظون بالاهتمام المتواصل من بلماضي، في صورة سوداني العائد مجددا للحسابات. علما، وأن مهدي عبيد المنتقل مؤخرا من نادي نانت الفرنسي إلى نادي النصر الإماراتي، يعد الدولي الوحيد الناشط خارج قطر والسعودية.
الخليج لم «يقبر» موهبة ركائز المنتخب
مما لا شك فيه هو أن دوريات أوروبا لم تكن «جنة» بلماضي، حيث لا ينظر الأخير، سوى لما يقدمه اللاعب فوق أرضية الميدان، دون أن يهتم بالنادي أو البطولة التي ينتمي إليها، والدليل أن قرابة 13 دوليا ينشطون في البطولات الخليجية بمختلف أصنافها ومستوياتها، ولئن كانت البطولتين القطرية والسعودية الوجهة الأفضل للاعبينا للاعتبارات السالفة الذكر.
وخطف اللاعبون الجزائريون الأضواء في الخليج العربي بمستوياتهم الراقية، حيث يتصدر بغداد بونجاح قائمة اللاعبين الأكثر تهديفيا في بداية عام 2021، متفوقا على نجوم كبار مثل ميسي ورونالدو، فيما نال يوسف بلايلي الثناء الكبير، عقب أهدافه الباهرة مع قطر القطري، والتي رشحته للتنافس على لقب الهداف رغم عدم مرور وقت قصير على انضمامه إلى قطر، فيما أصبحت الحراسة الجزائرية علامة مسجلة في الدوري السعودي، في وجود مبولحي ودوخة وعسلة وزغبة، دون نسيان رحماني وبوصوف العائدين للبطولة المحلية، بعد تجربة دامت لأشهر قليلة فقط.
سمير. ك