كتب المنتخب الوطني للملاكمة صفحات جديدة في تاريخ المشاركة الجزائرية في ألعاب البحر الأبيض، من خلال الأرقام التي حطمها في ختام منافسات الطبعة 19 الجارية حاليا بوهران، لأن الانجاز كان غير مسبوق في أمسية «تاريخية» للقفاز الجزائري، والتي سيبقى صرح قاعة قصر المعارض بالباهية شاهدا عليها، مادامت الأرقام قد تهاوت، بإحراز 13 ميدالية، لأول مرة في سجل الحضور الجزائري في العرس المتوسطي على امتداد دوراته، فضلا عن التتويج باللقب المتوسطي لدى منتخبي الرجال والسيدات، وكذا الحصيلة الاجمالية للملاكمة، بصرف النظر عن الانعكاسات الإيجابية لهذا الانجاز على حصاد الجزائر من الذهب، والذي عرف تحطيم الرقم القياسي، بعد صمود دام أزيد من عشريتين من الزمن، مع تخطي العتبة الاجمالية لعدد الميداليات المحرزة في نسخة واحدة، والتي كانت في دورة تونس 2001.
قراءة: صالح فرطاس
معالم تألق الملاكمين الجزائريين، ارتسمت بمجرد إعطاء إشارة المنافسات خلال الطبعة الحالية، لأن منتخب الرجال سجل حضوره في هذه المنافسة بتسعة ملاكمين، نجح ثمانية منهم في بلوغ الأدوار نصف النهائية، مع تسجيل إقصاء وحيد في الأدوار التمهيدية للملاكم محمد ياسين توارق، الأمر الذي جعل الكتيبة الوطنية تضمن 9 ميداليات، على اختلاف معدنها، ليكون بعدها الموعد مع توقف مسيرة الثنائي شعيب بولودينات وعبد الناصر بن لعريبي في نصف النهائي، واكتفائهما البرونز، بينما تواصلت رحلة البحث عن الذهب مع ستة ملاكمين آخرين.
وعلى درب الرجال، فإن منتخب السيدات بصم على انجاز تاريخي في أول ظهور له في العرس المتوسطي، لأن دورة وهران تعد محطة انطلاق فعاليات الملاكمة في دورات ألعاب البحر الأبيض المتوسط، والمنتخب سجل تواجده بستة ملاكمات، فشلت واحدة فقط في تجاوز ربع النهائي، ويتعلق الأمر بالملاكمة فتيحة منصوري، التي سارعت إلى اتخاذ قرار اعتزال الحلبة وتعليق القفاز مباشرة بعد توقف مغامرتها في هذا العرس المتوسطي، لأنها الجزائرية الوحيدة التي خرجت من هذه التظاهرة دون ميدالية، على اعتبار أن زميلتيها إشراق شايب وحجيلة خليف تأهلتا مباشرة إلى نصف النهائي، بينما كان الدخول جد موفقا لكل من إيمان خليف، روميساء بوعلام وفاطمة الزهراء حجالة، الأمر الذي سمح القفاز الجزائري بضمان 5 ميداليات على اختلاف معدنها بفضل منتخب السيدات، قبل أن تتقلص قائمة الطامحات للتتويج بالذهب، بإقصاء حجالة من الدور نصف النهائي واكتفائها بالبرونز.
انتزاع الصدارة والتتويج بثلاثة ألقاب متوسطية
يعد تواجد 6 ملاكمين جزائريين في الأدوار النهائية لدورة الألعاب المتوسطية انجازا غير مسبوق، لأن هذا الأمر لم يحدث حتى في دورة مرسين 2013 (5 جزائريين خاضوا النهائيات)، وقد نجحت حينها كل العناصر الوطنية التي كانت معنية بالتنافس على الذهب في تحقيق المبتغى، وحصد 5 ذهبيات، ولو أن المدرب الرئيسي إبراهيم بجاوي كان قد اعترف قبل موعد أول أمس بصعوبة المأمورية، ليكون حصاد منتخب الرجال ذهبيتان، بفضل يوغرطة آيت بقة، الفائز بانسحاب منافسه ويحي عبدلي، مع اكتفاء الرباعي أسامة مرجان، محمد حومري، يونس نموشي ومحمد السعيد حماني بالفضة، وهي الحصيلة التي نصبت المنتخب الوطني في صدارة اللائحة المتوسطية في هذه الدورة، بمجموع 9 ميداليات، متفوقا على المنتخب الإيطالي، وتنتزع بذلك النخبة الجزائرية اللقب المتوسطي. وإذا كان منتخب الرجال، قد بصم على ثالث أحسن مشاركة له في تاريخ التظاهرة، بعد ذلك المحقق في دورة مرسين 2013 (5 ذهبيات وبرونزية)، ثم طبعة 1983 بالدار البيضاء، لما نال القفاز الجزائري بسبع ميداليات، ثلاثة منها ذهبية و4 برونزيات، فإن منتخب السيدات دخل مباشرة في صلب الموضوع في أول ظهور له على الصعيد المتوسطي، على اعتبار أن المدرب عبد الهاني كنزي كان قد استثمر في «الفورمة» العالية التي تتواجد فيها الملاكمات، سيما بعد الانجاز التاريخي المسجل في بطولة العالم التي جرت في ماي المنصرم باسطنبول، عند تتويج إيمان خليف بالفضة، وإشراق شايب الميدالية البرونزية، مع احتلال روميساء بوعلام الصف الخامس عالميا، لأن هذا التألق عبّد الطريق للنخبة الوطنية من أجل الظهور بقوة، فكان الحصاد وفيرا بالذهب في موعد وهران، بانتزاع 3 ذهبيات، وفضية وبرونزية، ويخرج السداسي النسوي الجزائري بخمس ميداليات، في حصيلة مكنته من انتزاع اللقب المتوسطي عن جدارة، والتفوق على المنتخب التركي.
تحطيم عدة أرقام قياسية لدورة تونس 2001
حصاد الملاكمة الجزائرية في النسخة رقم 19 من العرس المتوسطي كان قياسيا على العديد من الأصعدة، رغم أن «القفاز» أهدر فرصة كبيرة لتحقيق أفضل حصيلة ذهبية لاختصاص رياضي في دورة واحدة، لأن تواجد 10 ملاكمين من الجنسين في الأدوار النهائية رفع من عارضة الطموحات لتجاوز عتبة 5 ذهبيات، التي كان منتخب الملاكمة قد بلغها في دورة مرسين 2013، كما أن نفس الانجاز كان قد حققه منتخب ألعاب القوى في مناسبتين، وكان ذلك في دورتي 1991 بأثينا وتونس 2001، لكن استغلال فرصة مشاركة المنتخب النسوي للملاكمة لأول مرة رفع عدد المشاركين إلى 15 ملاكما، مع نجاح 13 منهم في التواجد فوق «البوديوم»، برصيد 5 ذهبيات، 5 فضيات و3 برونزيات.
هذه الحصيلة تعادل من حيث العدد، إجمالي ما حصده الرياضة الجزائرية في الطبعة الفارطة من العرس المتوسطي بتاراغونا، مع تخطي عتبة الضعف بحسب الذهب، وقد أصبحت بمثابة رقم قياسي جديد في تاريخ المشاركة الجزائرية في هذه التظاهرة، لأن أفضل حصاد لاختصاص رياضي في دورة واحدة كان من نصيب ألعاب القوى، في طبعة تونس 2001، بانتزاع العدائين الجزائريين 9 ميداليات، من بينها 5 ذهبيات، 3 فضيات وبرونزية.
من جهة أخرى، فإن حصاد الملاكمة كان كافيا لتحطيم أرقام قياسية أخرى في تاريخ المشاركة الجزائرية، ظلت كلها صامدة منذ نسخة 2001 بتونس، وعلى امتداد أزيد من عشريتين من الزمن، سواء تعلق الأمر بالحصاد الذهبي في دورة واحدة، والذي تخطى لأول مرة حدود 10 ذهبيات، فضلا عن الحصيلة الاجمالية من الميداليات، لأن حصاد الجزائر تجاوز عتبة 32 ميدالية، قبل 5 أيام من إسدال الستار على المنافسات، بعدما كانت دورة تونس الوحيدة التي حصدت فيها الرياضيون الجزائريون على اختلاف تخصصاتهم أكثر من 30 ميدالية، الأمر الذي من شأنه أن يرفع عارضة الطموحات في هذه الطبعة، بالتواجد في «التوب 5» لأول مرة في تاريخ المشاركة الجزائرية في العرس المتوسطي، لأن احتلال المركز الثالث بعد 6 أيام من المنافسات يكفي للمراهنة على مكانة فوق «البوديوم» في اللائحة النهائية، وأفضل ترتيب للجزائر كان في دورة أثينا 1991، لما أنهت مشاركتها في الصف السادس برصيد 17 ميداليات، كانت منها 9 ذهبيات، بينما كانت الأسوأ في طبعة تاراغونا 2018، باحتلال المرتبة 15 بذهبيتين فقط.
«القفاز» يعزز تموقعه في الوصافة الجزائرية «متوسطيا»
تتويج الملاكمة الجزائرية بالألقاب المتوسطية الثلاثة لدورة وهران مكنها من العودة إلى السجل الذهبي، بعد تراجع «مذهل» في نسخة 2018 بتاراغونا، لما اكتفى القفاز ببرونزيتين فقط، كانتا من نصيب رضا بن بعزيز ومحمد حومري، مع الفشل في حصد الذهب وحتى الفضة، وهي واحدة من الحالات «الشاذة» في تاريخ المشاركة الجزائرية في الدورات المتوسطية، لأن الملاكمة تبقى ثاني رياضة رصعت رصيد الجزائر بالذهب في 15 دورة، والانجاز التاريخي المحقق بوهران رفع من الحصاد الاجمالي للقفاز الجزائري في ألعاب البحر المتوسط إلى 67 ميدالية، من بينها 22 ذهبية، 19 فضية و26 برونزية، لتبقى الملاكمة في الصف الثاني من حيث عدد الميداليات المحرزة، خلف ألعاب القوى، لأن «أم الرياضات» تحتكر الصدارة على جميع الأصعدة، وعلى اختلاف معدن الميداليات، وحتى العدد الاجمالي، لكن رفع الملاكمة من حصادها الذهبي إلى 22 ميدالية يضعها في الوصافة، بمنأى عن أي مطاردة سواء من السباحة، الجيدو أو الكاراتي، لأن هذه الاختصاصات لم تبلغ بعد عتبة 10 ذهبيات في تاريخ المشاركة الجزائرية.
والملفت للانتباه، أن انجازات القفاز الجزائري في دورات ألعاب البحر المتوسط انطلقت من برونزية، كان قد أحرزها الملاكم قدور عمر في أول ظهور للجزائر في العرس المتوسطي سنة 1967 بتونس، ثم كان الموعد مع الذهب في دورة 1975 بالجزائر، عندما أحرز الثنائي حسين نيني ومحمد ميسوري المعدن النفيس، لأول مرة في تاريخ الملاكمة الجزائرية، ليكون بعدها الحضور شبه منتظم على منصات التتويج، في أغلب الدورات، بذهبية على أقل تقدير في كل دورة، والحالات الاستثنائية التي خرج فيها المنتخب الوطني للملاكمة دون ذهب كان في دورات سبليت 1979، روسيون 1993، ألميريا 2005 وتاراغونا 2018، دون الأخذ في الحسبان طبعتي 1967 و1971، والتي كان فيهما حضور الملاكمة الجزائرية رمزيا، واقتصر على برونزية وحيدة. ص / ف