لم تستجب الأندية الوطنية، رغم مرور أكثر من 11 سنة على ولوج عالم الاحتراف لتعليمات الهيئات الكروية، بخصوص ضرورة امتلاك فروع نسوية، وهو ما قد يعرضها مستقبلا لعقوبات شديدة قد تصل إلى الحرمان من المشاركة في مختلف المسابقات القارية، ولو أن كل شيء متوقف على بعض الإجراءات البسيطة التي من شأنها أن تعود بالفائدة على الجميع، بداية بالفريق في حد ذاته، حيث سيتحوّل إلى ناد محترف بما تحمله الكلمة من معنى، عقب الاستجابة لكل الشروط المفروضة من الفيفا والكاف، كما أن هذا القرار المنتظر من النوادي النسوية الجزائرية على أحر من الجمر سيخفف الكثير من الأعباء على المشجعين لهذه الرياضة، بالموازاة مع المشاكل المادية التي تتخبط فيها كل الأندية النسوية دون استثناء، والحائلة دون تطوير هذه اللعبة، العاجزة عن مجاراة نسقها في بعض البلدان المجاورة الناجحة في رفع التحدي في مجال كرة القدم النسوية.
وأتم النادي الرياضي القسنطيني في الأسابيع القليلة الماضية، كل الإجراءات الإدارية الخاصة بامتلاك فريق فتيات وئام قسنطينة المعروف لدى العام والخاص بإنجازاته الرائعة مع المدربة راضية فرتول، ليكون السنافر أول فريق جزائري يستجيب لتعليمات الفيفا والكاف بحيازة فرع نسوي، في انتظار أن تسلك بقية أندية النخبة نفس الدرب، خاصة الفرق التي ترعاها شركات ومؤسسات وطنية، على غرار مولودية الجزائر وشباب بلوزداد واتحاد العاصمة وشبيبة الساورة، على اعتبار أن الأخيرة لا تعاني من مشاكل مادية، بخلاف بقية الأندية «المفلسة» الغير قادرة على تلبية حاجيات الرجال وتتواجد في نزاعات محلية ودولية، فما بالك ببعث فروع نسوية مستقبلا، ولئن كان الجميع يعلم بأن الأخيرة ليست مكلفة، مقارنة بالرجال، الذين قد تترب عنهم كتل شهرية قد تصل إلى 9 ملايير سنتيم، كما يحدث الآن مع نادي شباب بلوزداد، بعد جلب أرمادة من النجوم مؤخرا.
الهيئات الكروية تُلزم الأندية المحترفة بفروع نسوية
ومعلوم أن الهيئات الكروية مُمثلة في الفيفا والكاف تلزمان الأندية المحترفة بامتلاك فروع نسوية، وهو الطلب الذي استجابت له كل الاتحادات العالمية تقريبا، باستثناء البعض في إفريقيا وأمريكا الجنوبية، وإن كانت الاتحادية الدولية لكرة القدم قد هددت بتسليط أشد العقوبات على المخالفين لهذه التعليمات الرامية لتطوير الكرة النسوية التي بدأت تجد مكانة لها في أوساط الجماهير العاشقة للساحرة المستديرة، بدليل المتابعة القوية التي شهدها بطولة كأس أمم أوروبا الأخيرة، والتي نال لقبها منتخب إنجلترا لأول مرة في التاريخ.
وتستفيد الاتحادية الجزائرية لكرة القدم من غلاف مالي كل سنة من الفيفا والكاف يكون موجها أساسا لتطوير الممارسة الكروية في أوساط العنصر النسوي، وهو الدعم الذي تضاعف في سنة 2020 وارتفع إلى ما يقارب 8 ملايير سنتيم، بعد تخصيص الاتحاد الدولي لإعانات استثنائية للكرة النسوية كتعويض عن الأضرار التي خلفتها الأزمة الوبائية، غير أن الإشكال القائم يكمن في عدم ضخ الفاف أي سنتيم من إعانتي الفيفا والكاف في أرصدة النوادي النسوية ولا حتى الرابطة الوطنية بصفتها المشرفة على تسيير البطولة ومتابعة صفقات النقل والإيواء.
عمارة استجاب للتعليمات، ولكن...
وسارع الرئيس السابق شرف الدين عمارة لتطبيق تعليمات الفيفا والكاف، وهذا بعد إعلانه خلال آخر اجتماع له يوم 28 أفريل 2022 قبل تأكد استقالته، أنه وابتداء من الموسم المقبل، سيتم إجبار الأندية المحترفة لتكون لها فرع للكرة النسوية ابتداء من الموسم القادم، وذلك من أجل الاستجابة لشروط الهيئات الكروية الرامية إلى تطوير كرة القدم النسوية، وقال عمارة في تصريحات سابقة بخصوص إلزام الأندية المحترفة بامتلاك فروع نسوية: «على كل فريق من الرابطة المحترفة الأولى أن يكون له فرع للكرة النسوية، وهذا أمر إلزامي ومفروغ منه وتعاقب الهيئات الدولية كل من يخالفه، حيث سيكون بإمكان الفريق إنشاء أربعة فرق في مختلف الفئات العمرية، وهذا حسب إمكانيات كل فريق».
ويبدو أن رحيل عمارة قد أعاد القضية إلى نقطة الصفر، كيف لا وكل الفرق المحترفة لم تباشر الإجراءات الخاصة ببعث فروع نسوية، باستثناء النادي الرياضي القسنطيني، وإن كانت هناك أحاديث أيضا حول إمكانية إلحاق فريق الأمن الوطني ببطل الجزائر في المواسم الثلاثة الأخيرة شباب بلوزداد الذي يعيش بحبوحة مالية، منذ أن تحولت ملكيته إلى شركة «مادار» غير المعارضة لفكرة ضم أي ناد نسوي، تفاديا لأي عراقيل قد تصادف الفريق في مشاركته القارية، وهو الساعي هذا الموسم للمنافسة على اللقب، بعد إبرام عدة تعاقدات «سوبر».
الأندية لم تدخل بعد على الخط باستثناء السنافر
رحيل شرف الدين عمارة دون سابق إنذار، جعل الأندية المحترفة المتواجدة بين مطرقة «اللوائح المفروضة من الهيئات المحلية والدولية»، وسندان «الواقع المرير» تضرب بالقرارات المتخذة خلال اجتماعه الأخير عرض الحائط، بدليل أن الأخيرة لم تدخل بعد على الخط، باستثناء النادي الرياضي القسنطيني الذي أتم عملية إلحاق فريق فتيات وئام قسنطينة بنجاح، بدليل توقيع عقود الملكية بين الشركة المالكة أشغال الآبار والمدربة راضية فرتول، وبالتالي أصبحت اللاعبات تمتلكن عقودا احترافية، شأنهن في ذلك شأن زملاء الحارس شمس الدين رحماني، في انتظار أن تسير بقية الفرق المنتمية إلى قسم النخبة على نفس النهج، خاصة وأنها ملزمة بذلك، إذا ما أرادت تفادي أي عقوبات غير سارة من طرف الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، قد تصل حتى إلى إمكانية حرمانها من خوض المسابقات القارية، وهو ما قد يضع شباب بلوزداد وشبيبة القبائل وشبيبة الساورة واتحاد الجزائر في مأزق، في ظل عدم حيازة الفرق الأربعة على فروع نسوية.
جدير بالذكر أيضا أن الرابطة الوطنية لكرة القدم النسوية قد ضبطت حساباتها مؤخرا على بطولة بنفس التركيبة تقريبا، مع إجراء تغيير طفيف على صيغة ونمط المنافسة (اعتماد قسم ممتاز بـ10 نوادي)، وهو ما يؤكد بأن الأندية المحترفة لن تكون مجبرة على امتلاك فروع نسوية، في انتظار أن يتم إلزامها بذلك في المواسم المقبلة، خاصة وأن الرئيس الجديد جهيد زفيزف يولي أهمية كبيرة للكرة النسوية، غير أن انشغالاته الحالية حالت دون المصادقة على قرار عمارة، الذي لم يأت بشيء جديد، بل حاول الاستجابة لتعليمات الفيفا والكاف.
الكرة النسوية غير مكلفة والأندية ليس لها مبررات
ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه بقوة، لماذا لم تباشر الأندية المحترفة، رغم التعليمات الصارمة من الهيئات الكروية إجراءات إلحاق بعض الفرق النسوية بها، بالموازاة مع تواجد العديد من الخيارات المتاحة، خاصة وأن امتلاك فروع نسوية ليس مكلفا، فبالإضافة إلى الرواتب الزهيدة التي تتحصل عليها اللاعبات ( أفضل لاعبة لا يتعدى أجرها 10 ملايين سنتيم)، فإن المصاريف والتكاليف الخاصة بالنقل والإيواء والإطعام أثناء المباريات على عاتق الفاف، وبالتالي فإن أندية النخبة لا تمتلك أي مبررات لعدم الاستجابة للشروط، وإن كان البعض يتحجج بغياب «الممارسات» لهذه الرياضة، في ظل عدم إقبال الفتيات في بعض الولايات، على غرار المسيلة، أين لا يوجد أي فريق بالإمكان إلحاقه بنجم مقرة ونفس الإشكال يصادف فريق هلال شلغوم العيد العاجز عن الانخراط في فريق الرجال، في ظل مشاكله المادية، فما بالك ببعث فرع نسوي سيزيد الطين بلة.
كل الولايات بها فرق نسوية وإجراءات «إلحاقها» بسيطة
وإن كانت مقرة وشلغوم العيد عاجزتان عن إيجاد فرق نسوية لإلحاقهما بهذين الناديين الناشطين في الرابطة المحترفة الأولى، فإن البقية لا تصادفها مشاكل من هذا النوع، على اعتبار أن كل الولايات التي ينتمي إليها فرق النخبة تحوز على نوادي نسوية، على غرار قسنطينة التي تمتلك خيارين مهيكلين بشكل جيد، وإن كان السنافر قد أتموا الإجراءات مع الفريق الأول صاحب الصولات والجولات في المواسم الأخيرة ( فتيات وئام قسنطينة وشبيبة فتيات الخروب)، وفي العاصمة هناك ناديين متميزين يبصمان على نتائج رائعة ويتعلق الأمر بـ (الأمن الوطني والجزائر الوسطى )، وهما خياران متاحان أمام شباب بلوزداد ومولودية الجزائر واتحاد العاصمة، فضلا عن بسكرة المستفيدة من نادي مشعل زيبان بسكرة، بالإضافة إلى نادي آقبو الذي يعد احتمالا جيدا لنادي شبيبة القبائل، ناهيك عن وجود فرق ناشطة في القسم الثاني في سطيف وبشار وغيرها من المناطق.
الدولة تُلح على دعم الرياضة النسوية بمختلف اختصاصاتها
وتولي الدولة الجزائرية ووزارة الشبيبة والرياضة بالتحديد أهمية كبيرة للرياضة النسوية بمختلف اختصاصاتها، وهو ما دفع السلطات العمومية لتخصيص أغلفة مالية كبيرة لتشجيع الفتيات على ممارسة مختلف الرياضات، وعلى رأسها كرة القدم، وهذا للتماشي مع متطلبات الهيئات الدولية الحريصة على امتلاك كل الفرق المحترفة في العالم لفروع نسوية، وتشير كل المعطيات أن الأندية الجزائرية ستقوم بإلحاق بعض الفرق النسوية بها مستقبلا، وهذا حتى لا تقع في أي محظور، وإن كان البعض يتواجد بين مطرقة اللوائح وسندان الواقع المرير.
علما وأن الفاف اشترطت في عهد الرئيس شرف الدين عمارة 20 مليون سنتيم كحقوق انخراط، وهو ما شكل عائقا كبيرا أمام الأندية النسوية من أجل المشاركة في غمار المنافسة، خاصة وأن الفاف تتحصل على إعانات من الفيفا والكاف باسم السيدات، غير أنها تُلحقها بميزانية التسيير، وهذا الأمر كان محل تحفظ الهيئات الكروية بالموازاة مع الطلبات المتكررة من الفرق بحصصها المالية.
عقلية المسير الجزائري أكبر إشكال !
ورغم أن هناك عدة فرق تعيش بحبوحة مالية، في ظل امتلاك أسهمها لشركات ومؤسسات وطنية، على غرار شباب بلوزداد ومولودية الجزائر واتحاد العاصمة وشباب قسنطينة، ناهيك عن حيازة البقية لعقود سبونسور ورعاية بأموال طائلة في صورة وفاق سطيف وشبيبة القبائل، إلا أن الغالبية لا تزال ترفض إلحاق بعض الفرق النسوية بها، لأسباب مجهولة، وإن كان أهل الاختصاص قد ربطوها بعقلية المسير الجزائري الرافض لفكرة الانشغال بأصناف جديدة، وهو ما يفسر الإهمال الذي تعيشه الفئات السنية، وسيكون لزاما على الفاف الضرب بيد من حديد مستقبلا، من أجل إجبار الأندية على امتلاك فروع نسوية، كون ذلك سيجنب الجميع عقوبات الهيئات الكروية الحريصة على هذه النقطة، وقد تضطر لاتخاذ كل التدابير العقابية من أجل إلزام الاتحاد الجزائري على السير في نفس نهج الاتحادات العالمية التي قطعت أشواطا متقدمة في تعاملها مع الكرة النسوية. سمير. ك