نجحت الحرفيتان مسعودة مشاطي وتركية شريط، من ولاية قسنطينة في مجالي إنتاج العجائن التقليدية وكذا الفلاحة، في مجتمع يتجه نحو تعزيز ريادة الأعمال النسوية، محولات شغفهن إلى مشاريع مربحة، بعدما استفادتا من دعم الوكالة الوطنية لتسيير القرض المصغر «أونجام»، للانتقال من الإنتاج اليدوي البسيط إلى مشاريع أكثر تنظيما واحترافية.
لينة دلول
وأقد أظهرت تجارب سيدات من أمثال مسعودة وتركية، أن النجاح لا يتطلب رأس مال ضخما بقدر ما يحتاج إلى الإرادة، والإبداع، والعمل الجاد، فكل واحدة منهن دخلت المجال الذي اختارته بدافع الحب والشغف، واستطاعت أن تحقق مكاسب اقتصادية مهمة لمنطقتها، ليس فقط من خلال توفير منتجات تقليدية بجودة عالية، بل أيضا عبر توفير فرص عمل لنساء ماكثات في البيت، ما ساهم في تحسين مستوى معيشتهن وإدماجهن في الحياة الاقتصادية.
قصة السيدتين مع ريادة الأعمال ليست مجرد حكاية فردية، بل هي دليل على أن المشاريع الصغيرة والمتوسطة يمكن أن تكون قاطرة للتنمية المحلية، خاصة عندما تقودها سيدات يمتلكن العزيمة والقدرة على الابتكار.
مسعودة مشاطي ..بداية متواضعة وإصرار كبير
تُروى في بلدية بني حميدان بولاية قسنطينة، قصة نجاح السيدة مسعودة مشاطي، المرأة التي صنعت اسمها في المجال الفلاحي بإرادة قوية وعزيمة لا تلين، ولدت عام 1964 في بيئة فلاحية أصيلة، حيث ترعرعت بين الحقول والزرع، ما غرس في قلبها حب الأرض والارتباط بها.
وعلى الرغم من أن مسيرتها الفلاحية لم تبدأ فعليا إلا في عام 2014، إلا أن شغفها بهذا المجال كان متجذرا فيها منذ الصغر، بحكم انتمائها لعائلة تمتهن الفلاحة.
وحسب ما أكدته مشاطي، فإن انطلاقتها في عالم الفلاحة لم تكن سهلة، لكنها مع ذلك لم تستسلم للصعوبات، بل قررت أن تبدأ مشروعها بقرض مصغر قيمته 4 ملايين سنتيم، حصلت عليه من الوكالة الوطنية لتسيير القرض المصغر، فاستثمرته في شراء نعجة، معتبرة أن هذه الخطوة الصغيرة ستكون بوابة نحو تحقيق أحلامها.
ومع مرور الوقت، عملت على توسيع نشاطها الفلاحي عبر اقتراض 10 ملايين سنتيم أخرى، ما مكنها من اقتناء المواد الأولية لصناعة العجائن التقليدية، وهو نشاط مكمل ساعدها في دعم استقرار مشروعها.
وأكدت المتحدثة، بأنها لم تكن تعمل بمفردها، بل كانت تؤمن بأن النجاح لا يتحقق إلا بتكاتف الجهود، فقامت بإشراك أربع نساء معها في صناعة العجائن، ما ساهم في تمكين المرأة الريفية وإيجاد فرص عمل لغيرها.
التوسع والتحديات
قررت مشاطي، توسيع نطاق نشاطها الفلاحي، فاستثمرت في زراعة الحمص، والقمح، والفول، والشعير بمساعدة إخوتها، معتمدة على الطرق الحديثة في الزراعة لضمان إنتاج وفير وجودة عالية، كما لم تقتصر أعمالها على الزراعة فقط، بل وسعت نشاطها إلى تربية المواشي والدواجن، ما أضاف بعدا آخر لاستثماراتها الفلاحية.
كما حاولت في سعيها للتطور، الحصول على قرض جديد بقيمة 100 مليون سنتيم، لكن وفاة زوجها حالت دون ذلك، فلم تستطع التنازل عن منحة التقاعد الخاصة به، ما مثل عقبة أمام خططها التوسعية، ومع ذلك لم تفقد الأمل بل استمرت في إدارة مشاريعها بكل تفان وإصرار.
وأكدت المتحدثة، أن جهودها لم تقتصر على الإنتاج فقط، بل كانت مدركة لأهمية التسويق في إنجاح أي مشروع، وهنا لعب شقيقها دورا أساسيا في تسويق منتجاتها، حيث يتكفل ببيع محاصيلها ومنتجاتها الفلاحية، سواء على المستوى المحلي أو في الأسواق المجاورة.
وإلى جانب ذلك، تنشط السيدة في المعارض الفلاحية، أين تستعرض منتوجها وتسعى للترويج له، ما ساعدها على توسيع شبكة زبائنها وزيادة الطلب على منتجاتها.
مشروع جديد وطموحات أكبر
لا تتوقف طموحات مسعودة مشاطي عند هذا الحد، إذ تشتغل على إطلاق مشروع جديد لزراعة الزيتون، وهي خطوة تأمل أن تعزز من مكانتها في القطاع الفلاحي وتوفر لها مصادر دخل إضافية، كما تطمح إلى توسيع نشاطها أكثر، بهدف ضمان المزيد من فرص العمل للنساء والرجال في منطقتها، مؤكدة أن مشروعها عاد بفائدة اقتصادية كبيرة على مجتمعها المحلي.
ورغم كل التحديات، تؤكد مشاطي مسعودة أنها لا تشعر بالتعب، بل تجد متعة حقيقية في العمل الفلاحي، فهو ليس مجرد مصدر رزق بالنسبة لها، بل شغف متأصل فيها منذ الطفولة.
تحلم محدثتنا اليوم، بأن ينتقل هذا الإرث الفلاحي من جيل إلى جيل في عائلتها، حتى لا تندثر الحرفة التي تمثل جزءا من الهوية الريفية الجزائرية.
وقالت المتحدثة، بأنها تؤمن بأن النجاح لا يحتاج إلى موارد ضخمة في البداية، بل إلى إرادة قوية وخطة واضحة، وهو الدرس الذي يمكن أن تستلهمه النساء اللواتي يرغبن في دخول عالم الفلاحة والاستثمار فيه.
تركية شريط .. من التطريز إلى صناعة العجائن
في بلدية بني حميدان دائما، تشق سيدة أخرى طريقها بثبات في عالم صناعة العجائن التقليدية، بعد رحلة طويلة من التحديات والتجارب.
ولدت تركية شريط عام 1967، وكانت في بداياتها تمارس التطريز والحرج «حرفة الخياطة التقليدية»، لكن مع تراجع الإقبال على هذا النشاط، وجدت نفسها مضطرة إلى البحث عن بديل، فاختارت أن تستثمر موهبتها في إعداد العجائن التقليدية، مستندة إلى مهارتها اليدوية التي تبدع في كل ما تصنعه بدقة وحب.
بداية بسيطة بشغف كبير
لم تحتج تركية إلى إمكانيات ضخمة عند دخولها مجال صناعة العجائن، فقد بدأت بأدوات منزلية بسيطة، مستخدمة آلة العجن الخاصة بها وفرن مطبخها، فحسبما أوضحت كانت تصنع العجائن بطرق تقليدية، وتعتمد على الجودة والنظافة، ما جعل كل من يتذوق منتجاتها يعود لطلبها مجددا، بل ويجلب معه زبائن جددا من العائلة والأصدقاء.
و مع تزايد الطلب على منتجاتها، فكرت في توسيع نشاطها بطريقة أكثر احترافية، فتقدمت بطلب للحصول على دعم من الوكالة الوطنية لتسيير القرض المصغر «أونجام»، وهناك لاقت ترحيبا كبيرا، خاصة بعد أن أبدى المسؤولون المحليون في الوكالة إعجابهم بجودة منتوجاتها. وهكذا حصلت على جميع الوسائل التي تحتاجها لتطوير مشروعها والانتقال إلى مستوى أكثر احترافية.
وأوضحت زكية، بأنها أبدعت في صناعة مختلف أنواع العجائن التقليدية، من بينها» الشخشوخة، تريدة الموس، الكسكس، العيش، البسيسة ،الفتات ،المشلوش، الكسرة» وغيرها، مؤكدة أن سر نجاحها يكمن في التزامها بالجودة والنظافة، حيث تقوم بتنقية وتصنيف كل المكونات بنفسها قبل استخدامها، لضمان الحصول على منتوج خالٍ من الشوائب، كما أنها تستخدم مكونات عالية الجودة.
وأشارت المتحدثة، إلى أنها تحضر الشخشوخة بالدقيق الكامل دون إضافة أي نسبة من الفرينة، حرصا على تقديم منتج صحي وأصيل.
تسويق ناجح دون الحاجة للإشهار
وعلى الرغم من المنافسة في السوق، لم تكن تركية بحاجة إلى حملات إشهارية للترويج لمنتجاتها، فهي تؤمن بأن الجودة تفرض نفسها، فبفضل تميزها حسبما أوضحت، تمكنت من إيصال منتجاتها إلى المراكز التجارية الكبرى والمطاعم الشهيرة في قسنطينة، أين يحظى بطلب كبير يفوق طاقتها الإنتاجية الحالية.
وقالت تركية، بأن نجاح مشروعها لم يكن مقتصرا على الجانب المهني فحسب، بل كان له أثر اجتماعي مهم، حيث وفرت فرص عمل لعدة نساء متزوجات ماكثات في البيت، إضافة إلى شابات أنهين دراستهن ولم يجدن عملا.
وترى أن هذا النشاط يمكن أن يكون مصدر رزق ممتاز للمرأة، خاصة تلك التي تجد صعوبة في الالتحاق بسوق العمل التقليدي.
طموحات نحو العالمية
رغم النجاح الذي حققته حتى الآن، لا تزال تركية تطمح للأكبر، حيث تأمل في إنشاء مصنع كبير لإنتاج العجائن التقليدية، ما سيمكنها من توظيف عدد أكبر من النساء، والمساهمة في الحفاظ على التراث الجزائري في صناعة العجائن.
كما تسعى لأن تصبح سفيرة العجائن التقليدية الجزائرية، ليس فقط داخل الوطن، بل حتى في الأسواق العالمية، كما وجهت في ختام حديثها رسالة لجميع النساء الماكثات في البيت، داعية إياهن إلى دخول عالم الحرف والصناعات التقليدية دون خوف أو تردد، مؤكدة أن النجاح يتطلب الإرادة والإتقان والتوكل على الله، وأن أي امرأة يمكنها تحويل مهاراتها البسيطة إلى مشروع ناجح إذا كانت تمتلك العزيمة.
ل. د