أعلن وزير الصحة، عبد الحق سايحي، أمس الثلاثاء بالجزائر العاصمة، عن إنشاء خلية يقظة تتولى تسيير أرضية رقمية تابعة للصيدلية المركزية للمستشفيات من أجل تفادي...
التقت مداخلات نواب المجلس الشعبي الوطني، أمس الثلاثاء، في اليوم الثاني لمناقشة مشروع قانون المالية 2025 عند الدعوة إلى استغلال رصد الأغلفة المالية...
اتهم وزير التجارة وترقية الصادرات، أمس، الثلاثاء من قسنطينة، شبكات و»مافيا» بمقاومة قرارات الدولة و السعي إلى عرقلة الإنتاج المحلي وضرب السوق...
استقبل رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، اليوم الثلاثاء بالجزائر العاصمة، وفدا مشتركا عن المجموعة الخاصة بالمتوسط والشرق الأوسط ولجنة...
آلات الحصاد المكيّفة تختصر الموسم و تطوي صفحة عادات و تقاليد قديمة
لم يعد موسم الحصاد عذابا و معاناة و إرهاقا متواصلا على مدى فصل الصيف و بضعة أيام من الخريف في المواسم الجيدة، زمن المنجل اليدوي ونقل حزم السنابل في الشباك على ظهور أحصنة و بغال مسخرة لذات المهمة الشاقة، من الحقل إلى الطرحة، ثم درسها تحت وقع حوافرها، فمرحلة التذرية والتصفية، عمل يدوي مضن، يسيل عرق الفلاح تحت أشعة الشمس الحارقة، كل هذه العمليات اختصرتها التكنولوجيا في الحاصدة المكيّفة، و منها إلى الشاحنات التي تنقل بدورها المحصول إلى مخازن تعاونيات الحبوب، مما جعل حملة الحصاد والدرس تُختصر في أسابيع معدودة، بعد أن كانت تمتد على مدى أشهر الصيف الطويلة.
طوت حملة الحصاد والدرس هذه الأيام صفحتها، وقد بدأ غبار الحاصدات يهمد وسط الحقول، على غير العادة، بعد أن تدخلت في العملية حاصدات مكيفات مزودة بتكنولوجيا حديثة، يقوم بها عامل واحد، وثان ينقل ما يتم حصاده، بعد تفريغه في مختلف وسائل الشحن، إلى مخازن تعاونيات الحبوب والبقول الجافة، دون أكياس ولا عمال يقومون بتجميعها، فتفريغها ثم نقلها مرة أخرى إلى مواقع التسويق، وبذلك ينقضي الموسم دون أن يكون له وقع اجتماعي ولا تأثير ، وتقتصر فعالياته على الفلاحين والمزارعين في نطاقهم الضيق، دون إشراك المحيط على الطريقة التقليدية في جمع الحبوب الشتوية من قمح وشعير وبعض أنواع البقول الجافة.
موكب موسم الحصاد في منطقة عين عبيد ولاية قسنطينة، كان ينطلق باكرا والسنابل غضة طرية محتقنة بالماء، في زمن كان لا ينقطع فيه المطر، وذلك بمساهمة المحيط بالاستعداد لهذا القادم الكبير، وهذا بشروع مختلف الفاعلين في العملية بالقيام كل بدوره، فصانع المناجل يشعل نار كيره ، ليصنع المناجل و يضرّس القديم منها، ونفس العمل لدى الحدادين الذين يقومون بتصنيع الحدوات، ما يحمي حوافر الخيل والبغال بعد تقشيرها بآلات حادة، ليكون وقعها أكبر على السنابل وهي تقوم بدرسها في المطارح.
وبالموازاة مع ذلك تظهر في الأسواق الأسبوعية سلع خاصة بالموسم، منها المظلات وكذا « التبندات «، وهي قطع من الجلد تحمي صدور الحصادين و بطونهم من السنابل الشوكية الحادة، ومزودة برباط يلف وسط العامل، إضافة إلى السروج و الشباك والحبال والرٌسن ومختلف أنواع اللجام الخاص بالحصان والبغل وبعض أنواع الحمير وسلع أخرى كثيرة يصنعها حرفيون يمتازون بمهارة كبيرة، وبالموازاة مع ذلك تشرع كل عائلة في تهيئة طرحتها « مكان الدرس «، تحضيرا لموسم الدرس التقليدي، وذلك برشها بكميات كبيرة من الماء بعد تغطية أرضيتها بالتبن القديم وتٌسخر الأحصنة للدوران فيها ، من أجل رصّ أرضيتها لتكون صالحة لعملية الدرس، تفاديا لاختلاط المنتوج بالتراب، وتدوم العملية عدة أيام ويكون أول ما يدرس فيها عادة الفريك.
ولائم و عادات و تقاليد قديمة ترتبط بموسم الحصاد
هناك عادة قديمة اختفت في هذا العصر، وهي استقبال باكورة موسم الحصاد بذبح عظيم، وتعرف العادة ب»الفال» الذي يعبرون به عن فرحتهم وشكرهم لله على رزقه، وذلك بطحن أول كمية من القمح بعد حصادها ودرسها يدويا وطحنها في نفس اليوم، وإعداد طبق الكسكسى من دقيقه، ويكون الطحن يدويا، أو في أقرب طاحونة آلية، ثم يدعى إلى الوليمة كل سكان القرية وكذا بعض الأهل والأصدقاء ، مع إبراز مظاهر الفرح، وهو بمثابة إعلان رسمي عن انطلاق موسم الحصاد، والذي يسخر له عادة عدد كبير من الحاصدين، معظمهم من البدو الرحل، و ذلك قبل زمن الثورة الزراعية، و يرافقهم عادة أبناؤهم في جمع السنابل التي لم تطلها أسنان المناجل الحادة، وتجمع في أكياس معلقة في الأعناق، وتجفف ثم يتم فصل حباتها عن تنبها بواسطة عمود جريد النخل، ومنها يقتاتون ويجمعون مؤنة «عولة» العام التي يأخذونها في رحلة عودتهم إلى صحراء الزيبان.
بالموازاة مع ذلك يقوم أصحاب الأرض، بجمع حزم سنابل القمح وتكديسها ونقلها بواسطة شباك خاصة، على ظهور الأحصنة والبغال عادة، إلى الطرحة، ثم نثرها بنية تجفيفها تحت أشعة الشمس ، تحضيرا لدرسها بعد الزوال، ويكون حينها الحاصدون قد عادوا من الحقول، على اعتبار أنهم يبدؤون يوم عملهم مع ساعات الفجر الأولى، ويتناولون وجبة الغداء حوالي الساعة العاشرة صباحا، وتتمثل في قطعة من كسرة الشعير نصف خبزة و كمية من اللبن، تسكب في إناء تتبادله أيادي كل مجموعة تتكون عادة من 5 أفراد، ويتم جلب اللبن في جلد ماعز معد لذات المهمة يعرف ب» الشكوة «.
الدرس بالأحصنة والتذرية اليدوية
بمجرد عودة الحاصدين، تنطلق مباشرة عملية الدرس بربط ما يسمى بـ" الدور"، وهو مجموعة من الأحصنة والبغال تٌربط من أعناقها، باعتبار فصل حبات القمح عن التبن، تتم تحت الحوافر المزودة بحدوات أثناء الدوران.
ويكون الدرس أسرع كلما كانت السنابل والسيقان أكثر جفافا، وتتحول بقاياها إلى تبن، يتم جمعه وتكديسه ويخزن في نوادر ليستعمل كلأ لها شتاء، العملية تستمر إلى ما بعد العصر، حين تهب ريح الشمال التي تسمى «بحري» فتنطلق عملية التذرية، ويفصل القمح عن التبن، الذي يتم إبعاده خارج الطرحة، لتأتي المرحلة ما قبل الأخيرة التي يخضع فيها المنتج إلى الغربلة بواسطة غربال خاص كبير الحجم، يسمى غربال الزرع، و يتمثل دوره في تصفية القمح من الشوائب والتبن والحبات التي لايزال يغطيها غشاؤها، وأخيرا مرحلة وزن الغلة بواسطة مكيال يزن 20 كلغ، فيعبأ كل كيس ب5 مكايل وكمية إضافية ليصل الكيل القنطار، وتجمع الأكياس غير بعيد من مكان الدرس، في انتظار يوم جديد، وتكون عادة قد مرت صلاة المغرب، و يأخذ التعب من الفلاحين مأخذا، ويكون العشاء قد تم إعداده وهو في العادة بركوكس «عيش « بالحليب، تعلوه بعض الخضر الموسمية، ليخلد الجميع للنوم ، ليكونوا في الموعد مع الساعات الأولى للصباح، وتستمر العملية إلى بداية الخريف في المواسم الكثيرة الوافرة المردود.
وقد روى للنصر، أحد أبناء الفلاحين القدامى أنه في بعض المواسم، الجيدة ونتيجة وفرة المردود، وحلول فصل البرد باكرا، يٌبقي الكثير من الفلاحين، الحبوب في سنابلها، وتغطى بالتبن والهشيم ويتم درسها في ربيع الموسم القادم، مع ارتفاع درجة الحرارة ، وهي عملية يقوم بها بعض كبار الفلاحين.
التخزين والزكاة ودفع المستحقات وخبزة الراحة
وبانقضاء موسم الدرس وجمع الغلة، تأتي مرحلة دفع المستحقات والتي تكون عادة كمية متفق عليها من الإنتاج قمحا وشعيرا، ومبلغا من المال إضافة إلى حصة من الزكاة، و أثناء ذلك يتم تخزين المحصول وتقسيمه إلى نوعين للمدى الطويل و يخزن في «المطمور»، والقصير المدى في السرداب ليستهلك في بداية الربيع، وتخزن بنفس الطريقة البذور، بعد أن يتم استبدالها مع فلاحين آخرين، لتغيير التربة من المناطق المرتفعة إلى المنخفضة والعكس، أو ما يسمى بمنطقة الساحل والمرتفعات.
آخر ما يدرس، البقول الجافة من حمص و بازلاء «جلبانة» وحلبة، وبذلك تطوى حملة الحصاد والدرس، وختامها وجبة فاخرة يطلق عليها اسم خبزة الراحة، وتقتصر على الذين ساهموا في نجاح الموسم، وكذا أفراد العائلة، و تتمثل عادة في طبق «الشخشوخة» بلحم الماعز أو الدجاج ، ثم يذهب كل واحد إلى سبيله وسط فرحة عارمة، ليتفرغ أهل البيت لتخزين الكلأ من تبن و حصيد ، في شكل أكوام تسمى « نوادر « وتغطى بطمي أبيض ممزوج بالتبن مقاوم للمطر، وأثناء ذلك تسخر حيوانات القرية لطحن مؤونة «عولة» العام بكمية كبيرة قد تتجاوز 10 قناطير ، حسب عدد أفراد العائلة ، بعد غسل القمح على حواف الآبار و العيون الجارية وتكون فرصة لتجمع النسوة اللائي ساهمن بدورهن في الموسم، ويتبادلن أطراف الحديث أثناء تجفيف ما تم غسله وتنقيته مما علق به من حصى وذوائب، لينقل في قافلة من البعير للرحى مساء، وتنطلق معها عملية أخرى شاقة في إعداد مختلف أنواع الدقيق والنخالة الخاصة بالحيوانات وكلاب الحراسة والدجاج، كل له نصيب مما يتم رحيه، فينطلق إثرها موسم الأفراح والأعراس، في انتظار انطلاق فعليات الموسم القادم.
كل هذه الأعمال الشاقة يتم حاليا اختصارها في آلة واحدة، حاصدة متطورة ومكيفة، يدفع منتجوها مباشرة من الحقل إلى مخازن تعاونيات الحبوب، وقليل هي العائلات التي لا تزال تحافظ على عادة «العولة، بل تلجأ نسبة كبيرة منها إلى شراء الدقيق الجاهز من السوق، واستهلاك الخبز.
وبذلك تكون المكننة قد قضت على حرف ومظاهر احتفالية كثيرة يشارك فيها المحيط عملا و جهدا، يستفيد منها صاحب الأرض ومن لا أرض له، وكذا إتاحة فرص كثيرة للعمل في جمع المحصول ونقله وتخزينه، وقد أصبحت الآن تقتصر على صاحب الأرض وسائق الحاصدة ، وأخيرا الذي يشحن الغلة لتسويقها.
ص/ رضوان