التقى الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنقريحة، أمس الأربعاء بالكويت، مع وكيل الحرس الوطني...
شرعت الحكومة، في وضع التدابير التنفيذية للتكفل التام بالتوجيهات التي أسداها رئيس الجمهورية للحكومة خلال الاجتماع الأخير لمجلس الوزراء خاصة فيما...
سلم إرهابي نفسه للسلطات العسكرية ببرج باجي مختار، فيما تم توقيف (5) عناصر دعم للجماعات الإرهابية، خلال عمليات متفرقة عبر التراب الوطني تم تنفيذها في...
وجه رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، اليوم الاربعاء، رسالة عشية إحياء اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني (29 نوفمبر)، قرأها نيابة عنه وزير...
بدأَ الحديث منذ مدة عما يُسمى بــ"النقد الأدبي الإلكتروني". فهل يمكن القول إنّنا سنشهد ظاهرة أو واقعا نقديا إلكترونيا أو رقميا، كما شهدنا ظاهرة الأدب الرقمي؟ وهل يمكن القول إنّ الأدب الإلكتروني سيكون له نقده الإلكتروني الّذي سيُرافقه ويُخضعه للأدوات والمُساءلات والمقاربات النقدية الرقمية أو الإلكترونية. وما مدى مصداقية ومهنية النقد الأدبي الإلكتروني؟ وهل يمكن للناقد أن يشتغل على تغيير الخلفيات المفاهيمية التقليدية أم سيبقى بعيداً عن النقد الرقمي المأمول في ظل أوهام وإشكالات المصطلح بين: (الإلكتروني، الرقمي، الاِفتراضي والتّفاعلي). حول هذا الشأن "النقد الأدبي الإلكتروني" كان ملف "كراس الثقافة" لهذا الأسبوع، مع مجموعة من الكُتّاب والنقاد.
استطلاع/ نــوّارة لحــرش
* قلولي بن ساعد/ كاتب وناقد
"مفهوم غير دقيق" والناقد الرقمي لم يتأسس بعد
عندما يتعلق الأمر بنقد هو "النقد الإلكتروني" الّذي لم يتم الاِعتراف به بعد من طرف مؤسسات النقد الجامعية فإنّ الأمر يطرح إشكالية عويصة لكون "النقد الإلكتروني" بهذه الصيغة لا ينال بعض الإجماع على الصعيد المفاهيمي بين عدد من النُقاد. وهو يأخذ أحياناً مفاهيم مُتباينة فالدكتور محمّد مريني مثلاً في كتابه "النص الرقمي وإبدالات النقل المعرفي" يستخدم بدلا عنه النقد الرقمي، والدليل على ذلك أنّه يفتتح كتابه هذا بفصل يُخصصه لمرحلة يُسميها مرحلة ما قبل النص الرقمي، بينما الفصل الثاني من كتابه فمفهوم النص الرقمي يحتل فيه موقع الصدارة مانحاً له العنوان التالي: "النص المُتشعب التجسيد الأمثل للنص الرقمي".
وعندما يكون النص الرقمي هو موضوع النقد فإنّ الجهد النقدي ينصرف إلى نقد هو النقد الرقمي. وفي المقدمة التي كتبها لكتابه "النص الرقمي وإبدالات النقل المعرفي"، يربطُ حياة النصوص الرقمية بصفتي الترابط والتعالق ويرى أنّ النصوص الإلكترونية لا تحقّق كلها صفتي الترابط والتعالق. بل الّذي يُحقّق هاتين الصفتين في نظره هو نوع مُحدد من هذه النصوص يتحقّق فيه الترابط من خلال تقنيات الحاسوب. والدكتور محمّد مريني من هذه الزاوية يُقدم للدرس النقدي الأسلوبي بعض الإضافات التي لم يعهدها الدرس الأسلوبي عندما كان يتعامل مع النصوص الأخرى، النصوص المكتوبة أو المطبوعة خارج الفضاء الشبكي ضمن أُفق تلقي النص الرقمي التلقي النقدي بِمَا يتناغم ومكونات النص الرقمي وبرمجياته عارضاً في هذا السياق لبعض العناصر الكفيلة بجعل النص نصاً رقمياً وليس مجرّد نص منشور على الفضاء الشبكي.
ومن هذه العناصر التكبير والتصغير والإضافة والحذف والتسطير والتصحيح الإملائي وتبديل المقاطع وإدماج الصور والجداول والأصوات والموسيقى والصور الثابتة والمتحركة مع التمثيلات اللغوية والبصرية. وهي معايير أرى أنّها تُعقد كثيراً من وضع النص الرقمي العربي، كما هو منشور على الفضاء الشبكي وهو وضع بالطبع لا تتجلى فيه هذه المعايير بشكلٍ واضح. وربّما يحدث ذلك مُستقبلاً ضمن أُفقٍ آخر هو أُفق "النص المُترابط" بالمفهوم الّذي يضعه الناقد المغربي الدكتور سعيد يقطين لكتابه الذائع الصيت "النص المُترابط ومستقبل الثقافة العربية نحو كتابة عربية رقمية". حيثُ يمكنُ للأدب الرقمي مع السعيد يقطين أن يتجلى في مُمارستين مُختلفتين وضعهما السعيد يقطين حيال الأجناس الأدبية، فهناك أوّلاً أنواع أدبية قديمة بدأت تتلبس في منظوره بالآليات الرقمية وتوظفها لفائدتها. ثمّ هناك أجناس أدبية جديدة مُختلفة تماماً عن الأجناس الأدبية التقليدية مُتصلة بالحاسوب والفضاء الشبكي ذَكَرَ منها الروايات المُشتركة والنصوص الشِّعرية المُشتركة والكتابات التفاعلية الجماعية التي يُشارك فيها أكثر من شخص أو شخصين.
وعلى هذا الأساس لا يتردّد السعيد يقطين في تخصيص فصل من فصول كتابه القيم هذا "النص المُترابط ومستقبل الثقافة العربية نحو كتابة عربية رقمية" للنقد الرقمي، أو النقد التفاعلي في ضوء تحوّلات النص الرقمي أو النص المُترابط. وهو الفصل الثالث "النقد والأدب الرقمي تجديد الإجراءات والتصورات" الّذي يُخصصه لأفق تلقي النص الرقمي أو النص المُترابط داعياً النُقاد والباحثين المُتخصصين في النقد الأدبي إلى تجديد أدواتهم النقدية بِمَا تطرحه الوسائط الجديدة من تحوّل في البُعد الخاص بالمؤلف الّذي سوف يُشاركه في عملية الإنتاج المُبرمج أو الخبير في المعلوماتية.
ويستنتج السعيد يقطين بأنّ هناك مثلثا جديدا أصبح يحكم علاقة النص المُترابط بالمُتلقي، وهذا المُثلث هو المُؤلف والمُبرمج والحاسوب. وفي نظره فإنّ هذه الأطراف الثلاثة تتكامل كلها لتُنتج في النهاية النص الرقمي وتُتحقّق من خلال ثلاثة أبعاد نفسية ورمزية وتقنية لخلق ما يُسميه بالقارئ الرقمي المُعادل الموضوعي للناقد الرقمي الّذي لم يتأسس بعد، رغم محاولات اِستدعائه من طرف سرديات النقد الرقمية والقراءة الرقمية المُنشغلة بتحوّلات النص المُترابط كما يتمنى تداوله الدكتور السعيد يقطين.
وهو المفهوم ذاته الّذي تُشاركه فيه الناقدة الدكتورة زهور كرام عندما تُفضل اِستخدام "النص المُترابط" في كتابها "الأدب الرقمي: أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية". إذ تسمح لها كما تقول تقنية النص المُترابط أن تختار للنص المُترابط مدخلاً للقراءة مع "النص المترابط التخييلي" المفهوم الّذي تستقيه من الناقدة لوسي دوبوتيني بِمَا ينسجم وانعكاساته النّصيّة على ذائقة قارئ محدد هو القارئ الرقمي. وقد أدى هذا التحوّل أيضاً إلى دخول النقد الثقافي معترك الثقافة الرقمية والنصوص الرقمية للنظر فيها من زاوية السياق الثقافي الّذي تتشكل في ضوئه أسئلة النص التفاعلي ولهذا السبب يستخدم الناقد العراقي الدكتور أمجد حميد التميمي مفهوم النقد التفاعلي. ويعتبر أنّ ما يقدمه هو مجرّد مقدمة في النقد الثقافي التفاعلي اِستقاه من تجارب الشِّعر التفاعلي العربي والنقد التفاعلي ذَاكِراً منها مقاربة للدكتور مشتاق عباس معن في دراسته للقصيدة التفاعلية الرقمية، الدراسة التي يرى أنّها رائدة وتتسم أيضاً بالجرأة والتفوق والمعاصرة. والقصيدة التفاعلية في نظره لا تختزن فقط موهبة الشاعر، بل ثقافته والسياق الثقافي الّذي تشكلت فيه تجربته الشِّعرية فاتحاً الفصل الثاني من كتابه "مقدمة في النقد الثقافي التفاعلي" على مسالك الأُسس الفنية الثقافية ومنها تعالق الفنون وتراسل الحواس. ثمّ على الأُسس الفنية التفاعلية متخذاً من القصيدة الرقمية موضوعاً لاِختبار جاهزية النقد الثقافي التفاعلي دون أن يتجاوز ذلك إلى السرد أو الرواية. لكون أنّ النص الشِّعري التفاعلي يُقدم له مادة خصبة يُؤسس على ضوئها لبعض مرتكزات النقد الثقافي التفاعلي الّذي يقدم له في هذا الكِتاب الّذي يصر على أنّه مجرّد مقدمة في النقد الثقافي التفاعلي كتجربة قراءة للقصيدة التفاعلية الرقمية التي يُحيل إليها مضمون هذا الكِتاب الغني معرفياً ونقدياً وإجرائياً وما أدراك.
* عبد الحفيظ بن جلولي/ كاتب وناقد
النص الأدبي الإلكتروني لا يحتاج بالضرورة إلى نقد إلكتروني
يمكن أن نقف على شيء ما تكرّر في الزّمن واتّضحت بعض ملامحه في خلال سياق ما، فظهرت خصائصه ومُميّزاته، بمعنى إنّه صار ظاهرة، وعلى هذا يمكن قراءة سياق ظاهرة "النّقد الأدبي الإلكتروني"، بمعنى ذلك النّقد الّذي يتدفّق خلال الإنترنت مواكباً نصوصاً بعينها إلكترونية، وبالتّالي، تصبح صفة "الإلكترونية" هي العنصر المُميّز لهذا النوع من النّقد الأدبي، أي وروده عبر قناة غير ورقية، وهو ما يضعنا اِبتداءً أمام إشكال منهجي في تحديد المصطلح، لأنّ الكثير من الجرائد مثلاً الورقية لها مواقع إلكترونية، بحيث تُنزّل المادّة ورقياً أوّلاً ثمّ تتبعها بالنّسخة الإلكترونية، أو قد يتحوّل ما كُتب إلكترونياً إلى الوضعية الورقية، ففي هذه الحال ماذا يمكن أنّ نُسمّي "النقد" الّذي نؤكد إلكترونيته أوّلاً؟
يبدو أنّ التسرّع في إطلاق المصطلحات هو من قبيل الاِنفتاح البدئي على المُنجز الإنساني، لتحقق الدّهشة الأولى، ثمّ بمجرّد أن تتلاشى تلك الحالة العاطفية النّفسية تعود الذّات إلى عقلانيتها المعتادة فتتعامل مع الموضوع بمظاهره التي اِستقر وجودها في الوعي وتشكلت بعض ملامح معرفتها من خلال اِستمرارها في الزّمن وثباتها فيه.
راهناً لا يمكن تجاهل الإنترنت أو العالم الإلكتروني والتحيّز ضدّه للورقي، لأنّ هذا الموقف سوف يُثير معيار المُفاضلة بين فضاءين متِيحين للمعرفة ومنتِجَين لها، الفضاء الورقي والفضاء الإلكتروني، وبالتّالي، سوف نضطر العقل إلى أن ينتج قسرياً معيارية نشاز تفاضل بين ما لا تفاضل فيه، لأنّ أساس العلاقة بين الفضاءين تكاملية مُثمرة، فالعقل في اِنجازيته يُكْمِلُ مسارات النّقص في التّجارب، ولذلك نقول إنّ "العقل يُصحّح نفسه"، فالعالم الإلكتروني "في الحقيقة لا يمكن تجاهله"، كما يرى إمبيرتو إيكو، رغم اِنتقاده لوسائط التواصل الاِجتماعي فيما بعد. لا يمكن التغاضي عنه لأنّنا نعشق العالم الكلاسيكي برومانسيته، فقط لأنّ كلّ تجديد في وعينا يأتي على هدوء تلك الرّومانسية.
من الطبيعي جدّاً أن نبدأ في الحديث عن كلّ جديد، ومن ذلك "النّقد الأدبي الإلكتروني" حتّى تتأسّس المعرفة حوله، لأنّه أصبح ظاهرة، ومن هنا تتحرّر الرّؤية إليه على أساس واقع كرّس ذاته، لكن الرّؤية لا تتّضح إلاّ بتضادها، ومن هنا تنبثق الدّلالة العميقة في تكريس المصطلح، باِعتباره كينونة قابلة للقبول أو الرّفض، والرّفض لا يكون مزاجياً بل مؤسّسا وفق ضوابط المنهج النقدي.
على العموم يمكن أنّ نقول بـ"النّقد الأدبي الإلكتروني"، لكن ليس على مصراعي القول، لأنّ هناك ما يمنع المفهوم من اِنطباقه الواسع على الظاهرة، وبالتالي، يصبح التّحيين أو الآنية هي التي تتحكم في المصطلحية، فما صدر في حينه إلكترونياً فهو نقد أدبي إلكتروني، حتّى إذا تحوّل إلى الورقي صار ورقياً، وهو ما لا يضرّ في شيء، لأنّ ما يثبّت مفهوميته الهويّاتية هو المقروئية، فإن اِتّسعت مقروئيته الإلكترونية، تتثبّت تلك الهويّة الجديدة ويصبح النّقد الأدبي الجديد إلكترونياً باِمتياز، وحسب العناصر والمعطيات المُتجدّدة فإنّ الاِتّجاه ليس فقط في النّقد بل في الأدب وحقول معرفية كثيرة تتّجه هذا الاِتّجاه، فكثرة اللوحات القارئة « liseuses » واللوحات الإلكترونية والكمبيوتر المحمول والهواتف الذكية، جميعها معطيات تدل على أنّ العالم يتّجه هذه الوجهة، لكن إذا وضعنا في حُسباننا أنّ العناصر المُستجدّة وُجدت لإكمال نقص العقل المنجِز فإنّنا نُخفّف من حدّة تلك الهبّة العاطفية نحو إنتاج مصطلحات قد لا تُسمن ولا تغني من جوع لأنّ الواقع أيضا يكشف عن مبيعات كُتُب رهيبة في معارض الكِتاب، كما أنّ الطلبة في بحوثهم الأكاديمية يسعون قدر الإمكان إلى الحصول على الكِتاب الورقي، وهذا لا يعني أيضاً عدم اِستعمال الكِتاب الإلكتروني، وهنا نصل إلى هذا التداخل الهوياتي بين طبائع المصطلحات، فيصبح "النّقد الأدبي الالكتروني" و"النقد الأدبي الورقي" متقاربان لعدم مقدرة الوقوف على الاِستعمالات الحقيقية لكليهما.
إنّ ما يغيب على العقل العربي والوطني من ضمنه، أنّ الاِشتغال ضمن الفريق، أو الجماعة البحثية هو الّذي يُؤسّس للمفهوم، بمعنى لو كان النّقد العربي مُتطوّراً بالكفاية التي تجعله مؤثّراً لكانت النّظرية النّقدية العربية مستحقة الوجود، وهي ربّما كذلك ولكن عدم اِهتمام العقل العربي بالعمل ضمن الفريق قد يكون السّبب في تأخير ظهورها، وهو ما ينطبق على مفهوم "النّقد الأدبي الإلكتروني"، لو تحقّقت الجماعة النّقدية واقعاً، سواء على مستوى الاِشتغال الورقي أو الإلكتروني لوسِعنا أن نُبشّر بهذا المصطلح وبكلّ سهولة، ويُسعد ذلك أي عقل باحث لأنّ الحقول المعرفية في اِتّساعها إنّما تؤسَّس لسعة الوعي بالتلاقي المعرفي الإنساني حول القضايا المعرفية المشتركة وهو ما لا يمكن أن نتفاداه.
إنّ بعض الإشكالات تقوم أمام صكّ مصطلح "الإلكتروني"، لأنّ القراءة قد تتصيّد ما هو نص أدبي إلكتروني، لتتعرّض له نقدياً على المستوى الورقي، كما قد تُواكبه نقدياً على المستوى الإلكتروني، وبالتالي، تُصبح القراءة النّقدية الإلكترونية مُماثلة لا تختلف في شيء عن القراءة النّقدية العادية، سوى أنّها تدفّقت أو كُتِبَت عبر القناة الإلكترونية، أي إنّها تميّزت بشَاشَوِيَتِها، أمّا إنّ النص الأدبي الإلكتروني يحتاج بالضّرورة إلى نقد إلكتروني فهذا من قبيل الدعابة المعرفية، لأنّني أفرّق بين النص في نشوئه المخيالي أوّلاً، فهو وليد خيال اِبتداء، ثمّ اِنسكابه ورقياً أو إلكترونياً، لتعود قراءته النّقدية أيضا إلى طبيعتها الأولى التّخييلية، قبل تسميتها إلكترونية أو ورقية.
* محمّد كاديك/ كاتب وناقد
ما يزال تحت طائلة الغموض وهو لا يتجاوز خاصية التفاعل
يجب أن نعترف في البداية أنّ مفهوم "النّقد الرقمي" أو "النقد الإلكتروني" ما يزال تحت طائلة الغموض بالحاضنة اللّغوية العربية، وهو في أحسن حالاته، لا يتجاوز خاصيّة "التّفاعل" دون تحديد طبيعة هذا "التّفاعل"، إضافةً إلى أنّ كلّ ما يُعدّ رقميّا عندنا، إلى حدّ الآن، متوقّف عند حدود تحويل الكِتاب الورقيّ إلى صيغة تتحمّلها الانترنيت، بقصد توزيعها على نطاقٍ أوسع مِمَا هو مُتاح للنّشر الكلاسيكي.
المسألة إلى يومنا هذا إذن، بالضّفة العربية مجملة، لا تتجاوز الاِشتغال على التّكيّف مع الوسيط الجديد الّذي يخلف وسيط غوتنبرغ (المطبعة)، وبِمَا أنّنا لم نتمكّن بعد من اِستيعاب الاِنتقال من "الملحمة" إلى "الرّواية"، أي الاِنتقال من الحاضنة الحضارية الشّفاهيّة إلى الحاضنة الحضارية الكتابيّة، فإنّنا سنجد صعوبة بالغة في اِستيعاب الاِنتقال إلى ما اِقترحتُ وصفه بـ"الشّفاهيّة المكتوبة" التي فرضها الواقع الرّقميّ، ونجد أنفسنا مرغمين على اِقتحام مرحلة اِنتقالية جديدة بمفاهيم غامضة، أو مفاهيم مغالطة في معظم الأحيان.
ولا شكّ مُطلقاً أنّ الحديث عن "النّقد الأدبيّ" لا يكون مُتاحاً دون "أدب"، ونعرف جميعاً أنّ المُنتج الرّقمي الأدبيّ العربيّ، ما يزال في بداياته، وإن كان الأستاذ الأديب محمّد سناجلة قد دعا إليه وقدّم نماذج راقية عنه قبل أكثر من عشرين عاماً، وعليه، نقدّر أنّ "الرقمنة" عموماً ما تزال مُجرّد بدايات بالعالم العربي أدباً ونقداً، ومع هذا، فإنّ أركان الاِنتقال (أزمة- صراع – تحوّل) نحو "الشّفاهيّة الكتابيّة"، بدأت فعلاً في إطلاق إرهاصاتها من خلال تمأسس سؤال "الأزمة" بين داع للجديد الرّقمي، ومناهض له متمسّك بالشّكل الكلاسيكي للكِتاب، وهو ما يتحوّل إلى ساحة صراع بين "الجديد" و"القديم" من أجل تحقيق "التّحول"، واستتباب الأمر لـ"الجديد" بصفة نهائية.
ولا ندّعي بأنّ "النّقد الرّقمي" يحتاج بالضّرورة إلى "أدب رقميّ"، فـ"النّقد" يمكن أن يكون رقميّا بالتّعامل مع الأدب الكلاسيكي من خلال اِستغلال الوسائط الجديدة، لكنّه –في كلّ حالاته– لا يُعبّر بالضّرورة عن تغيير حاسم على مستوى الاِشتغال الذّهني، ولا عن إنتاج مبهر يتجاوز الفعل التنظيري المهيمن، ولن تكون غاية مطمحه –في أحسن حالاته- سوى "الاِرتباطات التّشعبية" التي يمكن أن يستعملها، أو "التفاعل" من أجل اِستقبال آراء فيما يُعالج من أسئلة نقديّة، وهذا –في الغالب– لا يُنتج شيئاً ذا بال، بالنظر إلى الواقع المعيش، والمستوى العام.
ليس ينفعُ إذن السّير وفق مُقتضيات الموضة، لأنّ اِستعمال الواسطة الرّقمية، لا يختلف كثيراً عن اِستعمال واسطة الطباعة التي اِشتغلنا عليها بعقليّة شفاهيّة، أو لنقل "شفاهية ثانوية" بتعبير بول زيمتور، بينما نتوهّم أنّنا توصّلنا إلى تأسيس العقل الكتابي، وعلى هذا، نرى أنّ المُقتضى الحقيقي لـ"النّقد" و"الأدب" معاً، هو الوعي بالتغيّرات العميقة التي يُحدِثها الاِنتقال الناعم الجديد الّذي يُحوّلنا –مرغمين– إلى أدوات في منظومته العامة، ويُوهمنا بأنّنا نمتلك الفاعلية التي تسمح لنا بأن نُضيف إلى المُنتج الإنساني العالمي.
لعلّ يكون واضحاً أنّنا نتعامل مع اِنتقال تاريخي مُعقّد، بالنّظر إلى سيرورة اِنتقالنا من المخطوط إلى المطبوع، وانتقالنا من "الشِّعر" إلى "الأدب"، بأثر رجعي في التاريخ، ولهذا، ينبغي علينا ترسيخ الوعي أوّلاً بواقعنا (الواقعي والاِفتراضي معاً) عوضاً عن روح الاِستسهال الّذي نتعامل به مع المفاهيم الجديدة التي توصّلت إليها الحضارة المهيمنة، وفق سيرورة تاريخية طبيعية، ومنهجية عمل واضحة.
* زبيدة بوغواص/ باحثة أكاديمية وناقدة
لا يمكن أن يقدم قراءة واعية للأثر الجمالي
مِمَا لا شكّ فيه أنّ النقد الفني ومنه الأدبي يُعدُ نصاً إبداعياً آخر، وظيفته إضاءة الأثر الأدبي، والإسهام في اِنفتاحه من خلال التعدّد في القراءة، نتيجة الاِختلاف أو التكامل بين مختلف المدارس النقدية والمناهج التي تُشكل تراكماً معرفياً، وآليات نقدية يشغلها القارئ باِعتباره مُنتجاً للنص، وليس مستهلكاً له –على حد تعبير رولان بارث- لمعرفة القيمة الحقيقية للأثر الأدبي، لاسيما وأنّه يُفترض أنّه يمتلك المعرفة الضرورية بالأدب وآلياته وإبداعه وتاريخه وأدواته، خاصةً وأنّه يجعل القارئ العادي يعرف كيف يقرأ المنتج الأدبي جيداً، ويتعلم كيف يتذوقه، ومن ثمّ يسهم في تطوّر الإبداع الأدبي، خاصةً في ظل حضور الأدب الرقمي والنقد الرقمي، نتيجة الوسائط التكنولوجية الجديدة التي ظهرت بقوّة في زمن التّحوّلات السياسية والاِجتماعية التي عرفها العالم.
وفي ظل هذا التحوّل، والاِنخراط في الثقافة الرقمية، يمكن أن نطرح عدة أسئلة مثل: ما هي مختلف التحوّلات التي طرأت على النقد الأدبي؟ إلى أي مدى قد تأثر شكل التفكير، وطريقة الفهم وأسلوب التحليل للأعمال الفنية التفاعلية؟ هل إنّه يدخل إلى هذا النوع من الأدب ومجاله بمنطق القراءة المألوفة؟ أم أنّه يرنو نحو التحرّر منها؟ والاِنخراط هو الآخر في القراءة الرقمية؟ إنّها الأسئلة التي تنتج بموجب العلاقة التي تربط بين الأدب والنقد، محاولة لإثارة النقاش حول ضرورة الاِهتمام بتحوّلات النص الأدبي الّذي أخذ يتمظهر باِعتماد الوسائط التكنولوجية الجديدة، وهي التّحوّلات نفسها التي تمس النقد الأدبي باِعتباره ممارسة تشتغل على المتن الأدبي المُترابط، وهو النقد الّذي لا يزال يشقُ طريقه –حتّى هذه اللحظة- نحو التشكل والتكوين، خاصةً وهو يعيش التجريب في النص الأدبي الرقمي، وفي ظل اِنتعاش حركة النقد باِتجاه إعطاء السلطة للقارئ، لكي يُنتج نصه بناءً على التأويل وهو ما يمكن أن نُمثل له بظهور قصة "الظهيرة" للكاتب الأمريكي ميخائيل جويس/Michael Joyce ، الّذي تزامن مع ظهور نظريات نقدية تهتم بالقارئ وتُعلي من شأنه وتُعلن موت المؤلف، على اِعتبار أنّ النص الأدبي الرقمي ما هو إلاّ اِنتقالٌ من لغة طغيان أحادية اللّغة السردية إلى تعدّد اللغات التي يحكمها منطق لغة البرمجة المعلوماتية.
إلاّ أنّ الواقع الإبداعي الأدبي عامةً يُعاني نوعاً من الإعراض من قِبل المُتلقي، بسبب عِدة عوامل أهمها عالم الصورة التي أخذت تبسط نفوذها على كلّ الفنون، وهو ما جعل الأدب يُعاني حين اِنتقل بدوره إلى عالم التكنولوجيات، وأضحى أدباً اِفتراضياً، وصحيح أنّه سَهَّل عملية التلقي وجذب الجمهور، وهو شيء جميل في هذا الأدب، ولكن من جهةٍ أخرى فإنّ هذا النوع من الأدب أضحى يُسَوَق بالمجان، ويلقى قارئاً، يدعي النقد وهو يفتقد إلى أهم معاييره، مثل التذوق الفني، والمعرفة النظرية والتطبيقية في الممارسة النقدية، فنجده يمدح هذا، ويسخط على هذا، والشيء الّذي شجع مثل هكذا ممارسات هي النصوص الأدبية التفاعلية نفسها التي أخذت تطرح نفسها من تلقاء نفسها، ويمكن أن نقول عنها أنّها لا تخضع إلى أدنى مقاييس الإبداع وضوابطه وأصوله.
إذن فالنقد الإلكتروني بهذه الصفة التي أخذت تطغى على الساحة الأدبية الاِفتراضية لا يمكن بحال من الأحوال أن يقدم قراءةً واعية وقصدية تعتمد التحري والتحقيق لبيان الأثر الجمالي، والكشف عن مختلف الأنساق التي ينطوي عليها على أساس أنّ وظيفة النقد هي تقويم وتقييم وتمييز الجيد من الرديء، وفي رأينا إنّ الأديب الحقيقي يجب أن يتحرك في الاِتجاه الصحيح، كأن يقوم بإنشاء (موقع) خاص به، ينشر من خلاله أدبه الاِفتراضي، لأنّه يحسن القول أن ليس كلّ ما يظهر إلكترونياً هو أدب تفاعلي اِفتراضي، الّذي يُفترض فيه تفاعل كلّ الوسائل السمعية والبصرية مع أدبية النص، وبالتالي يحفظ له تميزه عن طريق النقد الحقيقي.
* منى صريفق/ باحثة أكاديمية وناقدة
النقد التفاعلي هو اِمتداد للنقد الأدبي وإن تغيرت الوسائل
الأدب الإلكتروني/الرقمي كما هو معروف وكما يجب أن يكون هو الأسبق ظهوراً من النقد التفاعلي/النقد الأدبي الإلكتروني؛ إذ لا يوجد نقد من دون نصوص إبداعية ومن دون أدب بشكلٍ خاص. وقد اِنتشر الأمر كثيراً في العقد الأخير من القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين إلى غاية يومنا هذا. وكما أراد الأدب اللحاق بالركب ومواصلة سيرورته عبر منصات التواصل الاِجتماعي كــــ"الفيسبوك"، "التويتر"، "الانستغرام"، وعبر منصات تفاعلية أكثر اِحترافية كالـمدونات والمواقع المصممة خصيصاً لمالكيها عبر مواقع عالمية. نجد النقد والنُقاد قد ناقشوا هذه القضية بشكلٍ موسع وبطريقة مُماثلة كذلك. ولكل منهم رأيه في تعريف النص التفاعلي الجديد والإبداع الاِفتراضي المُوازي للإبداع الواقعي المنشور ورقياً وكيفية مقاربته وتحليله وقراءته. فهناك من النُقاد من قال إنّ ظاهرة الأدب الرقمي تحتاج المناهج السياقية لقراءة النّص وذلك لاِرتباط هذا الأخير بكلّ ما هو اِجتماعي وثقافي ونفسي للمؤلف وللمتلقي على حد السواء، وهناك من قال بقراءة بنيوية تُحلل لغة المكتوب التفاعلي بغض النظر عن الكاتب وعن كلّ ما يُعايشه نفسياً واجتماعياً وسياسياً. في حين هناك من قرر أهمية التفكيكية في هكذا نصوص لها سمات مُميزة ومُختلفة عن سابقتها التي تعتمد في الأساس على الخطية.
لهذا فالقارئ عليه أن يُميز بين مجموعة من المصطلحات والمفاهيم التي قد تساعده على ولوج الخريطة الجديدة للأدب الرقمي والنقد التفاعلي. وعليه أن يعرف أنّ مُعادلة العالم الإبداعي قد تغيرت بشكلٍ كبير إذ نحن ناقشناها ببعدها الاِفتراضي. إذ نجد سابقاً معادلة العالم الإبداعي تتكون من كاتب ونص إبداعي ومتلقٍ، في حين الأمر اِفتراضياً أصبح كالآتي: "المبدع+ النص الإبداعي+ الحاسوب/ الهاتف/ اللوحة الإلكترونية+ المتلقي التفاعلي" وبعدما كان المُتلقي عبارة عن قارئ قد لا نسمع رأيه إلاّ بعد مرور فترة زمنية معتبرة؛ نجده الآن اِفتراضياً حاضراً وأصبح عنصراً فاعلاً في تشكيل ما يُسمى بإنتاجية الخطاب الإبداعي. لقد أصبح المُتلقي ناقدا/ ومنتجا فاعلاً في النص الإبداعي الرقمي. حيث يقول أحمد بشارة: "إنّ قارئ المستقبل لن يكون بنفس الطواعية والتلقائية والاِتكالية الّذي اِعتدناه في السابق" هنا يمكننا القول إنّنا دخلنا منعطفا جديداً في تلقي النص، فقد أصبح القارئ/المتلقي في ضوء كلّ هذه المظاهر الرقمية أكثر حرية في عملية نقد النص الّذي يقوم بقراءته وهنا يكون التفاعل مباشرا. كما أنّ هذا المُتلقي قد يقوم بتهميش أي نص لا يعجبه أو يجده غير متوفر على شروط يُحددها هو بنفسه دون غيره من المتلقين، وقد ساعدت منصات التواصل الاِجتماعي على ظهور فكرة القراءة والروابط المشتركة والمهمة لشخص واحد عبر خاصية التفاعل المُشابه للمواضيع والأفكار الأكثر اِهتماماً دون غيرها. ضمن هذه النقطة تحديداً على القارئ/المتابع أن يفرق جيداً بين ما يُعرف بالنقد التفاعلي الّذي يُمارسه الناقد critic، والمراجعات reviews التي يقوم بها المُراجع reviewer على مواقع التواصل الاِجتماعي، إذ نجد أنّ من أحد أهم التفاصيل التي تفصل بين المصطلحين/ الاِشتغالين هي أنّ الناقد يُحوِّل كلّ تلك الاِنطباعات الذوقية التي ينشرها المُراجع منذ أوّل قراءة للنص الإبداعي إلى قراءة ثانية تكون نقدية يقوم فيها الناقد بعملية موازنة بين المرحلة الحدسية الأولى والمرحلة النقدية الثانية اِستناداً على كلّ المعايير الجمالية المتعلقة بجنس النص المنقود. مِمَا يجعل عمل الناقد أكثر مصداقية من المُراجع وسابقاً له بأشواط كثيرة. وهذا ما يُبرر وقوع الكثير من رواد مواقع التواصل الاِجتماعي في فخ الريفيوهات فنجد منهم من يُضيع وقته على فيلم أو رواية لا تستحق القراءة إلاّ أنّه تتبع ما ورد في الرأي الاِنطباعي عن الفيلم أو الرواية وليس الرأي الموضوعي لقيمة ما يُتابعه.
بالرغم من كلّ ما تمّ طرحه الآن إلاّ أنّ موضوع النقد التفاعلي يحتاج مساحة أكبر للخوض فيه وفي أهم منعطفاته الحاسمة التي تؤكد تاريخ وجوده، ومصداقيته، فهو اِمتداد للنقد الأدبي حتّى وإن تغيرت الوسائل التي يعتمدها الناقد في اِشتغاله على النص الإبداعي. تماماً كما نجد الأدب الرقمي اِمتدادا موصولا بالأدب الّذي دُوِّن على الورق.
* عبد الحميد ختالة/ ناقد وأكاديمي
الدرس النقدي لم يتأقلم مع الرقمي
الحق إنّ الراهن الإبداعي والنقدي العربي يعيشُ تيهاً اِصطلاحياً، فبعد اللغط الّذي عاشته الساحة الأدبية في تحديد الأجناس الأدبية الجديدة حينما تداول بعض النُقاد ما اصطلحوا عليه بقصيدة النثر ثمّ الرواية القصيرة والرواية المرئية، نصل الآن إلى ما يُسمى بالنقد الرقمي، ولا أريد هنا إثارة الجدل المعروف حول القبول والرفض، بقدر ما نحتاجه من نقاش للوقوف على المصطلح الجامع، إذ لم يتم الإجماع بعدُ على أي المصطلحات الثلاثة، فهل نقول الأدب الرقمي أم الأدب الاِلكتروني أم الأدب التفاعلي؟، وهل المُحدّد هنا أداة الكتابة، أم الفضاء الّذي تتم فيه أم الفواعل الصانعة لدائرة الإبداع؟
إنّ الشطط الواقع على مستوى التنظير ما يزال يلوك السؤال الأوّل للفن، ذاك المُتعلق بالحالة الإبداعية والقوّة الفاعلة فيه، إذ يبقى صوت نظرية الأدب يتأرجح بين شيطان الشِّعر والتقنية التواصلية المتذبذبة أصلاً وفرعاً، وأحسب أنّ قرار الإبداع لم تتم صياغته بعد بسبب تعنت الكتاب الورقي واكتفاء التكنولوجيا بالماسح الضوئي الّذي ينقل المُنجز الإبداعي من حالة المكتوب إلى وضع المقروء، أجد بأنّ الوهم الّذي نعيشه في البيئة العربية بعامة وفي الجزائر بخاصة هو طبيعة ومستوى علاقتنا بالتقنية.
في الحقيقة إنّ الواقع يُثبت بعض التأخر الكبير الحاصل لدى المُبدع والناقد معاً، في التحكم في التقنية، فعلى صعيد الإبداع لم نقرأ تحوّلاً بارزاً في شعرية الكتابة إن على مستوى اللّغة أو الصورة وحتّى على مستوى الموضوعات، فكتابة العواطف والخواطر لم يتغير نبضها ولم تواكب بعد المأمول من خلف تأثير تقنيات التواصل الراهنة، حتّى المنجز السردي لم نره بعد يقتحم مجال التجريب التقني عدا بعض الإشارات والتلميحات التي لا ترقى إلى أن تُشكل ظاهرة أدبية.
والحال هذه فإنّنا سنُبالغ كثيراً إذا توهمنا وجود "نقد رقمي" يمكنه ملأ العين، أضف إلى ذلك أنّه حتّى الناقد الّذي يتوسل أدوات تقنيات التواصل لا يقرأ الأدب إلاّ داخل دوائر النقد التقليدي، فهو يُصنفه وفق الأجناس والمذاهب الأدبية المعروفة من قبل، وهو كذلك يستخدم إجراءات المناهج النقدية المألوفة التي تحاول إخضاع النص الأدبي لسلطانها، والشاهد هنا أنّ الدرس النقدي لم يتأقلم مع الرقمي الّذي يتجاوز النص الأدبي فيه معايير الشِّعرية التقليدية عدا اللّغة التي ستظل الفاعل المُهيمن في الأدب التقليدي والأدب الرقمي كذلك.
قد يكون المُعوّل عليه في الأدب الرقمي هو الخروج بوظيفة الأدب من مفهوم الإمتاع والمُؤانسة إلى مفهوم الإبداع والتسلية، وهذا جدير بأن يُخلخل الكثير من أساسيات الدرس النقدي الّذي يجب عليه تحيين إجراءاته المنهجية وإعادة النظر في تموضعه من النص الأدبي، من أجل أن نبدأ التفكير في مناقشة جدوى التقدم في هذا المجال، وما لم يشتغل الناقد على تغيير الخلفيات المفاهيمية التقليدية فإنّه سيبقى بعيداً عن النقد الرقمي المأمول، وأوّل ما يجب طرحه في هذا المجال تحديد الغاية من النقد الرقمي، فهل المروم منه النص الأدبي أم التقنية.خلاصة الفهم أنّ النقد الرقمي إذا ما تركزت دعائمه قد يحمل في ثناياه جملة من الإكراهات والإلزامات لماهية الأدب ووظيفته، من شأنها أن تعصف ببعض الأجناس الأدبية التقليدية وتعويضها بأخرى يستدعيها الراهن، وهذا التغريب يتطلب تهيئة وجدانية وذهنية لدى الإنسان الّذي سيبقى الأُسّ الثابت في كلّ عملية إبداعية سابقة أو لاحقة.