أسفر العدوان الصهيوني على قطاع غزة المتواصل منذ أكتوبر 2023 على محو مدنية رفح جنوب القطاع من الخارطة بشكل كامل، وذلك ضمن واحدة من أبشع صور الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي عرفها العصر الحديث.
وحسب بيان المكتب الإعلامي الحكومي في غزة فإن مدينة رفح التي أزيلت من الخارطة ترزخ تحت وطأة كارثة إنسانية شاملة ودمار هائل طال كل مناحي الحياة، بفعل الإبادة الجماعية الشاملة التي شنها جيش الاحتلال الصهيوني الهمجي الذي لم يرحم بشرا ولا حجرا بشكل منهجي، يعكس نية الاحتلال المبيتة لإفراغ الأرض من أهلها وتغيير معالمها الجغرافية والديموغرافية، مؤكدا أن هذه الجرائم لن تمر دون حساب، وأن صمود أهل محافظة رفح وباقي أبناء الشعب الفلسطيني سيظل شاهدا حيا على أن إرادة الحياة أقوى من آلة الموت. ووفق نفس البيان الصادر أمس فإن الاحتلال الصهيوني حول محافظة رفح إلى منطقة عسكرية مغلقة عازلا إياها تماما عن باقي محافظات قطاع غزة، واعتبرها منطقة حمراء كاملة، وماضيا في ارتكاب مجازر مروعة بحق المدنيين العزل، ومتسببا في تدمير ممنهج وشامل للبنية التحتية والمرافق الحيوية والمنازل السكنية، ما جعل المدينة غير صالحة للحياة.
وحسب المصدر ذاته فإن محافظة رفح التي تبلغ مساحتها 60 كلم مربع ويسكنها قرابة 300 ألف نسمة، وتمثل حوالي 16 بالمائة من مساحة قطاع غزة، تعكس حجم مأساة مهول، لافتا إلى أن المستشفيات فجرها الاحتلال، الشوارع مجرفة، المباني مدمرة، والمساجد والأسواق والميادين العامة سويت بالأرض، معلنا المدينة منطقة منكوبة في ظل ما تعرضت له من تهجير قسري ودمار شامل.
وكشف المكتب الإعلامي الحكومي عن تدمير الاحتلال أكثر من 90 بالمائة من منازل محافظة رفح بشكل كامل، أي ما يزيد عن 20 ألف بناية تحتوي على أكثر من 50 ألف وحدة سكنية، إلى جانب تدمير 20 بئر مياه من أصل 24 بئر، مما حرم عشرات آلاف العائلات من المياه الصالحة للشرب، كما طال التدمير حسب نفس المصدر أكثر من 85 بالمائة من شبكات الصرف الصحي، ما حول المدينة إلى بيئة موبوءة، بالإضافة إلى تدمير وتجريف 320 كلم طولي من الشوارع بشكل كامل.
وفي السياق ذاته دمر المحتل بمحافظة رفح 12 مركزا طبيا خرجت عن الخدمة، أبرزها مستشفى الشهيد أبو يوسف النجار الذي فجره المحتل بروبوت متفجر، كما دمر مستشفى الولادة، والمستشفى الإندونيسي، إلى جانب تدمير 8 مدارس ومؤسسات تعليمية بشكل كامل و100 مسجد. ووجه المكتب الإعلامي الحكومي في غزة نداء عاجلا إلى المجتمع الدولي وهيئات الأمم المتحدة، والمنظمات الإنسانية لتحمل مسؤولياتهم القانونية والأخلاقية، كما طالب بالضغط على جيش الاحتلال للانسحاب من محافظة رفح، وتوفير ممرات آمنة لإغاثة أهالي المحافظة المحاصرين والذين يهددهم الاحتلال بالقنص والقتل، إلى جانب إرسال بعثات لتقصي الحقائق حول جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي ارتكبها الاحتلال في محافظة رفح وعموم غزة، ومحاسبة المحتل على جرائمه بحق المدنيين العزل.
وعلى صعيد تطورات الأوضاع الميدانية في قطاع غزة، كشفت وزارة الصحة أمس عن إحصاء 26 شهيدا و113 إصابة خلال 24 ساعة ، ليرتفع عدد الشهداء منذ استئناف الاحتلال عدوانه في 18 مارس الماضي إلى 1355 شهيدا و3297 إصابة، في حين ارتفعت الحصيلة الاجمالية للضحايا منذ بداية العدوان إلى 50695 شهيد و115338 إصابة.
وفي الإطار ذاته أكد أمس وكيل وزارة الصحة يوسف أبو الريش خلال لقائه مع منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية بالإنابة «سوزانا تكاليتش» أن الوضع الإنساني والصحي في قطاع غزة وصل إلى مستويات خطيرة وكارثية، لافتا إلى أن 59 بالمائة من الأدوية الأساسية و37 بالمائة من المهام الطبية رصيدها صفر، مضيفا بأن استمرار إغلاق المعابر يفاقم الحالة الصحية لمئات المرضى والجرحى ممن ينتظرون السفر للعلاج بالخارج، وكشف عن إحصاء 13 ألف حالة مرضية بحاجة إلى مغادرة القطاع لمتابعة العلاج التخصصي.
وأكد وكيل وزارة الصحة أن منع الإمدادات الغذائية يهدد الأمن الغذائي ويزيد من خطورة تسجيل حالات وفاة بين الأطفال بسبب سوء التغذية والإصابة بفقر الدم، وأضاف أن مستشفيات القطاع بحاجة ماسة إلى محطات الأكسجين لتمكين الأقسام الحيوية بمتابعة تقديم الرعاية الطبية للجرحى والمرضى، وأكد نفس المصدر أن عديد التدخلات الطارئة لا يمكن اتمامها جراء عدم توفر الأجهزة الطبية التشخيصية، وأفاد أن الاستهداف المباشر لطواقم الإسعاف والفرق الإنسانية يشكل عائقا كبيرا أمام جهود إخلاء الجرحى والمصابين، كما أن تعطل شبكات المياه يزيد من المخاطر الصحية والبيئية وتفشي الإسهال والأمراض الجلدية.
في سياق متصل أكد بيان لوزارة الصحة أن منع الاحتلال الصهيوني إدخال لقاحات شلل الأطفال إلى قطاع غزة يشكل قنبلة موقوتة تهدد بتفشي الوباء، وامعان في الاستهداف غير المباشر لأطفال القطاع، وأكدت أن 602 ألف طفل يتهددهم خطر الإصابة بالشلل الدائم والإعاقات المزمنة ما لم توفر لهم اللقاحات اللازمة، ودعت وزارة الصحة الجهات المعنية الضغط على الاحتلال لإدخال اللقاحات وإتاحة ممرات آمنة لضمان الوصول إلى الأطفال في مختلف مناطق القطاع.
نورالدين ع