طفى إلى سطح الأحداث الوطنية مؤخرا، ما سمي بـ «تحدي البودكاست ريفكا» الذي جمع أكثر من 10 آلاف شاب في ساحة رياض الفتح بالعاصمة، من أجل «مزحة» مشاركته حفلة عيد ميلاده، رغم أن الأمر يتعلق بإحدى تحديات الشاب «ريفكا» الذي لم يتجاوز 21 سنة، إلا أنه أيقظ وعيا اجتماعيا وسياسيا وثقافيا بأهمية هذه الوسيلة الافتراضية التي تصنع التغيير في المجتمعات منذ 13 سنة، إنها البودكاست أو البث الصوتي عبر شبكات التواصل الاجتماعي، خاصة اليوتيوب، سناب شات وانستغرام، التي نقلت الشباب من واقعهم المعاش إلى عالم افتراضي ينعكس تأثيره بطريقة أو بأخرى على الحياة اليومية. الملفت للانتباه في ما حدث الشهر المنصرم مع «ريفكا»، هو التنافس الإعلامي والسياسي في محاولة لتفسير الأمر من منابر لا تزال تنتج خطابا تقليديا، يختلف كثيرا عن خطابات البودكاست التي تغوص في عمق آهات الأجيال القادمة لتصنع لها مخرجا افتراضيا نحو مستقبل يرسم بطريقة مغايرة، لما يعكف على صناعته اليوم الخطاب الإعلامي، وحتى بعض السياسيين. وسط هذه الجدلية السوسيوـ سياسية، حاولت النصر تناول جوانب من الحدث لمقاربة تفسير ظاهرة «البودكاست» وانعكاساتها على المجتمع الذي يعيش تغييرات بلغت درجة الانسياق وراء فيديوهات فكاهية ترفيهية لصناعة «وعي افتراضي» في واقع حقيقي.
يوسف بعلوج صاحب أول منصة جزائرية
عدم التكلف جعل الرسائل تصل دون حواجز
أكد يوسف بعلوج صاحب أول منصة جزائرية «بودكاست أرابيا»، أن انجذاب الشباب لفيديوهات نظرائهم من الناشطين عبر شبكات التواصل الاجتماعي، نابع عن عدم تكلف هؤلاء البودكاست في لغتهم التي جعلوها مماثلة للغة يوميات الشباب بمختلف أصنافهم و مستوياتهم، وبالتالي كانت الرسالة تصل دون حواجز بين المرسل و المتلقي، وأصبحت ملاذا يبعدهم عن الخطاب الإعلامي.
وأبرز يوسف بعلوج في اتصال مع النصر، أن خطاب البودكاست يتوجه أساسا لفئة مغيبة وغير مهتمة بما يدور حولها، لأنها لم تجد من يعبر عنها في الواقع المعاش، ولا من يشعر بحاجتها لمواكبة التطورات الحاصلة في العالم، فالتغيير التكنولوجي، وفق محدثنا، و دمقرطة التجهيزات الإلكترونية و انخفاض ثمنها، جعل الإنترنت ينتقل من مرحلة الاستعمال المحدود إلى اعتباره ضرورة يومية، سمحت بظهور جيل من الشباب المشاهير الذين استغلوا شبكات التواصل الاجتماعي، خاصة يوتيوب، لنشر فيديوهات وأصبحوا يستمدون تأثيرهم من عدد متابعيهم و أغلبهم يقاربونهم في السن والمستوى الفكري و الاجتماعي.
و ركز يوسف بعلوج، على أن هؤلاء البودكاست الذين أغلبهم مراهقين أو في بداية مرحلة الشباب،و لا يمكن انتظار منهم أن يحملوا أفكارا إصلاحية للمجتمع أو أن يتموقعوا في مرتبة المثل الأعلى لدى متابعيهم، بل هم يقومون فقط بصناعة محتوى ترفيهي كوميدي يحقق المتعة والفرجة ، عكس المحتوى التلفزيوني الذي ينتظر شهر رمضان لتقديم مثل هذه الأمور.
و أضاف بأن «بودكاست أرابيا» هو أول مشروع من نوعه بالجزائر، يهتم برفع مستوى الوعي بأهمية شبكات التواصل الاجتماعي كبيئة إنتاجية تسويقية ولفت انتباه المنتجين والمعلنين إليها، وكشف المتحدث عن قرب انطلاق أول مشروع سينمائي يهتم بهذه الفئة من الشباب أي البودكاست، وهو من تمويل وزارة الثقافة وينتظر الحصول على الموافقة الرسمية وميزانية العمل للانطلاق في التصوير، وهو الإنتاج السينمائي المنتظر أن يشارك فيه البودكاست «ريفكا» الذي أحدث ضجة بجمعه مؤخرا 10 آلاف شاب في رياض الفتح بالعاصمة بعد مزحة عيد ميلاده.
ب/ خيرة
«دي زاد صاميز»
البودكاست حقق لي حلم التمثيل الذي تحطم في الواقع
قال البودكاست «دي زاد صاميز»، أن توافد المشتركين والمعجبين بالفيديوهات التي تنشر عبر يوتيوب واستجابتهم لنداء البودكاست باللقاء في الواقع أي الاجتماع بهم في ساحة أو فضاء ما، مصدره يكمن في طريقة التواصل معهم، سواء مباشرة بلقاء فقط المشتركين والمعجبين بك في القناة، أو في بعض الحالات عن طريق دعم من صديق حقق شهرة في مجال معين، و بالتالي يجتمع معجبين بالطرفين في لقاء واحد و يكون الحدث.
و أضاف في اتصال هاتفي بالنصر، أنه حاول التميز عن باقي البودكاست الجزائريين، بكونه يستجيب لرغبة معجبيه في التنقل إلى ولاياتهم، حيث زار لحد الآن عدة ولايات، منها العاصمة التي حقق بها قبل سنتين تجميع حوالي 4 آلاف شاب، وقال إن جمهور العاصمة يبقى مميزا عند كل بودكاست، إلى جانب سطيف ، غليزان، معسكر و وهران، في انتظار طوافه بكل ولايات الوطن، مثلما قال، استجابة لطلبات المنخرطين معه في قناة يوتيوب.
«دي زاد صاميز» ، شاب لا يتجاوز 28 سنة، توقف عن الدراسة في مستوى السنة الرابعة متوسط ، بسبب ظروف عائلية خاصة بعد وفاة والده، ويعتبر الفيديوهات التي ينشرها عبر يوتيوب، فرصة افتراضية لتجسيد موهبة التمثيل المسرحي التي لم يستطع خوضها واقعيا، لأنه لم يجد من يأخذ بيده ويوصله لتحقيق أمنية ولوج الفن الرابع.
علما بأنه كان في صغره يقدم مسرحيات في إطار التجمعات الكشفية، وسمح له يوتيوب بتقديم فيديوهات مختلفة، منها التي تعبر عن أفكار معينة ومنها التي تأتي دون سابق إنذار، مثلما أفاد، أي مصدرها سلوكات معينة تؤثر فيه أو تعليقات توحي له بفيديو ما، و ذكر محدثنا أن ما كان يشجعه أكثر هو التعليقات التي أغلبها إيجابية وحتى السلبية، كانت من أجل تصحيح الأخطاء، وهي دوافع قوية له للاستمرار والإبداع، حسبما أشار، لدرجة أنه بعد سنوات من الإنتاج «البسيط»، مثلما وصفه، سيرتقي «دي زاد صاميز» بإنتاجاته المقبلة، خاصة بعدما تمكن من شراء معدات جديدة تسمح له بتقديم فيديوهات أحسن، وهذا لكونه يعمل في مجال تزيين المنازل والديكورات بالجبس وهو فن أيضا. ب/ خيرة
الدكتورة نجاة لحضيري باحثة في «كراسك» وهران
أغلب المنساقين وراء العالم الافتراضي من الفئات الهشة
دعت الدكتورة نجاة لحضيري الباحثة في كراسك وهران، لضرورة التكفل بالشباب الناشطين عبر شبكة التواصل الاجتماعي، وأوضحت أنه يجب على المسؤولين ضمان تكوين و تأطير للبودكاست، حتى لا يتجاوز بعضهم الحدود ويمسون بالحريات وبالأخلاقيات، خاصة وأن أغلبهم يطرحون أفكارا ربما دون وعي يتلقاها الشباب كذلك دون وعي وهنا الخطر، حيث أكدت أن القاعدة الرقمية تحولت من وسيلة تقليدية لنقل المعلومة، إلى قاعدة للتواصل الشخصي مع جماعات اجتماعية لا حدود لها.
واستطاع هؤلاء الأشخاص تبليغ الرسالة و اكتساب تأييد تلك الجماعات لأفكارهم وطرحهم، وحسب المتحدثة ، فإن هؤلاء الشباب المنساقون وراء أطروحات فيديوهات يوتيوب وانستغرام وغيرها، وجدوا ضالتهم في من يسمع انشغالاتهم ومشاكلهم ويعبر عما يختلج في خواطرهم، وكذا من يبعث لهم بصيص أمل في غد أفضل، ولو كان هذا الأمر افتراضيا فقط، لأن الواقع مختلف.
ويحدث هذا في غياب تأطير قانوني لهذه المنظومة التي تتميز بالحرية المطلقة التي يمكن في بعض الأحيان، أن تلغي كل قيم المجتمع وتبتعد عن الأخلاقيات وتتجاوز احترام أسس الدولة.
وأضافت الدكتورة نجاة لحضيري ، في لقاء مع النصر، أن الأخطر هو طرح أفكار واكتساب تأييد الجماعات من طرف أشخاص مستواهم التعليمي والثقافي يبقى محدودا، وبالتالي يمكنهم تسريب أية أطروحات وإقناع الشباب خاصة المراهقين.
علما بأن أغلب هؤلاء المنساقين نجدهم من البطالين أو المتسربين من المدارس أو فئات تعيش مشاكل عائلية و اجتماعية وغيرها من الفئات الهشة في المجتمع التي تجد في البودكاست الافتراضي، متنفسا لها من ضيق الواقع، كما أنها تجد أحلامهم تتحقق افتراضيا، في الوقت الذي عجزت فيه عن رؤية بصيص أمل في الحياة العادية.
و فسرت الدكتورة نجاة انسياق الشباب وراء ما يطرحه الناشطون عبر شبكة يوتيوب، بأن البودكاست يسمع انشغالاتهم ويبعث لهم شعاع الأمل في حلها أو التعايش معها، رغم أن بعض المنشورات لا تخلو من الاعتداء على الخصوصيات وخدش الحياء من خلال الصور التي تنشر أيضا، وفق المتحدثة،
لذا يجب تدخل الأولياء والمدرسة وكل المؤسسات التي يمكنها إيجاد تأطير وتكفل بهذه الشريحة من شباب يوتيوب، حتى يمارسوا حريتهم دون تجاوز الأخلاقيات.
وأضافت الدكتورة نجاة، أن شبكات التواصل الاجتماعي، خاصة يوتيوب الذي أصبح أكثر استعمالا من طرف الشباب، لم يقتصر تأثيرها على الشباب فقط، بل تعداه إلى وسائل الإعلام، التي أصبحت تصنع منه حدثا.
أوضحت الباحثة أنها بدأت في خوض مجال الإعلام الرقمي منذ 2013 ، حيث شاركت في مشروع أورومتوسطي في إطار تجمع دولي لباحثين حول تكنولوجيات الإعلام و الاتصال، وأساسا دراسة تأثير و استخدام هذه التكنولوجيات على الشباب، مفيدة أنها من خلال هذا المشروع، تناولت مسألة المشاركة السياسية للشباب الجزائري من خلال صفحات فايسبوك التي تعتبر، وفق نتائج البحث، فضاء لمشاركة قوية لهؤلاء الشبان في الفعل السياسي ويعكسون من خلال صفحاتهم وتعليقاتهم في الفضاء الأزرق، توجهات وأفكار سياسية، لا يظهرونها في الواقع المعاش الذي يتسم بعزوف قوي لهم عن المشاركة و الحضور في الفعل السياسي.
حسب تبريرات عينة البحث، فإن فايسبوك يمنح لهم حرية التعبير عما يدور في خواطرهم وهذا دون الكشف عن هوياتهم الحقيقية، وكأنهم يتوارون وراء الفضاء الافتراضي للبوح بحرية عما يعجزون عن قوله في الحياة العادية. بينما كانت مشاركة الباحثة في تونس الصائفة الماضية، تتمحور حول الإعلام الرقمي في الدول العربية والتحول المجتمعي، أين طرحت مسألة تعامل الشباب مع الإعلام الرقمي ومدى احترام الأخلاقيات.
و قالت الدكتورة نجاة لحضيري، بأن الإعلام التقليدي تؤطره مواثيق الشرف، أما الإعلام الرقمي فيطبعه غياب النصوص القانونية، وكشفت الدراسة التي اعتمدت على ثلاثة مواقع إعلامية إلكترونية جزائرية، أن خطاباتها تحاول الجمع بين العقلنة وإحداث الإثارة لاستقطاب أكبر عدد ممكن من المشتركين في شبكات التواصل الاجتماعي، بما أن مقروئية الصحف، وحتى مشاهدة القنوات الفضائية أصبحت ضعيفة ، تم تعويضها بالتصفح الإلكتروني.
بن ودان خيرة