* 5 بالـمئة فقــط مـن شهـادات الليسـانـس مهنيــة
أجمع المشاركون في ورشة العمل حول «البكالوريا في الجزائر: تقييم للكفاءات أم للمعارف المكتسبة؟» والتي احتضنها مركز كراسك وهران يوم الخميس المنصرم، أن امتحان البكالوريا في الجزائر لم يتجاوز المستوى المعرفي حيث يمتحن الطالب حول معارفه المكتسبة وليس عن كفاءته في التفكير والإنتاج وبعيدا أيضا عن بلوغ مرحلة الإدراك، وهو ما جعل تصنيف هذا الامتحان يستقر في النقطة الثانية في المقياس العالمي لسنة2015، كما طالب العديد من المتدخلين بضرورة البحث عن تناسق وانسجام وتكامل وتعاون بين التربية الوطنية، التكوين المهني والتعليم العالي، حيث أن المنظومة الحالية تخلق هوة بين الأطوار الثلاثة للتربية والتكوين والجامعة مما يجعل الطلبة في السنة الأولى ليسانس تائهين ولا يشعرون بتواصل المسار التعليمي وعاجزين عن تحديد مسارهم ونسبة إخفاقهم مرتفعة، وفي محاولة للخوض في كيفيات إعادة تأهيل البكالوريا بإعتبارها مرجعية للكفاءات القاعدية، طرحت خلال الورشة عدة تساؤلات حاول المناقشون إثراءها ومنها، هل الحصول على شهادة البكالوريا هو النجاح وهل هو عاكس للمكتسبات المعرفية أو للكفاءة؟
مرجعيات جديدة للبرامج لدعم النجاح بالكفاءات
وفي تدخله، كشف السيد قريدش عبد الحميد مدير المعهد الوطني للبحث في التربية، أن وزارة التربية الوطنية ممثلة في المجلس الوطني للبرامج، تواصل العمل لإصدار مراجع عامة أطلقت عليها تسمية «مروت» أي «مرجعيات عامة تعليمية، تقويمية، تكوينية و تسييرية»، وهذا لدعم المرجع العام للبرامج الذي هو معتمد بقوة وهو مرجع قاعدي، سيتدعم بمراجع أخرى منها المرجع العام للكفاءات المتعلق بالفهم والكتابة، والمرجع العام لتقييم الكفاءات وكذا المرجع الخاص بمختلف المواد والشعب، ويندرج هذا في إطار البحث عن إعادة تحديد البكالوريا.
وقال الدكتور الباحث عمر دراس، إن المنظومة التربوية اليوم في الجزائر، تخلت عن وظيفتها التقليدية المتمثلة في أنها تسمح للمتمدرس والطالب باكتساب مكانة اجتماعية بالنظر لكفاءته، مشيرا أنه قبل التسعينات كانت الشهادة جواز سفر نحو الترقية والنجاح الاجتماعي، وأصبحت البكالوريا اليوم تحت وقع ضغوطات اجتماعية، حيث أن العائلات تريد أن ينجح أولادها في التعليم عبر كل الأطوار لغاية البكالوريا ثم الانتقال للجامعة لتلقي تعليم أكاديمي وليس مهني، وأساس النجاح بالنسبة لها هو العلامات الكبيرة التي يتحصل عليها الطالب، ولخص المتحدث نتائج بحث قام به أبرز أن النجاح في البكالوريا بالنسبة للطبقات الاجتماعية، يشترك في أن أبناء كل الطبقات معرضون للإخفاق في هذا الامتحان، حيث أن أولاد الإطارات السامية يتحصلون على الباك ب 58 بالمائة في المرة الأولى، 34 بالمائة نجحوا في المرة الثانية و 8 بالمائة في المرة الثالثة، بينما أولاد أصحاب المهن الحرة، فينجحون ب 60 بالمائة في المرة الأولى، 35 بالمائة في المرة الثانية و 15 بالمائة في المحاولة الثالثة، ليبقى أولاد العمال والإطارات المتوسطة ومستخدمي الإدارة، ينالون الباك ب 32 بالمائة في المرة الأولى، 22 بالمائة في التجربة الثانية و 40 بالمائة في المرة الثالثة، وفي قراءته لهذه الأرقام، أوضح الدكتور دراس أن الإخفاق في البكالوريا لا يتعلق بالطبقة المجتمعية، بل أن أغلب الذين أعادوا الامتحان للمرة الثانية أو الثالثة كانوا يبحثون عن الحصول على علامات أعلى للالتحاق بتخصصات جامعية «راقية» وفق اعتقادهم مثل الطب.
80 بالمائة من مقاييس الجامعة أكاديمية في منظومة تطبيقية؟
أما الدكتور ملياني محمد، فأكد أن الهوة واضحة بين أطوار التربية الوطنية التي تعتمد على الجانب المعرفي والتعليم العالي خاصة في صيغة «الألمدي» الذي أساسه الأصلي هو الاعتماد على الكفاءات كون أن أغلب المقاييس المدرجة من المفروض أن تكون مهنية، ولكن الخلل أنه في الجامعة الجزائرية 80 بالمائة من المواد المدرسة طبيعتها أكاديمية، وهذا ما يبقي الطالب في المستوى المعرفي أيضا ولكن بصيغة أخرى ويعمق الهوة وعدم تحديد الهدف المستقبلي للطلبة الذين يختصرون تواجدهم في الجامعة بالحصول على الشهادة لدرجة أنه اليوم أقسام الماستير أصبحت تجمع أكثر من 100 طالب وهذا غير مقبول وفق المتحدث، وفي الجانب الاجتماعي، أبرز الدكتور ملياني أن الحصول على البكالوريا لازال يعتبر مرحلة للتحرر من قيود عائلية ومجتمعية والانتقال لمستوى آخر، وأنه اليوم انغمس في توجهات سياسية وإيديولوجية، مؤكدا أن الحصول على شهادة البكالوريا في العقود الماضية لم يكن كافيا لدخول الجامعة بل كان على الطلبة الخضوع لامتحان مستوى يعتمد على الكفاءة.
5 بالمائة فقط من شهادات الليسانس مهنية
أما مدير المرصد الوطني للتربية والتكوين الباحث مصطفى مجاهدي، فقدم عرضا عن دراسة أنجزها مع فريق بحث تابع لكراسك وهران وكانت تتمحور حول علاقة الشهادة المتحصل عليها والاندماج الاجتماعي لدى شباب وهران وغرداية، وكانت عينة البحث تعادل 5077 شخصا من مختلف الأعمار ما بين 16 و35 سنة، حيث أفرزت الدراسة أن 83,5 بالمائة من الذكور و 87 بالمائة من الإناث يفكرون في إعادة البكالوريا في حالة إخفاقهم في المرة الأولى حيث أن 70,9 بالمائة من العينة يعتبرون أن وجودهم بالجامعة للحصول على الشهادة واستند الباحث لنتيجة توصل إليها المجلس الاقتصادي الاجتماعي سابقا وهي أن 5 بالمائة فقط من الجامعيين متحصلون على شهادة ليسانس مهني، وهذا ما اعتبره الباحث ضعيفا جدا بالمقارنة مع الدول المجاورة التي تصل فيها النسبة إلى 70 بالمائة، علما أن 80 بالمائة من الفئة ما بين 16 و 19 سنة، متواجدون في طور التكوين في مختلف المؤسسات، وتقل النسبة كلما تقدم السن لتعود للارتفاع نسبيا في الثلاثينات، ويفضل الشباب الخضوع للتكوين في المراكز العمومية لأن الشهادة المتحصل عليها معترف بها في سوق العمل وفق 75 بالمائة من المبحوثين الذين يتجهون نحو القطاع العمومي للعمل بحثا عن المهن النمطية، معرجا أيضا على مؤسسات التشغيل والتكوين التي أغلبها تعتمد على الشهادات وليس لها معايير للكفاءات المطلوبة في المهن المتوفرة.
المستوى المعرفي أحد أسباب الغش في الباك
وفيما يتعلق بتفاقم ظاهرة الغش في الامتحانات وفي البكالوريا خاصة مما أصبح يستدعي اتخاذ ترسانة من الإجراءات، فقد أرجع بعض الباحثين الأمر للارتكاز في الأسئلة على الجانب المعرفي وعدم تطوير الأساليب لبلوغ مستوى اختبارالكفاءة أو مستويات أعلى مثل إثبات القدرة على التفكير وإنتاج إجابة نابعة من القدرات الشخصية للطالب، وهذا ما يساهم في لجوء الممتحنين للغش لأن الإجابة نمطية وموحدة عند الجميع، بينما اعتبر آخرون تورط الأولياء في تهوين حالة الغش التي يقوم بها أبناؤهم، دافعا لهؤلاء كي يواصلوا ويتمسكوا بالغش في كل المراحل. في الوقت الذي أجمع فيه الباحثون الحاضرون في الندوة، على أن النجاح في البكالوريا في الجزائر بصيغته الحالية لا يعكس أبدا كفاءة المتحصل على هذه الشهادة التي تسمح له بالمرور للجامعة، وأن شهادتي الباك و اليسانس ليستا سوى أوراق في ملف طلب العمل، وبالمقابل وفق المتدخلين، فإن الإطارات الجزائرية التي تتخرج من الجامعات مطلوبة في الخارج بقوة، وعلى سبيل المثال أن 30 ألف طبيب جزائري يمارسون المهنة في مستشفيات فرنسا.
وأكدت السيدة نعيمة قندوز بن عامر رئيسة مشروع البحث الذي استغرق 3 سنوات، أن الهدف هو إنجاز مرجع وطني للبكالوريا، وطرح الاختلالات التي تم رصدها ميدانيا، خاصة مع عمل الباحثة السيدة فرحاني فاطمة التي اعتمدت على تقييم الإصلاحات التي بدأت سنة 2003، حيث تناولت نتائجها في فترات مختلفة، أما الأستاذة الباحثة السيدة حميدو فاختصت في وضع مقاربات لتجاوز مرحلة المعرفة في اللغة الفرنسية أساسا التي تعمقت في دراستها، وقال مدير قسم أنثروبولوجيا التربية وأنظمة التكوين بكراسك وهران، فؤاد نوار، أن الهدف من البحث هو دراسة البكالوريا كظاهرة إجتماعية، وتحديد أسس التقييم هل يكون للتلميذ أو المؤسسة التربوية أو الأساتذة، أم تقييم الولايات الأكثر نجاحا عن غيرها بناء على القوائم ونسبة النجاح؟ كما طرح المتحدث عدة أسئلة أخرى تسمح الإجابة عليها بالوصول لتقييم الباك، ومنها هل هناك ملمح مبرمج للطالب المقبل على البكالوريا؟ و يعني، هل تتم برمجة ما يتلقاه التلميذ في الطور الثانوي من أجل إنهاء هذه المرحلة بشهادة تعكس فعلا ذاك الملمح المطلوب لهدف مستقبلي؟
بن ودان خيرة