انتقدت وزارة الدفاع الوطني بشدة، مواقف عسكريين متقاعدين تناولوا عبر كتابات صحفية موقف المؤسسة العسكرية من الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها شهر أفريل 2019، وقالت وزارة الدفاع، إن هؤلاء الأشخاص “تحركهم الطموحات المفرطة والنوايا السيئة”، و وصفتهم بـ"الناقمين وضيقي الأفق"، والذين استغلوا وسائل إعلام «غير نزيهة»، وهددت باتخاذ الإجراءات القانونية الملائمة ضد هذه التصرفات التي تجاوزت حدا لا يمكن السكوت عنه.
ردت وزارة الدفاع في بيان أصدرته، أمس، على مقالات صحفية مكتوبة من قبل عسكريين متقاعدين، في إشارة إلى الأمين العام السابق لوزارة الدفاع الوطني، علي غديري، الذي نشر مقالات صحفية.
وأوضحت الوزارة في البيان أنه «مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي الرئاسي، يحاول بعض الأشخاص، ممن تحركهم الطموحات المفرطة والنوايا السيئة، إصدار أحكام مسبقة إزاء مواقف المؤسسة العسكرية من الانتخابات الرئاسية، ويمنحون أنفسهم حتى الحق في التحدث باِسمها، باستغلال كافة السبل، لاسيما وسائل الإعلام».
كما وصفت وزارة الدفاع، أصحاب تلك المقالات بأنهم أشخاص «ناقمين وضيقي الأفق»، كونهم «لن يتوانوا عن استعمال وسائل غير نزيهة، يحاولون، عبثا، التأثير في الرأي العام وادعاء مصداقية تعوزهم». وأشار البيان، إلى فشلهم في تحقيق أي صدى عقب مداخلاتهم الكتابية المتكررة عبر وسائل الإعلام، ولذا هم «يحاولون، دون جدوى، تقمص دور خبراء متعددي الاختصاصات، فإنه قد تم توجيههم لمخاطبة القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي، كخيار أخير».
الجيش في خدمة الشعب دون سواه
وجدّدت وزارة الدفاع موقفها الرافض إقحامها في الشأن السياسي، بتأكيدها على» أنهم بهذا التصرف، نسوا أو تناسوا أن المبادئ الراسخة التي، لطالما، استرشد بها الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الوطني، قد جعلت منه مؤسسة في خدمة الشعب الجزائري وحده دون سواه، الذي بدوره يرى في جيشه ذلك الحصن المنيع الذي يحمي الجزائر من كل الأخطار ويضمن لها الأمن والسكينة”.
وتأسفت وزارة الدفاع، لكون تلك الأفعال «من صنيعة بعض العسكريين المتقاعدين»، خاصة وأنهم «خدموا مطولا ضمن صفوف الجيش الوطني الشعبي»، ثم بعد ذلك التحقوا، بمن أسمتهم وزارة الدفاع «الدوائر المريبة والخفية»، قصد الوصول إلى أطماع شخصية وطموحات جامحة لم يتمكنوا من تحقيقها داخل المؤسسة.
واجب التحفّظ سقط أمام هوس الانتقام
وشدد بيان وزارة الدفاع على التزام العسكريين بواجب التحفظ، وهو الواجب الذي لم يول له الأشخاص الذين انتقدهم البيان، أي اعتبار، برغم الاعتبارات القانونية المحددة بموجب القانون رقم 16-05 المؤرخ في 03 غشت 2016، والذي يضعهم تحت طائلة المتابعة أمام العدالة، حيث يحاولون الخوض في السياسة، وقالت الوزارة بأن الدافع وراء ذالك هو «هوس الانتقام» وهم بذلك ينصبون أنفسهم، دون احترام أدنى قيمة أخلاقية، «وعاظا يلقنون غيرهم الدروس».
وبعبارات شديدة اللهجة وحادة، تابعت المؤسسة العسكرية قولها :” إن هؤلاء الذين خانهم حس التقدير والرصانة، الذين يدّعون حمل رسالة ودور ليسوا أهلا لهما، ويخوضون دون حرج ولا ضمير، في ترّهات وخرافات تنبع من نرجسية مرضية تدفعهم لحد الادعاء بالمعرفة الجيدة للقيادة العليا للجيش الوطني الشعبي، وبقدرتهم على استقراء موقفها تجاه الانتخابات الرئاسية، وهو ما يشكل انحرافا جسيما ينّم عن درجة متقدمة وخطيرة من اللاوعي الذي لا يُحدثه إلا الطموح الأعمى”.
الجيش في غنى عن دروس لأشخاص لا وجود لهم
و واصل بيان وزارة الدفاع، رده على أصحاب تلك المقالات، منوها بدور الجيش الوطني الشعبي الذي يستند مسعاه ونهجه إلى طابعه الشرعي والجمهوري في ظلّ احترام النظام الدستوري، وهو في غنى تامٍ عن أي دروس يُقدمها له أشخاص لا وجود لهم إلا من خلال الدوائر التي تتحكم فيهم.
وأكد البيان، بأن الخطاب الذي «يسوّقه هؤلاء» يتسم بعدم الانسجام، «لاسيما فيما يتعلق بقضية يتناولونها بإلحاحٍ» ويتعلق الأمر بمسألة «إتاحة الفرصة للشباب لتبوء مناصب المسؤولية في أعلى هرم الدولة، الذي يمليه عليهم على الأرجح عرابوهم»، واعتبرت بأن هذا التضارب يفضح نواياهم الحقيقية ويعري مقاربتهم العرجاء، على اعتبار أن هذه المسالة بالذات غير مطروحة أصلا، باعتبار أن غالبية الوظائف العليا في الدولة يشغلها حاليا إطارات من جيل ما بعد الاستقلال. واستطرد البيان مؤكدا «أما بخصوص الجيش الوطني الشعبي، فقد تم تكريس هذا المبدأ ميدانيا وفعليا، حيث وحدها معايير الاستحقاق والكفاءة هي المعتمدة في إسناد مختلف المسؤوليات».
دعوات إقحام الجيش مؤامرة دبرتها دوائر مستترة
كما رد البيان على الدعوات المتكررة لإقحام الجيش في السياسة، والانتقال الديموقراطي، واعتبر بأن تلك الدعوات تتجاهل المهام الدستورية للجيش، من خلال مطالبة هؤلاء الأشخاص، علناً، نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، «بتحمل مسؤولياته والتي تكمن، بحسب زعمهم، في تعزيز المكتسبات الديمقراطية، وذلك من خلال خطاب تهويلي وسيء النية».
وتضيف وزارة الدفاع، بأن «تحامل هؤلاء الأشخاص على المؤسسة، التي كبروا فيها بكل ما تحمله هذه الكلمة من دلالات»، يبرز بوضوح أن مسعاهم، «غير الفردي المستند إلى مبررات واهية وزائفة، يبدو جليا أنه وليد خطة مبيتة ومؤامرة دبرتها دوائر مستترة».
كما هاجمت وزارة الدفاع الوطني تحليلات بعض الشخصيات المرتبطة بالمؤسسة العسكرية مشيرة إلى أنه وفي “محاولة فاشلة للظهور عبثا في ثوب البراغماتية والواقعية، نجد أن تحليل مكانة الجزائر على المستوى الإقليمي، الذي يسوقه هؤلاء المحللون المبتدئون، يظهر، على أكثر من صعيد، بأن معرفتهم بالمجال الجيوسياسي الذي يتشدقون بالإلمام بخباياه، لا تؤهلهم حتى بالإحاطة بمفهوم “الدولة المحورية”، كما أنه يميط اللثام على نواياهم الحقيقية في تقزيم والتقليل من المكتسبات التي تم تحقيقها بفضل الإستراتيجية الأمنية التي تتبناها القيادة العليا، بما في ذلك التعاون الإقليمي والدولي الذي يتم تجسيده في إطار الاحترام التامّ لنصوص التشريع الوطني”.
ودافعت وزارة الدفاع، عن «الإستراتيجية المتبصرة» المنتهجة من قبل القيادة العسكرية، والتي سمحت برفع العديد من التحديات التي تواجهها منطقتنا، خصوصا في ميدان مكافحة الإرهاب، «حيث استحقت مساهمة بلادنا وقواتها المسلحة في إرساء موجبات الاستقرار في المنطقة، الإشادة على الصعيد الدولي، سيما في مجال مكافحة الإرهاب، أين أصبحت الإستراتيجية والأنماط العملياتية المنتهجة مثالا يُحتذى ونموذجا يُدرّس في المدارس والمعاهد».
وختمت وزارة الدفاع، بيانها بالتأكيد على أن هذه «التصرفات المتكررة قد تجاوزت، بتماديها، حدا لا يمكن السكوت عنه»، لتعلن بأنها تحتفظ بحقها كاملا في اتخاذ، الإجراءات القانونية الملائمة ضد هؤلاء.
ع سمير