كشف بنك الجزائر أنه كان ضد التوجه نحو التمويل غير التقليدي محملا الوزير الأول السابق، أحمد أويحيى، مسؤولية اللجوء إلى طبع الأموال رغم خطورته، وتفضيل الحلول الآنية بعيدا عن التفكير في انعكاسات تلك الخطوة على الاقتصاد الوطني، مشيرا إلى رفضه كل الحلول البديلة التي تقدم بها البنك المركزي.
حمل بنك الجزائر، مسؤولية طباعة النقود التي شرع فيها شهر نوفمبر 2017 إلى حكومة الوزير الأول السابق أحمد أويحيى الذي رفض كل الحلول البديلة التي تقدم بها البنك المركزي من أجل عدم الوقوع في “خطر صب الزيت على النار”. وذلك في تقرير نشره البنك المركزي على موقعه الالكتروني، سلط الضوء على حصيلة تنفيذ التمويل غير التقليدي للميزانية، وتقييم سياسة المالية التي انتهجتها حكومة أحمد أويحيى منذ سنة 2014.
وقال بنك الجزائر، إن اللجوء إلى هذا الإجراء بسبب الانخفاض الحاد في أسعار النفط ، بداية من منتصف سنة 2014، اثر سلبا في المالية العامة للدولة. وقد أدى هذا الوضع المالي إلى تآكل سريع من المخزون في الميزانية المتراكمة منذ سنوات، ما أدى إلى تعليق العديد من مشاريع الأشغال.
وكشف التقرير الذي تضمن تفاصيل حول المسار الذي اعتمدته الحكومة قبل اللجوء إلى قرار التوجه نحو التمويل غير التقليدي وطبع النقود، وقال بنك الجزائر، إنه أمام شح الإيرادات بسبب تدني أسعار المحروقات، وقلة الخيارات البديلة المتاحة بعد رفض خيار الاستدانة من الخارج، اقترح فريق من الخبراء تم تشكيله على مستوى الوزارة الأولى، باللجوء إلى خيار التمويل غير التقليدي، وأعد الفريق في أفريل 2017، مذكرة تضمنت بعض الحلول المقترحة للازمة، وألح على ضرورة اللجوء إلى التمويل غير التقليدي كحل مناسب للازمة المالية التي تشهدها الجزائر.
وقامت الوزارة الأولى في ماي 2017، بتوجيه المذكرة إلى بنك الجزائر للاطلاع عليها وإبداء الرأي بشأنها، حيث أبدى البنك المركزي بعض الملاحظات بشأن الوثيقة، ومنها أن الوضع المالي في الجزائر يختلف كلية عن الوضع السائد في العديد من الدول التي انتهجت هذا النمط من التمويل المالي للخزينة وأعطى أمثلة كالولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا واليابان، وهي نفسها الدول التي اعتمد عليها الوزير الأول لتبرير قرار لجوء الحكومة للتمويل غير التقليدي.
وأشار بنك الجزائر حينها، بان الأدوات المالية التقليدية المستعملة في هكذا حالات أزمة لم تستنفد كلها من أجل المرور إلى قرار إصدار النقود بدون غطاء، والذي يعتبر الأخطر على الإطلاق، ولا يمكن اللجوء إليه إلا بعد استنفاد كل السبل والوسائل والحلول النقدية المتاحة للبنك المركزي على غرار السوق المفتوحة وإعادة الخصم. وقال التقرير بهذا الخصوص، بان قرار إعادة التمويل البنكي لم يشمل سوى سندات عمومية، وأكثر من ذالك فان البنوك كانت تحتوى في أرصدتها على مواد مالية خاصة تسمح لها بتغطية حاجيات تمويل الاقتصاد.
بنك الجزائر حذر من مخاطر تضخمية
وقال التقرير، بأن خبراء بنك الجزائر استبعدوا كليا قرار طباعة النقود، لما يسببه من “ارتفاع في معدلات التضخم والانهيار الخطير لقيمة العملة الوطنية”، وأيضا بسبب وجود حلول أخرى ممكنة بالنسبة للحالة الجزائرية، على غرار “السوق المفتوحة وإعادة الخصم”، كما أن معدل الفائدة الأساس من البنك المركزي بعيد جدا عن الصفر، ثم أن هناك هامش أخر وهو “الحركة في نطاق الاحتياطي الإلزامي” الذي يمكن من توفير سيولة للبنوك التجارية، ما يسمح لها بتوفير هامش إقراض مريح للاقتصاد، بعيدا عن اللجوء إلى القرار غير محمود العواقب، المتمثل في طبع النقود.
وجاء ضمن التقرير أن البنك المركزي، لا يمكنه التدخل في السوق الأولية من خلال تقنية التيسير الكمي، لخطورتها ولأنها في الأول والأخير لا تعني سوى إصدار النقود بدون أي غطاء من أجل تمويل عجز الخزينة، لكون عملية من هذا النوع ستزج بالاقتصاد في حلقة تضخمية ترافقها حتما حالة تراجع لقيمة العملة غير منتهية، وهو ما يفسر منعها من قبل القانون الذي يحكم بدقة عمليات التسبيق من البنك المركزي للخزينة العمومية. ويضيف التقرير أن قرار من هذا النوع يذهب في الاتجاه العكسي لسياسة تعزيز الميزانية التي تهدف الدولة إلى تحقيقيها على المدى المتوسط.
بنك الجزائر تعامل مع قرارات متناقضة
وأشار التقرير، للمفارقة، إلى التناقض الحاصل في القرارات الحكومية، مضيفا أن بنك الجزائر كان مطالبا بالتعامل مع تلك التناقضات، وأن الوزارة الأولى، وعبر فريق الخبراء، طلبت من بنك الجزائر، اللجوء إلى خيار طبع النقود، رغم أثاره التضخمية على الاقتصاد وتعويم السوق بالسيولة، وفوق ذلك طلب منها كذلك «عدم صب الزيت على النار» من خلال منع مسار تضخمي، وعدم إغراق السوق بالسيولة، الذي هو في الأصل مرتبط بقرار طبع النقود. ومن بين التوصيات المتناقضة، ما يتعلق بمعدل الفوائد، حيث اقترحت اللجنة، خفض نسب الفوائد لتشجيع الحركة الاقتصادية، كما أوصت في الوقت ذاته برفع النسبة لمواجهة تبعات التضخم المالي.
وقال التقرير أن حكومة أحمد أويحىى كانت تعتقد أن “الحد الأقصى لحجم التمويل غير التقليدي ينبغي أن يكون في حدود 1600 مليار دينار، خلال سنة 2017، وأضاف التقرير بان هذا المستوى تم بلوغه تقريبا في غضون الخمس أشهر الأولى من السنة، منها 657 مليار دينار بعنوان إعادة التمويل المتمثلة في عمليات إعادة الحساب وفتح السوق، فيما بلغت الأرباح المحولة إلى الخزينة دون اللجوء إلى التسيير الكمي 920 مليار دينار.
أويحيى رفض الحلول البديلة المقدمة من البنك المركزي
كشف التقرير، أن بنك الجزائر، اقترح العديد من الحلول البديلة في إطار المادة 53 من قانون النقد والقرض التي تنص على توظيف بعض من أمواله الخاصة بضمان من الدولة، فيما فضلت الحكومة تعديل النص بإدراج المادة 45 مكرر. وكانت النتائج على الخزينة العمومية مرضية بـ 610 مليارات دينار في عام 2016 ، 920 مليار دينار في 2017 و1000 مليار د.ج في 2018.
وتنص المادة المادة 53 “يمكن لبنك الجزائر أن يوظف أمواله الخاصة في شكل أموال غير منقولة وفقا للمادة 54 من القانون (النقد والقرض) وفي شكل سندات صادرة أو غير مكفولة من الدولة وفي شكل سندات صادرة عن هيئات مالية تخضع إلى أحكام خاصة وذلك بعد موافقة وزير المالية. ويجب ألا يتعدى إجمالي التوظيفات المنصوص عليها في الفقرتين ج ود 40 بالمئة من الأموال الخاصة للبنك إلا إذا رخص بذلك مجلس النقد والقرض”. و تنص المادة 54 على أن “بنك الجزائر يمكنه لتلبية حاجاته الخاصة أن يشتري عقارات أو يكلف من يبنيها أو يستبدلها وتخضع العمليات لرخصة من مجلس الإدارة ولا يمكن أن تتم إلا بالأموال الخاصة”.
وأضاف بنك الجزائر، أن تدخله في السوق في إطار سياسة التمويل غير التقليدي، جاءت وفق ما اقره التعديل على المادة 45 مكرر من قانون النقد والقرض، والذي حدد فترة التمويل بـ 5 سنوات، وأضاف انه أمام التغيير الحاصل، كان لزاما على بنك الجزائر مراجعة أدواته المالية للتأقلم مع الوضع المالي الجديد.
تعبئة أكثر من 6500 مليار دينار في إطار التمويل غير التقليدي
وبلغة الأرقام، كشف تقرير بنك الجزائر، أنه خلال الفترة من منتصف نوفمبر 2017 إلى منتصف جانفي 2019، بلغ إجمالي الأموال المجندة في إطار سياسية التمويل غير التقليدي 6556,2 مليار دينار، تم تخصيص مبلغ 2.470 مليار دينار لتمويل العجز في الخزينة ، للسنتين 2017 و2018 وجزئيًا، للسنة المالية 2019. وتم تخصيص غلاف مالي بقيمة 1.813 مليار دينار، لتسديد الدين العام للشركات سوناطراك و سونلغاز و سندات القرض السندي من أجل التنمية.
ووُجّهت 500 مليار دينار للصندوق الوطني للتقاعد من أجل إعادة تمويل دينها تجاه الصندوق الوطني للتأمينات الاجتماعية. وحسب نفس المصدر، فإن هذا التمويل قد سمح كذلك بتموين الصندوق الوطني للاستثمار بمبلغ 1.773.2 مليار دينار، وجهت لعمليات تمويل برامج سكنات “عدل” وعجز الصندوق الوطني للتقاعد ومشاريع مهيكلة.
وأشار بنك الجزائر في المذكرة التي تجري تقييما حول تطبيق هذا التمويل وتقدم توضيحات حول تصريف السياسة النقدية، فإن مبلغ 945.1 مليار دينار قد دخل حساب الخزينة لدى بنك الجزائر لكنه لم يُضخ بعد في الاقتصاد الوطني. وتم وضع مبلغ 656.7 مليار دينار في حساب الصندوق الوطني للاستثمار لدى الخزينة بغية استعماله وفقا للاحتياجات المؤكدة، في حين إن مبلغ 1.830 مليار دينار يعد محل تعقيم من قبل بنك الجزائر من خلال آلياته المختلفة. وقال بنك الجزائر في تقريره أنه «منذ صدور القرار تم ضخ 3.114.4 مليار دينار من مجموع 6.556.2 مليار دينار التي حشدتها الخزينة لدى بنك الجزائر في إطار تنفيذ التمويل غير التقليدي بين منتصف نوفمبر 2017 ونهاية جانفي 2019».
وأوضح بنك الجزائر، انه في 8 جانفي 2018 ، بدأت عمليات استرداد السيولة هذه المعاملات تأخذ شكل ودائع في مدة تصل إلى 7 أيام. وتم تحديد كميات الأموال التي سيتم امتصاصها بواسطة بنك الجزائر والمزاد العلني. وزاد المعدل من 4 بالمائة إلى 8 بالمائة في 15 جانفي 2018، مضيفا أن الاستخدام المناسب للتمويل غير التقليدي نتج عنه ارتفاع في سعر السوق بـ2.5 بالمائة في 7 أيام.
ع سمير