المؤسســـة العسكريــــة أصبحت ملجـــأ للشعب
lالأحزاب لا تمثل سوى 2 بالمائة من الوعاء الانتخابي
كشفت أول جلسة للنقاش حول الحراك الشعبي والمندرجة ضمن سلسلة «نقاشات كراسك» والتي كانت بعنوان «حراك 22 فبراير 2019، عناصر أولية للنقاش»، وأشرف عليها الدكتور عمار محند عامر باحث في التاريخ، أن الأحزاب السياسية بكل أطيافها حاليا لا تمثل سوى 2 بالمائة من مجموع الهيئة الناخبة أي 400 ألف منخرط في صفوفها يمكنه الإدلاء بصوته وفق ترتيبات حزبية، مقابل 23 مليون جزائري مسجل في القوائم الانتخابية، وبالتالي لا يمكنها تمثيل كل الشعب، ولا يمكنها تشكيل هيئة توافقية وغيرها من المقترحات المطروحة، كما شكل الحديث عن الدستور و دور مواده في تجاوز وضعية الانسداد، محورا مهما في نقاش الباحثين والأكاديميين الذي صب في شبه إجماع على أن خرق الدستور
كان من خلال عدم تطبيق النصوص وفق منطقها الأصلي، مما أدى للانسداد السياسي، وبالتالي العودة للمضمون الأصلي دون توبيخ أو لوم أو شيء من هذا القبيل
أثناء التطبيق، يمكنه أن يأتي بحلول دستورية.
واعتبر الدكتور بلقاسم بن زنين في مداخلته التي تمحورت حول «السياق السياسي والمؤسساتي الذي جاء في خضمه الحراك» أن مقترحي حل هيئة توافقية يطرحون رأيهم وفق توجههم، ولكن بالمقابل هناك عدة تجارب منها حتى التي شهدتها الجزائر وعدة دول عربية، وكانت فاشلة ومنها التي كانت عواقبها وخيمة مثلما أوضح، مبرزا أن الحراك الشعبي وجد نفسه اليوم أمام مؤسسات فاقدة للمصداقية وهشة وعاجزة عن الاستجابة لمطالبه، رغم أن مؤسسات الدولة هي التي من المفروض أن تنبع منها الحلول في حالة الأزمات ولكن هي أيضا وجدت نفسها في أزمة خاصة مع ممارسات «المؤسسات غير الدستورية»، ووسط هذا الوضع حسب المتدخل، فقط المؤسسة العسكرية هي التي أصبحت متواجدة في الساحة بقوة ومسيطرة على الوضع وأصبحت ملجأ للشعب، ولكن في الوقت نفسه اعتبر الدكتور بن زنين أن هذه المؤسسة لا يمكنها تسيير المرحلة الانتقالية بالنظر لضرورة التزامها بمهامها الدستورية، موضحا في هذا السياق أن المرحلة الانتقالية لا تعني 90 يوما التي يترأس فيها بن صالح الدولة وهي مرحلة النيابة الرئاسية فقط، بينما الانتقال لا يأتي في ظرف قصير بل يتطلب سنوات أقلها سنتين، يمكن خلالها إقامة مؤسسات حقيقية من شأنها تسيير شؤون المواطن ومساعدته على الانتقال الديموقراطي للمرحلة الثانية.
وأبرز المتحدث أن العدالة، اليوم، غير قادرة على معالجة ملفات الفساد المطروحة أمامها بالنظر لعدم وجود كفاءات متخصصة في هذا المجال الذي يتطلب تكوينا خاصا للقضاة ليتحكموا في الآليات القانونية والخبرات الاقتصادية العالية وغيرها.. المناسبة لمثل هذا الوضع، وبعدها يمكنهم فتح ومعالجة ملفات الفساد التي تعدّ أرقامها ضخمة وضخمة جدا، وإجراءاتها معقدة أيضا.
و اعتبر الدكتور بن زنين، أن بعض الشعارات التي ترفع في مسيرات الجمعة هي نابعة من مكبوتات وتراكمات مجتمعية، مبرزا أن الشعب هو أيضا جزء من النظام وكل سلوكاته غير القانونية مثل الرشوة وعدم احترام القانون وغيرها، كانت تغذي فساد السلطة، وقال إن أولى الدروس الممكن استخلاصها من هذا الحراك هو الإرادة الشعبية القوية في التغيير ووعيها المتحضر، وهذا ما ينعكس يوميا وخاصة يوم الجمعة بالسلوكات السلمية والشعارات التي ترفع والهتافات المرددة من طرف المتظاهرين، واصفا ما يحدث بالطابع الثوري من أجل التغيير، و أضاف أن الحراك الشعبي الجزائري أبان عن سلوكات وممارسات لم تدرس ولم تكن محور اهتمام الباحثين والجامعيين بالقدر الكافي.
من جانبه، ركز الدكتور وليد العقون من جامعة الجزائر وهو مختص في القانون، على أن الدستور يقابله واقع فرضه الشعب في الشارع، مما جعل الشعب لأول مرة في تاريخ البلاد، الفاعل الأساسي في السياسة التي كانت تختص بها فئة معينة فقط، وقال إن ممارسات بعض وجوه السلطة اليوم أفقدت مواد الدستور فعالياتها القانونية، وهذا ما أعطى الانطباع بأنه لا توجد حلول دستورية بل فقط الحلول السياسية، ومما يبعد أيضا أي مسؤولية قانونية عن كل من يمارس السلطة لعدم وجود ميكانزمات خاصة بذلك، ومن بين مظاهر عدم فعالية بعض المواد الدستورية ميدانيا، ذكر المتدخل المادة 102 التي هي مادة إجرائية جاءت لمعالجة صراع سياسي مثلما أوضح، ما ينجم عند تطبيقها وتطبيق مواد أخرى انسداد وعجز قانوني، معرجا في نفس الإطار على التذكير بالمادة 118 من الدستور التي قال إنها تحدد تركيبة ومهام الثلث الرئاسي في مجلس الأمة الذي يجب أن يكون من الشخصيات الوطنية والكفاءات بعيدا عن الانتماءات السياسية، ويكونون جدار حماية في حال الأزمات من خلال استثمار كفاءاتهم المتعددة وخبراتهم أثناء تدخلهم في الحل، ولكن وفق الدكتور العقون، التركيبة الموجودة في مجلس الأمة غير موافقة لهذه المادة وهذا ما يعكس عجزها عن التدخل وبالتالي يساهم في استمرار الانسداد، وهي أمثلة عرج عليها المتحدث خلال شرحه لأهمية المواد الدستورية والخروقات الموجودة بين نصها وتطبيقها، موضحا أنه يمكن تجاوز الانسداد بالعودة لمنطق النص الدستوري ومن خلاله التحضير للانتخابات الرئاسية من طرف هيئة يتم تنصيبها وفق النصوص والإجراءات الأصلية للدستور، معتبرا المطالبة بصياغة دستور جديد مرتبطة بعوامل أخرى، فلا يتم هذا من طرف الجزائريين وحدهم، بل ضروري أن يأخذ بعين الاعتبار المحيط الدولي، فالجزائر تربطها اتفاقيات ومواثيق صادقت عليها على مستوى الهيئات الدولية وهي ملزمة بها و بإدراج مواد دستورية تصب في إطارها.
وأفاد أن أول درس يمكن استخلاصه من المخرجات الأولية للحراك، أن المجالس المنتخبة لا يعتبرها الشعب ممثلة له بالنظر لشبهات التزوير التي أحاطت بنتائج كل المواعيد الانتخابية، و أن الدرس الثاني هو تمسك واشتراط المتظاهرين لضرورة إقامة دولة القانون بينما يتجلى الدرس الثالث وفق المتحدث في الجانب المعنوي الذي عكسته المظاهرات والمتعلق بملفات الفساد المختلفة ومنها قضية الكوكايين، داعيا لأخذ كل التعابير التي يصدرها الشعب بعين الاعتبار كي يتم الوصول لحلول مناسبة له وللبلاد.
وتناول الدكتور مبتول محمد المختص في علم الاجتماع، في مداخلته العديد من مظاهر الحراك التي تجسدت في الشوارع خلال مسيرات الجمعة، مؤكدا أن الشباب هو الذي تميز كثيرا في هذه المظاهرات خاصة بإرتفاع منسوب الوعي لديه، حيث أصبح يعرف ما هي الشعارات التي يجب كتابتها وحملها في لافتات يحضرها سواء فرديا أو جماعيا، وهذا أمر جميل، خاصة وأن العديد من هؤلاء الشباب هم مرتادو الملاعب ومناصرو أندية كرة القدم الذين نقلوا هتافاتهم وأغانيهم للشارع ولكن بشكل مهذب وسلمي، ويبدو أن هذه السلمية هي التي ساهمت أيضا في تكوينه وتحليه بأخلاقيات ربما لم يكن يمارسها من قبل، معتبرا أيضا أن منسوب الفكاهة والسخرية الترفيهية، نابع من آهات وآلام المواطن المتعددة ومكبوتاته، وأن ما يحدث في المسيرات تعبير عن تراكمات للإقصاء والتهميش والتخويف وعدة مظاهر أخرى يريد الشعب محوها من الممارسات اليومية لمرتكبيها في جميع المستويات، كما نوه المتدخل بالمشاركة المميزة أيضا للمرأة والفتيات وكل فئات المجتمع في المسيرات وإصرار المتظاهرين على الصمود ومواصلة الحراك مهما كانت الظروف لغاية تجسيد مطالبه.
بن ودان خيرة