نحتفي هذه السنة بذكرى يوم الطالب، ذلك اليوم المشهود من عام 1956، الذي آثر فيه طلبة الجامعات والثانويات مغادرة مقاعد الدراسة للالتحاق بصفوف الثورة المظفرة. ذكرى عزيزة علينا نجدد العهد بها كل عام، وهي تحملُ في ثناياها معاني التحدي والالتزام، وملامح ذكرياتٍ لا ينبغي قطُّ نسيانها.
إنها ذكرى غالية تدعونا جميعًا، شيبا وشبانا، رجالًا ونساءً، إلى تمثل معانيها ودلالاتِها، إذ تغلبت يومها مصلحة الشعب ومصيرُه على المصالح الشخصية، وتجلى نُكران الذات في أبهى صوره وأنبلها لدى الطلبة الجزائريين، وكان الجَزاءُ نصرًا من الله محققا.
إن شعبًا أنجبَ طلبةً من طِينَة جيل نوفمبر 1954،عجلوا بتحريره من رِبقَة الاستعمار ودحر أعتى آلة استدمارية في القرن العشرين، وأنْجبَ اليوم طلبةً يحمِلون همومه ويعبرون عن آماله، لهو شعبٌ لا يُقهَر ولا يَموت.
أيتها الـمواطنات الفضليات، أيها الـمواطنون الأفاضل، أبنائي وبناتي الطلبة، تعيش بلادنا مرحلة تبشر بآفاق واعدة في مستقبلٍ عنوانُه الكفاءة والاستحقاق، وسِمتُه المثابرة والعطاء للوطن، تعودُ فيه الكلمة للشعب السيد لاختيار حُكامه في ظل ضمانات حقيقية لمنافسة نزيهة وعادلة، بما يُرسي دعائم حكم راشد، ويوطد دولةَ الحق والقانون ويعزز المشاركة المجتمعية ويأخذ بيد الشعب إلى عهد جديد في مسيرته الحضارية والتنموية نحو الرقي والازدهار.
لقد كان لطلبتنا في هذه الهبة دور ريادي، فتقدموا الصفوف وطبِعوا بالنضج مسيراتهم التي عبروا من خلالها عن وعيِهم برهانات المرحلة الحساسة التي تمر بها بلادنا، وعن إدراكهم لحجم التحديات التي تنتظرهم. فمرحى لهم بهذا التميز الذي أبهروا به العالم قاطبة حتى أضحوا مثالاً يحتذى به ، وقدوة للمناضلين في كل أقطار العالم.
إن قدر الجزائر اليوم كقدرها بالأمس، "ما حل عُسرٌ بها أو ضاق متسع إلا وبيسر من الرحمن يتلوهُ"، ستنهض من كبوتها وتخرُج من مِحْنتها معافاة صلبةً بإذن الله، بفضل المخلصين من أبنائها البررة الذين تجردوا من هوى النفس وأقبلوا بعزمٍ على بناء وطنهم، لكي ينعم شعبُهم بالأمن والاستقرار وبالسكينة والازدهار.
لذا، يتحتم على كل مُخلِص غيورٍ على وطنه أن يرتقي إلى مستوى أسلافه الذين قدموا حياتهم فداءً للجزائر، وأن يكون عامل بِناء وعُنصر جمَع، فتلتقي النوايا الحسنة على مسلك يضعُ الجزائر على أعتاب مرحلة جديدة تتفرغ بعدها طاقاتُ الشعب لإعمار البلاد وتنميتها.
فعلى بناتي الطالبات وأبنائي الطلبة، وقد أدركوا تحديات الحاضر ورهانات المستقبل، أن يوجهوا جهودهم صوب تحصيل عِلْمي رصين، ويمضوا بعيدًا في رفع تحدي البحث العلمي والتطوير التكنولوجي بالمثابرة والاجتهاد، خاصة وأن عالمَنا اليوم يعيشُ تنافسًا شديدا حول مصادر المعرفة والعقول المبدعة، وتسابقًا محمومًا على امتلاك أرقى براءات الاختراع وأجود الإبداعات العِلمية.
وبما أن بلادنا تملك اليوم والحمد لله إمكانات و مقدرات لا يستهان بها في كثير من المجالات، فهي مؤهلة، إذا ما تضافرت الجهود وشمرت السواعد، لأن تكتسب أدوات معرفية وقدرات علمية كافية لخوض معركتها التنموية بجدارة واستحقاق.
وفي الختام أهنئ بناتي الطالبات وأبنائي الطلبة بهذه المناسبة، متنميا لهم كل التوفيق في مشوارهم العلمي، وأن تقر أعينُ أوليائهم بنجاحهم، وأدعو الله أن يحفظ بلدنا من كلِ مكروهٍ وأنْ يحمي شعبنا من كل سوءٍ وأن يرحم شهدائنا الأبرار وأن يُعيد علينا كل ذكرى بالخير والبركة إنه ولي ذلك وعلى كل شيء قدير.
تحيا الجزائر
والمجد والخلود لشهدائنا الأبرار".