ينتظر أن يتم اليوم النطق بالأحكام النهائية في حق المتهمين في قضية تركيب السيارات والتمويل الخفي للحملة الانتخابية، بعد التماسات وكيل الجمهورية التي تراوحت ما بين 20 سنة و7 سنوات سجنا نافذا، ليتم طي أكبر وأهم قضية فساد عالجتها العدالة، تورّط فيها وزراء ورجال أعمال، وكبدت الخزينة خسائر فادحة.
وينتظر أن ينطق رئيس الجلسة بمحكمة سيدي محمد بالعاصمة بالأحكام النهائية في حق المتورطين في قضية تركيب السيارات والتمويل الخفي للحملة الانتخابية، من بينهم الوزيرين الأولين السابقين أحمد أويحيى وعبد المالك سلال، وذلك بعد محاكمة دامت أربعة كاملة، كشفت فصولها عن حقائق صادمة وأرقام خرافية للأموال التي تم نهبها تحت ذريعة إقامة مشاريع لتركيب السيارات، ومن بين المتورطين أيضا رجال أعمال معروفين، من بينهم علي حداد ومحمد بايري وأحمد معزوز وحسان عرباوي، فضلا عن وزيري الصناعة السابقين بدة محجوب ويوسف يوسفي، فيما اتهم وزير الأشغال العمومية والنقل السابق عبد الغني زعلان بالتمويل الخفي للحملة الانتخابية للرئيس المستقيل.
وانتهت جلسات المحاكمة التي استقطبت اهتمام الرأي العام ووسائل الإعلام، في ساعة متأخرة من مساء أول أمس، بلحظات جد مؤثرة، صنعتها استجداءات وجهها المتهمون للقاضي رئيس الجلسة، من أجل العطف عليهم والحكم بالبراءة لصالحهم، بدعوى عدم ارتكابهم أي جرم يعاقب عليه القانون، علما أن القاضي منح المتهمين كلمة أخيرة قبل رفع الجلسة الأخيرة.
وتداول المتهمون على إلقاء الكلمة الأخيرة، في محاولة لدفع التهم عنهم، وأنكر جميعهم الأفعال المنسوبة إليهم متمسكين بالبراءة، وكانت كلمة الوزير الأول السابق عبد المالك سلال الأكثر تأثيرا، كيف لا وهو الذي كان الآمر الناهي بحكم منصبه السابق، والمعروف ببشاشته وروحه المرحة، وهو يذرف دموعا تأسفا للوضع الذي آل إليه، مؤكدا بنبرة حزينة براءته، وتفانيه في خدمة البلاد، قائلا إنه لم يكن يوما فاسدا، وكان دائما إلى جنب البسطاء، ولن يخون أبدا رسالة الشهداء.
واكتفى أحمد أويحيى بالقول إنه بريء، دون أن يضيف أي كلمة أخرى ليجلس في مكانه، كما تمسك وزير الصناعة السابق يوسف يوسفي بالبراءة قائلا للقاضي، إنه خدم البلاد طوال حياته بنزاهة وإخلاص، وأكد بدة محجوب الذي تولى نفس الحقيبة في عهد الرئيس السابق براءته، نافيا التوقيع على أي وثيقة، وأنه راح ضحية مسؤولين وثق فيهم بحكم قلة تجربته في القطاع.
وأصر عبد الغني زعلان المتهم بالتمويل الخفي للحملة أيضا على براءته، نافيا مشاركته في ذلك، قائلا إنه استلم مديرية الحملة لأسبوع واحد فقط دون أن يمسك سنتيما واحدا، وكانت والي بومرداس السابقة أيضا متمسكة ببراءتها، إلى جانب رجال الأعمال المتورطين، وهم بايري ومعزوز عرباوي وعلي حداد الذين استجدوا بدورهم القاضي وطالبوا بأن يسقط عليهم حكم البراءة.
وجاءت كلمة المتهمين بعد التماسات وكيل الجمهورية التي سلطت أقصى العقوبات على أويحيى وسلال وبوشوارب الفار من العدالة، بالسجن النافذ لـ 20 سنة، وتراوحت باقي الأحكام ما بين 15 سنة و7 سنوات سجنا نافذا، إلى جانب الغرامة المالية التي سلطت على كافة المتهمين.
وستشدّ الأنظار اليوم أيضا إلى محكمة سيدي أمحمد لسماع الحكم النهائي ضد المتهمين في قضية تركيب السيارات والتمويل الخفي للحملة الانتخابية، وهو ملف تم إثارته خلال شهر ماي المنصرم، كشف مجريات التحقيق في خباياه وتفاصيله عن الأموال الطائلة التي ضخت للحملة الانتخابية للرئيس السابق، وامتيازات عديدة وغير مبررة استفادت منها قلة قليلة من رجال الأعمال.
ومن ضمن المبالغ الخيالية التي صدمت الجزائريين، 39 مليار سنتيم التي منحها رجال الأعمال أحمد معزوز للحملة الانتخابية للرئيس المستقيل، وحيازته على حساب بنكي يضم 493 مليار سنتيم باسمه، كما أثار الذهول المبلغ الذي فاق 700 مليار سنتيم، تم تكليف رجل الأعمال علي حداد من قبل شقيق الرئيس باسترجاعه من مديرية الحملة الانتخابية بحيدرة بالعاصمة، إلى جانب تبديد مبلغ 11 ألف مليار سنتيم في قضية تركيب السيارات، وحيازة أويحيى على حساب بنكي يضم 30 مليار سنتيم.
وصنعت هذه المبالغ الخرافية الحدث وسط الرأي العام، وتم تداولها على نطاق واسع عبر شبكات التواصل الاجتماعي، و أصبحت محل تنكيت من قبل عامة المواطنين، نظرا للصدمة التي سببتها التفاصيل المثيرة لمجريات المحاكمة، التي ينتظر أن تنتهي فصولها اليوم، في انتظار فتح ملفات أخرى لا تقل ثقلا وأهمية، وسط ارتياح لدى الرأي العام لمحاسبة مسؤولين سامين ووزراء تورطوا في الفساد، وإخضاعهم لأقصى العقوبات، في خطوة للتأسيس لمرحلة جديدة ركيزتها محاربة الفساد بكافة أشكاله.
لطيفة بلحاج